عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2013   #9


الصورة الرمزية بسمة روح
بسمة روح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 234
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 09-13-2014 (01:00 PM)
 المشاركات : 12,175 [ + ]
 التقييم :  53790370
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي



المقصد الرابع: الدعاء: تعظيم وتضرع، ثناء وسؤال

من أهم مقاصد الصلاة الدعاء ، بل الصلاة هي الدعاء، هذا معناها في اللغة وهو معناها في الاصطلاح.
الصلاة وهي الدعاء، نصفان:
الأول: تعظيم الله وتقديسه وتمجيده، والتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
الثاني: الانكسار والخشوع والخضوع والذل والفقر،والسؤال .
سئل الإمام أحمد عن سر وضع اليدين على الصدر حين القيام في الصلاة فقال: ذل بين يدي عزيز ، وقال ابن حجر: قال العلماء : الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع (فتح الباري 2/224 ) هذا ما يجب أن تستشعره حين تقوم في الصلاة، أنك سائل ذليل بين يدي العزيز الجبار الواحد القهار، تذكر من أنت أيها العبد وبين يدي من تقف يظهر لك حقيقة موقفك.
كان الصالحون حين يريدون الدخول في الصلاة يشعرون بالخشية والهيبة والوجل لأنهم يعلمون ما معنى الصلاة ، وبين يدي من سيقفون ومن يناجون ويخاطبون.
قال مجاهد رحمه الله: كانوا إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشأن الدنيا إلا ناسيا ما دام في صلاته (تعظيم قدر الصلاة 1/188)

الخشوع والانكسار بين يدي الله تعالى؛ أمر عظيم شأنه ،سريع فقده ،نادر وجوده قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعا( الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس) ، وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل ، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه (أبو داود عن عبادة بن الصامت وهو في صحيح الجامع) .

الغالب على الإنسان نسيان فقره وذله وعبوديته لله ، ونسيان كبرياء الله وعظمته وملكوته وجبروته، لذلك يغلب على كثير من الناس الاستكبار عن عبودية الله، ومن أجل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالشدائد ليس إهانة ولا تعذيبا ، بل رحمة بهم لكي يعرفوا حقيقة فقرهم وفاقتهم ، فيخشعوا ويذلوا ويخضعوا ويستكينوا لله رب العالمين ، يقول الله تبارك وتعالى :"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(42)فَلَوْلَا إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشِّيْطِانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(43)"
الأنعام: ٤٢ - ٤٣ ، والعبد الموفق هو من يفقه هذا الدرس ويفهم سر الابتلاء ويعلم ما يريده الله من عباده، إنه يريد منهم أمرا واحدا أن يفروا إليه ويلجأوا إليه سبحانه ويقفوا بين يديه الساعات الطوال متضرعين مخبتين متذللين، هذا حق العبودية لله سبحانه وتعالى على خلقه .
إن كثيرا من الخلق يستكبر عن هذه العبودية ويتأخر عنها إلى أن يصل إلى طريق مسدود ويشرف على الهلاك هناك يتذكر أنه عبد ضعيف فقير فيلجأ إلى الله تعالى ، الذي بيده القوة ، بيده الخلق والأمر فيخلص له العبودية، وليت هذا اليقين والتوحيد يدوم بل إنه مؤقت يزول بزوال المؤثر فما إن يزول حتى يعود إلى شركه مرة أخرى"فَإذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ"العنكبوت: ٦٥، "وَإذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ ثُمَّ إذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لَلهِ أَنْدَلدًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" الزمر: ٨
إن الإنسان مادام في عافية وأمن ورخاء فإنه ينسى فقره وشدة حاجته إلى ربه، ولو تفكر في حاله لعلم أنه لا شيء، وأنه في أي لحظة يمكن أن تنقلب حاله فعندها يدرك أنه عبد ضعيف عاجز، فقير إلى عون ربه ، محتاج إلى عفوه ورحمته.
وقد أكد الله هذا المعنى في القرآن كثيرا، من ذلك قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ"فاطر: ٣،"أَمَّنْ هَذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِى عُتُوٍّ وَنُفُورٍ"الملك: ٢١ ،"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ"الملك: ٣٠،"أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ(63)ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(64)لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ" الواقعة: ٦٣ - ٦٥ ،"أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ(68)ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ(69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ" الواقعة: ٦٨ - ٧٠ ، "أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا" الإسراء: ٦٨، "أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ(97)أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أنْ يَأْاِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98)أَفأََمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" الأعراف: ٩٧ - ٩٩ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (مسلم عن أبي ذر) .
إن الله عز وجل يريد من عباده أن يعرفوا حقيقة فقرهم ، وأن يقوموا بواجب العبودية له سبحانه ، فيحصل منهم الخضوع والاستكانة والتضرع إليه سبحانه ، وأعظم ما يكون هذا الخشوع وتلك الاستكانة في الصلاة ، لذلك كانت الصلاة هي مفزع الحبيب صلى الله عليه وسلم حين الشدائد في الكسوف والخسوف وفي القحط والجدب وفي كل غزواته، وفي جميع المواقف الصعبة .
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالات يفزع إلى الصلاة وليست أي صلاة بل إنها صلاة من نوع خاص لا يطيقها إلا الأقوياء ممن تربى على الصلاة تربية عميقة طويلة وجاهد في الله حق جهاده ، أما من لم يكن كذلك فإنه لا يطيق هذا العلاج ولا يمكنه أن يستفيد منه لا في الشدة ولا في الرخاء .
الصلاة كلها دعاء وتضرع من فاتحتها إلى خاتمتها ويختص السجود لأنه غاية الذل والخشوع؛ بإفضاء العبد بحاجاته إلى ربه وهذا بعد أن يمر بمراحل سابقة فيها تعظيم لله عز وجل واعتراف بحقه يبدأ بدعاء الاستفتاح ثم ما تضمنته الفاتحة من المعاني العظيمة ثم ما يقرؤه من القرآن ثم التسبيح في الركوع ثم الحمد في الاعتدال ثم استفتاح السجود أيضا بتعظيم الله وبعدها ترفع الحجب وتفتح الأبواب فيفضي العبد بما في صدره وما يريده من ربه فعندها يستجاب الدعاء ويسمع النداء، ويكشف الكرب ، ويزول البلاء.




 
 توقيع :


رد مع اقتباس