عرض مشاركة واحدة
قديم 06-29-2011   #26


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



تجولت في السوق لعلي أصادف أيمن، ولكن عبثاً، فقررت بأن أنتظره بجانب
بوابة السوق، لعله يراني، عندما يغادر، أو يدخل السوق بحثاً عني.
طال انتظاري كثيراً. وبدأت الشمس تميل نحو الغروب، والزبائن غادرت السوق
ولم يبق سوى بعض الصينيين يجمعون بضائعهم من أمام متاجرهم لكي يغلقوها،
وبعض العمال الذين يجمعون القمامة التي خلفها الزبائن وراءهم.
احترت في أمري، ماذا افعل؟ أين اذهب؟ وأين أيمن؟
فكنت أتنقل بين السوق وموقف الحافلة، لربما يكون أيمن على نفس الطريق يبحث
عني. وكانت الساعة السابعة مساءً موعد الحافلة الأخيرة التي تغادر إلى المدينة.
توقف تفكيري، وكنت لا أدري هل أركب الحافلة أم أبقى في السوق؟
وإذا غادرت مع الحافلة، إلى أين اذهب؟ فأنا لا أعرف طريق العودة إلى البيت
ولا اسم الحي الذي يقطنه أيمن ولا حتى أملك نقودا في جيبي، ولا أية وثيقة تثبت
هويتي؟ فما كان مني سوى العودة إلى بوابة السوق والجلوس هناك منتظراً ايمن حتى يعود!
كانت عيون حراس السوق تحدق بي كلما مروا من أمامي، وهم لا يدرون لماذا
لم يغادر هذا الأجنبي، وقد غادر معظم التجار الأجانب؟
اقترب احدهم مني، وبدأ يكلمني، وهو محتارٌ في أمري لا يدري عني شيئاً، ولكني لم أفهم
شيئا مما يقول، وكل ما استطعت أن أقول له أيمن.. أنتظر .. أيمن، فتركني وذهب ولم يفهم مني شيئاً!
خيم الظلام على المكان، إلا من ضوء يأتي من مصباح كهربائي موجود في غرفة
صغيرة بجانب البوابة يجلس بداخلها حارس السوق بعد أن ينتهي من جولته
لتفقد السوق، وبعد أن يتأكد من مغادرة جميع الزبائن والتجار للمكان
دخل الحارس إلى غرفة الحراسة،ثم رمى بحزمة من المفاتيح كانت بيده على طاولة
صغيرة، وجلس على مقعد خشبي بجانب باب الغرفة، وراح يحدق في.
لم يتبق في السوق غيري أنا والحارس، الذي يبلغ العقد السادس من العمر، تقدم
نحوي، وقد بان وجهه الممتلئ بالتجاعيد، وعيناه الكبيرتان اللتان تكادان
تخرجان من محجرهما، وأنفه الكبير المنفوخ، وقال بصوت عالي:السلام عليكم!
للحظات انتعش قلبي وانفرجت غيمة الخوف عني، ونهضت مسرعاً من مكاني، وقلت
له:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك يا أخي، الحمد لله بأني وجدتك
لقد أضعت صديقي أيمن، ورحت أشرح له وأكلمه عن حالي، وهو صامت لا يقول شيئاً
وكانت خيبة أملي كبيرة جداً، عندما علمت بأنه لا يعرف من اللغة العربية
سوى كلمة السلام عليكم، ربما سمعها من أحد العرب، ويرددها كالببغاء.
من خلال الإشارات فهمت منه بأن رئيسه لا يسمح له أن يدع أحداً يجلس بجانب
بوابة السوق، وسوف يوبخه إذا رآني، فأشار لي أن أرحل أو ادخل واختبئ
داخل السوق كي لا يراني أحد، ولم يكن أمامي سوى الدخول إلى السوق الذي كان موحشاً جداً!
مشيت خائفاً، لا أدري أين أنا أو في أي اتجاه أمضي، ظلام دامس،اختفى القمر
من السماء، والنجوم حجبتها غيوم سوداء، والأشباح تغزو خيالي، تراقصه من
وراء الجدران، وعيون تلمع كانت بانتظاري، ارتعدت أوصالي، وأردت الرجوع
ولكن العيون الحمراء ملأت المكان، وفات الأوان!
كانت الكلاب قد اشتمت رائحتي الغريبة عليها، وعندما نبح أول كلب، تبعته
باقي الكلاب المشردة التي تنتشر في السوق، وتأتي من الأراضي الزراعية
المتاخمة للسوق، وكانت تأكل الفضلات التي يرميها التجار خلال النهار.
كان قلبي يخفق بقوة، حتى أني لم أر حجراً أرميها به، كي أبعدها عني، فوقفت
أمام حائط من الصفيح كي لا تهاجمني الكلاب من الخلف، ورحت أضرب بكل قوتي
على الصفيح محاولاً إخافتها، وقد نجحت في البداية، ولكنها كانت تعاود الهجوم
كلما توقفت عن ضرب الصفيح، وكانت الكلاب كثيرة جداً، تنبح بصوت أقوى
من صوت ضربي على الصفيح، وشيئاً فشيئاً بدأت قواي تخور، ولم أعد أستطع
تحريك يدي من شدة الألم والتعب الذي أصابها من جراء الضرب على الصفيح.
أرخيت جسدي المتهالك على الحائط، ولم تعد تحملني قدماي، فتهاويت على الأرض واستسلمت إلى قدري المحتوم.
لم أدر ماذا جرى بعد أن وقعت على الأرض مغمى علي، ولكني عندما فتحت
عيني شعرت أني قد نمت لمدة طويلة جداً، واعتقد بأنني نمت يومين أو أكثر من
شدة التعب و الإرهاق، وكانت معدتي الفارغة تلتصق بظهري من الجوع
وجدت نفسي مستلقياً على سرير في غرفة صغيرة، مبنية من الطين، وسقفها من جذوع
الأشجار، فأدركت بأنني في بيت ريفي ....
رفعت عني الغطاء، وكان عبارة عن بساط أحمر مصنوع يدوياً، أردت أن أنهض، ولكني
لم أستطيع، فقد كنت مقيداً بالسرير...
حاولت جاهداً فك قيدي، ولكني لم أستطع، فقد كنت مقيداً بإحكام شديد، بدأت
أصرخ، أنادي لعل أحداً يسمعني، ولكن لم يجبني أحد!
مر الوقت ببطء شديد، فأنا لا أعلم أين أتواجد الآن؟ وماذا حصل لي؟ ولماذا أنا
مقيد هكذا؟ ومرة ثانية عدت للنوم، لعلي أستيقظ فأجد نفسي في غير هذا
المكان، وربما أستيقظ من هذا الكابوس الذي يطبق على أنفاسي، ولكني استيقظت
على يد الحارس الذي رأيته في السوق، وأعتقد بأنه هو الذي أنقذني في تلك
الليلة، وجاء بي إلى بيته، ولكن لماذا قيدني؟
فك الحارس قيدي، وتركني وخرج، من غير أن ينطق بأي كلمة. نهضت من السريرولحقت به.
عندما خرجت من باب الغرفة لم أستطع أن أفتح عيني، فقد سطعت أشعة الشمس
بوجهي، وكأنني لم أر الضوء منذ فترة طويلة، وكما توقعت فقد كنت في بيت ريفي
له حديقة صغيرة قد امتلأت بالأوراق الصفراء المتساقطة من الأشجار المحيطة بها
معلنة قدوم الشتاء القاسي جداً في أوروبا الشرقية.







 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس