" قال الله عزوجل: سبقت رحمتي غضبي ".
وعن رحمة الله بعباده قوله صلى الله عليه وسلم
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن لله عزوجل مائة رحمة، فمنها رحمة
بها يتراحم الخلق، وتسعة وتسعون
ليوم القيامة ."
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله
عزوجل للمؤمنين يوم القيامة،
وما أول ما يقولون له إن الله عزوجل
يقول للمؤمنين:
هل احببتم لقائي ؟ فيقولون: نعم يارب، فيقول:
لم ؟ فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك،
فيقول عزوجل: قد وجبت لكم مغفرتي"
. عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة
ما طمع في جنته احد، ولو يعلم الكافر
ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته احد " رواه مسلم
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم
بسبي وإذا إمرأة من السبي قد تحلب ثديها ،
تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته
ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم:
" أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ ؟،
قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى أنْ لا تَطْرَحَهُ،،
فَقَالَ: لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا." صحيح البخاري
. عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل على شاب وهو في الموت، فقيل :
" كيف تجدك ؟ قال:
ارجو الله يارسول الله وأخاف ذنوبي،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ
إلَّا أعطاه اللهُ ما يرجوه وأمَّنه ممَّا يخافُ" سبل السلام إسناده جيد
. عن أبي ذر، رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما يروي عن ربه عزوجل، قال:
" ابن آدم أنك ما دعوتني ورجوتني
غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي،
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك،
يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا
ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك
بقرابها مغفرة". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
وهذه الرحمة إخوتنا المؤمنون
تتطلب من المؤمن الحق أن يعلم أن الله غفور رحيم
فما على المؤمن إلا العمل بمقتضى ذلك
من عبادات وأعمال صالحة ويتوكل على الله في ذلك
ويختم كل شيء بحُسن الظن بالله ...
وعدم القنوط واليأس فرحمة الله وسعت كل شيء
من أقوال الصحابة عن حسن ظن العبد بربه:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" لا يحل لامرىء مسلم يسمع من
أخيه كلمة يظن بها سوءاً وهو يجد لها
في شيء من الخير مخرجاً. " وقال أيضاً:
" لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه ". الآداب الشرعية لابن مفلح
" قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
" لله درُّ ابن عباس إنه لينظر إلى
الغيب عن ستر رقيق. "
وقال ايضا : " من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعنَّ فيه مقالات الرِّجال، ومن حَسُنت علانيته فنحن لسريرته أرجى " ذكره ابن بطال في شرح صحيح البخاري
قال ابن عباس رضي الله عنه:
"الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها
كلها سوء الظن بالله عز وجل. "
وكيف نُحسن الظن بالله تعالى
وهنا في هذا الموضع نقف إخوتنا الكرام
على الكيفية في إحسان الظن بالله
عملياً لنٌصلح من حال أنفسنا وتثبيت أعمالنا الصالحة
بحًسن الظن بالله سبحانه وتعالى
فعندما يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
يقول الله أنا عند ظن عبدي بي،
وأنا معه حيث يذكرني".
فكيف نصل الى أن نكون
عند ظن الله سبحانه وتعالى
فتشملنا رحمته وغفرانه لنا
ويكون ذلك
بالتحلي بالمعنويات العالية
بالتفاؤل بأن رحمة الله وسعت كل شيء
فلا يستعصى عليه أمر يختص برحمته لعباده
، فالمؤمن يعرف جيداً بأن كل عُسرٍ
بعده يُسره كما وعد الله سبحانه وتعالى
في كتابه الكريم في قوله
(فإن مع العُسرِ يُسراً إن مع العُسرِ يُسراً)
، فالمؤمن يعلم علمَ اليقين بأن هذا الضيق سينفرج،
وبأن الهم سيزول، وأن رحمة ربه
واسعة لا يقفُ شيئاً في طريقها؛
وأنا أبوابه جلَّ وعلا لا تُغلقُ في وجه عِباده،
فلا يترك أمله بالله ولا يدخل اليأس إلى قلبه،
فاليأس يزيد الأمر سوءاً،
فيكبر الهم ويضيق الصدر،
ويكفي بأن الله سبحانه أخبرنا
أن اليأس من صِفات الكافرين
في قوله تعالى :
(وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) ..يوسف
فالمؤمن لا ييأس من رحمة الله ولا يأتي في
باله أن الله تخلى عنه، بل إنه يعتقد تماماً
بأنه في اختبار؛ وأن نتيجة هذا الإختبار
إلى إحدى نتيجتين يكون هو الفائز في كلتا الحالتين،
إما إلى الفرج؛ أو أجراً كبيراً يكون له
يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
التوكل على الله التوكل على الله من
أمور حسن الظن بالله،
فالإنسان يفعل ما يستطيع أو يقدر عليه،
ولكن هناك أموراً تكون خارج قدرته
وتخرج عن سيطرته
فيتركها لله الواحد القهَّار،
بعد أن يتوكل على الله عز وجل
على قدر إستطاعته في معالجة هذا الامر
فالمهم هنا هو التوكل على الله والتأكد يقيناً
أن مايصيبه هو من عند الله سبحانه وتعالى
وأن الفرج أو اليسر لايأتي إلا من عند الله
فالتوكُّل يكون مع السعي وليس التَّخلي.
أداء الفروض إن من حسن الظن بالله
أداء فروضه وإطاعة أوامر
واجتناب نواهيه،
فليس من حسن الظن بالله أن يُقدم الإنسان
على السرقة ويدعو الله ألا يتم التعرُّف عليه؛
ويكون محسِناً الظن بالله بأنه سيُفلتُ بما سرق،
فهذا من إساءة الأدب مع الله سبحانه.
يجب على المؤمن الذي يؤمن بالله
أن يؤدي فروضه في مواعيدها،
ويؤدي حقوق الناس ولا يأكلها بالباطل،
يكون حسن الخُلق طيب المعشر وذو أخلاقٍ عالية،
يكون مِثالاً يُحتذى به.
أما ما عدا ذلك فمن الرياء
وليست في إحسان الظن بالله في شيء،
فالله جميلٌ يُحب الجمال، والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً،
كن جميلاً وطيباً ليكون إحسان ظنك بالله في محله.
مواطن حسن الظن بالله
ينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه بالله في كل موطن وحال
فحُسن الظن به سبحانه وتعالى نحتاجه
في حياتنا كلها وحتى قُرب مماتنا
ومن هذه المواطن عند الموت
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث
الذي رواه جابر رضي الله عنه قوله:
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتَنَّ أحدكم
إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» رواه مسلم.
ودخل واثِلَةُ بن الأسْقَع على أبي الأسود الجُرَشي
في مرضه الذي مات فيه،
فسلم عليه وجلس. فأخذ أبو الأسود يمين واثلة،
فمسح بها على عينيه ووجهه لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم،
فقال له واثلة: واحدةٌ أسألك عنها.
قال: وما هي؟
قال: كيف ظنك بربك؟
فأومأ أبو الأسود برأسه، أي حسن.
فقال واثلة: أبشر؛ إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«قال الله عز وجل: أنا عند ظن
عبدي بي، فليظن بي ما شاء» رواه أحمد.
وعن أنس رضي الله عنه
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم
دخل على شاب وهو في الموت، فقال:
«كيف تَجِدُكَ»؟ قال:
والله يا رسول الله إني أرجو الله،
وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يجتمعان في قلب عبد في مثل
هذا الموطن إلا أعطاه الله
ما يرجو وآمَنه مما يخاف» رواه الترمذي.
وفي كتاب المحتضرين لابن أبي الدنيا،
قال حاتم بن سليمان:
دخلنا على عبد العزيز بن سليمان
وهو يجود بنفسه، فقلت: كيف تجدك؟ قال:
أجدني أموت. فقال له بعض إخوانه:
على أية حال رحمك الله؟ فبكى، ثم قال:
ما نعول إلا على حسن الظن بالله. قال:
فما خرجنا من عنده حتى مات.
والموطن الثاني الذي وجب أن نُحسن الظن فيه بالله سبحانه وتعالى
عند الشدائد والكرب
فمن أكثر المواقف العظيمة التى تُثبت
ان إحسان الظن بالله مهم جداً وبه تتم النِعم
وغفران الذنوب وجلاء الهموم والخطوب
ففي قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك خير مثال للمؤمن الذي يُحسن الظن بالله
فلم يُكشف عنهم مابهم من كرب وضيق
إلا بعدما أحسنوا الظن بربهم
قال تعالى:
( لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ
مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ
إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ
الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ
وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ
عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
التوبة 117،118
فتأملوا إخوتنا الكرام في قوله تعالى :
( وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ )
أي أحسنوا الظن بالله سبحانه وتعالى
في أن يغفر لهم ذنوبهم ويتجاوز عن ما أرتكبوه
من تخلف وقعود عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم
، فلما أحسنوا الظن بالله رزقهم الله إياه.
والموطن الثالث وهو حًسن الظن بالله
عند ضيق العيش....
وهذا الذي نعيشه في هذا العصر من ضيق العيش أحياناً
فنجد أنفسنا نبتعد عن الله سبحانه وتعالى
ولانُحسن الظن به في أن يغير الأمر
من العُسر الى اليسر ، بل للأسف نُحسن الظن
بالعباد سواء مسؤلين أو حُكام أو سلاطين
ونُسيء الظن بالله أو بالاحرى نبتعد عن حُسن الظن به
فنلاقي كل الصعاب وكل الضيق وكل المعيشة الضنك
أما إن أحسنا الظن بالله ورجوناه وعملنا
مانستطيع فسيغير الله حالنا الى حال يرضاه ونرضاه معه
ولو رجعنا إخوتنا في الله
الى هدي وسُنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
لوجدنا الدواء الشافي والبلسم الذي يعافي
من العِلل والأمراض
فهل قرأنا يوماً ونحن قد ضاق بنا الحال
ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن مسعود رضى الله عنه
في قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم :
: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس
لم تُسَدَّ فاقتُه، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله
فيوشِكُ الله له برزق عاجل أو آجل».
وإنزالها بالله تُعني :
أن توقن وتظن أن الله تعالى
يفرِّجُ عنك ويزيلها.
عند غلبة الدَّين
ومن عجيب
ما ثبت في صحيح البخاري من
قول الزبير بن العوام
لابنه عبد الله رضي الله عنهما:
يا بني إن عجَزت عن شيء من ديني
فاستعن عليه مولاي. قال عبد الله:
فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت:
يا أبت من مولاك؟. قال: الله. قال:
فو الله ما وقعت في كربة
من دينه إلا قلت:
يا مولى الزبير اقض عنه دينه،
فيقضيه.
عند الدعاء
فحًسن الظن عند الدعاء هو كفيل
بقبول الله سبحانه وتعالى والتيقن بأن الله
سيستجيب لك إن دعوته مُخلصاً وموقن بالإجابه
ففي هذا الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه
عندما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) رواه الترمذي.
فيقول العلماء اذا دعوت الله
فيجب أن تُعظّم الرغبة فيما عند الله
وأحسن الظن به
عند التوبة أما الموضع المهم الاخر والذي لايتحقق
هدفه إلا إن أحسن المؤمن الظن بالله سبحانه وتعالى فيه
وهذا الموضع هو عند التوبة من المعاصي والذنوب
والسيئات والاعمال التى لايرضاها الله لعباده
ففي الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه
، عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما يحكي عن ربِّه عز وجل- قال:
«أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا
فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب.
ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا
يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال:
أي رب اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً
فعلم أنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب.
اعمل ما شئت فقد غفرت لك» رواه مسلم.
أي: ما دمتَ أنَّك تذنب وتتوب فإني أتوب
عليك ولو تكرر الذنب منك.
وفي قول الشاعر في هذا الموضع