قال أحد القوميين إننا نؤمن بالوحدة العربية، وندعو إليها ، ونعمل لتحقيقها من زمن طويل، فلماذا لا نتنازل من أجلها عن أن يكون أساسها الإسلام؟
فقلت: لقد تخلت أنظمتنا وحكوماتنا عن الإسلام فازدادت فرقة وانقساما، ولم تقترب خطوة واحدة بعضها من بعض وكيف يمكن
أن تقوم بيننا وحدة حقيقية - نحن العرب -إذا تنازلنا عن عقيدتنا المشتركة ، وقيمنا المشتركة ،
ومناهج حياتنا المشتركة، ومصادر إلهامنا ، ومحاور عواطفنا المشتركة..
وإذا قامت هذه الوحدة الشكلية الخالية من المحتوى العقدي والخلقي والحضاري الأصيل،فهل يمكن أن تصمد على الأيام، وأن يكون
لها دورها المحلي والإنساني الكبير.إن الوحدة العربية لا يمكن أن تتحقق أصلا -كما برهنت على ذلك التجارب -إلا بالاسلام ، ولا يمكن
أن تصمد وتبقى وتُثمر وأن يكون لها دورها المحلي والإنساني الكبير إلا بالإسلام ، فمن واجب كل عربي مخلص لقومه ووحدتهم ،
ومن دلائل إخلاصه وصدقه ، أن يستمسك بالأساس الذي لا تقوم وحدةالعرب إلا عليه ، ولا تصان إلا به ولا تزدهر إلا من خلاله ..
ذالك بأن يستمسك بالاسلام دينا أو يستمسك به تراثا قوميا جامعا وموجّها إن لم يكن من المسلمين
ولقد رأينا على توالي السنين من رفعوا راية القومية أو الوطنية منفصلة عن الإسلام وحاربوا تحتها وباسمها حضارتناالإسلامية ،وجمعوا
بذلك من جمعوا ،وخدعوا من خدعوا ،،ثم انكشف كثير منهم عندما امكنتهم الفرصه ، وأسفرت المقاصد والحقائق عن طائفيين ماكرين ،
أو متآمرين ،و انتهازيين مستغربين ، لا يبالون قومية ، ولا يطلبون وحدة ، ولا يسعون لجمع شمل ، ومخدوعين يكونون
بوجودهم ذاته سدّا في طريق الوحدة وجمع الشمل،وطريق ما يرتبط بذلك
من قوة وتقدم وأمل .فإذا أردنا وحدة عربية حقيقية واقعية بصدق وإخلاص ، وإذا أردنا تحرر العرب وقوتهم ورفعتهم
وتقدمهم المادي والمعنوي ..فإن سبيل ذلك هو الإسلام.
قال: يقول بعض المفكرين القوميين : إذا توحدنا على أساس الاسلام ،كنا حربا على سائر الاديان ، وهذا ما لا يمكن ان يقبل في عصرنا الحاضر.
- لكن لو جرينا على هذا المنطق لقلنا أيضا : إذا توحّدنا على أساس القومية كنا حربا على سائر الاقوام ، وإذا توحدنا على أساس الوطنية كنا حربا
على سائر الأوطان ، وهذا لا يمكن ان يُقبل وأن يُصنع في عصرنا الحاضر .....إلى آخر هذا الهراء والتلاعب بالألفاض والأفكار!!
إن الشعوب قد تتوحّد على أساس ديني أو قومي أو وطني ، ولا تكون وحدتها بالضرورة موجّهة ضد غيرها ، وبخاصة في عصرنا
الذي انعدمت فيه المسافات ، وتشابكت فيه المصالح ، وعظمت فيه أخطار الحروب ودواعي السلام
والاسلام هو دين الله الذي أنزله لهداية البشر ومصلحتهم وخيرهم في كل وقت من الاوقات ، فإذا عدنا إليه ، كنا نبع هداية
وخير لأنفسنا داخل حدودنا ولسائر البشر خارج هذه الحدود ، ورسل تعاون على البر والتقوى ،لا على الاثم والعدوان
والإسلام الحر القوي القادر على تحرير المسلمين وأرضهم من كل سلطان جائر أو عدوان أو قهر أو استغلال خارجي ،وتحقيق المصالح
المشتركة للانسانية والانسان.فالاسلام هو القاعدة الأساسية والأرض المشتركة بين العرب إننا -نحن المسلمين- نؤمن بالإسلام دينا منزلا
ومنهاجا للحياة ،والغير المسلم العربي يؤمن بأن الإسلام هو نتاج العبقرية العربية ، والتاريخ العربي ، وأنه الذروة العليا
لما بلغه العرب في التعبير عن أنفسهم ونظرتهم إلى الكون والحياة ،ولِما وصلوا إليه في مختلف المجالات وأنه هو الذي
وحدهم من فرقة وقوّاهم من ضعف وحررهم ..وأنه يشكّل معظم تاريخهم وأروع مافيه ...
فكيف لا يُشكّل الإسلام بعد ذلك في نظره قاعدة أساسية وأرضا مشتركة بين العرب جميعا .
ولا أدري لمَ يفتش بعضهم عن جوانب التناقض والصّدام ، ولا يفتشون عن جوانب التوافق والوئام؟!..
لمَ يصورون الدين مفرّقا ، ولا يصوّرونه جامعا ومساعدا على التعاون والخير ؟!
لمَ يُلقون في روع الناس تضليلا وكذبا -أن عليهم أن يضحوا بدينهم كله أو أكثره أو بعضه من أجل الوحدة؟!
ولبئس الوحدة ((وحدة)) لا تتم إلا بالتّخلي عن الدين والقيم والتراث وكل ما هو معتصم أمين
في الشدائد ومنطلق أصيل للمستقبل ، وكل ما هو جميل وجليل ورفيع في الحياة .
الغزال الشمالي
المواضيع المتشابهه: