~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,089,826


عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,089,826

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-2012   #21


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهيل مشاهدة المشاركة
كما عهدناك رائعه ومبدعه في الكتابه ,الاختيار والانتقاء لا استطيع الا قول لله درك كم انتي متميزه فلكي تحياتي

التميز أنت مصدره اخي القدير سهيل
دام تواصلك ودام مدادك العذب ..
لك الشكر مع التحية ومن الورد أعطره







 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس
قديم 04-02-2012   #22


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صدى الاطلال مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ياغزاله
امام كل هذا الفيض من الجمال لاأستطيع إلا أن أقول
شكرا يا را ئعه

صدى الاطلال ..
دوما حضورك يمدني
بأمال من كل شيء .. وأمان من أي شيء
يشبه أنين ناي .. وعزف مزمار ..
لك الشكر مع التحية ومن الورد أعطره







 


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2012   #23


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل الحادي عشر


بعد يومين تعاقبت أحداث مثيرة..
ففي منتصف الليل كان عبد القيوم يقبع في غرفته محزوناً.. حائراً.. قد فتح النافذة وجلس عند حافتها مريحاً رأسه على قبضة يده..

يموج ذهنه بالأفكار المتلاطمة.. قد جفا النوم عينية كعادته في الأيام الأخيرة، بعد لقائه الشّائك بأخيه.
سمع طرقاً خفيفاً على باب غرفته فقام وفتح الباب.. وكان ذلك سوجي وقد دفع الباب لدن فتحه عبد القيوم وهو يقول:
- ائذن لي بالدخول يا سيدي.. فأنا على عجلة من أمري.. ولا أريد أن يراني أحد وأنا أتحدث إليك!
أدخله عبد القيوم.. وأغلق الباب.. وساعده الحزن ليكون وقوراً هادئاً وهو يسأله:
- ما وراءك في هذا الليل يا سوجي؟!
رد سوجي بلهفة:
- عندي خبر لك..
- أفي مثل هذه الساعة تنقل أخبارك؟!
- هذا أفضل وقت.. فلا أريد التأخر.. هيا قم معي لمقابلة شخص يريدك.
- الآن؟!!
- الآن قبل أن يحس بنا أحد.
- من هو؟
- ستعرفه إذا رأيته.. إنه ينتظرك خارج القصر.
- وخارج القصر أيضاً!!؟
- نعم يا.. سيدي عبد القيوم.!
- لكنك تعلم أن شيوم قد منع علي الخروج إلا للحديقة أو التنزه داخل القصر!
- أعلم ذلك.. وأعلم أني أنا آمر المصعد.. وأستطيع إخراجك متى شئت.. إذا تعهدت لي أن تعود حتى لا أتهم بتهريبك..
- وإذا اكتشفونا.؟
- إذا اكتشفونا سيقطع رأسي وتسلم أنت لأنك شقيق الأمير.
لم يتردد عبد القيوم فحاجته إلى أي شيء ينأى به عن الأسى الذي يكابده جعله يوافق على اتباع سوجي.. فأغلق

النافذة، وسار بعدما أقفل الباب خلف سوجي الذي خرج به من الفناء الصغير ومضى به إلى درج منعزل وسط الظلمة،
وصعدا حتى أفضى بهما الدرج إلى أسطح الأسوار.. وتكلم سوجي بصوت خافت وهو يشير إلى حاجز قصير، لا يتجاوز ارتفاعه ذراعين:
- امشِ حبواً حتى تصل إلى المصعد وانتظرني بداخله.. واحذر أن ترفع رأسك وإلا شاهدك الحرس الذي في الناحية المقابلة.
وفعل عبد القيوم ما طلبه سوجي، وعندما جلس داخل المصعد لبث قليلاً حتى أطل عليه وجه سوجي وهو يقول في قلق:
- سأنزلك الآن.. وتذهب للقاء الشاب الذي ينتظرك عند أقرب بستان شرق القصر.. إنه مكان قريب وواضح.
ثم سكت قليلاً ليضيف:
- أنا لست مسلمًا يا سيدي عبد القيوم.. لكنني أعرف أن دينكم يحث على الوفاء بالعهد ويأمركم بالصدق في القول حتى

مع من ليس على ملتكم.. فتعهد لي بأن تعود ساعة تفرغ من لقاء صاحبك.. وألا تتأخر في ذلك فأفتضح.
فقال عبد القيوم في جَرْس صادق:
- أعدك يا سوجي أن أعود بعد اللقاء مباشرة و ألا أتأخر.
- وعد المسلمين الذي يأمر به قرآنكم.؟
- وعد المسلمين الذين يوفون بعهودهم ويراعون ذممهم.
خالج الاطمئنان سوجي فأعمل يديه لإنزال الدلو الكبير الذي يقبع بداخله عبد القيوم بعد ما حرص على حشو تروسه بالزيت

حتى لا يصدر صوتاً ينبه أحداً. وعندما وصل الأرض انطلق عبد القيوم إلى مكان اللقاء وهو يعالج
سلاسله ويتعثر بها أحيانا، فيما رفع سوجي مصعده على عجل.
سار عبد القيوم حتى وصل إلى البستان الواقع شرق القصر.. وقفز إلى داخله وهناك شاهد شخصاً يتقدم ناحيته،

وإذا بصوت خفيض ينبعث من الظلام مازحاً في عتاب:
- إذاً فقد طاب لك المقام في عرين الأسد!
وهتف عبد القيوم مسروراً:
- صالح!!
وما أن التقيا حتى تعانقا في مودة وسد عبد القيوم على يدي صالح الذي جعل يقلب سلسلة يديه قائلاً:
- وسلسلة من ذهب أيضاً.!؟
- فقال عبد القيوم فيما يشبه الكآبه:
- إنها سلاسل وأغلال تلك التي وقعت فيها.
وبعد سلام اختصره خطر الموقف قال عبد القيوم:
- قل لي بالله عليك ماذا فعلت.. كيف تركت يوسف وصاحبه وجئت إلى هنا؟. وماذا عن الرفاق.؟ أخبرني بكل شيء..
غمز صالح بعينه وقال:
- لقد اشترينا ولاء سوجي.. إنه يحب المال.. ويكره شيوم..
- تقول اشتريتم.. أم اشتريت أنت؟!
- بل اشترينا.. يوسف وأنا والآخرون.
- الآخرون؟!
- الآخرون هم أتباعُ يوسف.. لقد أصبح له رجال وعصابة من جديد.
- لقد قال لي جابر إنه ترك يوسف في حراستك.. فهل حررته من قيوده؟
- هو حرر نفسه.. لقد كنت نائماً فزحف إلى صاحبه وألقى بظهره إلى ظهره..

وكنا قيدنا أيديهما إلى ظهورهما.. وجعل كل منهما يفك قيد الآخر.
لقد أمضيا وقتاً طويلاً لكنهما أفلتا من الحبال.. ولم أفق إلا على يوسف وهو يركلني برجله وفي يده سيف.. لم يكن عنيفاً..

ولم يؤذني.. بل أبدى تسامحاً وملاطفة، وقال إننا لم نفعل إلا ما رأيناه صواباً وأنه يحترم إنقاذنا له من أسر المغول..
وسيرد لنا الجميل بإنقاذ الرفاق من السجن.. وكنت قد أخبرته مسبقاً أن الهجوم على السجن قد فشل وأن المغول
قد زجوا بالرجال إلى السجن وأن شيوم شرع في تعذيبهم وقتلهم ثم غير رأيه فجأة فردهم إلى السجن ثانية
وحبسك في قصره.. وقد سمع كما سمع الجميع أن الأمير شيوم اكتشف أنك قريب له.. وقد مال إلى تصديق هذه الشائعة!!
- إنه ليس قريبي فحسب يا صالح.. إنه شقيقي.. محمد.. فهو لم يمت في مصر كما كان الناس يظنون

بما فيهم نحن أسرته.. بل عاش وانضم إلى عساكر المغول.. واعتنق دينهم.. وصار وثنياً!
فتح صالح فمه.. واتسعت عيناه ولم يتكلم.. فأضاف عبد القيوم:
- أعرف أنك لا تصدق.. أنا مثلك لم أصدق حتى حلق شعر صدري وتأكد من شامة يعرفها

منذ كنت طفلاً رضيعاً.. ثم طفق يكلمني العربية السليمة..
- شيوم يتكلم العربية!؟
- كما أتكلمها أنا وأنت الآن.
واختصر عبد القيوم قصة أخيه لصالح، بدءاً من هروبه إلى مصر وما حدث له هناك من التحاقه بخدمة المغول

وما آلت إليه حاله بعد ذلك. و ختم حديثه بقوله:
- وكان من الممكن أن أبقى في شك لولا أنه طفق يحدثني عن أمي وأبي ودرب الحطابين وذكريات قد جرت بيننا في صبانا!!
عندها قال صالح زاوياً ما بين عينيه:
- انتبه يا عبد القيوم.. قد يكون ساحراً أو كاهناً.. استطاع جلب هذه الأخبار من الشياطين.!!
ابتسم عبد القيوم ابتسامة حزينة لجنوح هذا الخاطر من صالح وقال في هم:
- دع عنك هذا الكلام يا صالح.. ماذا يستفيد لكي يتقرب إليَّ ويدعي أنه شقيقي؟

لقد ضمني وقبلني.. وجعل يبكي.. ماذا تريد غير هذا..؟
- إنها مصادفة إذاً. لقد ظننت الأمر إشاعة تقوَّلها حراس القصر عليك عندما رأوك مسلسلاً

من دون أن يقتلك شيوم.. لكن الأمر أصبح حقيقة!!
- مصادفة ثقيلة.. لقد ابتليت بهذا الأمر.. فقد جئت لقتله.. وها أنا ذا أفاجأ به شقيقاً لي!
سكت صالح فواصل عبد القيوم سائلاً:
- لكن ماذا ينوي يوسف أن يفعل؟
- لقد تجاوز النية إلى العمل.. إنه ذكي وسريع العمل.. لا أدري يا عبد القيوم كيف تتفتت الصعوبات بين يديه.. لا شيء

مستحيل عنده.. إنه يعجن الحلول ويخبزها على الهيئة التي يريد، وكلما وقع في ورطة وجد من ينقذه منها. لقد
حرر نفسه من أسرنا.. وفي بضعة أيام استطاع أن يؤلف عصابة من المرتزقة وممن يحقد على حكم المغول
من أهالي قانين.. فانضم إليه خمسة عشر رجلاً.. واستأجر مكاناً وضع فيه الخيول وجعله مركزاً لرجاله. ثم واصل صالح:
دهاؤه ونفسه لا تعرف اليأس ولا التخاذل كل ذلك يبعث على الإعجاب.
- احذر منه.. فهو خبيث ربما اعتقلك.
- أحذر منه؟ لقد انضممت إليه.!
- أتشاطره أعماله الملتوية وأطماعه التي لا حدود لها؟!
- وماذا كنت تريدني أن أصنع؟ فبعد انهزامكم وجدت نفسي مخيراً بين أن أنضم إليه.. أو أعود إلى العراق.

ثم إن ما يزمع القيام به يبدو لي جيداً وقد أعجبني فهو قد استمال سوجي وينوي تجنيد اثنين أو ثلاثة من حامية القصر
لصالحه، وذلك بواسطة رجل من رجاله الجدد ممن يبايع المغول ويتعامل معهم ويخطط لمداهمة السجن غداً. لكنه
لم يتخل عن عناده ولم يتنازل عن مطلبه في حكم الأشبار.. فدس مع سوجي رسالة أوصلها إلى جابر، وقد أخبره
أنه سيداهم السجن لإنقاذه وإنقاذ البقية رداً لمعروفهم وإحسانهم عندما أنقذوه من أسر المغول وقد اشترط لذلك شرطين..
الأول أن ينضم إليه الرجال فيزداد بذلك عدد فرسانه لأنه يعتزم مداهمة القصر أيضاً وهزيمة الأمير شيوم، وقد
تعهد بتزويد الرجال السلاح والسيوف.. ووضع خطته مستفيداً من خطئه السابق.. فرشى سوجي مقابل تسهيل
اقتحام السجن ودخول القصر. وستدخل مجموعة من الرجال المصعد.. ومجموعة أخرى تتسلم السور وتُفتح البوابة للبقية..
وهكذا ينصبون على الحرس من كل جهة. أما شرطه الآخر فهو أن يتنازل له جابر عن مدينة الأشبار
وألا يتعرض لمقاتلة شيوم، ويظل رهين الحبس حتى نهاية القتال.
- و بماذا رد جابر؟
- وافق.. وتعهد له بكل ما أراد.. لكنه رفض أن يبقى في السجن بل اشترط أن يحارب مع الرجال كأي شجاع.. فإن انتصروا

فليوسف ما أراد من مدينة الأشبار.. وإن قتل يوسف وانتصروا فالأشبار لجابر.. وإن هزموا جميعاً فهو يفضل الموت
كريماً مقداماً على أن يهلك معذباً بالسياط والنيران. ولم يعجب هذا الرأي يوسف لكنه أظهر الموافقة وتابع الرفاق جابراً فيما ذهب إليه.
وسكت صالح قليلاً وهو يداري خاطراً أثقل عليه بتقليم غصن امتدت إليه يده ثم أضاف:
- ولكن تبقى أنت.. إن الإغارة على السجن قد اعتزمها يوسف لإنقاذ الرجال.. لكن مداهمة القصر قد أوقفها على موافقتك.
- يبدو أنه هو الذي أرسلك إليّ.؟
- حقاً.. كي يستأذنك في مداهمة القصر، وإنقاذك.. وقتل.. أقصد.. سكت صالح خجلاً فالذي يخطط لمقتله.. شقيق عبد القيوم

وقد وقع الحرج وهو يساومه على حياة أخيه أو مقتله.. وتمنى أن يفهم عبد القيوم الإشارة ويعفيه من الكلام..
وقد تحققت أمنيته عندما قال عبد القيوم:
- أفهم ما تود قوله فيوسف وأنتم محرجون من الإغارة على القصر واغتيال شيوم الذي هوَ شقيقي..؟
- هو ما ذكرت.
ابتسم عبد القيوم ابتسامته الحزينة وقال:
- أنت خجول يا صالح رغم أنك تتظاهر بالجرأة.. لقد اكتشفت ذلك الساعة.
- الحق أني لم أكن لآتي إليك أستشيرك في إيذائك بأخيك.. وأفاوضك في قتله إلا لأنني كنت أكذب ما أشيع من أنك

صرت أخاً له.. ولو كنت متأكداً من ذلك لأعفيت نفسي من هذا المقام المحرج.
ومسح وجهه بكفه التماساً للانتعاش بعد ما أرهقه الموقف ثم أضاف:
- آمل أن تعذرني يا عبد القيوم فيوسف هو الذي بعثني إليك بما ذكرت لك وقد أصبحت من رجاله ولا مناص لي من

طاعته فيما أعتقد أنه صائب.. وقد أمرني أن أخيرك بين أن ينقذك فتعود الآن معي وتسلم، ونرجع من حيث أتينا..
أو يقتحم السجن ويخرج الرجال ويلحقوا بنا.. أو.. أو يداهم القصر ويقتل أخا.. أقصد الأمير شيوم.؟
فقال عبد القيوم في شبه لا مبالاة:
- ما الذي يدفعه أن يخيّرني.. فهو قد وقف مني ومنا جميعاً موقف العداوة والخصومة، وكاد يقضي على أنا وجابر في الجبل..

بل هو من أفسد الحملة برمتها.. بتهوره وطمعه!؟
- نحن الآن في مواقف متلوية.. وحالة غريبة.. ولا وقت للمحاسبة كفاه أنه أقرب للتعقل الآن.
- شيء واحد أود معرفته.. لماذا يلتمس رضاي وهو الذي سبق أن فعل ما فعل؟
- لقد كنت المدافع عنه عندما هم به الرجال.. وأنت من اقترح إنقاذه من الأسر وهذا كل ما هنالك. فقل الآن ماذا تختار..

أن تنجو بنفسك ونداهم السجن وننقذ رفاقنا.. أم نقتحم القصر وننجز ما جئنا من أجله؟
إنك وحدك من يقرر بقية هذه الرحلة.؟
- أما الهروب معك فلا سبيل إليه فقد تعهدت لسوجي أن أعود إلى القصر.. وإلا انكشف غيابي واتّهموه وربما قتلوه.

وأما غير هذا فأنا في لجة من الأفكار.. وغير قادر على أن أخرج من معضلتي هذه بشيء أو أقرر حلاً لها هذه الساعة..
ولكني أكره أن يؤول هذا الأمر إلى يد يوسف.. وأنا لست في حاجة إلى مساعدته فهذا شقيقي.. وأنا في أمان سواء
كنت داخل القصر أو خارجه وسواء أغير على هذا لسجن أم لا.. انتصر الرفاق أم قتلوا..
وبان في وجهه الكدر. فقال صالح لينهي اللقاء:
- وبأي شيء أعود إليه؟
- اتصل بي.. بل أنا من سأتصل بك.. فانتظر رسالة تصل مني مع سوجي..
- أستودعك الله يا عبد القيوم إذاً.
- احرص على نفسك فلا بد أن والدك قلق عليك الآن.. واحذر أن تتبع هذا اليوسف في كل شيء وتتهور كما تهور.!
وعندما استقر عبد القيوم في أعلى الأسوار.. لاحظ قلقاً في وجه سوجي فظنه بسبب تأخره فاعتذر منه قائلاً:
- سنعوضك عن مدة الانتظار السابقة بما يرضيك.
وزحف تحت الحاجز المنخفض ثم نزل الدرج.. واستقر في حجرته وألقى بنفسه على فراشه بعدما أوقد سراجاً صغيراً

ولم يلاحظ أن النافذة كانت مفتوحة إلا فيما بعد!
وحاول استجلاب النوم.. المستعصي عليه كالعادة.. فاستقام جالساً متأملاً هذا الغموض الأليم الذي يحكم علاقته بأخيه..

فأحياناً تترجح عنده القطيعة لشيوم وأعماله.. ويعجز أحيانا عن الخلاص من عاطفة القرابة.
إن ما يكابده فطرة مغروسة في النفوس.. لكنه مؤمن و علائق القربى تتقطع عند حدود الإيمان.. وقد كان من الممكن

التعامل مع شيوم و مراعاة جانبه لو لم يركب مركب المحادة لله رسوله واضطهاد المسلمين.
و أحس بدوائر الامتحان تحاصره.. وتتضايق عليه.. ولم يخرج من تفكيره المضطرم إلا بنتيجة واحدة.. أن طغيان

شيوم لابد من مكافحته.. وذلك منوط به متوقف عليه.. ولا بد أن يقف حيال أخيه موقفاً مؤمناً يتصالح مع ميله
الطبيعي لمودته ونداء الرحم الذي يضج به قلبه واعتصر جبينه كأنما يريد السيطرة على هواجسه المتنافرة..
وتمنى في هذه اللحظة لو أنه في بيته في بغداد يعمل فأسه في أحطابه ولم يوافق على مصاحبة هذه الحملة التي أفضت
به إلى هذا الوضع الشائك.. ثم تواضع في أمنيته فتمنى لو أن شيوم قتل قبل أن يعرفه.. وتواضع أكثر فتمنى
لو أنه هو لقي الله شهيداً في الهجوم الأول ولم يتعرض لهذا الابتلاء الذي لا طاقة له به. وتمتم وهو يسحب الهواء إلى رئتيه بقوة:
- إن لم يكن هذا ابتلاء من الله.. وإلا فإنه عذاب منه.. وما أنا إلا في جحيم!
ثم زفر متأوهاً.. وكأنما خرجت الحيرة مع زفرته.. فخطرت له خاطرة.. تطورت لتصبح فكرة وبعد تأمل قصير صارت عزماً..

ووجد نفسه فوراً مرتاحاً لما اعتزم.. إن ذلك حقاً ما يمكن فعله.. ففيه إرضاء لإيمانه وعاطفته معاً..
وابتهج بالذي توصل إليه و لم يتردد في تنفيذه.
تناول قرطاساً وقلماً وكتب إلى يوسف.. ثم تذكر العداوة بينهما وأنه لا يحبه.. فمسح اسمه وكتب إلى صالح:
[بسم الله الرحمن الرحيم.. من عبد القيوم بن حسنة إلى صالح بن حذيفة.. السلام عليك وبعد.. فإني نظرت

في أمري وفكرت فيما عرضت عليّ.. و ألقيت أنت ومَنْ معك من الأحمال الثقيلة على كتفي.. وقد وجدت
نفسي بعد ذلك وقبله غائصاً في لجة بحر.. وما عتبت حتى أدركت أني في ابتلاء من الله. فعرضت على نفسي
أن أكفي الناس شر أخي وظلمه بيدي وهممت بذلك.. وما كدت أفعل حتى كشف لي أيّ عبد ضعيف الإيمان أنا..
فارتكست في رداءة همتي.. وخور عزيمتي.. وغلبتني مودة القربى على مودة الإسلام.. وما أظن ذلك إلا عقوبة
عفا الله عن ضعفي.. ورفع عقوبته عني.. وقد واسيت نفسي بطمعي في صلاح محمد.. وما زلت أرجو
من الله أن يرده إلى الحق ويكف عن الناس شره.. وقد احترت في أمره كثيراً فلما أوجعتني الحيرة..
اعتزمت أمراً ظننت فيه مرضاة ربي وراحة قلبي مما وضعه الله من فطرة الحمية للقريب وذي الرحم في نفسي..
فإذا وصلكم هذا الكتاب فأجمعوا أمركم.. واقتحموا السجن والقصر.. وجاهدوا في سبيل الله.. وقاتلوا المشركين..
شريطة أن لا يصاب أخي بأذى.. فإذا فزتم فاعتقلوه وأبقوه حياً.. فسأحتمله مكتوفاً مقيداً إلى بغداد وأعالج أمره هناك..
فإن مقتله على الشرك يسوؤني ورجائي في هدايته عظيم.. هذا ما اتخذت من قرار ورغبة.. فأبلغ صاحبك به إن كان
أمري يهمه.. وسأكون في القصر كأن ليس علاقة بالأمر وبذلك أخفف من بطشهم وانتقامهم لو فشل الهجوم
مرة أخرى.. ويصلك هذا مع سوجي فاجزلوا جائزته والسلام ] .
ثم طوى الرسالة مرتاحاً.. شاعراً أنه أزاح عن نفسه حملاً ثقيلاً.. وأن اعتقال شقيقه والخروج به من أراضي المغول

هو خير حل ممكن.. وأن هذه الفكرة التي توصل إليها - رغم بساطتها وسذاجتها - أفضل مُصالح بين إيمانه
وقلبه، ورغم أن شيوم الوحشي الطباع لن يرضى أن يعتقل بسهولة.. أو يحمل أسيراً إلى
بغداد دون أن يبدي من العنف والمقاومة الشيء الكثير.!
وقام ليسلّم ما كتب إلى سوجي.. وكأنما كان على ميعاد معه فقد طُرق الباب وفتح عبد القيوم الباب

ليفاجأ به في غاية القلق والوجل.. فأدخله و أغلق الباب ، وابتدر سوجي الكلام:
- لم أعد بأمان يا سيدي.. ربما يفتضح أمري.!
فقال عبد القيوم:
- لماذا.. هل هناك ما يريب؟
- نعم.. فبعد أن أنزلت المصعد بقليل سمعت صوتاً يخاطبني باسمي و التفت لأجد أوسطاي ينظر إليَّ في الظلام نظرات مرتابة

ويقول لي إن لدي سعياً وأفعالاً لا تعجبه.. وأنني سأجلب المصائب.. إنه لئيم وحقود..
وأنا لا أخشاه.. لكن أخاف أن يشي بي عند الأمير شيوم.
- لا تخف يا سوجي.. لقد خدمتنا.. وسأكون بجوارك لو حاول أحد إيذاءك.
- أنا صديقكم.. فعدني كوعدك الصادق السابق أن تدافع عني لو علقت بهم.. فأنت تستطيع ما لا يستطيعه غيرك.
- أعدك الوعد الصادق الذي في كتابنا يا سوجي أن أدافع عنك وأحميك.
- حتى من الأمير نفسه..
- حتى من شيوم يا سوجي.
وعندما اطمأن سوجي قال عبد القيوم:
- اسمع.. ستأخذ هذه الرسالة وتسلمها إلى صاحبي الشاب صالح.. فهل تعرف المكان الذي يكونون فيه؟
- نعم.
- إذاً انطلق إليه الآن واحذر أن يراك أحد.. أو يعرف مضمون الرسالة.. وستستلم أجرك وافراً ساعة تصل.. وقل..
- أنصت!!
ما بك؟!
- كأنني سمعت صوتاً.. أحس أننا مراقبون!!
اعتقد عبد القيوم أن سوجي يتوهم الأصوات وأن أذنيه تخدعانه بسبب قلقه.. فواصل أوامره له:
- قل لصاحبي.. صالح.. إنني لا أريد رداً على الرسالة فليبدأ العمل فوراً.
هز سوجي رأسه موافقاً وتناول الرسالة وقبل أن ينصرف سمع الاثنان صوتاً جعله هدوء الليل واضحاً رغم خفوته.. وقال سوجي:
- أنا غير مطمئن!
و أطل من النافذة فلم يلاحظ ما يريب. وهنا قال عبد القيوم:
- النافذة! لقد تذكرت الآن.. لقد خرجت بعدما أغلقت النافذة وعندما عدت كانت مفتوحة.. لم أنتبه لذلك إلا الآن.!؟
- ألا يمكن أن يكون الهواء قد دفعها؟
- إنها كما ترى ثقيلة.. وليس من نسمة هواء لتحرك ريشة.. فضلا عن نافذة كهذه.!
ودارت أعينهما في أرجاء الحجرة.. وجعل عبد القيوم يبحث خلف الستائر والخزانات حتى هتف به سوجي وهو يجرجر شيئاً تحت السرير:
- اللعين.! إنه يختبئ هنا.. قلت لك إننا لن نأمن غدره!
وجعل يسحب قدماً.. فاقترب عبد القيوم ليتبين له على ضوء المصباح ملامح أوسطاي. فقال في غضب:
- أتختبئ في حجرتي وتجسس عليّ.؟
رد أوسطاي بصوت الظافر الذي نال ما يريد:
- لقد اكتشفت مؤامرتكما.. وسلامة الأمير شيوم تهمني.
ولطم سوجي الذي كان أقصر منه لطمة عنيفة.. وقبل أن يترنح ساقطاً عند قدميه.. اختطف الرسالة منه واستدار ليهرب..

غير أن سوجي طوق قدميه بذراعيه وهو ما زال ممداً على الأرض.. فانكب ساقطاً على وجهه كالخيل المتعثر..
واعتلى جذعه الضخم ورد إليه لطمته بأعنف منها وزاده أخرى.. ثم تدحرجا في عراك عنيف. وصاح أوسطاي:
- ستصل هذه الرسالة إلى سيدي الأمير.. وستعرف أي عقاب سيحل بك!
و رأى عبد القيوم أن استمرار هذا العراك سيجذب انتباه الحرس.. فتدخل مندفعاً إلى أوسطاي وقبض على شعره وشدّه

و أجلسه متناولاً يده لاوياً لها خلف ظهره.. وخاطبه وهو يصر على أسنانه:
- اهدأ.. وإلا جنيت على نفسك.
لم يستجب أوسطاي بل حاول الإفلات..فدنا منه سوجي وركل وجهه بحذائه فتأوه قليلاً وضاعف محاولاته للخلاص..

وكاد ينجح لولا أن استل سوجي سيفه القصير.. وقبل أن يقول عبد القيوم شيئاً.. دفعه بقوة في جوف أوسطاي مما جعل
رأسه الحاد يلامس ثوب عبد القيوم الجالس خلفه!
تلاشت حركة أوسطاي.. وارتخت أطرافه، وعلق عبد القيوم:
- لم أرد أن يحدث هذا..
فقال سوجي:
- حياته تعني موتي.. وتعني أن أعذب و أحرق بالنار.
- فعلك هذا سيجلب الخطر إلينا يا أحمق.!؟
- لا تخف.. نحن بعيدون عن الجنود.. فهذه الممرات لا يطأها غالباً في هذا الوقت أحد

من الجنود.. فقد خفت الحراسة بعد اعتقال أصحابك.
وبعد تفكير قصير فتح عبد القيوم الباب بحذر ثم حمل جثة أوسطاي يساعده سوجي وخبّآها في

المرحاض المهجور قرب المطبخ، ثم التفت إلى سوجي قائلاً باهتمام:
- انطلق بالرسالة الآن.. ولا تتوقف إلا عند الرجال.. وقل لهم أن يسرعوا بإنجاز ما تضمنته.. فالجنود سيفتقدون صاحبهم

عما قريب، وإذا دخلوا القصر فاهرب ولا تعد إن كانت حياتك تهمك!
مضى سوجي دون كلمة إلى حيث سيسلّم الرسالة.. فيما رجع عبد القيوم إلى غرفته.. وحاول إراحة أجفانه..

فانطرح على الفراش مفكراً في كل شيء.. مهتاجاً مما حدث ومما يمكن أن يحدث.. ومضت ساعات وهو يتقلب في فراشه..
ولاح الفجر فقام وتوضأ وصلى صلاته ودعا الله كثيراً.. ثم عاد إلى فراشه مثقل العينين بالنوم..
وقد طرد السهاد عنه شعوراً موقوتاً بالطمأنينة.. فنام بعمق وهو يظن خاطئاً أنه قد أفلت من الابتلاء
الذي علق به.. ولم يعلم بما يخبئه له الصباح الذي عم ضياؤه الأرجاء وانطرح نوره من خلال النافذة المفتوحة!

يتبع









 


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2012   #24


الصورة الرمزية ΜЯ.ÐuΝħıŁŁ
ΜЯ.ÐuΝħıŁŁ غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 549
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : 04-23-2012 (06:22 AM)
 المشاركات : 32 [ + ]
 التقييم :  19
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



متميز



 


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2012   #25


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



شكرا يارائعه



 
 توقيع :


رد مع اقتباس
قديم 04-04-2012   #26


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل الثاني عشر


في وقت الضحى الباكر جداً استيقظ عبد القيوم فزعاً من نومه عندما سحب اللحاف بقوة من فوق رأسه.. وسمع قائلاً يقول:
- ربما يكون شيوم هذا..
- ففتح عينيه مدهوشاً ليجد ثمانية من الرجال يحيطون به من ضمنهم قتادة وسعيد وصالح، وقال قتادة:
- إنه عبد القيوم.!
لم يكن هناك وقت لتبادل السلام مع الرجال المتحفزين، فقال عبد القيوم:
- إذاً فقد دخلتم؟
وقال قتادة:
- الحمد لله على سلامتك يا عبد القيوم.
وتكلم صالح محاولاً الإيجاز:
- لقد ظنناك شيوم.. نحن نبحث عنه.. لقد اقتحمنا السجن بعد وصول رسالتك بقليل.. وكنسنا من كان هناك

من الحرس كنساً.. إنه انتصار لم يكلفنا الكثير.. وخرج معنا الرجال جابر ومالك.. والبقية.. وقد دخلنا
القصر بمساعدة سوجي مع مصعده وانطلق عبد الرحمن الفهري ليفتح البوابة لمجموعة أخرى.. أما البقية فهم
يتسلقون الأسوار الآن. وجابر سيقود الرجال لمقاتلة الحرس.. ويوسف ونحن سنعتقل شيوم حياً كما هي رغبتك.
وبان الضجر في ملامح عبد القيوم عند ذكر اسم يوسف، فقال في كدر:
- يوسف.! وأين يوسف الآن.؟
وجاءه الجواب من خلف سريره الذي يتوسط الغرفة:
- أنا هنا يا عبد القيوم.
والتفت عبد القيوم.. كان يوسف حقّاً.. إنه لم ينتبه له.. والتقت أعين الرجلين اللذين لا يحب أحدهما الآخر،

كان يوسف يعتمّ بعصابة حمراء.. ويتقلّد سيفاً وخنجراً.. وفيما عبد القيوم يتأمله أضاف:
- أنت لم ترني يا عبد القيوم.. ربما لأنك لا تهتم بي!
قال عبد القيوم غير راغب في إطالة الحديث معه:
- أقرأت الرسالة جيداً.؟
- قرأت كل حرف فيها..
- هل ستفي بما طلبت فيها؟
- سأفي بما اشترطت.. وثق تمامَ الثقة أني سأبذل جهدي لاعتقال شقيقك حياً. قد نكون عدوين أو متنافرين يا عبد القيوم

لكنك وقفت بجانبي وأنقذتني من الأسر.. ودافعت عني عندما هم الرجال بالفتك بي.. إن خلقك حسن.. ودربك مضاء بحسن نيتك.
وأغمض عبد القيوم عينيه متضايقاً من هذا الإطراء، فتابع يوسف:
- أنا حتماً لا أود أن أكون قائد هذا الهجوم الذي سينفجر بعد قليل.. ولا أحب أن أسوءك في شيء.. لكنه سوء حظي

الذي جعل رأس الأمير شيوم الذي أصبح شقيقك.. مهراً لطموحي في مدينة الأشبار، وأنا أسير هذه الرغبة منذ
زمن ولا أستطيع منها فكاكاً.. ولست أدري أيَّ شيء أقوله الآن، إلا أنني لن أطأ أرض بني العباس
إلا وشيوم مكتوفاً بالقيود حتى أضعه في دارك بدرب الميزاب.. وسأظلّ أصاوله حتى أربط قيده بيدي أو يقتلني بيده.!
دهش عبد القيوم لهذا التصميم والعناد، وقال:
- لا تنسب إلىَّ الفضل يا يوسف بن محمد فالفضل لله أولاً ثم لبقية الفرسان الذين أنقذوك، أما أنا فما كنت لأفعل ما فعلت..

لولا أنك كنت مسلماً و بين يدي مشركين يريدون بك شراً و تعذيباً.. ولو كان آسروك من المسلمين
وهو ينشدون بك عدلاً أو قصاصاً لما تعرضت لهم.. وأنا أعلم أن اعتقال فاتك شديد البأس مثل شيوم
و إبقائه حياً أمرٌ عسير الطلب.. ولكني ابتليت به فقد صادف أنه شقيقي الوحيد الذي افتقدته منذ سنين بعيدة.
فوقعت في امتحان لم أجد لنفسي خلاصاً منه إلا أن أعتقله وأحمله معي إلى بغداد لأكف عن الناس شرّه فإن
كنت تريد العودة والتراجع فلك ذلك. وسأبقى أنا هنا حتى يفصل الله بيني وبين أخي بشيءٍ من عنده.
سكت يوسف بينما قال صالح في حماس:
- بل سنقاتلهم يا عبد القيوم فما جئنا إلا لذلك.
وهنا تعالت في أرجاء القصر نداءات وصيحات.. ورددت جدران القصر وردهاته أصداء قعقعات السيوف وصراخ المتقاتلين والمقتولين!
وقبل أن يمضي القابعون في غرفة عبد القيوم إلى القتال، دخل رئيس الحرس صائحاً منادياً شيوم:
- سيدي الأمير.. سيد..
وأخرسته الأعين التي أحاطت به نظراتها الخائفة، وقبل أن يغلق أحد الرجال الباب قاطعاً عليه طريق الفرار، صاح بقوة:
- إلى المقصورة أيها الجنود.. إلى المقصورة..
فقال عبد القيوم مترجماً:
- إنه ينادي الحرس إلى هنا.. عليكم به فمقتله سيفت في عزيمة جنوده فهو رئيسهم.
واستدار رئيس الحرس للهروب فلم تمكنه الأسياف التي تكاثرت عليه من تحقيق رغبته.

وعندما سقط هامداً، خرج الرجال إلى حيث القتال الدائر فيما سأل يوسف عبدالقيوم :
- أين مخدع شيوم؟
- أشار عبد القيوم إلى مقصورة شقيقه فانطلق يوسف إليها عجلاً.
ولبث عبد القيوم برهة ثم لحق به وهو يجر سلاسله الذهبية. وفي غرفة شيوم كان يوسف
يبحث
في كل شيء وينقب تحت الأرائك و في الخزانات. ويمزق بسيفه كل ما يعترضه من أثاث!
وعندما دخل عليه عبد القيوم هتف به:
- إنه ليس هنا.!؟
فقال عبد القيوم وهو يضع قيد يديه على ركن السرير:
- اقطع عني هذا..
وقدَّ يوسف بسيفه سلسلة عبد القيوم التي تربط يديه وسأل بحدّة:
- أين هو؟
فقال عبد القيوم:
- لا أدري.. ولو كنت أدري لأخبرتك!
وخرج يوسف مسرعاً للبحث عن شيوم.. ونسي عبد القيوم أن يطلب منه قطع سلسلة قدميه فجلس مدة يحاول التخلص منها..

لكنه عجز. فآثر تركها، والتقط قوساً وسهاماً من حجرة شقيقه.. وبدون تفكير سابق وجد نفسه يخرج باحثاً عن
شيوم ويوسف.. كأنما يريد الإشراف على كيفية اعتقال شقيقه!
كان القتال عند البوابة وفي الأسطح والممرات.. وقد انضم إلى رجال يوسف كثير
من الغوغاء وبعض السكان لم يضيعوا فرصة الانتقام من شيوم وجنوده.
وبحث عبد القيوم عن شيوم في الحديقة فلم يجده. وبحث عنه في الممرات المطلّة عليها فلم يجده أيضاً.. فعاد

إلى حيث يدور القتال.. كان مسرعاً.. وكان يتعثر في سلاسله أحياناً وأحياناً في جثث القتلى الذين كان معظمهم
من جنود القصر. ولم يكن يخشى شيئاً فكلا الفريقين المتقاتلين لا يرغب في إصابته. وكانت كفة الظفر تميل لصالح
رفاقه، حيث كان جنود شيوم يتساقطون تباعاً.. وبعضهم كان يحاول الفرار بلا جدوى.
وكان يتساءل أين يمكن أن يكون شيوم ويوسف! وجاءه جابر مبهوجاً.. وعانقه متصاعد الأنفاس وهو يقول:
- الحمد لله يا عبد القيوم.. انتصرنا وفي زمن قصير.
فقال عبد القيوم:
- الحمد لله.. لكني أبحث عن شيوم ويوسف ولم أجدهما!؟
فقال جابر:
- أنا أيضاً أبحث عنهما!
زوى عبد القيوم فمه ثم هتف:
- السطح.. سطح المقصورة.. ربما يكونون هناك..
واتجه إلى فناء المقصورة.. ثم صعد الدرج المفضي إلى السطح يتبعه جابر وثلاثون رجلاً آخرين ممن لم يجدوا أحداً يقاتلونه.
وهنا تبين لعبد القيوم صدق توقعه. فقد كان شيوم يبارز يوسف وصالحاً معاً وهما يتراجعان أمام مهارته وعنف ضرباته!
وتحت قدمي شيوم تناثرت جثث سبعة من جنود يوسف كالجراد المبثوث!!
أما هو فلم يكن معه من حرسه أحد!!
وعلّق جابر الذي يعرف بأس شيوم جيداً قائلاً:
- رباه.. ما أطول نَفَسه.. لقد صرعهم جميعاً وحده.. وعجزوا عنه!!
وسأله أحدهم:
- ما رأيك؟
فأشار جابر للسائل بالتريث.!
وتدافع المزيد من الناس في الدرج بعد انتهاء القتال في الأسفل. وخفض الرجال سيوفهم معرضين عن التدخل..

احتراماً لعبد القيوم، ومخافة أن يتسببوا في مقتل شقيقه!
وأحدقت العيون بعبد القيوم.. فكان عابساً.. مطبق الفم.. مركزاً نظراته الثاقبة على الثلاثة المتقاتلين. وكانت عينا

شيوم مرعبتين.. وفمه قد شوهته تكشيرة واسعة.. وأراد لها أن تكون ابتسامة ظفر.!
وبان في ملامحه سرور وحشي.. ومظهره يوحي بأنه قادر على أن يحارب كل من في القصر من أعدائه!!
وقال جابر:
- شيوم قتل أشجع من لدينا.. قتادة بن سعيد وعبد الرحمن الفهري..

لقد سقطوا تحت قدميه فأنا أخاف على صالح.. إنه يبدي جرأة فائقة.!
ووقع الحال ما خشيه جابر فقد أهوى شيوم على صالح بضربة أطارت السيف من يده مع جزء من إبهامه..

فتراجع منسحباً إلى رفاقه وينبوع الدماء بنصب من يده. وسارع بعضهم إلى علاجه وهو يتمتم متألماً:
- لو شئت أن أقسم أن هذا شيطان.. أو عفريت من الجن..!؟
وبقي يوسف وحده أمام شيوم.. كان يعض طرف عصابته الحمراء، وقد اكتسى وجهه الجميل الأبيض بحمرة

زاهية بفعل الإجهاد والتحفز.. كان يقاتل بيأس وعنف.. لكن سرعان ما تمكن منه شيوم وقذف سيفه..
فتراجع متعثراً وسقط.. ولم يشك أحد في أن شيوم لن يدّخره للحياة. وعندها صاح عبد القيوم:
- قف.. لا تقتله.!
توقف شيوم ملهوباً بالحقد على أعدائه المحيطين به، والتفت إلى شقيقه وقال:
- إنهم أعدائي.. ابقَ بعيداً.. فلا شأن لك بهذا..
فأخرج عبد القيوم سهماً من كنانته وسدّ السهم في القوس، ووجّهه ناحية أخيه قائلاً:
- إذا قتلته قتلتُك..!؟
و جمد الجميع برهة.. وأدرك عبد القيوم الذي اكتسحت ملامحه ثورة حزينة أن الامتحان الذي تضايقت حلقاته

عليه لم ينته بعد.. بل بقي منه أقسى ما فيه.. فشيوم أخ لكنه عدو.. ويوسف عدو لكنه مسلم.. والأحداث
لا تفسح له مجالاً للتفكير.. وفصول الابتلاء القاسي تتعاقب عليه كالسهام المنطلقة.. نخوة الدين تملأ جوانحه..
وتعكر عليه عاطفته وعلائق الرحم صفو نيته وخلوص جهاده! ووجد نفسه مطالباً بالمزيد من الإيمان وقهر المزيد من العاطفة.!
وصاح شيوم في غضب وهجم على يوسف وضرب هامته بحد سيفه..

وعندها تصرف عبد القيوم حسبما أملى عليه إيمانه. وصرخ محنقاً باكياً:
- يا عدو الله.. إنه مسلم.!
وأفلت سهمه المشدود.. فانطلق بقوة مرفرفاً في الهواء.. واستقر في ظهر شيوم فأنَّ أنّةً مكظومة.. قبل أن يتهاوى

استدار جهة عبد القيوم ليتلقى منه سهماً آخر في صدره. فتمتم وهو يشد على أسنانه متألماً مصعوقاً:
- أتقتل أخاك!!
أجاب عبد القيوم مزموم الشفتين.. دامع العينين.. قارناً بين حاجبيه:
- أنت كافر وهو مسلم.. وما كنت لأدعه لك.. فالولاء لله ولرسوله وللمسلمين..
وجثا شيوم على ركبتيه.. ثم انكب على وجهه وسكن.!
ظل الرجال جامدين في أماكنهم.. واحتار جابر فيما يمكن أن يقال.!

واقترب من شيوم وحاول نزع السهام من جسده ثم آثر تركه. وقال وهو مطرق للأرض:
- ما أقوى عزيمتك و ولاءك يا عبد القيوم.. لقد مات!!
فقال عبد القيوم بصوت يرن بالقناعة:
- ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.. إنه لا يعدو أن يكون طاغية من الطغاة..

ومشركاً من المشركين. فالحمد لله الذي أراح الناس من شره.

 يتبع







 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2012   #27


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الفصل الثالث عشر



في اليوم التالي.. قفل من تبقى من الرجال عائدين إلى العراق.
وفي بعض الطريق.. اقترب صالح بحصانه من جابر وقال بصوت محزون وهو يتحسس يده المضمَّدة:
- لم أر مثل الذي رأيت.. لم تمر بي ساعة كالتي عشتها في السطح حين القتال.. منذ خلقت!!
فقال جابر:
- لله هو ما أعمق إيمانه.. إنه لم يرث دينه كما تورث الأموال.. بل جد في طِلاب الإيمان
حتى تغلغل في فؤاده، وتجربته الأليمة هذه أخرجته في بياض السحب ونقاوة المطر.!
- إن من يكون إيمانه كما ذكرت.. هو القادر على أن يبذل الأشياء المستعصية.. ويقدم التضحيات العظيمة.
- لقد أصبحت أشعر باحتقار لنفسي منذ التقيت به قبل رحلتنا هذه.. فقد خرجنا بنوايا متباينة..
فأنا خرجت أطلب حكم الأشبار ومجد الإمارة.. وسأحصل عليه.. ويوسف ذهب يطلب ما أطلب فمات دونه..
وحتى الرجال قصدوا الأعطيات وستغدق عليهم الأموال ساعة وصولنا.. وبعضهم لم يظفر بغير الهلاك وحتى ياقوت البائس..
شارك قاصداً الانتقام من شيوم فنال منه وتحصل على بعض ما يبتغي قبل أن يقتلوه.. وكل ذلك شهوات و حظوظ فانية.
- حتى أنا.. أعترف أني خرجت لأختبر قدرتي وشجاعتي.. وأرفع عن نفسي أثر الدلال الذي يضيفه عليَّ أبي..
وقد وصلت إلى ما سعيت إليه.. واكتشفت نفسي على ما أحب.. لكنني سأنضم إلى جيوش الجهاد إن شاء الله..
وأفيد مما علمته في نفسي وقدرتي وسأقتدي بعبد القيوم في مقاصدي.
- لقد أصبت فرأس الأمير شيوم كان يجمع رغباتنا ومقاصدنا جميعاً بما فينا عبد القيوم..
لكن عبد القيوم هو الذي فاز الفوز الحقيقي بهذا الرأس العسير المنال!
وبعد أسبوعين من السفر الحثيث، دخلوا العراق فودع صالح رفقاءه جابراً وعبد القيوم وبقية الرجال..
وانفصل عنهم متجهاً إلى بطحاء النهر حيث والده.
وواصل الباقون مسيرهم.. وعندما لاحت لهم مشارف بغداد.. كانوا قد نسوا متاعب الرحلة ومصائبها..
وبدأت أفئدتهم تخفق بالشوق لما ينتظرهم من الجوائز و المكاسب.
أما عبد القيوم.. فكان مستوياً على حصانه.. قابضاً اللجام بهدوء وصمت.. مطبق الفم كعادته إذا كان غائصاً في التفكير..
كان مطمئن الفؤاد.. تذكي روحه بهجة لذيذة.. ويعالج شوقاً إلى فأسه وأحطابه..
أما نظراته الساهمة فكانت معلقة بالأفق.. بالسماء.. حيث ينتظر جائزته من هناك..
فهو لم يكن البتة يحفل بجوائز الأرض..!

انتهت
رواية لخالد بن سليمان الجبرين





 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2012   #28


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ΜЯ.ÐuΝħıŁŁ مشاهدة المشاركة
متميز


مثل روعة مرورك ΜЯ.ÐuΝħıŁŁ
شكرا لك أخي الكريم







 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2012   #29


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صدى الاطلال مشاهدة المشاركة
شكرا يارائعه

الرائع مرورك أيها الكريم
وكم مدى سعادتي لوجودك في متصفحي البسيط
لروحك الجمال والنقاء صدى الاطلال
فلك الشكر لمرورك العذب ومن الورد أعذبه







 


رد مع اقتباس
قديم 04-11-2012   #30


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



الغزال الشمالى
هذة الروايه من اجمل ما قرأت فى الفتره الماضيه
واختيارك لها يدل على زوقك الرفيع
وحسك ألدبى المتميز
كنت انتظر فقراتها بشغف
شكرا جزيلا على روائعك
وفى انتظار الروايه القادمه
تقبلى اعجابى بقلمك الرائع
ولشخصك الكريم اعذب التحايا



 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 29 المشاهدات 13428  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 02:00 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah