عرض مشاركة واحدة
قديم 02-15-2016   #10


الصورة الرمزية صَفاء
صَفاء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2034
 تاريخ التسجيل :  Jan 2016
 أخر زيارة : 04-11-2022 (10:05 AM)
 المشاركات : 37,725 [ + ]
 التقييم :  2725408
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Gainsboro
شكراً: 120
تم شكره 320 مرة في 227 مشاركة
افتراضي



السيرة الذاتية لأحلام مستغانمي بقلم شقيقها مراد​​ مستغانمي

أحلام مستغانمي كاتبة تخفي خلف روايتها أبًا لطالما طبع​​ حياتها بشخصيته الفذّة وتاريخه

النضاليّ. لن نذهب إلى القول بأنّها أخذت عنه محاور​​ رواياتها اقتباسًا. ولكن ما من شك في أنّ مسيرة حياته التي تحكي تاريخ الجزائر وجدت​​ صدى واسعًا عبر مؤلِّفاتها​​.

كان​​ والدها​​ "محمد الشريف​​" من هواة الأدب الفرنسي. وقارئًا ذا​​ ميول كلاسيكيّ لأمثال​​ Victor Hugo, Voltaire, Jean Jaques Rousseau,

يستشف​​ ذلك كلّ من يجالسه لأوّل مرّة. كما كانت له القدرة على سرد الكثير من القصص عن​​ مدينته الأصليّة مسقط رأسه​​ "قسنطينة​​" مع إدماج عنصر​​ الوطنيّة وتاريخ الجزائر في كلّ حوار يخوضه. وذلك بفصاحة فرنسيّة وخطابة​​ نادرة.​



وبعد أن أطلق سراحه سنة​​ 1947 كان قد فقد عمله بالبلديّة, ومع ذلك فإنّه يعتبر​​ محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك (45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات​​) وأصبح ملاحقًا من قبل الشرطة الفرنسيّة, بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب​​ الجزائري. الذي أدّى إلى ولادة ما هو أكثر أهميّة, ويحسب له المستعمر الفرنسي ألف​​ حساب: حزب جبهة التحرير الوطني​​ FLN.



وأمّا​​ عن الجدّة فاطمة الزهراء, فقد كانت أكثر ما تخشاه, هو فقدان آخر أبنائها بعد أن​​ ثكلت كل إخوته, أثناء مظاهرات 1945 في مدينة قالمة​​.



هذه المأساة, لم تكن مصيراً لأسرة المستغانمي فقط​​. بل لكلّ الجزائر من خلال ملايين العائلات التي وجدت نفسها ممزّقة تحت وطأة الدمار​​ الذي خلّفه الإستعمار​​.

بعد أشهر قليلة, يتوّجه محمد الشريف مع أمّه​​ وزوجته وأحزانه إلى تونس كما لو أنّ روحه سحبت منه. فقد ودّع مدينة قسنطينة أرض​​ آبائه وأجداده​​.



كانت​​ تونس فيما مضى مقرًّا لبعض الرِفاق الأمير عبد القادر والمقراني بعد نفيهما. ويجد​​ محمد الشريف نفسه محاطاً بجوٍّ ساخن لا يخلو من النضال, والجهاد في حزبي​​ MTLD و​​ PPA بطريقة تختلف عن نضاله السابق ولكن لا تقلّ أهميّة عن الذين يخوضون​​ المعارك​​.

في هذه الظروف التي​​ كانت تحمل مخاض الثورة​​, وإرهاصاتها الأولى تولد أحلام في تونس​​.

ولكي تعيش أسرته, يضطر الوالد للعمل كمدرّس للّغة​​ الفرنسيّة. لأنّه لا يملك تأهيلاً غير تلك اللّغة, لذلك, سوف يبذل الأب كلّ ما​​ بوسعه بعد ذلك, لتتعلَّم ابنته اللغة العربيّة التي مُنع هو من تعلمها. وبالإضافة​​ إلى عمله, ناضل محمد الشريف في حزب الدستور التونسي (منزل تميم) محافظًا بذلك على​​ نشاطه النضالي المغاربيّ ضد الإستعمار​​.



وعندما​​ اندلعت الثورة الجزائريّة في أوّل نوفمبر 1954 شارك أبناء إخوته عزّ الدين وبديعة​​ اللذان كانا يقيمان تحت كنفه منذ قتل والدهما, شاركا في مظاهرات طلاّبيّة تضامنًا​​ مع المجاهدين قبل أن يلتحقا فيما بعد سنة 1955 بالأوراس الجزائريّة. وتصبح بديعة​​ الحاصلة لتوّها على الباكالوريا, من أولى الفتيات الجزائريات اللاتي استبدلن​​ بالجامعة الرشّاش, وانخرطن في الكفاح المسلَّح​​.



ما زلت لحدّ الآن, صور بديعة تظهر في الأفلام​​ الوثائقية عن الثورة الجزائرية. حيث تبدو بالزي العسكري رفقة المجاهدين. وما زالت​​ بعض آثار تلك الأحداث في ذاكرة أحلام الطفوليّة. حيث كان منزل أبيها مركزاً يلتقي​​ فيه المجاهدون الذين سيلتحقون بالجبال, أو العائدين للمعالجة في تونس من​​ الإصابات​​.

بعد الإستقلال, عاد جميع أفراد الأسرة إلى الوطن​​. واستقرّ الأب في العاصمة حيث كان يشغل منصب مستشار تقنيّ لدى رئاسة الجمهوريّة, ثم​​ مديراً في وزارة الفلاحة, وأوّل مسؤول عن إدارة وتوزيع الأملاك الشاغرة, والمزارع​​ والأراضي الفلاحيّة التي تركها المعمّرون الفرنسيون بعد مغادرتهم الجزائر. إضافة​​ إلى نشاطه الدائم في اتحاد العمال الجزائريّين, الذي كان أحد ممثليه أثناء حرب​​ التحرير​​.



غير أن حماسه لبناء الجزائر المستقلّة لتوّها​​, جعله يتطوّع في كل مشروع يساعد في الإسراع في إعمارها. وهكذا إضافة إلى المهمّات​​ التي كان يقوم بها داخليًّا لتفقّد أوضاع الفلاّحين, تطوَّع لإعداد برنامج إذاعي​​ (باللّغة الفرنسيّة) لشرح خطة التسيير الذاتي الفلاحي. ثمّ ساهم في حملة محو​​ الأميّة التي دعا إليها الرئيس أحمد بن بلّة بإشرافه على إعداد كتب لهذه​​ الغاية​​.



وهكذا نشأت ابنته الكبرى في محيط عائلي يلعب الأب​​ فيه دورًا أساسيًّا. وكانت مقرّبة كثيرًا من أبيها وخالها عزّ الدين الضابط في جيش​​ التحرير الذي كان كأخيها الأكبر. عبر هاتين الشخصيتين, عاشت كلّ المؤثّرات التي​​ تطرأ على الساحة السياسيّة. و التي كشفت لها عن بعد أعمق, للجرح الجزائري (التصحيح​​ الثوري للعقيد هواري بومدين, ومحاولة الانقلاب للعقيد الطاهر زبيري), عاشت الأزمة​​ الجزائرية يومًّا بيوم من خلال مشاركة أبيها في حياته العمليّة, وحواراته الدائمة​​ معها​​.



لم تكن​​ أحلام غريبة عن ماضي الجزائر, ولا عن الحاضر الذي يعيشه الوطن. مما جعل كلّ​​ مؤلفاتها تحمل شيئًا عن والدها, وإن لم يأتِ ذكره صراحة. فقد ترك بصماته عليها إلى​​ الأبد. بدءًا من اختياره العربيّة لغة لها. لتثأر له بها. فحال إستقلال الجزائر​​ ستكون أحلام مع أوّل فوج للبنات يتابع تعليمه في مدرسة الثعالبيّة, أولى مدرسة​​ معرّبة للبنات في العاصمة. وتنتقل منها إلى ثانوية عائشة أم المؤمنين. لتتخرّج سنة​​ 1971 من كليّة الآداب في الجزائر ضمن أوّل دفعة معرّبة​​ تتخرّج بعد الإستقلال من جامعات الجزائر​​.

لكن قبل​​ ذلك, سنة​​ 1967, وإثر إنقلاب بومدين واعتقال الرئيس أحمد بن​​ بلّة. يقع الأب مريضًا نتيجة للخلافات "القبليّة" والانقلابات السياسيّة التي أصبح​​ فيها رفاق الأمس ألدّ الأعداء​​.

هذه الأزمة النفسيّة, أو الانهيار العصبيّ الذي​​ أصابه, جعله يفقد صوابه في بعض الأحيان. خاصة بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال, مما أدّى​​ إلى الإقامة من حين لآخر في مصحّ عقليّ تابع للجيش الوطني​​ الشعبيّ​​.

كانت أحلام آنذاك في سن المراهقة, طالبة في ثانوية​​ عائشة بالعاصمة. وبما أنّها كانت أكبر إخواتها الأربعة, كان عليها هي أن تزور​​ والدها في المستشفى المذكور, والواقع في حيّ باب الواد, ثلاث مرّات على الأقلّ كلّ​​ أسبوع. كان مرض أبيها مرض الجزائر. هكذا كانت تراه​​ وتعيشه​​.



قبل أن​​ تبلغ أحلام الثامنة عشرة عاماً. وأثناء إعدادها لشهادة الباكلوريا, كان عليها ان​​ تعمل لتساهم في إعالة إخوتها وعائلة تركها الوالد دون مورد. ولذا خلال ثلاث سنوات​​ كانت أحلام تعدّ وتقدّم برنامجًا يوميًا في الإذاعة الجزائريّة يبثّ في ساعة​​ متأخرّة من المساء تحت عنوان​​ "همسات​​". وقد لاقت تلك​​ "الوشوشات" الشعريّة نجاحًا كبيرًا تجاوز الحدود الجزائرية الى دول المغرب العربي​​. وساهمت في ميلاد إسم أحلام مستغانمي الشعريّ, الذي وجد له سندًا في صوتها الأذاعيّ​​ المميّز وفي مقالات وقصائد كانت تنشرها أحلام في الصحافة الجزائرية. وديوان أوّل​​ أصدرته سنة​​ 1971 في الجزائر تحت عنوان "على مرفأ​​ الأيام​​".

في هذا الوقت لم يكن أبوها حاضراً ليشهد ما حقّفته​​ ابنته. بل كان يتواجد في المستشفى لفترات طويلة, بعد أن ساءت​​ حالته​​.

هذا الوضع سبّب لأحلام معاناة كبيرة. فقد كانت كلّ​​ نجاحاتها من أجل إسعاده هو, برغم علمها أنّه لن يتمكن يومًا من قراءتها لعدم إتقانه​​ القراءة بالعربية​​.



وكانت فاجعة الأب الثانية, عندما انفصلت عنه أحلام​​ وذهبت لتقيم في باريس حيث تزوّجت من صحفي لبناني ممن يكنّون ودًّا كبيرًا​​ للجزائريين. وابتعدت عن الحياة الثقافية لبضع سنوات كي تكرِّس حياتها لأسرتها. قبل​​ أن تعود في بداية الثمانينات لتتعاطى مع الأدب العربيّ من جديد. أوّلاً بتحضير​​ شهادة دكتوراه في جامعة السوربون. ثمّ مشاركتها في الكتابة في مجلّة "الحوار" التي​​ كان يصدرها زوجها من باريس, ومجلة "التضامن" التي كانت تصدر من​​ لندن​​.



أثناء ذلك وجد الأب نفسه في مواجهة المرض​​ والشيخوخة والوحدة. وراح يتواصل معها بالكتابة إليها في كلّ مناسبة وطنية عن ذاكرته​​ النضاليّة وذلك الزمن الجميل الذي عاشه مع الرفاق في​​ قسنطينة​​.

ثمّ ذات يوم توّقفت تلك الرسائل الطويلة المكتوبة​​ دائمًا بخط أنيق وتعابير منتقاة. كان ذلك الأب الذي لا يفوّت مناسبة, مشغولاً​​ بانتقاء تاريخ موته, كما لو كان يختار عنوانًا​​ لقصائده​​.



في ليلة​​ أوّل نوفمبر​​ 1992, التاريخ المصادف لاندلاع الثورة​​ الجزائريّة, كان محمد الشريف يوارى التراب في مقبرة العلياء, غير بعيد عن قبور​​ رفاقه. كما لو كان يعود إلى الجزائر مع شهدائها. بتوقيت الرصاصة الأولى. فقد كان​​ أحد ضحاياها وشهدائها الأحياء. وكان جثمانه يغادر مصادفة المستشفى العسكري على وقع​​ النشيد الوطنيّ الذي كان يعزف لرفع العلم بمناسبة أوّل​​ نوفمبر​​.

ومصادفة أيضًا, كانت السيارات العسكريّة تنقل نحو​​ المستشفى الجثث المشوّهة لعدّة جنود قد تمّ التنكيل بهم على يد من لم يكن بعد​​ معترفًا بوجودهم كجبهة إسلاميّة مسلّحة​​.

لقد أغمض عينيه قبل ذلك بقليل, متوجّسًا الفاجعة​​. ذلك الرجل الذي أدهش مرة إحدى الصحافيّات عندما سألته عن سيرته النضاليّة, فأجابها​​ مستخفًّا بعمر قضاه بين المعتقلات والمصحّات والمنافي, قائلاً: "إن كنت جئت إلى​​ العالم فقط لأنجب أحلام. فهذا يكفيني فخرًا. إنّها أهمّ إنجازاتي. أريد أن يقال​​ إنني "أبو أحلام" أن أنسب إليها.. كما تنسب هي​​ لي​​".



كان يدري وهو الشاعر, أنّ الكلمة هي الأبقى. وهي​​ الأرفع. ولذا حمَّل ابنته إرثًا نضاليًا لا نجاة منه. بحكم الظروف التاريخيّة​​ لميلاد قلمها, الذي جاء منغمسًا في القضايا الوطنيّة والقوميّة التي نذرت لها أحلام​​ أدبها. وفاءًا لقارىء لن يقرأها يومًا.. ولم تكتب أحلام سواه. عساها بأدبها تردّ​​ عنه بعض ما ألحق الوطن من أذى بأحلامه​​.

مراد مستغانمي شقيق​​ الكاتبة




 
 توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) !

هدوئي هو سر أَناقتي

تصاميمي بوهج الذكرى..ذكرى خالدة


رد مع اقتباس