عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2013   #7


الصورة الرمزية بسمة روح
بسمة روح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 234
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 09-13-2014 (01:00 PM)
 المشاركات : 12,175 [ + ]
 التقييم :  53790370
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي





المقصد الثاني: الدخول على الله ومناجاته

الصلاة دخول على الله تعالى ووقوف بين يديه لا يشبهها أي عمل من الأعمال في هذا المعنى ، الصلاة حال مميزة وفريدة من بين أحوال العبد كلها في هذه الحياة الدنيا ، الصلاة وضع خاص شرعه الله لعباده لمن أراد الدخول عليه والوقوف بين يديه .
تذكر أنك حين تدخل في الصلاة حين تكبر تكبيرة الإحرام أنك انتقلت من حال إلى حال ، ومن عالم إلى عالم ، ومن مكان إلى مكان، تذكر هذا بيقين وتأكد أنه كذلك.
فالأحاديث صحيحة لا ريب في صحتها، ومعناها قطعي لا مجال في تأويله أو صرفه عن ظاهره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة (البخاري عن أنس)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله قبل وجهه (البخاري عن ابن عمر)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه (أبو داود والنسائي عن أبي ذر) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ( الترمذي وصححه عن الحارث الأشعري)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه (الحاكم عن أبي هريرة وهو في صحيح الجامع) وحديث (قسمت الصلاة) وهو في صحيح مسلم دليل واضح على المناجاة بين العبد وربه في الصلاة.
وعن عبد الله بن المبارك ، قال : سألت سفيان الثوري قلت : الرجل إذا قام إلى الصلاة ، أي شيء ينوي بقراءته وصلاته ؟ قال : ينوي أنه يناجي ربه (تعظيم قدر الصلاة: 1/183) .
وعن عباد بن كثير ، قال : للمصلي ثلاث : تحف به الملائكة من قدميه إلى عنان السماء ، ويتناثر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه ، وينادي مناد : لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل (تعظيم قدر الصلاة: 1/183) .
فينبغي إجلال هذه المخاطبة وتقديرها حقّ قدرها ،إنك متى استشعرت هذا المعنى فستدرك معنى الصلاة وعظيم شأنها ،أما من يغيب هذا المعنى عن قلبه ويسهو عنه فإنه لا يعرف قيمة الصلاة ولا يحس بعظمتها، ولا يدرك لذتها.
و لو لم يكن في الصلاة إلا هذه لكفى بها حافزا لهذا الإنسان الضعيف العاجز الفقير أن يفزع إلى الصلاة وأن يجود بالنفس والوقت عليها، قال بكر بن عبد الله المزني : من مثلك يا ابن آدم ؟ إذا شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن دخلت، قيل له : وكيف ذلك؟ قال: تسبغ الوضوء وتدخل محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك تكلمه بلا ترجمان. (المتجر الرابح:32)
والواقع أن لذة المناجاة التي يجدها المصلي واحدة من ثمار ومنافع الصلاة في الدنيا قبل الآخرة، وإن كانت ليست كل المقصود من الصلاة.
وهذه اللذة والسعادة التي يجدها المصلي عظيمة وثمينة وغالية فكم بحث الناس عنها في المشرق والمغرب وبذلوا في تحصيلها الأموال الطائلة، وأمضوا الأوقات الطويلة رغبة في بلوغها وهي أقرب إليهم من حبل الوريد، إنها الصلاة، لكن ليس أي صلاة ، بل الصلاة بمناجاة.
لقد قال قائل أولئك القوم - ممن وجد حلاوة الصلاة ، وذاق لذة المناجاة -: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه فإنهم في عيش طيب ، وقال آخر : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، وقال بعضهم: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ،قيل لأحد الصالحين : ما بقي مما يتلذذ به؟، فقال: سرداب أخلو بربي فيه ، وقال آخر:ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يا بلال أرحنا بالصلاة (أحمد وأبو داود)، وقال صلى الله عليه وسلم : جعلت قرة عيني في الصلاة (أحمد والنسائي عن أنس)
هذه اللذة التي شمر إليها المشمرون واجتهد في تحصيلها المجتهدون، وخسر في الحصول عليها المغبون.
حين يتفرغ المؤمن للقرآن والصلاة يجد من الفتح والفهم والفقه مالم يجده دون ذلك، وهذه الفتوحات تورث لذة الإيمان وحلاوة المناجاة، والتجارب والشواهد في هذا كثيرة ومما سجله لنا التاريخ تجربة شيخ الإسلام ابن تيمية حين حبس في قلعة دمشق يحكيها لنا ابن رجب فيقول: "وبقي مدة في القلعة يكتب العلم ويصنفه، ويرسل إلى أصحابه الرسائل، ويذكر ما فتح الله به عليه في هذه المرة من العلوم العظيمة، والأحوال الجسيمة. وقال: قد فتح الله علي في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كان كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن، ثم إنه منع من الكتابة، ولم يترك عنده دواة ولا قلم ولا ورق، فأقبل على التلاوة والتهجد والمناجاة والذكر" ،قال شيخنا أبو عبد اللّه بن القيم: سمعت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، ونور ضريحه، يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"اهـ إنها جنة الصلاة .
فلماذا لا نحبس أنفسنا مع القرآن والصلاة لنرى هذه المشاهد ونبصر تلك الحقائق ونصل إلى تلك الأحوال التي نسمع بها ولا نراها، لست أدعو إلى العزلة التامة عن الناس ، بل المقصود أن يكون زمام أنفسنا بأيدينا لا بيد غيرنا، وأن نعطي القرآن والصلاة من الوقت والحياة ما يوصلنا إلى هذه الجنان التي أخبر عنها أهل التجربة.






 
 توقيع :


رد مع اقتباس