عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 09-11-2011
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4786 يوم
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم : 119
 معدل التقييم : الغزال الشمالي will become famous soon enoughالغزال الشمالي will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي رأس شَيُّوم ( رواية)






رأس شَيُّوم
خالد بن سليمان الجبرين


الفصل الأول


ليل طويل يوغل في المسير.. ومدينة قانين.. الفارسية التي يقطنها جماعات من عرب الشام والعراق وأكثرية من الفرس
وشرذمة من المغول الغزاة كانت تقبع تحت الظلام وتستكين إلى الهدوء..
وفي طرف المدينة الغربي.. تعالت جدران سجنها الكئيب.. محاطاً بالظلام والرعب.. وأبراجه الأربع القصيرات تقف ثابتة..
تتحدى العتمة.. كعفاريت ضخام من الجن.
والسجن عبارة عن فناء واسع على جنباته عدة ممّرات.. وعلى جنبات الممر الواحد أربع غرف واسعة.. فاسدة الهواء.. وبلا نوافذ..
مدينة.. قانين.. يحكمها الأمير شيوقبضته عليهاتتري.. الظالم الذي أحكم قبضته عليها وعلى ما يتبعها من القرى الصغيرة المجاورة.
- لننجزعهد إليه الخان الأعظم..
ملك المغول بحكمها وإدارة شؤونها.. لما كانت عليه من كثرة الثورات والتذمر ومحاولة الخروج عن طاعته.
لقد أصبحت منطقة قانين في وسط البلاد التي استولى عليها المغول إبان المائة سنة الماضية.. عندما قدمت جحافلهم الجرارة وجيوشهم المتوحشة
التي لا تقيم للإنسان قيمة.. ولا للحضارة وزنًا.. فاقتلعوا الدول وأبادوا الجيوش، وقتلوا الملوك والعامة.. بل النساء والأطفال!
وقد أكد الأمير الشاب المغولي جدارته في أحكام قبضته الخانقة على هذه البلاد من خلال أساليبه الوحشية في القتل والقمع
والقهر، ووسائله المبتكرة في التعذيب والتي شاعت أخبارها في الآفاق.. وبث الرعب في قلوب أهل المدن المجاورة.. بل الممالك القريبة!!
سجن قانين في مثل هذا الوقت كان ساكنا كالمدينة الحزينة نفسها.. لم يكن يدب فيه سوى بعض الحرس الذين يروحون ويجيئون ويتحدثون قليلا.
أما القابعون من السجناء داخل الحجرات فقد أخلدوا إلى النوم جميعا.. ما عدا أربعة منهم.. أحدهم رجل قارب الخمسين والثلاثة الباقون دونه في السن.
تحدث أحدهم واسمه المنذر بن سعد قائلا بتصميم وتحفز:
- لننجز الآن ما اتفقنا عليه قبلا.. فبعد قليل سيذهب جميع الجنود إلى النوم ولن يبقى غير ثلاثة.. وسأدعي أن الجني يتخبطني..
وأنني أصرع وأتحشرج واختبئوا أنتم خلف الباب.. فإذا دخل علي الحارس جذبته إلي.. ثم تبتدرون أنتم عنقه وتقتلونه.
سأل آخر:
- فإذا دخلوا علينا جميعاً؟
- نصارعهم يا عبد الرحمن ونحاول أخذ أسلحتهم.. وغلبتهم.
وقال الرجل ذو الخمسين عاماً:
- ولكن يا منذر بن سعد.. هذا رأي وفكرة ربما لا تنجح.. فهم لن يدخلوا علينا بعصي الخيزران بل بسيوف مُصْلَتَةٍ وشهية للقتل لا تُجَارَى..
ونحن لا سلاح معنا..وأنت تعلم أن "شيّوم" أمر بقتل كل من يحدث فزعا أو ضجة في السجن دون سؤاله ومحاكمته..
فربما أجهزوا علينا قبل أن نقوم بعمل أي شيء!
- وإذا المنذر يطمئنه:
- توكلوا على الله.. فإن أصابوا بعضنا فسينجو الآخرون.. وإن غلبونا فخير للإنسان أن يموت
حُرّاً كريماً على أن يكابد السجن والذل.. وأنا أحس أننا سننجح ونستطيع الهروب.
- وإذا نجونا وهربنا هل تظن أننا سنصل إلى بغداد كما قررنا وخططنا.. ونحدث الخليفة العباسي بما يجري في
هذه البلاد من التنكيل بالمسلمين والظلم ونطلب نجدته؟
- ربما سيلاحقوننا.. إنهم سريعو الحركة كالشياطين.. وكل شيء ممكن الحدوث.. توكلوا على الله فإن أدركونا وقتلونا
فهي الشهادة إن شاء الله، وإن نجونا فهي المثوبة والنصر..
- سنعملتنا فيما نزمع القيام به ولا نسعى للنجاة بأنفسنا فحسب.. بل رغبة في رفع الضرر عن المسلمين..
فكلكم يعلم أن شيّوم وجنوده يختصون العرب والمسلمين
ممن في هذه البلاد بأفظع البلاد والبطش أكثر من سائر ضحاياهم من الطوائف الأخرى كالنصارى والمجوس.
- وهل سيستجيب الخليفة لندائنا.. هل أمر فئة من الناس في بلاد متاخمة لدولته يهمه؟
- سنعمل ما في وسعنا.
- ما أنه في غنى عن التحرش بالمغول حفاظاً على مملكته!
- ما أشد تخاذلك يا رجل!! أنا ثقتي في نخوة الخليفة كبيرة.. ولا أشك أنه قد بلغه الكثير عما يجري هنا في هذه البلاد.
كان الظلام الكثيف.. ومتانة جدران السجن تحجب أصوات المتآمرين الأربعة وهمساتهم عن سمع الجندي اليقظان الذي كان يروح ويجيء في الباحة..
وعيناه الضيقتان المشقوقتان تدوران تحت جفنين دقيقين بحثاً عن أي شيء يكون ذريعة ليغمد سيفه المعلق بخاصرته في جسد من يحدث بلبلة أو صخباً.
وبينما هو يمر بالقرب من حجرة المنذر بن سعد ورفاقه عبد الرحمن وأيوب والرجل المسن سمع حشرجة رجل مخنوق وأزيزاً مكتوماً لرجل يُصرع..
فاقترب من الباب..وأطل من قضبان نافذته ليرى المنذر وهو يتلبط على الأرض التربة
كالسمكة التي أخرجت لتوها من البحر فهتف بلغة عربية مكسرة:
- مالك؟!
فلم يزد المنذر على أن حاول القيام متعاثراً ومحادثة الجندي ليفتح له.. ثم جعل يضطرب بعنف.. ويصيح صيحات مكتومة
ويقبض على عنقه بيديه كمن امتنع عليه الهواء والتنفس.. محاذراً أن يحدث أصواتاً مرتفعة توقظ النيام وتجلب المزيد من الحرس.
وقد أتقن حركات من يصرع بشكل أثار الدهشة والخوف في نفس الجندي!
ووسط همهماته وشتائمه استل سيفه ليعالج به المريض الممسوس الذي يئس عاجلاً من برئه!
وقبل أن يفتح الباب توقف وقد أدركه الحذر ونادى صاحباً له.
وواصل المنذر استلقاءه على الأرض وهو يقلب عينيه بجنون في فراغ الحجرة الدامس الذي لم يضئه سوى نور مصباح
الجندي الآخر الذي جاء عجلاً.. وكاد أصدقاء المنذر يصدقون أن جنّيّاً قد تخبطه حقّاً!!
تحادث الحارسان قليلاً ثم فتحا الباب.. ورأى المنذر الجندي يرجع سيفه إلى مكانه فاعتبر ذلك فضلاً من الله! وانحنى الجندي
المدهوش من العارض الغريب لسجينه لينظر عن كثب ويتبين الأمر..
فجذبه المنذر بكل ما أوتي من قوة وجعل يحاول الوصول إلى عنقه مانعاً يده من أن تمتد إلى السيف.. واقتحم صاحبه الحجرة
وهو يستل سيفه ففاجأته ستة أذرع قوية أحاطت بجسده وذراعيه
واستولتْ على سيفه وأجهزت عليه في الحال فيما كان الجندي الآخر يعالج يدي المنذر القويتين اللتين أطبقتا على عنقه..
وسحب الثلاثة جثة القتيل خلف الباب وأخفوها عن العيون..
ثم عمدوا إلى خصم المنذر وطعنوه.. وابتهجوا جميعاً بهذه البداية المثيرة من النجاح.. وصمموا على مواصلة نجاحهم
فيما تبقى من مغامرتهم، فتسللوا من الغرفة ملتحفين بالظلام
وبحوزتهم سيفا الجنديين القتيلين.. كانت قلوبهم واجفة.. وعيونهم التي تدور بحذر في الظلام لا تخفي قدر ما بهم من الانفعال والتحفز!
وكان الخطر قد اقترب بهم من ربهم فغدوا متوكلين عليه.
لم يبق بينهم وبين باب السجن الخارجي إلا خطوات عندما برز لهم أحد الحرس الذي ما إن تبين أنهم ليسوا من رفاقه
حتى صاح صيحة هزت أرجاء السجن الساكنة.. وقبل أن يتراجع
هارباً أهوى عليه المنذر بضربة عاجلة أسكتته! وتقافز الحرس فزعين إلى مكان الصراخ..
فيما وصل الهاربون إلى الباب وصرعوا جنديا ًكان يحرس بالقرب منه وغنموا
بعض السيوف والحراب.. ثم حطموا القفل بالسيوف ولاذوا بالفرار.. وعندما ابتعدوا عن السجن كبر المنذر بفرح:
- الله أكبر.. نجونا إن شاء الله.. فإلى بغداد..
رد عليه الرجل ذو الخمسين عاماً بيأس:
- ما أبعد النجاة عنك يا هذا.. انظر إنهم يلاحقوننا على ظهور الخيل!!
فقال عبد الرحمن:
- حقّاً لقد لحقونا.. سنناجزهم ما استطعنا.. عليكم بالصبر وسينصرنا الله.
وحدق أيوب الذي يبدو أشبَّهم في الظلام قائلاً:
- صدقت سنناجزهم.. وربما نفعنا الظلام.
وقال المنذر:
- ليسوا بالكثير إنهم عشرة.. اختبئوا لهم خلف الصخور والأشجار.
رد الرجل المتخاذل:
- عشرة فرسان شرسين على خيولهم وبأسلحتهم ونحن على أقدامنا وتدعي أنهم قليل.. وأنك ستنتصر؟!
- لا تقنط يا رجل من نصر الله!
- قاتل لوحدك أما أنا فلا طاقة لي..
- وماذا ستفعل إذا؟!
- سأسلمهم نفسي وأطلب العفو.
غضب المنذر ونهره قائلاً:
- يا لك من ضعيف خوار.. لولا مخافة الله لألحقتك بمن قتل منهم!
وقال عبد الرحمن ساخراً:
- متى علمت أن في قلوب هؤلاء رحمة؟!
غاب الرفاق الثلاثة في الظلام بينما جثا الرجل على ركبتيه مستسلماً.. وما أن طلع عليه التتريون الغاضبون حتى همَّ أحدهم
بالقضاء عليه فلوح الرجل بيديه أنه لا ينوي شراً
فزجر الجنود رفيقهم فتركه.. واقتربوا منه وسألوه بفظاظة عن رفاقه فقال برعب:
- لا أدري!
وكانت تلك آخر كلمة قالها.. ثم عمدوا إلى التفتيش عن الآخرين.. وانقسموا كلّ فارسين إلى جهة.
وكان ذلك في صالح المنذر ورفاقه.. واقترب فارسان من مكان المنذر
وعبد الرحمن دون أن يعلما عنهما شيئاً.. وما كاد الفارسان يتجاوزانهما حتى تسللا خلفهما بخفة ثم هجما
عليهما فجأة من الخلف وطعناهما بأسيافهما وأنزلوهما عن الفرسين وقضيا عليهما.. فقال عبد الرحمن:
- أحسنت يا منذر.
- فقال المنذر وهو يفتش في سرج أحد الخيول:
- أصحابهما لا يعلمون بما جرى.. وقد وجدت نبلا وقوسا فلنصلهم بالسهام.
فرد عبد الرحمن:
- وقد وجدت أنا أيضاً سهاماً.. إنهم يفضلون السهام ويجيدونها.
ثم انبعثت من قلب الظلام صيحة..!
ورأى المنذر وعبد الرحمن صاحبهما أيوب يسرع باتجاههما وما كاد يقترب حتى صاح:
- إنهم جميعاً خلفي!
فقال المنذر يخاطبه:
عليك بهذه النبال ارمهم بها أنت وعبد الرحمن.. وسأشاغلهم عنكما فلا تخطئا لهم جسداً فالسهام قليلة.. واحذرا أن تصيباني..
ولما اقتربوا برز لهم المنذر بسيفه وعلق بأحدهم يبارزه.. وقبل أن ينضمّ إليه البقية سقط الأربعة تباعاً..
صرعى السهام التي فاجأتهم منطلقة من جوف الظلام!
وارتبك الأربعة الباقون الأربعة.. وانطلق ثلاثة منهم إلى الجهة التي جاءت منها السهام.. وهناك ظهر لهم عبد الرحمن
وأيوب وسددا سهمين باتجاههما.. طاش أحدهما.. أما الآخر فاستقر في قلب أحدهم.
واستطاع المنذر إصابة الجندي الذي يقاتله بعدما أرعبه تساقط أصحابه فجأة!
ومسح خطّاً دقيقاً من الدماء سال على جبينه، وسارع إلى رفيقيه حيث كان الجنديان
قد ترجلا عن الخيول ودخلا في مبارزة مع عبد الرحمن وأيوب.
كانت قد مضت فترة على العراك قبل أن يتدخل المنذر لترجيح كفة رفقائه.. وخلال ذلك صاح عبد الرحمن مستنجدا بأيوب،
فالتفت ليتبين الأمر فاستغل المغولي الفرصة ومنحه ضربة اجتثت ذراعه من مكانها.. ورفع سيفه ليقضي عليه.. فلم يمكنه المنذر من
أن يحفل بفوزه فكز ظهره بسيفه حتى تهاوى.. ثم عمد إلى خصم عبد الرحمن الذي كان يتراجع أمام مهارته
فسدد إليه ضربة بالسيف شبيهة بالتي نالها رفيقه.. وانتهت بذلك المعركة الصغيرة.
وكانت الدماء التي انفجرت من ذراع أيوب كالينبوع قد استنفدت طاقته.. فاستلقى متهالكاً يكابد آلامه. وسأله المنذر متصاعد الأنفاس:
- هل تستطيع السير إلى أحد المنازل القريبة حتى نضمد جراحك ونعالج موضع القطع في ذراعك؟
فقال بوهن:
- اسلما بجلديكما.. فربما حضر المزيد من الجنود..
وقال المنذر:
- سأذهب لأبحث لك عن ماء ترطب به شفتيك.
وانطلق إلى حيث الخيول.. ولبث فترة يبحث عن قربة ماء ربما تكون بحوزة الجنود حتى ناداه عبد الرحمن:
- تعال لا حاجة له بالماء.. لقد مات.
فرجع المنذر وتأمله قليلاً ثم غطى وجهه وهو يقول:
- رحمه الله.. ليتنا نستطيع البقاء لدفنه!
رد عبد الرحمن:
- لو بقينا فقد يكشف أمرنا.. سنذهب.. وسيأتي إليه من يدفنه فنحن قريبون من البيوت وأكثرهم من المسلمين.
ومضيا مسلّحين.. راكبين.. تغمرهما نشوة الظفر والحرية.. قد أعادت المكاسب التي حازاها والنجاح السريع، الحماس
إلى نفسيهما من جديد.. فانطلقا لإكمال الخطة التي رسمت في السجن
وهي الوصول إلى الخليفة أمير المؤمنين في بغداد.. وبعث همته لاغتيال شيّوم المغولي.. الأمير القاتل.. وتخليص الناس من شره..
كانا يسيران بترقب وحذر.. يحدوهما أمل كبير في نجاح مسعاهما لدى الخليفة العباسي.
وبعد سفر متواصل هادئ.. صافحت أعينهما بغداد.. عاصمة الدولة العباسية التي كانت رغم الضعف الذي بدأ يدب
في أوصالها.. أقوى دولة إسلامية في ذلك الوقت.
وفي بغداد لم يسترح الهاربان أو يزينا من هيئتهما بل دخلا على الخليفة بثيابهما المهترئة..
وشعورهما غير المرجلة.. وأخبراه بكل ما حدث.



يتبع


المواضيع المتشابهه:



 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون


رد مع اقتباس