عنترة الفارس (الصفحة الثانية)
(الصفحة الثانية)
عَجِبَتْ عُبَيْلَةُ مِنْ فَتًى مُتَبَذِّلِ
عَارِي الأَشَاجِعِ شَاحِبٍ كَالْمُنْصُلِ
لاَ يَكْتَسِي إِلاَّ الْحَدِيدَ إِذَا اكْتَسَى
وَكَذَاكَ كُلُّ مُغَاوِرٍ مُسْتَبْسِلِ
قَدْ طَالَ مَا لَبِسَ الْحَدِيدَ فَإِنَّمَا
صَدَأُ الْحَدِيدِ بِجِلْدِهِ لَمْ يُغْسَلِ
إِمَّا تَرَيْنِي قَدْ نَحَلْتُ وَمَنْ يَكُنْ
غَرَضًا لِأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ يَنْحَلِ
وَلَقَدْ لَقِيتُ الْمَوْتَ يَوْمَ لَقِيتُهُ
مُتَسَرْبِلاً وَالسَّيْفُ لَمْ يَتَسَرْبَلِ
• • •
مَا زَالَ عَنْتَرَةٌ يُقَاوِمُ سُقْمَهُ
هُوَ وَالْمَنِيَّةُ فِي صِرَاعْ
يَوْمًا تَئِنُّ جُرُوحُهُ
وَيَكَادُ يَدْعُوهُ إِلَى أَمْرِ الْمُقَدَّرِ
أَلْفُ دَاعْ
وَيَعُودُ يَصْحُو فِي غَدٍ
لِيُقَاوِمَ الدَّاءَ العُضَالَ
بِكُلِّ جُهْدٍ مُسْتَطَاعْ
فَإِذَا بِهِ مِثْلُ الْجِبَالِ صَلاَبَةً
أَوْ كَالقِلاَعْ
وَالْحَيُّ أَلْسِنَةٌ
وَتُجَّارُ الدُّعَاءْ
وَأَكُفُّهَا بِضَرَاعَةٍ
رُفِعَتْ إِلَى رَبِّ السَّمَاءْ
كَمْ دَعْوَةٍ
مُزِجَتْ بِدَمْعِ الثَّاكِلاَتِ مِنَ الْحَرَائِرْ
كَمْ دَعْوَةٍ
مِنْ قَلْبِ طَاهِرَةٍ وَطَاهِرْ!
أَنْ يُبْرِئَ اللهُ الفَتَى
وَاللهُ يَبْعَثُ فِي الرُّفَاتِ حَيَاتَهَا
وَاللهُ قَادِرْ
• • •
طَالَ انْتِظَارُكَ
يَا فَتَى الفِتْيَانِ
يَا زَيْنَ الرِّجَالْ
يَا قَائِدَ الْجَيْشِ الْمُؤَزَّرِ
فِي مَيَادِينِ القِتَالْ
الْخَيْلُ تَبْكِي فَارِسًا
لَمْ يَعْلُهَا نِدٌّ لَهُ
يَوْمَ النِّزَالْ
كَانَتْ إِذَا شَبَّ اللَّظَى
وَتَشَابَكَتْ حُمْرُ النِّصَالْ
تَرْنُو إِلَيْهِ
رُنُوَّ هَذَا الْخَائِفِ الْمُسْتَرْحِمِ[1]
وَإِذَا غَدَتْ لِلزَّاحِفِينَ دَرِيئَةٌ
تَشْكُو إِلَيْهِ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ
لَوْ أَنَّهَا تَدْرِي الكَلاَمَ تَكَلَّمَتْ
لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِذَاتِ تَكَلُّمِ
فَيُدَافِعُ الأَرْمَاحَ عَنْهَا صَدْرُهُ
وَيَصُدُّ زَحْفَ الفَارِسِ الْمُتَقَدِّمِ
كَمْ كَانَ يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ
وَلَمْ تَدُرْ
لِلحَرْبِ دَائِرَةٌ
عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ[2]
• • •
وَفَوَارِسٌ فِي السَّاحِ
إِنْ طَالَ العَنَا
أَوْ كَادَ يَعْرُوهُمْ وَنَى
لاَذُوا بِعَنْتَرَةٍ
فَكَانَ الْمَأْمَنَا
شَقَّ الصُّفُوفَ عَلَى العِدَا
وَسَقَاهُمُ كَأْسَ الرَّدَى
هَيْهَاتَ يَبْلُغُ جَمْعُهُمْ
بَعْضَ الْمَدَى
• • •
الْحَيُّ يَدْعُو بِالشِّفَاءِ لِعَنْتَرَهْ
وَفَتَاتُهُ تُورِي عَزِيمَتَهُ
كَنَارٍ مُسْعَرَهْ
سَيُغَالِبُ الأَوْجَاعَ
لَنْ يُلْفَى ضَعِيفًا أَصْغَرَا
سَيَظَلُّ أَرْوَعَ شَامِخًا
سَيَظَلُّ كَالنَّسْرِ
الأَبِيِّ الأَكْبَرَا
وَلَسَوْفَ يَقْهَرُ جُرْحَهُ
لَنْ يُقْهَرَا
• • •
سَيَعُودُ عَنْتَرَةٌ
وَيُشْفَى جُرْحُهُ
وَلَسَوْفَ يَغْمُرُنَا قَرِيبًا
صُبْحُهُ
وَبُغَاثُ أَبْرَهَةٍ
وَقَدْ شَمَخَتْ
وَطَالَ شُمُوخُهَا..
سَيَشُلُّهَا يَوْمًا قَرِيبًا
رُمْحُهُ