عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2011   #5


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



جلست مع أمي وأبي نتناول الطعام، وأنا أكلمهم عن المدينة، وماذا حصل معي
وكيف جاءني أيمن في الليل، ولكني لم أفتح موضوع السفر مباشرة،
انتظرت حتى جاءت أمي بالشاي المغلى على نار الموقد.
كنت كلما حاولت أن أفتح موضوع السفر تصيبني غصة في حلقي، تمنعني من النطق
لأني أعرف أمي جيداً، وأعرف بأنها لن تتقبل هذا الموضوع، فهي وبصعوبة بالغة
وافقت على سفري إلى المدينة، فكيف توافق بأن أسافر إلى مكان بعيد
مثل أوروبا، فحاولت أن أدخل الموضوع بشكل تدريجي، أخبرتها بأن أيمن عرض عليَ
السفر معه، وأنا بحاجة أن أجمع المال لأشتري بيتا في المدينة، ولكن ما أن بدأت
بالكلام حتى بدأت تذرف الدموع التي كانت تحرق قلبي، ورددت نفس العبارات التي
كانت تنصحني بها في الماضي، أن أبقى في القرية، وأعمل مع أبي في زراعة الأرض.
كان أبي يجلس في زاويته المعهودة في طرف الغرفة، وهو يحرك مفتاح المذياع بحثاً
عن محطات إذاعية، ولم يكن ينبس بكلمة، ولكني كنت أعلم أنه كان يتابعنا بكل كلمة
نقولها، نظرَ إليَ بعينين واثقتين وقال: اذهب يا بني وسافر أينما تريدلا تبقى كما
بقيت أنا ولم أفعل شيئا في حياتي سوى زراعة الأرض!
كانت أمي تشد الحبل وأبي يرخيه وطال النقاش حتى قاربت الساعة من السادسة مساءً
وكان موعد الطائرة في الساعة الثانية عشرة ليلا، وأخيراً وبمساعدة أبي الذي ساندني
اقتنعت أمي، بشرط أن أعود بعد ثلاثة شهور.
جهزت لي أمي بعض الأشياء كي آخذها معي، وأكثرها كان من الطعام الذي لا يفسد
كالشنكليش، المكدوس، الزعتر، وخبز التنور الذي تصنعه في تنور
البيت، فيخرج محمراً برائحة الخبز الحقيقي الذي يسيل اللعاب لرؤياه.
أخرج أبي بعض النقود التي كان يدخرها إلى يوم أسود، وطلب مني أن أضعها
في جيبي، ولكني رفضت بشدة، وأصرَ أن آخذها منه، وبصعوبة بالغة أقنعته أني
لست بحاجة، وأن أيمن سوف يدفع كل المصاريف، مع أن جيبي لم يعرف شكل المال منذ وقت طويل.
خرجنا إلى ساحة المنزل، وقد حثثت أمي على الإسراع لكي ألحق بالحافلة الأخيرة
التي تغادر القرية إلى المدينة. حانت لحظة الوداع التي أكرهها كثيرا،وهي
بالنسبة لي أصعب من السفر بكثير، دموع، فراق، ألم، وحرقة في القلب.
عانقت أمي لأودعها، وقد أخفت دموعها للحظات ريثما أغادر المنزل مع أبي الذي
سوف يودعني عندما أركب الحافلة، وعندما اقتربت من باب التوتة، بدأ أزيز
الرصاص في الخارج، وكأن معركة قد اشتعلت، فحاولت الخروج لأرى ماذا يحدث، ولكن
أمي منعتني، وأدخلتني إلى الغرفة مع أبي.
لم يدم إطلاق الرصاص طويلاً، فسرعان ما سمع صوت سيارات الشرطة قادمة من بعيد
مما شجع أمي أن تدعنا نخرج، ونتجه إلى ساحة القرية لنرى ماذا حدث.
علمنا من أحد الجيران أن أهل القتيل قاموا بإطلاق الرصاص على أقرباء
أيمن، وعندما سمعوا صوت سيارات الشرطة لاذوا بالفرار.
عدنا إلى البيت، ومرة ثانية، ودعت أمي واتجهنا إلى الحافلة مسرعين، ولكن هذه
المرة كانت الحافلة قد غادرت، وتركتني أبحث عن البديل.
لم يكن أمامي سوى عربة أبي التي يجرها البغل لكي توصلني إلى الطريق الذي
تمر منه السيارات المتجهة إلى المدينة، وكان يبعد عن القرية بضع كيلومترات.
أخرج أبي البغل من الإسطبل، وثبته أمام العربة، ثم انطلقنا عبر الأراضي الزراعية مختصرين الطريق.
كانت الساعة قد قاربت على التاسعة مساءً، والظلام قد أسدل بستاره على الأجواء.





 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس