~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 359
عدد  مرات الظهور : 4,162,387


عدد مرات النقر : 359
عدد  مرات الظهور : 4,162,387

العودة   منتديات وهج الذكرى > ღ القـسم الاسـلامي ღ > نفحــات ايمانيـة
نفحــات ايمانيـة يختص بالمواضيع الاسلامية العامة على منهج أهل السنة والجماعة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06-24-2011
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4780 يوم
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم : 119
 معدل التقييم : الغزال الشمالي will become famous soon enoughالغزال الشمالي will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي تعرَّف على ربِّك



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته







معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته عليها مدار الإيمان، فهي ركن من أركان التوحيد وذروة سنـام العبوديـة ..
والإيمان بأسماء الله وصفاته يقتضي:معرفة الله سبحانه وتعالى بصفاته الواردة في القرآن والسُّنَّة الصحيحة،
وإثبــــات لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيــل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف.


والعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته هو أشرف العلوم وأوجبها ..

يقول الإمام ابن القيم "إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقًا له تعالى أو أمرًا ..
إما علم بما كونه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها
ارتباط المقتضى بمقتضيه فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى" [بدائع الفوائد (2)]
فمن يُمعِن النظر في أسرار هذا العلم يقف على ريــــاض من العلم بديعة، وحقائق من الحِكَم جسيمة ..
ويحصل له من الآثــار الحميدة ما لا يُحــاط بالوصف ولا يُدرك إلا لمن يُرزق فهمها ومعرفتها .. ومنها أنه:

إذا علم العبد ربَّه وامتلأ قلبه بمعرفته، أثمرت له ثمرات جليلة في سلوكه وسيره إلى الله عزَّ وجلَّ ..

وتأدب معه ولزم أمره واتبع شرعه، وتعلَّق قلبه به وفاضت محبته على جوارحه، فلهج لسانه بذكره، ويده بالعطاء له، وسارع في مرضاته
غاية جهده، ولا يكاد يمل القرب منه سبحانه وتعالى .. فصار قلبه كله لله ولم يبق في قلبه سواه .. كما قيل:

قَدْ صِيْغَ قَلْبِيْ عَلَىَ مِقْدَارِ حُبِّهِمْ .... فَمَا لِحُبِّ سِوَاهُمْ فِيْهِ مُتَّسَعْ





ومن أحب الله لم يكن عنده شيء آثر من الله ..

والمحب لا يجد مع الله للدنيا لذة، فلم يثنه عن ذلك حب أهل أو مال أو ولد؛ لأن هذه وإن عظمت محبتها في قلبه إلا أنه يدرك أنها بعض فضل الله عليه ..

فكيف يشتغل بالنِعَم وينسى المُنعِم؟!




ومنزلة العبد عند الله سبحانه وتعالى على قدر معرفته به ..

لذلك اختصت آية الكرسي بكونها أعظم آية في القرآن؛ لأنها أشتملت على أعظم أسماء الرحمن .. وعدلت سورة الإخلاص ثلث القرآن؛
لاشتمالها على اسمه الأحد الصمد الذي يُقصد لذاته وليس له نظير ولا مثيل سبحانه وتعالى.


ومن أحبَّها أحبَّه الله ..

كما في قصة الرجل الذي بعثه النبي صلي الله عليه وسلمعلى سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بــ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص: 1] ..
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم ، فقال "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟". فسألوه، فقال:
لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلي الله عليه وسلم "أخبروه أن الله يحبه"[متفق عليه]
كما أن من عمل بها وحقق ما تقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات، كان من المقربين الذين أحبهم الله وتولاهم.




وكلما أدام ذكرها بقلبه ولسانه، أوجب ذلك له دوام مراقبته وشاهد ربَّه بعين بصيرته ..
فاستحيى منه، وانكسر له، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة، وهي أعلى مقامات الدين ..
يقول ابن القيم "وإذا بلغ العبد في مقام المعرفة إلى حد كأنه يطالع ما اتصف به الربَّ سبحانه من صفات الكمال ونعوت الجلال
وأحست روحه بالقرب الخاص الذي ليس هو كقرب من المحسوس حتى يشاهد رفع الحجاب بين روحه وقلبه
وبين ربِّه .. فإن حجابه هو نفسه وقد رفع الله سبحانه عنه ذلك الحجاب بحوله وقوته، أفضى القلب
والروح حينئذ إلى الربِّ فصار يعبده كأنه يراه"[مدارج السالكين (3:221,222)]



والتعرُّف على أسماء الله تعالى يسلم الإنسان من آفات كثيرة ..

كالحسد، والكبر، والريـــاء والعجب .. كما قال ابن القيم "لو عرف ربَّه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص
والآفات، لم يتكبَّر ولم يغضب لها ولم يحسد أحدًا على ما آتاه الله. فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله، فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله،
ويحب زوالها عنه والله يكره ذلك. فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته"[مدارج السالكين (1:172)]



كما إن أنوار الأسماء والصفــات تُبدد حُجُب الغفلة ..

قال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ
بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (*) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ..}[الأعراف: 179,180]
.. فلكي تتخلص من تلك الحُجُب، عليك أن تدعوه بأسمائه وصفاته.




ومن أعظم آثارها: أن من قام في قلبه حقائق هذه الأسماء، وتراءت معانيها لناظريه كان أعظم الناس تحقيقًا للتوحيد، وأكملهم عبودية لربِّ العالمين ..
يقول الإمام ابن القيم "الأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية: والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق
والتكوين فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها أعنى من موجبات العلم
بها والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح.
فعلم العبد بتفرد الربِّ تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة، يثمر له عبودية التوكُّل عليه باطنًا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا.
وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين
وما تخفى الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضى الله وأن يجعل تعلق هذه
الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح ..
ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته، توجب له سعة الرجاء
وتثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.
وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه، تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة .. وتثمر له تلك الأحوال
الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها، وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنزلة أنواع
العبودية فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات وارتبطت بها ارتباط الخلق بها"[مفتاح دار السعادة (90:2)]

فالذي يكمُل علمه بالأسماء والصفات هو العبد الرباني بحق،،





ولذلك كله كان إحصاء أسماء الله تعالى من أعظم موجبات الجنــة ..
كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة"[متفق عليه]

وإحصـــاء الأسماء والصفات يكون من خلال:
1) حفظها ..بأن يستودعها قلبه ..
2) معرفة معانيها ..فيتعلم معانيها وكيفية عبادة الله عزَّ وجلَّ بمقتضاها ..
3) العمل بمقتضاها .. فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره،
وإذا علم أنّه الرحيم، فإنه يفعل من الطاعات ما يجلب له هذه الرحمة، وهكذا .. فيتعلَّق القلب بمعاني الجلال
بأن يذل وينكسر، ومعاني الجمال بأن يُحب ويُقبل على الله سبحانه وتعالى.
4) دعاؤه بها .. كما أمرنا الله جلَّ وعلا { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ..}[الأعراف: 180] ..
والدعــاء على مرتبتين إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثاني: دعاء طلب ومسألة ..فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها.
يقول ابن القيم "ولما كان سبحانه يحب أَسمائه وصفاته، كان أَحب الخلق إِليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأَبغضهم إِليه من اتصف بالصفات التى يكرهها،
فإِنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأَن اتصافه بها ظلم، إِذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج
من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدَّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة
والإِحسان والصبر والشكر فإِنها لا تنافى العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته" [طريق الهجرتين (23)]

فعلى العبد أن يتخلَّق بصفات الجمـال ..
الله سبحانه وتعالى رحيـم: ارحم تُرحم .. الله عفو: اعفُ يُعف عنك .. الله حليم: أحلم يُحلَم عليـــك ..

أما صفات الجلال، فيُنزه نفسه عن مشاكلة الله عزَّ وجلَّ بها ..

الله عزَّ وجلَّ عزيـز: أنت ذليـل .. الله مُتكبِّر: أنت متواضع .. وهكذا.
5) التحقق ..بأن ينظر في الآفــاق ويتفكَّر في آلاء الله سبحانه وتعالى؛ كما أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم،
فقال "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله"[حسنه الألباني، صحيح الجامع (2975)] .. أي:
تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في ذات الله سبحانه وتعالى .. والقاعدة في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى:

{..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11]




تَــــــأَمَّلْ سُطُوْرَ الْكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا ... مِنَ الْمُلْكِ الْأَعْلَىَ إِلَيْـــــكَ رَسَــــائِلُ

وَقَدْ خَطَّ فِيْهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا ... أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا الْلَّهَ بَــاطَلَّ





تعالوا نتعلَّم أسماء الله تعالى وصفاته؛ فنخرج من الشقاء إلى الراحة ومن الغفلة إلى التذكرة ..

فلا سعادة للقلب ولا سرور له إلا بمعرفة مولاه ومربيه وإلهه ..

لنجعل قلوبنا تهتف: {.. قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}[الإسراء: 30]

ولنستغرق الأوقات في الثنـــــاء عليه سبحــــــانه بأسمائه وصفاته ..
ونتحقق بمعاني التوحيد، فتذل قلوبنا له ونتحبب له سبحــــانه وتعالى .
وهذا ما سيكون من خلال تلك السلسلة المباركة إن شاء الله تعالى، التي سنتناول فيها اسم من أسماء الله تعالى كل يومين بإذن الله ..
نتعلَّم معانيها وكيف نتعبَّد الله تعالى بها ونتعرَّف على حظنا من كل اسم من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى ..
فتابعونـــا إن شاء الله ولا تنسونــــا من صـــالح دعـــائكم ..

جعلنا الله وإياكم ممن عرفه فخافه، وأحبه فأطـــاعه، وعلَّق به رجـــــاءه ولم يلتفت لسواه .. اللهم آمين،،





المواضيع المتشابهه:



 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #2


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



حظ المؤمن من اسم الله تعالى الودود

إذا أردت أن يكون لك حظ عظيم من اسم الله تعالى "الودود"، فتودد إليه بالأعمال الصالحة ..

وإن وصلت إلى تلك المنزلة، ستنال محبة الله عزَّ وجلَّ وملائكته وسيُبسَط لك القبول في الأرض ..



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ:

إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ،
فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ"[صحيح البخاري]

ولوْ لمْ يَكُنْ في مَحَبَّةِ اللَّهِ إلاَّ أنَّهَا تُنْجِي مُحِبَّهُ منْ عذابِهِ لكانَ يَنْبَغِي للعبدِ أنْ لا يَتَعَوَّضَ عنها بشيءٍ أبداً، فَأَبْشِرْ فَإِنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ لَا يُعَذِّبُ حَبِيْبَهُ،،





كيف نُحبَّ الله جلَّ في علاه؟

أولاً: معرفة الله ..
فالله يحب أن تتعرف عليه، كما يقول النبي صلي الله عليه وسلم " تعرَّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة"[صحيح الجامع (2961)] ..

وقال صلي الله عليه وسلم "إن الله ليعجب من العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عَرِفَ أن له ربًّا يغفر ويعاقب"[صحيح الجامع (1821)]
عن الحسن بن أبي جعفر، قال: سمعت عتبة الغلام يقول: من عرف الله أحبه، ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه، ومن أكرمه أسكنه في جواره،

ومن أسكنه في جواره فطوباه، وطوباه، وطوباه، وطوباه فلم يزل يقول وطوباه حتى خرَّ ساقطًا مغشيًا عليه. [حلية الأولياء (3:69)]

ومن أعظم الأسباب التي تُعين على معرفة الله تعالى:
·التفكُّر في خلق السماوات والأرض .. كان ذو النون المصري يقول: "تنال المعرفة بثلاث: بالنظر في الأمور

كيف دبرها، وفي المقادير كيف قدرها، وفي الخلائق كيف خلقها" [حلية الأولياء (4:214)]
·ومطالعة أسماء الله تعالى وصفاته .. لا سيما بتدبُّر آيات القرآن والنظر في هذه الأسماء ومواضعها، وكذلك تلمُّس
آثار هذه الأسماء في الكون من حولك ..
يقول ابن القيم "واللَّهُ سبحانَهُ تَعَرَّفَ إلى عبادِهِ منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ بما يُوجِبُ مَحَبَّتَهُم لهُ؛ فإنَّ القلوبَ مَفْطُورَةٌ
على مَحَبَّةِ الكمالِ وَمَنْ قامَ بهِ، واللَّهُ سبحانَهُ وتَعَالَى لهُ الكمالُ المُطْلَقُ منْ كلِّ وَجْهٍ، الذي لا نَقْصَ فيهِ بِوَجْهٍ ما" [روضة المحبين (420)]
·استشعار نعم الله على العبد .. فإن القلوب جُبِلَت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، ولا أحد أعظم إحسانًا من الله سبحانه،

فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة، وهو يتقلَّبُ في إحسانه في جميع أحواله. [طريق الهجرتين (258)] ..
وكان عمر بن عبد العزيز يقول " .. الفكرة في نعم الله أفضل العبادة" [حلية الأولياء (2:411)]



ثانيًا: حب النبي صلي الله عليه وسلم واتبـــاع سُنَّته ..
فمن اتبع رسوله فيما جاء به، وصدق في اتباعه، فذلك الذي أحب الله وأحبه الله .. قال تعالى
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران: 31]

ثالثًا: كثرة ذكر الله تعالى ..
قال ذو النون "وَمَنْ شُغِلَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ بِالذِّكْرِ، قَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ نُورَ الِاشْتِيَاقِ إِلَيْهِ" [شعب الإيمان (2:267)]

رابعًا: حب القرآن وتلاوته بتدبُّر وتفكُّر ..
عن عائشة: أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }[الإخلاص:1] ..
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم، فقال "سلوه لأي شيءٍ يصنع ذلك". فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن
وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلي الله عليه وسلم "أخبروه أن الله يحبه"[متفق عليه] .. أحبَّ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }، فأحبَّهُ الرحمن.
قال ابن القيم "فتبارك الذي جعل كلامه حياة للقلوب وشفاء لما في الصدور وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر؛
فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة
والتوكُّل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله" [مفتاح دار السعادة (1:187)]

خامسًا: الانكسار والذلَّ بين يدي العزيز الجبــار ..
فإن منن الرحمن تفيض على أهل الانكسار .. قال تعالى { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ..}[آل عمران: 123]
ويقول جلَّ وعلا {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]
وأقرب ما يكون العبد من الربِّ حال انكساره بين يديه .. كما ورد في بعض الإسرائيليات أن موسى قال:
يا رب أين أبغيك، قال: ابغني عند المنكسرة قلوبهم. [حلية الأولياء (1:376)]


فالله تعالى يبتليك ليسمع تضرعك وأنينك؛ لأن فيه انكسار وافتقار بين يديه ،،

سادسًا: التقرُّب إليه بالفرض وكثرة النوافل، لاسيما الصلاة ..
كما ورد في الحديث القدسي " .. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ .."[صحيح البخاري]

سابعًا: الخلوة لمناجاة الله ..
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها:

{ .. يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ..}[يوسف: 88] ..
لبرز لهم التوقيع عليها: { .. لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف: 92]. [لطائف المعارف (1:228)]

ومناجاتك سبب نجاتك، وبها يغرس الله تعالى حبَّهُ في قلبك،،

ثامنًا: معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى ..
فإن كنت تريد أن يحبك الله ، ينبغي أن تترك شيئًا تحبه ابتغاء مرضاته .. ومن ترك شيئًا لله، عوضه الله خيرًا منه.
فلتجربي أيتها الفتاة .. أن تتركي التبرُّج والملابس الضيقة؛ ابتغاء مرضاة الله وحده .. وانظري كم فيوضات الرحمة التي سيفيض بها الكريم عليكِ ..

ويكفيكي أن يُحبك ويرزقكِ حبه، إن وجدكِ صادقة مخلصة.
ولتجرب أيها الشاب .. أن تترك مصاحبة الفتيات والتدخين، وسائر المُنكرات التي يقع فيها شباب هذا الزمان؛ ولسان حالك يقول

{.. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه: 84] .. وحينها ستُبلَّغ حُب ربِّك .

تاسعًا: تذكُّر نعيم أهل الجنة، ورؤيتهم لربِّهم ..
فاستحضار هذه اللحظة يُسكِب في القلب معاني المحبة.
عاشرًا: محبة أولياء الله ومجالسة الصالحين المحبين ..
فإذا أحببت أولياءه أحبك وإذا عاديت أولياءه أذلَّك .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ .."[صحيح البخاري]
وعن النبي صلي الله عليه وسلم "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا قال: أين تريد ؟. قال: أريد أخًا لي في هذه القرية .
قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟، قال: لا، غير أني أحببته في الله . قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه"[رواه مسلم]
وقال بعض السلف "أحِب أهل الجنة تكن معهم يوم القيامة، وابغض أهل المعاصي يحبك الله" [حلية الأولياء (3:188)]
ومجالسة الصالحين المحبين ترقق القلب .. وتلتقط من أفواههم أطايب الكلام كما تنتقى أطايب الثمار ..هؤلاء قوم أحبوا الله فتتفطر القلوب
القاسية لكلامهم، وتدمع العيون الجافية عند سماع أصواتهم .. قوم عرفوا الله، فذاقوا طعم السعادة ونالوا لذة الإيمان،
فلو عرف الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه من السرور والنعيم لجالدونا عليه بالسيوف.

حادي عشر: حب الصحابة، لاسيما الأنصار ..
عن البراء قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله" [متفق عليه]
ثاني عشر: الزهد في الدنيـــا ..
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك" [رواه ابن ماجه]
ثالث عشر: أداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الجوار ..
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن أحببتم أن يحبكم الله تعالى ورسوله، فأدوا إذا ائتمنتم واصدقوا إذا
حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم"[رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الجامع (1409)]
رابع عشر: أن تبتعد عن كل سبب يحول بينك وبين الله تعالى ..
فابتعد عن كل ذنبٍ تعلم أنه يقطع بينك وبين ربِّك؛ حتى يخلص قلبك له وحده .
خامس عشر: المبادرة إلى طلب القرب بالطاعات ..
قال النبي صلي الله عليه وسلم "قال الله : يا ابن آدم، قم إليَّ أمش إليك، وامش إليَّ أهرول إليك"[رواه أحمد وصححه الألباني]
سادس عشر: محبة لقاء الله ..
والاستعداد له بالزيادة في الأعمال الصالحة، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"[متفق عليه]


الدعاء باسم الله الودود

لم يرد الدعاء بالاسم أو الوصف في القرآن أو السُّنَّة، ويمكن الدعاء بمعنى الاسم؛ فالودود هو المحبوب الذي يستحق أن يحب،
وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته، ومما ورد في ذلك حديث معاذ : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
"اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ،
أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم "إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلمُوهَا"[رواه الترمذي وصححه الألباني]

يقول ابن القيم: ومنْ أفضلِ ما سُئِلَ اللَّهُ حُبُّهُ، وَحُبُّ مَنْ يُحِبُّهُ، وَحُبُّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إلى حُبِّهِ. ومِنْ أَجْمَعِ ذلكَ أنْ يَقُولَ:

"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي
مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فرَاغاً لي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ، اللَّهُمَّ حَبِّبْنِي إِلَيْكَ وَإِلَى مَلائِكَتِكَ
وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالحِينَ،
اللَّهُمَّ أَحْيِ قَلْبِي بِحُبِّكَ وَاجْعَلْنِي لَكَ كَمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُحِبُّكَ بِقَلْبِي كُلِّهِ، وَأُرْضِيكَ بِجُهْدِي كُلِّهِ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبِّي كُلَّهُ لَكَ، وَسَعْيِي كُلَّهُ في مَرْضَاتِكَ" [روضة المحبين (417,418)]


المصادر:
  • سلسلة (شرح الأسماء والصفات) لفضيلة الشيخ هاني حلمي.




 


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #3


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الودود سبحانه وتعالى
لوْ لمْ يَكُنْ مِنْ تَحَبُّبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلى عبادِهِ وإحسانِهِ إليهم وَبِرِّهِ بهم إلاَّ أنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لهم ما في السَّمَاواتِ والأرضِ وما في الدنيا

والآخرةِ، ثُمَّ أَهَّلَهُم وَكَرَّمَهم، وَأَرْسَلَ إليهمْ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهمْ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ لهم شَرَائِعَهُ، وَأَذِنَ لهم في مُنَاجَاتِهِ كلَّ وقتٍ أَرَادُوا،
وَكَتَبَ لهم بكُلِّ حسنةٍ يَعْمَلُونَهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وكَتَبَ لهم بالسيِّئَةِ واحدةً، فإنْ تَابُوا منها مَحَاهَا وأَثْبَتَ مكانَهَا حسنةً ..








وإذا بَلَغَتْ ذُنُوبُ أحدِهِم عَنانَ السماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لهُ، ولوْ لَقِيَهُ بِقُرَابِ الأرضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيَهُ بالتوحيدِ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً

لأَتَاهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، وَشَرَعَ لهم التوبةَ الهادمةَ للذنوبِ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهَا ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُم .. فَإنَّما الفضلُ كُلُّهُ والنعمةُ كُلُّهَا
والإحسانُ كلُّهُ منهُ أَوَّلاً وآخِراً .. أَعْطَى عَبْدَهُ مالَهُ، وقالَ: تَقَرَّبْ بهذا إِلَيَّ أَقْبَلْهُ منكَ ..

فالعبدُ لهُ، والمالُ لهُ، والثوابُ منهُ ..


فهوَ المُعْطِي أوَّلاً وآخِراً، فكيفَ لا يُحَبُّ مَنْ هذا شأنُهُ؟!!


وكيفَ لا يَسْتَحِي العبدُ أنْ يَصْرِفَ شَيْئاً منْ مَحَبَّتِهِ إلى غَيْرِهِ؟!!


ومَنْ أَوْلَى بالحمدِ والثناءِ والمَحَبَّةِ منهُ سبحانَهُ؟!! ومَنْ أَوْلَى بالكَرَمِ والجُودِ والإحسانِ منهُ؟!!


[طريق الهجرتين (261,262)]





وروده في القرآن الكريم


ورد اسم الله تعالى الودود مرتين في القرآن الكريم:
في قوله تعالى {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود: 90]
وقوله جلَّ وعلا {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (*) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج: 13,14]








المعنى اللغوي

الوُدُّ مصدر المودَّة .. والودُّ هو الحبُّ يكون في جميع مداخل الخير.
وَوَدِدْتُ الشيء أوَدُّ، وهو من الأمنية وشدة التعلُّق بحدوث الشيء .. كما في قوله تعالى {.. يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ..}[البقرة: 96]، أي:

يتمنى أن يعيش ألف سنة .. وكقوله تعالى { .. يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}[البروج: 11]
قال ابن العربي "اتفق أهل اللغة على أن المودَّة هي المحبة" .. قال تعالى {.. وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ..}[الروم: 21].
ويأتي أيضًا بمعنى الملازمة مع التعلُّق .. فالودد معناه الوتد؛ لثبوته ولشدة ملازمته وتعلقه بالشيء.
ويأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة .. كما ورد عَنْ ابنِ عُمَرَ أنه قال:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ"[صحيح مسلم]
أما الحبُّ .. فهو نوعٌ من الصفاء والنقاء والطهُّر والخضوع .. والحُبُّ من القِرط، الذي من شأنه أنه دائم التقلقل ..
كما قال الجنيد "الصادق يتقلَّبُ في اليوم أربعين مرة، والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة" [مدارج السالكين (2:274)] ..

فالمُحبُّ يتقلَّب قلبه بين الخوف والرجاء، والسكينة والقلق، والسرور والحزن .. أما من مات قلبه، تسكن أحواله .. وهذا من علامات النفاق والعياذ بالله تعالى،،
والفرق بين الحُبُّ والودُّ .. أن الحب ما استقر في القلب، والودُّ ما ظهر على السلوك .. فكل ودود مُحب، وليس كل مُحب ودود .. وكل ودود أساسه مشاعر الحب في قلبه.





معنى الاسم في حق الله تعالى

قال ابن عباس "الودود هو الرحيم"، وقال البخاري "الودود هو الحبيب"
وقال الزجاج: الودود: فعول بمعنى فاعل، كقولك: غفورٌ بمعنى غافر، وشكور بمعنى شاكر .. فيكون الودود في صفات الله بمعنى: الذي يودُّ عباده الصالحين ويحبهم.
والمعنى الثاني: أنه مودود بمعنى مفعول، أي: الذي يوده عباده ويحبونه.
قال الخطابي "وقد يكون معناه أن يُوَدِّدَهم إلى خلقه، كقوله {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم: 96]"
يقول السعدي: "الودود: الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته،

ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودًا وإخلاصًا وإنابةً من جميع الوجوه" [تيسير الكريم الرحمن (1:947)]
ويقول ابن القيم في النونية:


وهوَ الودودُ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّهُ ... أحبابُهُ والفضلُ لِلْمَنَّانِ


وهوَ الذي جَعَلَ المَحَبَّةَ في قُلُو ... بِهِمُ وَجَازَاهُم بِحُبٍّ ثَانِ


هذا هوَ الإحسانُ حَقًّا لا مُعَا ... وَضَةً ولا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ


لكنْ يُحِبُّ شُكُورَهُم وَشَكُورَهُم ... لا لاحْتِيَاجٍ منهُ للشُّكْرَانِ


[القصيدة النونية (245)]





عجـــائب ودُّ الله

يقول ابن القيم "ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب

من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.

كفى بك عزًّا أنك له عبد * * * وكفى بك فخراً أنه لك رب" [الفوائد (1:38)]


من أنت أيها العبد الفقير حتى يتقرَّب إليك أغنى الأغنياء؟! .. وماذا تساوي أنت أيها الذليل حتى يتودد إليك العزيز جلَّ في علاه؟!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم "إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ:

هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ .. هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ .. هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ .. حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" [صحيح مسلم]

ألا تشكو من قسوة القلب؟! .. ألا تعاني هجر القرآن؟! .. ألا يسوؤك حالك مع الله تعالى؟!


ألا يواجههك ضيق العيش؟! .. ألا تبتلى؟! ..

إذًا، هلم ارفع شكواك وقَدِم نجواك في الثلث الأخير من الليل، فاتحة الأحزان وفاتحة الرضوان، وجنات النعيم والكرم الإلهي ..


عجبًا لك أيها العبد! ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونها الحراس والحُجَّاب، وتنسى من بابهُ مفتوحٌ إلى يوم القيامة !!

ومن عجائب ودَّهُ: أن تسبق محبته للعباد محبتهم له ..
فالله هو الذي يبتديء عباده بالمحبة .. قال تعالى { .. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ..}[المائدة: 54]
يقول ابن الجوزي "سبحان من سبقت محبته لأحبابه؛ فمدحهم على ما وهب لهم، واشترى منهم ما أعطاهم، وقدم المتأخر من أوصافهم

لموضع إيثارهم، فباهى بهم في صومهم، وأحب خلوف أفواههم. يا لها من حالةٍ مصونةٍ! لا يقدر عليها كل طالب، ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب"[صيد الخاطر (1:28)]
ومن عجائب ودَّهُ: أنه يتودد بنعمه لأهل المعاصي، ويقيم بها عليهم الحجة ..
ومن لطائف ودَّهُ: أنه لا يرفعه عن المذنبين، وإن تكررت ذنوبهم، فإذا تابوا منها وعادوا إليه شملهم بمحبته أعظم مما كانوا عليه .. أليس الله يحب التوابين؟
يقول ابن القيم "وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربِّه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الودُّ الذي كان له منه قبل الجناية،

واحتجوا فى ذلك بأثرٍ إسرائيليٍ مكذوب أن الله قال لداود : يا داود، أما الذنب فقد غفرناه، وأما الودُّ فلا يعود.
وهذا كذبٌ قطعاً، فإن الودُّ يعود بعد التوبة النصوح أعظمُ مما كان، فإنه سبحانه يحب التوابين، ولو لم يعد الودُّ لما حصلت

له محبته، وأيضًا فإنه يفرح بتوبة التائب، ومحال أن يفرح بها أعظم فرح وأكمله وهو لا يحبه.
وتأمل سر اقتران هذين الاسمين فى قوله تعالى:{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِيءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْودُود}[البروج: 13,14]..

تجد فيه من الرد والإنكار على من قال: لا يعود الودُّ والمحبة منه لعبده أبدًا، ما هو من كنوز القرآن ولطائف فهمه،
وفى ذلك ما يُهَيِّج القلب السليم ويأْخذ بمجامعه ويجعله عاكفًا على ربِّه الذي لا إله إلا هو ولا ربُّ له سواه ..
عكوف المحب الصادق على محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا."[طريق الهجرتين (98)]

فالله هو الذي يبدأ بالمغفرة ويُعيدها مرةً أخرى ..


تذنب ثم تتوب إليه بصدق، فيغفر ويصفح .. ليس هذا فحسب بل تزداد محبته لك، أفضل وأعظم مما كانت لك قبل ذلك ..





فكيف لا تحب ربًّا هذه صفته بكل ذرة فيك؟!


تابعوا المقالة القادمة لتعرِّف كيف تتقرَّب إلى الله باسمه الودود،،


المصادر:
  • سلسلة (شرح الأسماء والصفات) لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
  • كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) لفضيلة الشيخ محمد حمود النجدي.
  • كتاب (أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة) د/محمود عبد الرازق الرضواني.




 


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



اللطيـــف جلَّ جلاله
سبحــــان اللطيف الخبيــــر .. يرفق بعبـــاده ويلطف بهم، يرزق من يشــاء بغير حســـاب ومنعه هو خيـــر العطــــاء ..

يعلم مصالح جميع الخلائق؛ الجن والإنس والطير والحيوان والجماد والنبـــات، ثم يسلك سبيلَ الرفق في إيصال هذه المصالح إلى مستحقِّها دون العُنْف ..



ولو نظر الإنسان إلى الكون من حوله، لوجد آثـــار لطف الله تعالى بخلقه واضحةً جليَّة .. ولوجد المرءَ نفسه في نهاية العجز،

واللهُ تعالى في نهاية اللطف، ولطفُه به هو الذي جعله على هذا الحال الحسن، فليس لك إلا أن تدعوه سبحــــانه قائلاً:
يـــــا لَطِيــــــف.. الْطُفْ بِنـــــا ..


المعنى اللغوي

اللطيف في اللغة: صفة مشبهة للموصوف باللطف، فعله: لطف يلطف لطفًا، ولطف الشيء رقته واستحسانه وخفته على النفس، ويطلق على الشيء الخفي المحجوب ..
ويقال اللطف: الرقة والحنان والرفق .. فاللطيف من أسماء الجمال لله سبحانه وتعالى.


ورود الاسم في القرآن الكريم

ورد اسم الله تعالى اللطيـــف سبع مرات في القرآن الكريم، منها قوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]..

وقوله جلَّ وعلا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: 14]
وقوله تعالى {.. إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[يوسف: 100] ..

وقوله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[الحج: 63]




معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى

المعنى الأول: اللطيف سبحانه هو الذي اجْتَمع له العلمُ بدَقائق المصَالح وإيصَالها إلى مَن قدرها له مِن خَلقهِ مع الرفق في الفِعْل والتنفيذ ..


قال تعالى {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ..}[الشورى:19]

فالله لطيفٌ بعباده رفيقٌ بهم قريبٌ منهم، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان، ويدعو المخالفين إلى التوبة والغفران مهما بلغ بهم العصيان، فهو لطيف بعباده

يعلم دقائق أحوالهم، ولا يخفى عليه شيء مما في صدورهم، قال تعالى: { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]، وقال لقمان لابنه وهو يعظه:
{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [لقمان: 16].
ولم يقترن اسم الله اللطيف إلا باسمه الخبير ..فالله تعالى يطلِّع على بواطن الأمور ويلطف بعباده، فلا يُقدِر لهم إلا ما فيه الخير ..

وقد يخفى على العبد هذا الخير، فيُقابل قضاء الله بالاعتراض .. والله تعالى يقول {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: 14]
يقول ابن القيم "ما يَبْتَلِي الله بهِ عبادَهُ من المصائبِ، وَيَأْمُرُهُم بهِ من المكارهِ، وَيَنْهَاهُم عنهُ من الشَّهَوَاتِ، هيَ طُرُقٌ يُوصِلُهُم بها

إلى سعادتِهِم في العاجلِ والآجلِ، وقدْ حُفَّت الجنَّةُ بالمكارهِ، وَحُفَّت النارُ بالشهواتِ.
وقدْ قَالَ صلي الله عليه وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ،

إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"[صحيح مسلم]

فالقضاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ لِمَنْ أُعْطِيَ الشكرَ والصبرَ جَالِبًا ما جَلَبَ ..

وكذلكَ ما فَعَلَهُ بآدَمَ وإبراهيمَ وموسَى وعيسَى ومحمَّدٍ صلي الله عليه وسلم من الأمورِ التي هيَ في الظاهرِ

مِحَنٌ وابتلاءٌ، وهيَ في الباطنِ طُرُقٌ خَفِيَّةٌ أَدْخَلَهُم بها إلى غايَةِ كَمَالِهِم وَسَعَادَتِهِم"[شفاء العليل (1:104)]

المعنى الثاني: اللطيف هو الذي ييسر للعباد أمورهم ويستجيب منهم دعائهم، فهو المحسن إليهم في خفـــاء وستر من حيث لا يعلمون ..
فنعم الله تعالى عليهم سابغة ظاهرة لا يحصيها العادُّون ولا ينكرها إلا الجاحدون، وهو الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }[الحج: 63]، وقال سبحانه:
{اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}[الشورى: 19]،
كما أنه يحاسب المؤمنين حسابًا يسيرًا بفضله ورحمته، ويحاسب غيرهم من المخالفين وفق عدله وحكمته.
المعنى الثالث: اللطيف الذي لطف عن أن يُدرك، وهو لطف الحجاب لكمال الله وجلاله ..
فإن الله لا يُرى في الدنيا لطفًا وحكمة، ويُرى في الآخرة إكرامًا ومحبة .. ولذلك قال عن رؤية الناس له في الدنيا:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ..}[الشورى: 51]، وقال سبحانه:
{لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ }[الأنعام: 103]

يقول الإمام ابن القيم:


وهوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ وَلِعَبْدِهِ ... واللطفُ في أوصافِهِ نَوْعَانِ


إدراكُ أسرارِ الأمورِ بِخِبْرَةٍ ... واللطفُ عندَ مَوَاقِعِ الإحسانِ


فَيُرِيكَ عِزَّتَهُ وَيُبْدِي لُطْفَهُ ... والعبدُ في الغَفَلاتِ عنْ ذا الشَّانِ


[القصيدة النونية (244)]





حظ المؤمن من اسم الله تعالى اللطيــــف

1) أن يتلطف بالمسلمين ويحنو على اليتامى والمساكين والضعفاء ..
ويسعى للوفاق بين المتخاصمين، وينتقي لطائف القول في حديثه مع الآخرين، ويَبَش

في وجوههم، ويحمل قولهم على ما يتمناه من المستمعين؛ فإن الظن أكذب الحديث ..
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ

"يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"[صحيح مسلم]
فلابد على العبد أن يكون هينًا لينًا .. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم

"ألا أخبركم بمن يحرم على النار ومن تحرم عليه النار؟ .. على كل قريب هين سهل"[رواه الترمذي وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1744)]
وعن عبد الله بن الحارث بن حزم قال: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلي الله عليه وسلم.[رواه الترمذي وصححه الألباني]

2) السعي في طلب العلم والفهم عن الله تعالى ..
فإذا عَلِمَ العبد أن الله سبحانه وتعالى لا يفوته من العلم شيء وإن دق وصَغُر، أو خفي وكان في مكانٍ سحيـــق ..

فعليه أن يؤمن بكمال علم الله وإحاطته، وأنه لن يُحيط بشيءٍ من علمه إلا بما شاء سبحانه وتعالى ..

فينبغي عليه أن يسعى في طلب العلم؛ لمحاولة فهم أسرار الحيــاة حتى يزداد إيمانًا ويقينًا ..

وحين يشعر المؤمن بالعجز عن معرفة بعض الأمور أو الحكمة منها، يزداد تعبدًا وذلاً لله تعالى ..

وحين يطلعه الله تعالى على بعض المعرفة، يزداد يقينًا وشكرًا لله سبحانه وتعالى.

3) المحــــــاسبة والمراقبة ..
وإذا عَلِمَ العبد أن ربَّه متصفٌ بدقة العلم، وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حــــاسب نفسه على أقواله وأفعاله،
وحركاته وسكناته؛
لإنه يعلم في كل وقتٍ وحين أنه بين يدي اللطيـــف الخبيــر .. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]
والله سبحانه يجازي الناس على أفعالهم يوم الدين، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر .. قال تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ

نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء: 47] ..
وقال تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (*) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7,8]

فحـــــاسبوا أنفسكم قبل أن تُحــــــاسبوا،،




4) حب الله عزَّ وجلَّ، إذ لطف بك وســــاق لك الرزق وأعطاك ما تحتاجه في معاشك ..
فحينما يتأمل لطف الله سبحانه وتعالى بعباده وأنه يريد بهم الخير واليسر، ويُقيض لهم أسباب الصلاح والبر .. يزداد تعلقًا به سبحانه وتعالى، ويزداد حبهُ له.
5) الذل والانكســار ..
فإذا أردت أن يعاملك الله سبحانه وتعالى بلطفه، عليك أن تذل وتنكسر بين يديه ..


تضــــاعف ما استطعت، فإنَّ اللطف مع الضعف أكثر،،





الدعـــاء باسم الله اللطيف

لم يرد دعاءً مأثورًا بهذا الاسم أو الوصف، إلا ما ورد عند الطبراني وضعفه الألباني من حديث أبي هريرة مرفوعًا:

"اللهم الطف بي في تيسير كل عسير؛ فإن تيسير كل عسير عليك يسير، وأسألك اليسر والمعافاة في الدنيا والآخرة"[ضعيف الجامع (1181)] ..
ويمكن الدعاء بمقتضى ما ورد في قوله تعالى عن يوسف عليه السلام {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ

مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [يوسف: 100] ..

كأن يقول:


اللهم إنك لطيف لما تشاء وأنت العليم الحكيم، ارفع عني البلاء والشقاء وأعذني من الشيطان الرجيم،،


المصادر:
  • سلسلة (شرح الأسماء والصفات) لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
  • كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) لفضيلة الشيخ محمد حمود النجدي.
  • كتاب (أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة) د/محمود عبد الرازق الرضواني.




 


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #5


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الكريــــم الأكرم سبحـانه وتعالى

اسم الله تعالى الكريم من الأسماء المُحببة إلى النفوس المؤمنة، فهم متقلبون في نعيمه ليل نهار .. فلا كرم يسمو على كرمه، ولا إنعام يرقى
إلى إنعامه، ولا عطاء يوازي عطاؤه .. له علو الشأن في كرمه، يعطي ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء بسؤال وغير سؤال ..
يعفو عن الذنوب ويستر العيوب .. ويجازي المؤمنين بفضله، ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله ..




فما أكرمه .. وما أرحمه .. وما أعظمه ..


المعنى اللغوي

الكريم: صفة مشبهة للموصوف بالكرم، والكرَم نقيض اللؤم ..
وكَرُمَ السحــابُ: إذا جــــاء بالغيث .. والكريم: الصفوح، كثير الصفح .. وقيل لشجرة العنب: كَرمَةٌ بمعنى كريمة ..
وقد يُسمى الشيء الذي له قدرٌ وخطرٌ: كريمًا، ومنه قوله سبحانه وتعالى في قصة سليمان عليه السلام

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}[النمل: 29] .. جاء في تفسيره: كتابٌ جليلٌ خطيرٌ، وقيل:
وصفته بذلك لأنه كان مختومًا، وقيل: كان حسن الخط، وقيل: لأنها وجدت فيه كلامًا حسنًا.
قال الزجاج: الكرم سرعة إجابة النفس، كريم الخُلُق وكريم الأصل.
يقول أحمد بن مسكويه في كتابه (تهذيب الأخلاق) "أما الكرم فهو إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور

الجليلة القدر الكثيرة النفع كما ينبغي" [تهذيب الأخلاق (1:7)] .. ويقول الإمام الغزالي "وأما الكرم فالتبرع بالمعروف قبل
السؤال والإطعام في المحل والرأفة بالسائل مع بذل النائل" [إحياء علوم الدين (3:246)] .. والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء.




وروده في القرآن

ورد اسم الله تعالى الكريم ثلاث مرات .. في قوله تعالى {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون: 116]
وقول الله عزَّ وجلَّ { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الإنفطار: 6] .. وقوله تعالى

{.. وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}[النمل: 40]
وورد اسمه تعالى الأكرم في قوله { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}[العلق: 3] .. وهي من أوائل السور التي نزلت في مفتتح البعثة،

فكان ميثاق التعرُّف بين الله سبحانه وتعالى ونبيه صلي الله عليه وسلم من خلال اسمه الأكرم ..
لأن الكرم كان من أبلغ المناقب عند العرب، والله سبحانه وتعالى أكرم من كل ما تتصور.




معنى الاسم في حق الله تعالى

يقول الغزالي "الكريم: هو الذي إذا قدر عفا وإذا وعد وفى .. وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى ..
وإن رُفِعَت حاجةٌ إلى غيره لا يرضى .. وإذا جُفِيَ عاتب وما استقصى .. ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء ..
فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلُّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط " [المقصد الأسنى (1:117)]
فالكريم هو كثير الخير، الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه .. الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل .. فالكريم اسم جامعٌ لكل ما يُحمد ..
وقد أورد ابن العربي ستة عشر قولاً في معنى اسمه تعالى الكريم، وهي:
1) الذي يعطي لا لعوض .. 2) الذي يعطي بغير سبب .. 3) الذي لا يحتاج إلى الوسيلة ..
4) الذي لا يبالي من أعطى ولا من يُحسَن إليه .. كان مؤمنًا أو كافرًا، مُقرًا أو جاحدًا .. لولا كرمهُ ما سقى كافر شربة ماء.
5) الذي يُستبشر بقبول عطائه ويُسرُّ به.
6) الذي يعطي ويثني .. كما فعل بأوليائه حبَّبَ إليهم الإيمان وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ثم قال

{ .. أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (*) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 7,8]
يُحكى أنَّ الجُنيد سَمِعَ رجلاً يقرأ {.. إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص: 44] .. فقال:

سبحـــان الله ! أعطى وأثنى .. فالله تعالى هو الذي وهب عبده أيوب عليه السلام الصبر، ثمَّ مدحه به وأثنى.
7) الذي يَعُمُّ عطاؤه المحتاجين وغيرهم.
8) الذي يُعطي من يلومه .. فيعطي العبد برغم إساءته للأدب مع ربِّه سبحانه وتعالى.
9) يُعطي قبل السؤال .. قال تعالى { وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: 34]
10) يُعطي بالتعرُّض .. 11) الذي إذا قَدَرَ عفى .. 12) الذي إذا وَعَدَ وفَّى ..
13) الذي تُرفَع إليه كل حاجة صغيرة كانت أو كبيرة ..
14) الذي لا يُضيع من توسَّل إليه ولا يترك من التجأ إليه .. عن سلمان قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم

"إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين"[رواه أبو داود وصححه الألباني]
15) الذي لا يُعاتب .. 16) الذي لا يُعاقب ..
الفرق بين الكرم والجود ..
الجود: هو صفة ذاتية للجواد، ولا يستحق بالاستحقاق ولا بالسؤال.
والكرم: مسبوق باستحقاق السائل والسؤال منه. [كتاب الكليات (1:545)]





أما معنى اسم الله تعالى الأكرم

الأكرم: اسم دل على المفاضلة في الكرم، فعله: كرم يكرم كرما، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع، والأعظم
والأشرف، والأعلى من غيره في كل وصف كمال، قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }[الحجرات:13]
الفرق بين الكريم والأكرم
والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله في كرمه نظير، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم ..
لكن الفرق بين الكريم والأكرم: أن الكريم .. دل على الصفة الذاتية والفعلية معًا، كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة

والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات، وأيضًا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب، ولا يمُنُ إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ..
وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى وهذا كمال وجمال في الكرم.
أما الأكرم .. فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي، فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على

خلقه في عظمة الوصف وحسنه، ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال.




حظ المؤمن من اسم الله تعالى الكريـــم الأكرم

1) أن يظهر على العبد أثر النعمة ..
عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وعليَّ ثوب دون، فقال لي "ألك مال؟"، قلت: نعم . قال
"من أي المال؟"،
قلت: من كل المال قد أعطاني الله من الإبل والبقر والخيل والرقيق. قال "فإذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته"[رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني]
2) إكرام النـــاس ..
قال صلي الله عليه وسلم "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه"[حسنه الألباني، صحيح الجامع (269)] ..

إذا كنت تُحب أن يعاملك الله الكريم، بكرمه وجوده وفضله وإنعامه، فعليك أن تُكرم النــاس في معاملاتك وأخلاقك.
والاهتمام بإكرام الضيف والجــار على الأخص .. لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه،

جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه"[متفق عليه] ..
وقال صلي الله عليه وسلم "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"[رواه أحمد وصححه الألباني]

فبإكرامك لضيفك وجارك، يزدد إيمانك وترتفع درجتك عند الله سبحانه وتعالى،،

3) أن يعلم أن الإكرام بالنعمة إبتلاء، يستوجب الشكر والطاعة ..
لا كما يظن البعض أنها دليل حبٍ ورضــا .. يقول الله تعالى { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (*)

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (*) كَلَّا ..}[الفجر: 15,17]

فالله سبحانه وتعالى يبتلينا بالخير والشر، وحق الخير شكره وحق الشر الصبر عليه.

وعن أبي هريرة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال "فيلقى العبد فيقول: أي فُل (فلان) ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل
والإبل وأذرك ترأس وتربع ؟، فيقول: بلى، قال: أفظننت أنك ملاقيَّ ؟ فيقول لا فيقول فإني قد أنساك كما نسيتني"[رواه مسلم]
والإكرام الحقيقي هو إكرام الله للعبد بالتوفيق للطاعة واليقين والإيمان .. قال تعالى

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[الحجرات:13]
4) كثرة فعل الخيـــرات ..
لأن من معاني اسمه تعالى الكريم أنه كثيـــر الخير، فعلى العبد أن يبذل الخيـــر للناس .. بأن يُكثر من الصدقات عن طيب نفس ..

من نفقة على مسكين وفقير، وسعي على أرملة، سقي الظمآن، وإغاثة اللهفان، وحتى ذكر الله سبحانه وتعالى صدقة.
5) كرم الأخلاق ..
إذا أردت أن يكرمك الله، كن كريم الأخلاق .. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم

"إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها"[صحيح الجامع (1801)]
عن أبي هريرة : عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "من كان هينا لينًا قريبًا حرمه الله على النار"[رواه الحاكم وصححه الألباني]
6) التعزز عن سفاسف الأمور وعدم التذلل لأحد ..
فالكريم هو الذي له خطر وقدر، فتعالى عن سفاسف الأمور ولا تذل لمال أو جــاه أو شهوة ..
فكن على طاعة الله وابتعد عن مخالفته، تكن كريمًا في الأرض ويَعظُم شأنك ..
أما المعصية فهي سبب ذُلَك وشؤمك .. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم

".. وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم"[صحيح الجامع (2831)]
7) التخليـــة والتصفيــة ..
لأن الكريم معناه: المُنزه عن النقائص والآفــات .. فعليك أن تسعى في تربية وتهذيب نفسك؛ لإنك لن تكون كريمًا عند الله وأنت مليء بالنقائص والعيــوب.
8) لا تجعل الله أهون الناظرين إليـــك ..
قال تعالى {.. وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج: 18]
9) اللوذ واللُجأ بالكريــم عن الكُربــــات ..
عن ابن عباس: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب

"لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم" [متفق عليه]

فلُذ بربِّك الكريـــم، يُفرج كربك،،

10) إكرام القرآن ..
قال تعالى {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ}[الواقعة: 77] .. فأكرم كتاب الله الكريم قراءةً وتدبرًا وعملاً؛ لكي تكون كريمًا عند ربِّ العالمين.





الدعاء باسمي الله تعالى الكريم الأكرم

منه: دعـــاء ليلة القدر .. عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟، قال:
"قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"[رواه الترمذي وصححه الألباني]
وورد الدعاء باسمه الأكرم .. عن ابن مسعود : أنه كان يدعو في السعي: "اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ"،

وفي رواية: "اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ، اللهمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"،
وقال الألباني: "وإن دعا في السعي بقوله: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم فلا بأس لثبوته عن جمع من السلف" [مناسك الحج والعمرة (26)]
ومما ورد في الدعاء بالوصف .. ما رواه مسلم من حديث عوف بن مالك أنه قال:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ
وَأَكرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلهُ، وَاغسِلهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ" [صحيح مسلم]


المصادر:
  • سلسلة (شرح الأسماء والصفات) لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
  • كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) لفضيلة الشيخ محمد حمود النجدي.
  • كتاب (أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة) د/محمود عبد الرازق الرضواني.




 


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #6


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الحليــــم سبحــــانه وتعالى
الله الحليم سبحانه وتعالى هو الصبور المتصف بالحلم، يتمهل ولا يتعجل، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات،

فهو سبحانه يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب، ولو أنه عجل
لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب، ولكن الله عزَّ وجلَّ هو الحليم ذو الصَّفحِ والأناةِ، استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه
في ملكه، واستبقاه إلى يوم موعود وأجلٍ محدود، فأجَّل بحلمه عقاب الكافرين، وعجَّل بفضله ثواب المؤمنين ..






المعنى اللغوي

الحِلْمُ بالكسر: الأناة والعَقْل، وجمعه أحلامٌ وحُلُومٌ .. وأحلام القومِ: حُلماؤُهُم، ورجل حليمٌ من قومٍ أحلامٍ وحُلماء .. والحِلْمُ: نقيض السفه.
قال الراغب الأصفهاني: الحِلْمُ: ضبطُ النفس والطبع عن هيجـــان الغضب وجمعه أحلامٌ. قال تعالى {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا ..}[الطور: 32] .. أَحْلَامُهُمْ، أي: عُقولُهُم.
فالحلم بمعنى: العقل أي الإحكــــام وضبطُ النفس .. وحَلُم، أي: ضبط نفسهُ وسيطر عليها.





وروده في القرآن الكريم

ورد الاسم في القرآن إحدى عشرة مرة، منها:
قوله تعالى {...وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة: 235]
وقوله سبحانه وتعالى {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}[البقرة: 263]
وقول الله عزَّ وجلَّ {..وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}[الأحزاب: 51] .. وقوله تعالى {..إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء: 44]





معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى

الحليـــم: الذي لا يعجل على عبــــاده بعقوبتهم على ذنوبهم .. حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه، في تركه تعجيـــل عذابه له ..
حليمًا ذو الصفح والأنــــاة، لا يستفزه غضب ولا يستَخِفُّهُ جهلُ جـــاهلٍ ولا عصيـــانُ عاصٍ.
ولا يستحق الصافحُ مع العجز اسم الحِلْمِ، إنما الحليمُ هو الصفوح مع القدرة والمتأني الذي لا يعجل بالعقوبة.
وقد أنعمَ بعض الشعراء بيـــان هذا المعنى في قوله:


لا يدركُ المجدَ أقوامٌ وَإنْ كَرُمُوا ... حتى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لأقوامِ


ويُشتَموا فترى الألوان مُسفرةً ... لا صَفحَ ذُلٍّ ولكن صفحَ أحْلامِ

يقول الإمام الغزالي "الحليم: هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام
مع غاية الاقتدار عجلة وطيش، كما قال تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61]"[المقصد الأسنى (1:103)]
وتأمل حلم الله تعالى على عباده، في قوله { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ

لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[يونس: 11]
وقوله عزَّ وجلَّ { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا}[الكهف: 58]
فالحليــم هو الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام .. ولا يحبس عن عباده بذنوبهم الفضل والإنعام، بل يرزق العاصي

كما يرزق المطيع، وإن كان بينهما تفاضل على مقتضى الحكمة، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب ..
وحِلْمُ الله تعالى عظيــــم .. عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم

"ما أحدٌ أصبر على أذى يسمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم" [متفق عليه]

يقول ابن القيم في نونيته:


وَهْوَ الحَلِيــــــمُ فَلا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ ... بِعُقُوبَةٍِ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ


[القصيدة النونية (244)]





حظ المؤمن من اسم الله تعالى الحليم


كيفية التخلُّق بالحلم

لا شك إن الحلم خُلُقٌ عظيم، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم لأشج عبد القيس "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة"[رواه مسلم] ..
وقال صلي الله عليه وسلم ".. إن الله يحب الغني الحليم المتعفف، ويبغض البذيء الفاجر السائل الملح" [رواه البزار وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (819)]
فالحلم صفة تُكسِبُ المرء محبة الله ورضوانه، وهو دليلٌ على كمال العقل وسعة الصدر وإمتلاك النفس ..

والذي يتخلَّق بهذا الخُلُق سيكون له أثرًا عظيمًا في تهذيبه وتربيته لنفسه ..
قال القرطبي رحمه الله "فمن الواجب على من عَرَفَ أن ربَّهُ حليمٌ على من عصـــاه، أن يحلُم هو على من خــالف أمره،
فذاك به أولى
حتى يكون حليمًا فينــال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر سورة غضبه ويرفع الانتقــام عن من أســـاء إليه، بل يتعود الصفح حتى يعودَ الحِلم له سجية.

وكما تحب أن يحلُمَ عنك مالكك، فاحلم أنت عمن تملك؛ لأنك متعبدٌ بالحلم مُثــابٌ عليه ..

قال الله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى: 40] ..
وقال تعالى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]"
فالحلمُيعملعلى تآلفالقلوب،وينشُرالمحبةبينالناس،ويُزيلالبغضويمنعُا لحسد، ويُميلالقلوبويستحقصاحبهالدرجاتالعلاوالجزاءالأوفر ..
والحليــــم لا يكون إلا حكيمًا، واضعًا للأمور مواضعها، عالمًا قادرًا ... إن لم يكن قادرًا كان حلمه مُتلبسًا بالعجز والوهن والضعف،

وإن لم يكن عالمًا كان تركه للانتقام جهل، وإن لم يكن حكيمًا ربما كان حلمه من السفه.



وقد ذكر الإمام الماوردي عشرة أسبــــاب دافعة للحلم في كتابه (أدب الدنيا والدين)، فقال:
الْحِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَقِّهَا بِذَوِي الْأَلْبَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ الْعِرْضِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ وَاجْتِلَابِ الْحَمْدِ ..


وَأَسْبَابُ الْحِلْمِ الْبَاعِثَةُ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ عَشَرَةٌ :

1) الرَّحْمَةُ لِلْجُهَّالِ .. وَذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ يُوَافِقُ رِقَّةً، وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مِنْ أَوْكَدِ الْحِلْمِ رَحْمَةُ الْجُهَّالِ .
2) الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْتِصَارِ .. وَذَلِكَ مِنْ سَعَةِ الصَّدْرِ وَحُسْنِ الثِّقَةِ في رَبِّهِ وما عنده من جزيـــل الثواب.
3) التَّرَفُّعُ عَنْ السِّبَابِ .. وَذَلِكَ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيِّدًا لِحِلْمِهِ.
وعن عائشة قالت: لم يكن رسول الله صلي الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، ولا سخابًا في الأسواق،

ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.[رواه الترمذي وصححه الألباني]
4) الِاسْتِهَانَةُ بِالْمُسِيءِ .. وَذَلِكَ قد يؤدي إلى ضَرْبٍ مِنْ الْكِبْرِ وَالْإِعْجَابِ، ولكنه مع الجُهال وأعداء الله يُعد من العزة ..
حُكِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْعِرَاقَ جَلَسَ يَوْمًا لِعَطَاءِ الْجُنْدِ وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: أَيْنَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ،

وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَاهُ الزُّبَيْرُ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ إنَّهُ قَدْ تَبَاعَدَ فِي الْأَرْضِ .
فَقَالَ : أَوَيَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنِّي أُقِيدُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَلْيَظْهَرْ آمِنًا لِيَأْخُذَ عَطَاءَهُ مُوَفَّرًا .. فَعَدَّ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الْكِبْرِ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ :


إذَا نَطَقَ السَّفِيهُ فَلَا تُجِبْهُ ... فَخَيْرٌ مِنْ إجَابَتِهِ السُّكُوتُ


سَكَتُّ عَنْ السَّفِيهِ فَظَنَّ ... أَنِّي عَيِيتُ عَنْ الْجَوَابِ وَمَا عَيِيتُ

5) الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ جَزَاءِ الْجَوَابِ .. والباعث عليه ما يَكُونُ مِنْ صِيَانَةِ النَّفْسِ وَكَمَالِ الْمُرُوءَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ : مَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ .. فيجب أن يصون لسانه ويترفع عن أن يرد الأذى بالأذى.
6) الْكَرَمُ وَحُبُّ التَّأَلُّفِ وَالتَّفَضُّلُ ..
حُكِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَادَانِي أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَخَذْت فِي أَمْرِهِ بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ:

إنْ كَانَ أَعْلَى مِنِّي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْت قَدْرِي عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ.
7) الحَزم وَاسْتِنْكَافُ السِّبَابِ وَقَطْعُ السِّبَابِ ..
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : مَا أَدْرَكْت أُمِّي فَأَبَرُّهَا، وَلَكِنْ لَا أَسُبُّ أَحَدًا فَيَسُبُّهَا .. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : فِي إعْرَاضِك صَوْنُ أَعْرَاضِك.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :


وَفِي الْحِلْمِ رَدْعٌ لِلسَّفِيهِ عَنْ الْأَذَى ... وَفِي الْخَرْقِ إغْرَاءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا

8) الْخَوْفُ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ عزَّ وَجَلَّ ..

فَقَدْ قِيلَ: الْحِلْمُ حِجَابُ الْآفَاتِ.

9) الْوَفَاءِ وَحُسْنِ الْعَهْدِ ..
فإن كان من أســاء إليـــك له مَكرُمة سالفة عليك، عليك أن ترعاها له وتتغاضي عن خطأه وفاءً له.
10) الحِكمة في التعامل مع الأمور ..


وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذَا سَكَتَّ عَنْ الْجَاهِلِ فَقَدْ أَوْسَعْتَهُ جَوَابًا وَأَوْجَعْتَهُ عِقَابًا.





الفرقُ بين الحِلْمُ وكظم الغيظ ..

يقول الإمام الغزالي "الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلُّم أي تكلف الحلم ..
ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ
وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهو الحلم الطبيعي وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب
وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا" [إحياء علوم الدين (3:176)]

فمن كانت طبيعته كثرة الغضب قبل الالتزام، لابد أن يظهر أثر الإيمان عليه بأن يصير أكثر حلمًا ..

وإن لم يجد للإيمان أثرًا على طباعه، فليعلم أن عمله مدخول .. كما يقول ابن القيم رحمه الله
"سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الربَّ تعالى شكور ...
يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول" [مدارج السالكين (2:68)]




وقد ضرب لنا النبي صلي الله عليه وسلم أعظم مثل في التحلي بخُلُق الحِلْم ..

عن أبي هريرة : أن رجلاً أتى النبي صلي الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
"دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً"، ثم قال "أعطوه سنًا مثل سنه" .. قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أمثل من سنه، قال
"أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء" [رواه البخاري ومسلم]
وعن ابن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه

وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.[متفق عليه]
وعن أنس أنه قال:كنت أمشي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة

ورجع نبي الله صلي الله عليه وسلم في نحر الأعرابي حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية البُرد
من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء.[متفق عليه] ..
فيا لشدة حُلم النبي صلي الله عليه وسلم على هذا الأعرابي الذي جذبه جذبًا شديدًا من ثيابه، فلم يغضب منه بل ضَحِكَ صلي الله عليه وسلم .
وعن عائشة قالت: إن اليهود أتوا النبي صلي الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك. قال "وعليكم"، فقالت عائشة: السام عليكم ولعنكم الله

وغضب عليكم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش". قالت:
أو لم تسمع ما قالوا ؟، قال "أو لم تسمعي ما قلت؟، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في"[متفق عليه]
وعن عائشة أنها سألت الرسول صلي الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟، فقال صلي الله عليه وسلم

"لقد لقيت من قومك فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن كلال فلم يجبني إلى ما أردت،
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أفق إلا في قرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال:
إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال:
يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
"بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا"[متفق عليه]




وأمرنا صلي الله عليه وسلم بالتحلي بهذا الخُلُق العظيــــم ..

قال رسول اللهصلي الله عليه وسلم "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"[متفق عليه] ..
وعن أبي هريرة: أن رجلاً قال للنبي صلي الله عليه وسلم : أوصني. قال "لا تغضب". فرد ذلك مرارًا، قال "لا تغضب"[رواه البخاري]
وعن عبد الله بن سرجس المزني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال "السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة"[رواه الترمذي وحسنه الألباني]
والحلم كمال العلم ..


كما قال عمر "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم" [إحياء علوم الدين (3:178)]

وعن علي بن الحسين بن علي أنه سبه رجل، فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم ...
فقال بعضهم: جمع له خمس خصال محمودة: الحلم، وإسقاط الأذى، وتخليص الرجل مما يبعد من الله عزَّ وجلَّ، وحمله على
الندم والتوبة ورجوعه إلى مدح بعد الذم اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير.[إحياء علوم الدين (3:178)]




كيف ندعو الله تعالى باسمه الحليـــم؟

عن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول
"لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربِّ السموات والأرض وربِّ العرش العظيم " [متفق عليه]

المصادر:
  • سلسلة (شرح الأسماء والصفات) لفضيلة الشيخ هاني حلمي.
  • كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) لفضيلة الشيخ محمد حمود النجدي.
  • كتاب (أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة) د/محمود عبد الرازق الرضواني.
يتبع





 


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #7


ام سيف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 110
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-09-2016 (07:22 PM)
 المشاركات : 2,518 [ + ]
 التقييم :  41515
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 3 مرة في 3 مشاركة
افتراضي



بوركت غاليتي







 
 توقيع :
ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي


رد مع اقتباس
قديم 06-24-2011   #8


الصورة الرمزية malak alrooh
malak alrooh غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 292
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 12-20-2015 (03:35 PM)
 المشاركات : 6,540 [ + ]
 التقييم :  15177146
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 90
تم شكره 43 مرة في 30 مشاركة
افتراضي



بارك الله فيك للمجهود الواضح
وجزاك ربي الفردوووس والجنة للافادة ..
تقبلي مروري وتحيتي الوجلة لروحك العطرة ..
احترامي ..




 
 توقيع :



كم اود ان اطوقك في عنقي
كـ..عقدي الذي لا يفارقني ابدا ..


رد مع اقتباس
قديم 06-27-2011   #9


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام سيف مشاهدة المشاركة
بوركت غاليتي



وبارك الله فيك ونفع بك أم سيف
شاكرة مرورك الطيب
خالص الود






 


رد مع اقتباس
قديم 06-27-2011   #10


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انثى رومانسية مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك للمجهود الواضح
وجزاك ربي الفردوووس والجنة للافادة ..
تقبلي مروري وتحيتي الوجلة لروحك العطرة ..
احترامي ..

جزانا الله وإياك الجنة أنثى رومانسية
شاكرة مرورك الطيب ياغالية
خالص الود






 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 16 المشاهدات 3546  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 12:56 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah