~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,095,606


عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,095,606

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 09-11-2011
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4766 يوم
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم : 119
 معدل التقييم : الغزال الشمالي will become famous soon enoughالغزال الشمالي will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي رأس شَيُّوم ( رواية)






رأس شَيُّوم
خالد بن سليمان الجبرين


الفصل الأول


ليل طويل يوغل في المسير.. ومدينة قانين.. الفارسية التي يقطنها جماعات من عرب الشام والعراق وأكثرية من الفرس
وشرذمة من المغول الغزاة كانت تقبع تحت الظلام وتستكين إلى الهدوء..
وفي طرف المدينة الغربي.. تعالت جدران سجنها الكئيب.. محاطاً بالظلام والرعب.. وأبراجه الأربع القصيرات تقف ثابتة..
تتحدى العتمة.. كعفاريت ضخام من الجن.
والسجن عبارة عن فناء واسع على جنباته عدة ممّرات.. وعلى جنبات الممر الواحد أربع غرف واسعة.. فاسدة الهواء.. وبلا نوافذ..
مدينة.. قانين.. يحكمها الأمير شيوقبضته عليهاتتري.. الظالم الذي أحكم قبضته عليها وعلى ما يتبعها من القرى الصغيرة المجاورة.
- لننجزعهد إليه الخان الأعظم..
ملك المغول بحكمها وإدارة شؤونها.. لما كانت عليه من كثرة الثورات والتذمر ومحاولة الخروج عن طاعته.
لقد أصبحت منطقة قانين في وسط البلاد التي استولى عليها المغول إبان المائة سنة الماضية.. عندما قدمت جحافلهم الجرارة وجيوشهم المتوحشة
التي لا تقيم للإنسان قيمة.. ولا للحضارة وزنًا.. فاقتلعوا الدول وأبادوا الجيوش، وقتلوا الملوك والعامة.. بل النساء والأطفال!
وقد أكد الأمير الشاب المغولي جدارته في أحكام قبضته الخانقة على هذه البلاد من خلال أساليبه الوحشية في القتل والقمع
والقهر، ووسائله المبتكرة في التعذيب والتي شاعت أخبارها في الآفاق.. وبث الرعب في قلوب أهل المدن المجاورة.. بل الممالك القريبة!!
سجن قانين في مثل هذا الوقت كان ساكنا كالمدينة الحزينة نفسها.. لم يكن يدب فيه سوى بعض الحرس الذين يروحون ويجيئون ويتحدثون قليلا.
أما القابعون من السجناء داخل الحجرات فقد أخلدوا إلى النوم جميعا.. ما عدا أربعة منهم.. أحدهم رجل قارب الخمسين والثلاثة الباقون دونه في السن.
تحدث أحدهم واسمه المنذر بن سعد قائلا بتصميم وتحفز:
- لننجز الآن ما اتفقنا عليه قبلا.. فبعد قليل سيذهب جميع الجنود إلى النوم ولن يبقى غير ثلاثة.. وسأدعي أن الجني يتخبطني..
وأنني أصرع وأتحشرج واختبئوا أنتم خلف الباب.. فإذا دخل علي الحارس جذبته إلي.. ثم تبتدرون أنتم عنقه وتقتلونه.
سأل آخر:
- فإذا دخلوا علينا جميعاً؟
- نصارعهم يا عبد الرحمن ونحاول أخذ أسلحتهم.. وغلبتهم.
وقال الرجل ذو الخمسين عاماً:
- ولكن يا منذر بن سعد.. هذا رأي وفكرة ربما لا تنجح.. فهم لن يدخلوا علينا بعصي الخيزران بل بسيوف مُصْلَتَةٍ وشهية للقتل لا تُجَارَى..
ونحن لا سلاح معنا..وأنت تعلم أن "شيّوم" أمر بقتل كل من يحدث فزعا أو ضجة في السجن دون سؤاله ومحاكمته..
فربما أجهزوا علينا قبل أن نقوم بعمل أي شيء!
- وإذا المنذر يطمئنه:
- توكلوا على الله.. فإن أصابوا بعضنا فسينجو الآخرون.. وإن غلبونا فخير للإنسان أن يموت
حُرّاً كريماً على أن يكابد السجن والذل.. وأنا أحس أننا سننجح ونستطيع الهروب.
- وإذا نجونا وهربنا هل تظن أننا سنصل إلى بغداد كما قررنا وخططنا.. ونحدث الخليفة العباسي بما يجري في
هذه البلاد من التنكيل بالمسلمين والظلم ونطلب نجدته؟
- ربما سيلاحقوننا.. إنهم سريعو الحركة كالشياطين.. وكل شيء ممكن الحدوث.. توكلوا على الله فإن أدركونا وقتلونا
فهي الشهادة إن شاء الله، وإن نجونا فهي المثوبة والنصر..
- سنعملتنا فيما نزمع القيام به ولا نسعى للنجاة بأنفسنا فحسب.. بل رغبة في رفع الضرر عن المسلمين..
فكلكم يعلم أن شيّوم وجنوده يختصون العرب والمسلمين
ممن في هذه البلاد بأفظع البلاد والبطش أكثر من سائر ضحاياهم من الطوائف الأخرى كالنصارى والمجوس.
- وهل سيستجيب الخليفة لندائنا.. هل أمر فئة من الناس في بلاد متاخمة لدولته يهمه؟
- سنعمل ما في وسعنا.
- ما أنه في غنى عن التحرش بالمغول حفاظاً على مملكته!
- ما أشد تخاذلك يا رجل!! أنا ثقتي في نخوة الخليفة كبيرة.. ولا أشك أنه قد بلغه الكثير عما يجري هنا في هذه البلاد.
كان الظلام الكثيف.. ومتانة جدران السجن تحجب أصوات المتآمرين الأربعة وهمساتهم عن سمع الجندي اليقظان الذي كان يروح ويجيء في الباحة..
وعيناه الضيقتان المشقوقتان تدوران تحت جفنين دقيقين بحثاً عن أي شيء يكون ذريعة ليغمد سيفه المعلق بخاصرته في جسد من يحدث بلبلة أو صخباً.
وبينما هو يمر بالقرب من حجرة المنذر بن سعد ورفاقه عبد الرحمن وأيوب والرجل المسن سمع حشرجة رجل مخنوق وأزيزاً مكتوماً لرجل يُصرع..
فاقترب من الباب..وأطل من قضبان نافذته ليرى المنذر وهو يتلبط على الأرض التربة
كالسمكة التي أخرجت لتوها من البحر فهتف بلغة عربية مكسرة:
- مالك؟!
فلم يزد المنذر على أن حاول القيام متعاثراً ومحادثة الجندي ليفتح له.. ثم جعل يضطرب بعنف.. ويصيح صيحات مكتومة
ويقبض على عنقه بيديه كمن امتنع عليه الهواء والتنفس.. محاذراً أن يحدث أصواتاً مرتفعة توقظ النيام وتجلب المزيد من الحرس.
وقد أتقن حركات من يصرع بشكل أثار الدهشة والخوف في نفس الجندي!
ووسط همهماته وشتائمه استل سيفه ليعالج به المريض الممسوس الذي يئس عاجلاً من برئه!
وقبل أن يفتح الباب توقف وقد أدركه الحذر ونادى صاحباً له.
وواصل المنذر استلقاءه على الأرض وهو يقلب عينيه بجنون في فراغ الحجرة الدامس الذي لم يضئه سوى نور مصباح
الجندي الآخر الذي جاء عجلاً.. وكاد أصدقاء المنذر يصدقون أن جنّيّاً قد تخبطه حقّاً!!
تحادث الحارسان قليلاً ثم فتحا الباب.. ورأى المنذر الجندي يرجع سيفه إلى مكانه فاعتبر ذلك فضلاً من الله! وانحنى الجندي
المدهوش من العارض الغريب لسجينه لينظر عن كثب ويتبين الأمر..
فجذبه المنذر بكل ما أوتي من قوة وجعل يحاول الوصول إلى عنقه مانعاً يده من أن تمتد إلى السيف.. واقتحم صاحبه الحجرة
وهو يستل سيفه ففاجأته ستة أذرع قوية أحاطت بجسده وذراعيه
واستولتْ على سيفه وأجهزت عليه في الحال فيما كان الجندي الآخر يعالج يدي المنذر القويتين اللتين أطبقتا على عنقه..
وسحب الثلاثة جثة القتيل خلف الباب وأخفوها عن العيون..
ثم عمدوا إلى خصم المنذر وطعنوه.. وابتهجوا جميعاً بهذه البداية المثيرة من النجاح.. وصمموا على مواصلة نجاحهم
فيما تبقى من مغامرتهم، فتسللوا من الغرفة ملتحفين بالظلام
وبحوزتهم سيفا الجنديين القتيلين.. كانت قلوبهم واجفة.. وعيونهم التي تدور بحذر في الظلام لا تخفي قدر ما بهم من الانفعال والتحفز!
وكان الخطر قد اقترب بهم من ربهم فغدوا متوكلين عليه.
لم يبق بينهم وبين باب السجن الخارجي إلا خطوات عندما برز لهم أحد الحرس الذي ما إن تبين أنهم ليسوا من رفاقه
حتى صاح صيحة هزت أرجاء السجن الساكنة.. وقبل أن يتراجع
هارباً أهوى عليه المنذر بضربة عاجلة أسكتته! وتقافز الحرس فزعين إلى مكان الصراخ..
فيما وصل الهاربون إلى الباب وصرعوا جنديا ًكان يحرس بالقرب منه وغنموا
بعض السيوف والحراب.. ثم حطموا القفل بالسيوف ولاذوا بالفرار.. وعندما ابتعدوا عن السجن كبر المنذر بفرح:
- الله أكبر.. نجونا إن شاء الله.. فإلى بغداد..
رد عليه الرجل ذو الخمسين عاماً بيأس:
- ما أبعد النجاة عنك يا هذا.. انظر إنهم يلاحقوننا على ظهور الخيل!!
فقال عبد الرحمن:
- حقّاً لقد لحقونا.. سنناجزهم ما استطعنا.. عليكم بالصبر وسينصرنا الله.
وحدق أيوب الذي يبدو أشبَّهم في الظلام قائلاً:
- صدقت سنناجزهم.. وربما نفعنا الظلام.
وقال المنذر:
- ليسوا بالكثير إنهم عشرة.. اختبئوا لهم خلف الصخور والأشجار.
رد الرجل المتخاذل:
- عشرة فرسان شرسين على خيولهم وبأسلحتهم ونحن على أقدامنا وتدعي أنهم قليل.. وأنك ستنتصر؟!
- لا تقنط يا رجل من نصر الله!
- قاتل لوحدك أما أنا فلا طاقة لي..
- وماذا ستفعل إذا؟!
- سأسلمهم نفسي وأطلب العفو.
غضب المنذر ونهره قائلاً:
- يا لك من ضعيف خوار.. لولا مخافة الله لألحقتك بمن قتل منهم!
وقال عبد الرحمن ساخراً:
- متى علمت أن في قلوب هؤلاء رحمة؟!
غاب الرفاق الثلاثة في الظلام بينما جثا الرجل على ركبتيه مستسلماً.. وما أن طلع عليه التتريون الغاضبون حتى همَّ أحدهم
بالقضاء عليه فلوح الرجل بيديه أنه لا ينوي شراً
فزجر الجنود رفيقهم فتركه.. واقتربوا منه وسألوه بفظاظة عن رفاقه فقال برعب:
- لا أدري!
وكانت تلك آخر كلمة قالها.. ثم عمدوا إلى التفتيش عن الآخرين.. وانقسموا كلّ فارسين إلى جهة.
وكان ذلك في صالح المنذر ورفاقه.. واقترب فارسان من مكان المنذر
وعبد الرحمن دون أن يعلما عنهما شيئاً.. وما كاد الفارسان يتجاوزانهما حتى تسللا خلفهما بخفة ثم هجما
عليهما فجأة من الخلف وطعناهما بأسيافهما وأنزلوهما عن الفرسين وقضيا عليهما.. فقال عبد الرحمن:
- أحسنت يا منذر.
- فقال المنذر وهو يفتش في سرج أحد الخيول:
- أصحابهما لا يعلمون بما جرى.. وقد وجدت نبلا وقوسا فلنصلهم بالسهام.
فرد عبد الرحمن:
- وقد وجدت أنا أيضاً سهاماً.. إنهم يفضلون السهام ويجيدونها.
ثم انبعثت من قلب الظلام صيحة..!
ورأى المنذر وعبد الرحمن صاحبهما أيوب يسرع باتجاههما وما كاد يقترب حتى صاح:
- إنهم جميعاً خلفي!
فقال المنذر يخاطبه:
عليك بهذه النبال ارمهم بها أنت وعبد الرحمن.. وسأشاغلهم عنكما فلا تخطئا لهم جسداً فالسهام قليلة.. واحذرا أن تصيباني..
ولما اقتربوا برز لهم المنذر بسيفه وعلق بأحدهم يبارزه.. وقبل أن ينضمّ إليه البقية سقط الأربعة تباعاً..
صرعى السهام التي فاجأتهم منطلقة من جوف الظلام!
وارتبك الأربعة الباقون الأربعة.. وانطلق ثلاثة منهم إلى الجهة التي جاءت منها السهام.. وهناك ظهر لهم عبد الرحمن
وأيوب وسددا سهمين باتجاههما.. طاش أحدهما.. أما الآخر فاستقر في قلب أحدهم.
واستطاع المنذر إصابة الجندي الذي يقاتله بعدما أرعبه تساقط أصحابه فجأة!
ومسح خطّاً دقيقاً من الدماء سال على جبينه، وسارع إلى رفيقيه حيث كان الجنديان
قد ترجلا عن الخيول ودخلا في مبارزة مع عبد الرحمن وأيوب.
كانت قد مضت فترة على العراك قبل أن يتدخل المنذر لترجيح كفة رفقائه.. وخلال ذلك صاح عبد الرحمن مستنجدا بأيوب،
فالتفت ليتبين الأمر فاستغل المغولي الفرصة ومنحه ضربة اجتثت ذراعه من مكانها.. ورفع سيفه ليقضي عليه.. فلم يمكنه المنذر من
أن يحفل بفوزه فكز ظهره بسيفه حتى تهاوى.. ثم عمد إلى خصم عبد الرحمن الذي كان يتراجع أمام مهارته
فسدد إليه ضربة بالسيف شبيهة بالتي نالها رفيقه.. وانتهت بذلك المعركة الصغيرة.
وكانت الدماء التي انفجرت من ذراع أيوب كالينبوع قد استنفدت طاقته.. فاستلقى متهالكاً يكابد آلامه. وسأله المنذر متصاعد الأنفاس:
- هل تستطيع السير إلى أحد المنازل القريبة حتى نضمد جراحك ونعالج موضع القطع في ذراعك؟
فقال بوهن:
- اسلما بجلديكما.. فربما حضر المزيد من الجنود..
وقال المنذر:
- سأذهب لأبحث لك عن ماء ترطب به شفتيك.
وانطلق إلى حيث الخيول.. ولبث فترة يبحث عن قربة ماء ربما تكون بحوزة الجنود حتى ناداه عبد الرحمن:
- تعال لا حاجة له بالماء.. لقد مات.
فرجع المنذر وتأمله قليلاً ثم غطى وجهه وهو يقول:
- رحمه الله.. ليتنا نستطيع البقاء لدفنه!
رد عبد الرحمن:
- لو بقينا فقد يكشف أمرنا.. سنذهب.. وسيأتي إليه من يدفنه فنحن قريبون من البيوت وأكثرهم من المسلمين.
ومضيا مسلّحين.. راكبين.. تغمرهما نشوة الظفر والحرية.. قد أعادت المكاسب التي حازاها والنجاح السريع، الحماس
إلى نفسيهما من جديد.. فانطلقا لإكمال الخطة التي رسمت في السجن
وهي الوصول إلى الخليفة أمير المؤمنين في بغداد.. وبعث همته لاغتيال شيّوم المغولي.. الأمير القاتل.. وتخليص الناس من شره..
كانا يسيران بترقب وحذر.. يحدوهما أمل كبير في نجاح مسعاهما لدى الخليفة العباسي.
وبعد سفر متواصل هادئ.. صافحت أعينهما بغداد.. عاصمة الدولة العباسية التي كانت رغم الضعف الذي بدأ يدب
في أوصالها.. أقوى دولة إسلامية في ذلك الوقت.
وفي بغداد لم يسترح الهاربان أو يزينا من هيئتهما بل دخلا على الخليفة بثيابهما المهترئة..
وشعورهما غير المرجلة.. وأخبراه بكل ما حدث.



يتبع


المواضيع المتشابهه:



 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون


رد مع اقتباس
قديم 09-11-2011   #2


الصورة الرمزية فتنه حرف
فتنه حرف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 224
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 01-24-2024 (12:32 AM)
 المشاركات : 12,524 [ + ]
 التقييم :  127167322
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 422
تم شكره 302 مرة في 232 مشاركة
افتراضي



مااجملك ايتهاالغزال
كنت على وشك النوم لكن هذة الرائعه التى وضعتها

شدتنى وبقوة انتظر بشوق القادم منك

كم انتن مذهله



 
 توقيع :
[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]


رد مع اقتباس
قديم 09-12-2011   #3


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أوراق الورد مشاهدة المشاركة
مااجملك ايتهاالغزال
كنت على وشك النوم لكن هذة الرائعه التى وضعتها

شدتنى وبقوة انتظر بشوق القادم منك

كم انتن مذهله

أوراق الورد,,أسعدني مرورك العطر
لك أغلى تحية
مع حقول ورد وسلال ود









 


رد مع اقتباس
قديم 09-12-2011   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الفصل الثاني



اهتم الخليفة بأمر المنذر وعبد الرحمن اهتماماً بالغاً.. وأنهى إليه واليه ببغداد أبي الحسن ابن يونس أمر العناية بهما.. مستجيباً إلى اقتراحهما
في إرسال فرقة من الفرسان لاغتيال طاغية قانين. وأمر الخليفة واليه أن يتدبر أمر هذه المعضلة بسرعة تامة.. فقد رأى أن الآمال تعلقت به..
وأن أهالي تلك المدينة المنكوبة يعدونه - بعد الله - المنقذ الوحيد لهم.. فهو الذي تهفو لنجدته قلوب المتضررين من المسلمين
في مشارق الأرض ومغاربها.. لأنه الأقوى بين ملوك المسلمين في الوقت الحالي.
وقد جلس الوالي - أبو الحسن ابن يونس- صباح اليوم الذي تلا قدوم المنذر ورفيقه يحدق في الأرض بصمت ويتأمل فيما عهد به الخليفة إليه..
وألح في سرعة إنجازه..
لم يكن في مجلسه ذلك الصباح الباكر سوى بعض مواليه وحاجبه. وقد بلغت الحيرة به حدّاً أطبق معه فكيه صامتاً.. وجمد على كرسيه كالصنم..
وقد مضت ساعتان على هذه الوضع.. لم يتحرك فيهما إلا ليريح جسده بتغيير وضع جلسته!
وفجأة.. دبت فيه الحيوية.. وسطعت ملامحه بالبهجة.. وقد بدا واضحاً أن فكرة طرأت له.. فالتفت إلى حاجبه الواقف بالباب..
وحرك شفيته اللتين أيبسهما تطاول الصمت وقال:
- لا تدخل إليَّ أحداً هذا الصباح حتى أعلمك.. وانطلق من فورك حتى تأتي دار جابر الحبشي ولا تعد إليَّ إلا وهو معك..
واحذر أن يعلم أحد عن قصدك شيئاً. حقّاً.. الفارس الجيد جابر الحبشي هو خير من يمكن اختياره لهذه المهمة الشائكة..
فالسفر عبر بلاد شاسعة كبلاد فارس واختراق أراضي المغول بقليل من الرجال..
ثم اقتحام عرين أمير حذر شرس مغامرة خطيرة.. لا يتصدى لها إلا طموح يطلب المجد.. أو مجاهد ينشد الموت في سبيل الله..
وكلتا الصفتين يجمعهما جابر الحبشي. إنه شاب مقدام.. في قلبه غيرة فائقة.. وهو إلى ذلك مقاتل شجاع.. وقد انتظم في جيوش
الخليفة منذ أن شب وقوي ساعده.كان عبداً مملوكاً لأبي الحسين ابن يونس- شقيق الوالي - وكان أبو الحسن قائداً في عسكر
العباسيين فدرب فتاه خير تدريب على القتال والفروسية.. وقاتل معه وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره.. وعندما بلغ الخامسة والعشرين
من عمره أعتقه وجعله في جنده.وقد كان الوالي أبو الحسن شديد التعلق به لأمانته.. وإتقانه لما يكل إليه من عمل.
إن مجموع صفاته الجيدة.. ترشحه أن يكون أهلاً للحملة الخطيرة التي اعتزم الخليفة إنفاذها. وتؤهله كذلك أن يكون كفؤاً للجائزة
التي رصدها لهذا الشأن..وأعدها لمن يقتل شيوم بنفسه.. وهو لم يكن في ذلك بخيلاً فقد جعل مدينة "الأشبار" العامرة
بالشام جائزة سخيّة لمن يقضي على الأمير شيوم المغولي.
ظل الوالي ابن يونس يترقب عودة حاجبه بلهفة.. وبعد قريب من الساعة وقف بنهاية مجلسه شاب متقلدٌ سيفاً.. نحاسي اللون.
وقد ألقى السلام لدى وقوفه بالباب فرد الوالي مخفياً عظيم سروره بالوقار:
- وعليكم السلام يا جابر ورحمة الله.
وتقدم جابر وقبل رأس الوالي.. ثم التقط يده وقبلها وسط امتناعه المصطنع!
وقال الوالي معاتباً:
- ألا تريح جنبك من تقلد هذا السيف؟
فقال جابر:
- لم أحمله إلا الساعة فقد أدركت أن سيدي لم يدعني في هذا الصباح المبكر إلا لأمر جليل!
- لقد أصبت في ظنك إنه أمر جليل انقطعت عنده الحيل.. وتناقض فيه أمران الأول ضرورة القيام به عاجلاً
والثاني صعوبة إنجازه تقارب امتناعه عن التحقيق!
- إن كان في تحقيقه خير فسيعين الله على إنجازه.
- لقد ألقى به على كاهلي أمير المؤمنين.. ولله كم أثقلني ذلك.
- لعله يكون طغيان الأمير المغولي شيوم وما يروى عن فظائعه؟
- هو ذاك يا جابر.. كيف عرفت؟!
- ألم يقدم بشأنه رجلان من عرب بلاد فارس.. المنذر بن سعد ورفيقه عبد الرحمن اللذان هربا من سجن شيوم بعدما رأيا ما لا يسر العين؟
- هل تسامع الناس بخبر الرجلين وما جاءا يطلبان.. إن الخليفة أوعز إليّ أن أنظر في الأمر بغاية الخفية!!؟
- لم يعلم الكثيرون.. إنها مجرد تخرصات من بعض المحيطين بالخليفة.. ولكن مظالم ذلك الأمير لم تعد تخفى على أحد.
- إن المشكلة تكمن في أن التعرض له من قبلنا سيهيج علينا هؤلاء التتار وسيكون في ذلك تهديد لدولة بني العباس!
وبعد صمت تابع الوالي:
- لقد اخترتك يا جابر لهذه المهمة الخطيرة.. إنني عظيم الثقة بك.. وماضيك في البسالة والجرأة.. وصدق تدينك لا يخفى عليّ..
بهت جابر لهذا الإطراء السخي من الوالي فسارع يقول في حياء:
- أستغفر الله يا سيدي.. ما أنا إلا صنيعة يديك.. وتربية سيدي أبي الحسين.. ولا أظنني أهلاً لما تعدّني له.. إنني محدود القدرة!
لم يبال الوالي بتواضعه.. فقال:
- إن صفاتك التي أعلم جيداً تجعلني لا أحيد عنك إلى غيرك.
أحنى جابر رأسه إلى الأرض.. يفكر تفكيراً شوشته المفاجأة.. وأمهله الوالي مدة كافية ليتخذ قراراً.. فلما أبطأ عليه قال في إصرار:
- يا بني.. أنا عازم عليك أن تعد العدة لهذا الأمر.. فلا مناص لك منه.. وقد أزمعت أن أريح كتفي من حمله إلى كتفيك.. فما تقول؟
أجاب جابر مقتنعاً:
- وافقت يا مولاي.
- على أن تختار من الرجال من تشاء في خفية تامة.. وتسافر لاغتيال هذا الطاغية..
- على أن أذهب لأريح المسلمين من شرّه.. وأرفع عنهم كيده وبطشه.
- وتقبل جائزة أمير المؤمنين التي جعلها مقابل رأسه.؟
- أما الجائزة فلا علم لي بها!
- لقد كتب أمير المؤمنين على نفسه كتاباً وأمرني أن أشهد بما فيه.. أن قائد الحملة الذي يباشر الإجهاز على الطاغية بنفسه ويقتله..
سيجعله حاكماً لمدينة "الأشبار" بين الشام والعراق مكافأة له.. حاكم بحاكم ومدينة بمدينة.
بانت الدهشة والسرور على محيا جابر فهتف:
- إنه المجد بعينه يا سيدي.. إنها جائزة عظيمة!!
- إنها لك إن فزت يا جابر.
- سأسعى حتماً إلى الفوز.. فالنفوس تتوق إلى مثل هذه المكرمة.
- إني عظيم الثقة في أنك ستفوز وتنتصر في هذه المهمة إذا أوليتها كامل عنايتك.. أسأل الله لك العون والتوفيق..
وسأستدعي الرجلين اللذين حملا هذا الأمر إلى مقام أمير المؤمنين..
المنذر بن سعد وصاحبه.. سأستدعيهما لتسمع منهما رأيهما فيما يتعلق باقتحام قصر شيوم.. فهما يعرفان الكثير عن تلك البلاد.
والتفت الوالي إلى حاجبه وأمره باستدعاء المنذر بن سعد ورفيقه عبد الرحمن من دار الضيافة الملحقة بقصره.
وخرج الحاجب لتنفيذ أمر الوالي. ولم تمض لحظات حتى دخل المجلس شاب قصير القوام.. أبيض.. ذكي النظرات.. يلوح المكر..
في ملامحه الحسنة. ولم يكد يدخل حتى بان الكدر في وجه جابر.
كان ذلك يوسف بن محمد الابن الأكبر لأخت الوالي ابن يونس.. ولم تكن المودة قائمة بينه وبين جابر.. بل كان يحكم علاقتهما
منافسة وشبه عداوة.. ومرد ذلك إلى تنافر طبيعتهما.. فجابر معتدل السيرة مستقيم المدارك ويوسف من جهته متكبر..
يتكئ على نسبه وقرابته من الوالي.. وينساق خلف المطامع والشهوات بلا تعقل.
ويحتقر جابراً لأنه ينافسه الزلفى من الوالي ويغضب إذا قارن أحد بينه وبين جابر.. فهو لا يرى مجالاً للمقارنة!!
كان طموحاً بشكل مندفع.. شديد السعي لإرضاء نفسه وتحقيق ما يريد بشتى الوسائل.. ولم تكن الشجاعة تنقصه..
وقد أوقع خاله الوالي في مشاكل عديدة، غير أن الأخير كان يبدي كلفاً به وتسامحاً من قبله.. وسرعان ما يرضى عنه ويرضيه..
ويتناسى ما يسببه له من متاعب.
وقد تعاظمت الفرقة بينه وبين جابر لدن دخوله مجلس الوالي.. فمدينة "الأشبار" مطلب قديم وملح من مطالب يوسف بن محمد..
ومن أمانيه الكثيرة أن يتولى حكمها.. وبما أن "الأشبار" أصبحت محط نظر جابر فقد بدأت الفجوة تتسع بينهما أكثر!
وقد دهش الوالي عند دخول ابن أخته وتمنى لو كان في غير هذا الوقت.. ونوى أن يلوم الحاجب لولا أنه تذكر بأنه قد أمره
أن يدخل يوسف بن محمد في أي وقت يجيء فيه!
وعند دخوله سلّم يوسف على خاله وقبل رأسه.. وناول جابراً أطراف أصابعه.
وبعد حديث قصير دخل المنذر بن سعد وعبد الرحمن.. ورحب بهما الوالي وجابر ويوسف.. كانت الراحة المديدة التي أخذاها قد غسلت
عنهما كآبة السفروقتامة الموقف الذي كانا فيه.. وكانا يرتديان حللاً جديدة ويتخذان مظهر الأضياف الذين لقوا تكريماً خاصّاً.
وقد أفسح الوالي المجال لجابر أن يتحدث إليهما استعداداً لتنفيذ الأمر الذي اعتزم فعله.. ولكنه كان مشغول البال بيوسف وأي شيء يصنع
به فهو يدرك الفجوة التي بينه وبين جابر.. ولم ينس رغبة ابن أخته في مدينة "الأشبار" فأطرق إلى الأرض يفكر بسرعة.
ثم نهض.. وأشار إلى يوسف أن يتبعه إلى داخل القصر.. وقد ذهبت الظنون بجابر كل مذهب.. ولم يستبشر خيراً من انفراد يوسف بخاله!
وفي الداخل ألقى الوالي بجسده على كرسي مرتفع وأريكة وخاطب ابن أخته في عبوس متكلف:
- أي ريح سموم ساقتك إليَّ في مثل هذه الساعة يا شقي؟!
ردَّ يوسف وهو يجلس قريباً من خاله:
- شممت رائحة "الأشبار" فجئت..
- أنت شيطان من الشياطين!!
- إن كان ذلك يعجبك يا خالي.. فأنا شيطان من الشياطين!
- أيَّ شيء جئت تطلب هذه المرة؟
- أنت تعلم أني لا أطلب دائماً إلا شيئاً واحداً.. وقد نُمِيَ إلى علمي أن أمير المؤمنين قد جعل ما أطلب جائزة لمن يقضي على شيوم أمير قانين!
- ألن تكف عن طمعك الذي لا حد له يا خبيث؟
قفز الشاب عند قدمي خاله ثم خطب يده وقبلها وأجاب باسماً:
- أنا كل شيء تريد.. لكن لا تحرمني مما أنا أهل له..
ثم أضاف بلهجة معاتبة يعلم مدى وقعها على قلب خاله:
- لماذا تعرض مدينة "الأشبار" أن يأخذها غيري وأنت تعلم أنها أمنيتي منذ سنوات.. لماذا لم تعرض عليَّ أن آخذها وبحقها؟!
- كيف؟
- أنا لا أريد أن أحكم مدينة "الأشبار" إلا وأنا كفؤٌ لذلك جدير به.
- كيف؟
- أقصد أني سأنفذ طلب أمير المؤمنين وأفي بشرطه.. وأذهب إلى بلاد فارس وأقتل شيوم وأفوز بالأشبار عن حق وجدارة.
ركل الوالي صدر يوسف برجله في لطف وهو يقول:
- إنه عمل صعب.. أنت لا تعي مدى الأخطار التي تنتظر كل من يحاول التسلل خلال تلك البلاد..
ثم يقتحم قصراً منيعاً لرجل لا يكاد ينتمي للآدميين!
- بلى أدرك ذلك.. وسترى كيف أفعل لو أذنت لي!
- وهل تدرك أن لا أحد يمكنه أن يتجسس على المغول ويندسّ بين صفوفهم لأنه لا يشبههم أحد في هيئتهم وخلقتهم؟!
- وأدرك ذلك أيضا..
- أنا أخشى إن ذهبت.. ألا يعود منك إلا خبر مصرعك!!
- كل من سيذهب معرض لأن يقتل.. والقتل ليس عيباً بل هو مصير الشجعان دائماً.. ولست أقل شجاعة من غيري.. ولست
طفلاً ولا غرِّاً فأنا في الثلاثين من عمري ولست جباناً ولا أحمق.. وأنت خالي.. وخير من يعلم قدرتي وعقلي. ألا يكفي كل هذا؟!!
وساد الصمت قليلاً ولان الوالي ابن يونس تجاه إصرار ابن أخته واندفاعه.. لكنه قال محاولاً التخلص منه:
- لقد كان ما تطلب ممكناً لولا أنني قد فرغت وأعددت لهذه المهمة رجلاً غيرك.
- ووعدته بأن يلي "الأشبار" لو قتل شيوم؟؟
- نعم.
- وهل هو من الحاضرين في مجلسك الآن؟
- نعم.
- جابر..؟
- نعم!
- توقعت ذلك.. إنه طموح وجريء.
- هذه الرحلة وجائزتها من نصيبه.. فإن فاز فذلك له، وإن فشل هو ومن معه أقنعت أمير المؤمنين بأن تسير أنت
بسلاح ورجال وتحاول اغتيال شيوم ثانية ولك بلاد الأشبار.
- إن أذنت.. فثمة ما هو خير من ذلك..
- ما هو؟
- أن نذهب سويّاً فأينا أراد الله أن يكون مقتل شيوم على يديه فله حكم المدينة.
- ربما احتدم التنافس بينكما.. وفشل الأمر كله؟!
- أنا لن أنافسه.. بل سأساعده وسيكون رئيس الرحلة وصاحب الأمر والكلمة الأولى.. ولن أقعد له مقعد المخالف في أي طريق..
لكن إذا أتيح لي الإجهاز على الطاغية دون اعتراض منه فلن أتردد.. وتكون"الأشبار" لي.
سكت الوالي.. وبعد تأمل - غير طويل- في كلام يوسف.. درس خلاله العواقب وما يمكن أن ينتج عن المشاركة بين الشابين
الطموحين المتنافسين.. صور له عقله أن العواقب ستكون حميدة..
فجابر كفءٌ للرحلة ومتاعبها ولا يمكن التنازل عنه.. ويوسف مندفع لا يخلو من شجاعة وتهور أحياناً..
لكن إذا كان صاحب القول الثاني في الرحلة.. ومجرد مساعد لجابر
فلن يكون له تأثير في مسايسة الأحداث وتوجيه الرجال.. وكل ما في الأمر أنه سيرضيه بإتاحة الفرصة له
ليقضي على شيوم ويحصل على ما يطلب.. بل سيكون مفيداً لو وقع جابر فالرجال لن يختلفوا بعده ولن يعوزهم
إيجاد قائد يسوسهم عوضا ًعنه.. وليس فرق بين أن يذهب الآن مع جابر..
أو يذهب فيما بعد في رحلة أخرى. ولهذا كله فاجتماع يوسف وجابر في رحلة واحدة سيكون سبباً من أسباب النجاح.
لذا فقد قال لابن أخته:
- لقد وافقت على رأيك.. على أن تلزم نفسك بما تعهدت به آنفاً..
فهتف يوسف بجذل:
- أعدك بذلك يا خالي.
وفي المجلس كان جابر قد أسهب في الحديث مع المنذر وعبد الرحمن ورفض عرضهما بمرافقة الرجال إلى قانين فهما شخصان
معروفان للحرس المغولي وربما أعاق وجودهما الحملة وكشف خطّتها. وقد ابتدر الوالي لدن خروجه عليهم بصحبة يوسف قائلاً:
- سأبشر الخليفة بما توصلنا إليه.. وسيرافقكم يا جابر.. يوسف.. وربت على كتف ابن أخته بوقار حنون.
أما جابر فقد ألقى على يوسف نظرة مختصرة، ولم يَخْفَ على الوالي ذلك الكدر العظيم الذي اكتسح ملامحه..
لكنه رجح أن الصفاء سيسود علاقتهما سريعاً.
وبعد مضي مدة من النقاش والتدبير للرحلة قال المنذر:
- ثمة أمر هام يا سيدي الوالي.. لقد عملت في القصر الذي يقيم فيه شيوم وأنا فتى يافع.. فأنا أعلم بمداخله ومخارجه..
فقد كنت مساعداً للطاهي- طاهي القصر- في خدمة حاكم المدينة الفارسي
قبل أن تحل به وبغيره نكبات المغول. واقتحام القصر أمر صعب للغاية فهو معقد البناء والأمير شيوم قد احتاط أشد الحيطة..
واختار حامية قصره بنفسه.. ولم يجعل حرسه وخدمه المقربين
إلا ممن يثق فيهم.. وكل حرس القصر من بني جنسه من المغول.. لذا فالدخول إلى القصر أو التسلل مهمة
صعبة فالداخل سرعان ما ينكشف أمره متى ما رأوا وجهه يختلف عن وجوههم!
وسأل الوالي:
- لقد جال هذا الأمر بخاطري يا منذر فالقوم حقّاً لا يشبههم أحد.. لكن ألا يوجد بالمدينة من يرغب بالمشاركة إذا دفع له مال لا بأس به؟
- من الممكن ذلك لكن لا يصح تسيير الرحلة اعتماداً عليه فالناس يعرفون وحشية الأمير ويهابونه وهم في بيوتهم فكيف باقتحام عرينه!!
إنه لا يدخل عليه أحد من غير المغول إلا سويعات من نهار يفتح باب قصره الكبير فيدخل عليه أصحاب الحوائج
وينظر في أمرهم وكل ذلك بعد أن يفتشوا وتؤخذ أسلحتهم منهم. فإذا حل الليل أغلقت البوابة
ولم يؤذن لأحد بالدخول.. بل لا يسمح بالاقتراب من أبواب القصر!
- وحامية قصره ! أليس فيهم من يمكن شراؤه؟
- إنه قاسٍ مع الجميع.. لهذا لا أستبعد وجود جندي يمكن الدفع له مقابل مساعدة منه..
لكن إيجاده صعب وربما جر ذلك إلى المصائب والأخطار.
- إذا ماذا ترى أنت؟
- لقد فكرت في هذا الأمر منذ قدمنا إلى العراق أنا وعبد الرحمن فما وجدت حيلة خيراً من أن يتسلل إنسان
إلى داخل القصر.. حيث سأرسم له خارطة بممرات القصر..
أعين له فيها المنافذ والأبواب والدهاليز والمكان الذي يقطنه شيوم.. فأنا متأكد أنه هو نفس المقصورة
التي كان يستعملها الحاكم الفارسي لنومه. وبعد ذلك يفتح للبقية
وينطلق الرجال ساعة دخولهم إلى مكان الطاغية مجتمعين.. ويجتهدوا ألا يعلقوا بأحد من الجنود حتى يبلغوه
فإذا نالوا منه وقتلوه وحققوا الغاية التي جاؤوا من أجلها..
لاذوا بالفرار مرتدين من حيث جاؤوا.. ولا يقاتلون إلا من اعترض طريقهم. هذا هو رأيي يا سيدي.
خلّل الوالي لحيته بأصابعه في تأمل.. وقال:
- ولكن تبقى المعضلة الأولى في أن شخصاً لن يقدر على التسلل داخل القصر دون أن يكتشف وتعرف غايته.. ؟
- هذا الشخص الذي ذكرت لا بد أن يكون مغولياً.. شبيهاً بهم حتى يستطيع التنكّر والدخول وسط الحراس..
ولا بدّ أن يكون مجيداً للعربية حتى يسهل التخاطب معه والتخطيط والاتفاق.. ولا بد أن يرضى بالمخاطرة والمغامرة
بحياته فالحيلة كلها تعتمد عليه! أعجب الوالي بخطة المنذر بن سعد في الكيفية التي سيقتحم بها القصر..
وألزم بها جابراً ويوسف، لكن يوسف أبدى ملاحظته وخاطب الوالي:
- إنها شروط صعبة.. فأين سنجد هذا الإنسان الذي تنطبق عليه الأوصاف التي ذكرها المنذر؟
أجاب الوالي على الفور ملتفتاً إلى جابر:
- أنت يا جابر من سيبحث عن رجل بهذه الصفات وستبدأ من هذا اليوم وسأمهلك نصف شهر لتجده.
وبكل أريحية أجاب جابر باسماً:
- سأجتهد في البحث عن هذا الشخص الذي لا وجود له!
وقال الوالي ليوسف بن محمد:
- وأنت عليك أن تختار عشرة من الرجال وتجزل لهم العطاء.. وأخبرهم بما ينتظرهم من الأخطار حتى يكونوا على بينة..
لكن لا تخبرهم عن المدينة ولا الوجهة حتى تفارق بغداد.
وقذف بين يديه بكيس أخرجه من صندوق عنده مضيفاً:
وعليك أن تجد جيادا وسلاحاً لك ولرجالك وما يلزم لرحلة كهذه.
وأعطى جابراً كيساً أكبر من الذي أخذه يوسف وقال:
- وأَعِدَّ أنت يا جابر أيضاً خيلاً وسلاحاً.. واختر كذلك قريباً من عشرة رجال ولا ترفض لهم أي أجر يطلبونه.
وتناول المنذر الرقعة وأخذ ريشة غمسها في دواة الحبر.. وجعل يرسم خريطة مفصلة للقصر الذي سبق أن جاله كله وهو صبي..
قبل أن يصبح مَوْئلاً للأمير شيوم. رسم الردهات والأبواب والدهاليز ومقر الغرفة التي كان ينام بها الحاكم السابق
والتي رجح أن شيوم قد اتخذها موضعا لنومه كما رسم أسوار القصر
وحدد ارتفاعاته المتباينة ووضع علامات للأجزاء المنخفضة منه. ثم عرض تلك الرسوم على الوالي وهو يقول:
- هذه يا مولاي هي خريطة القصر فمن أراد الدخول إليه فلا بد أن تكون معه حتى لا يقضي وقتاً في البحث عن طريقه.
ونهض المنذر مستأذناً بالرحيل. فقال له الوالي:
- بارك الله فيك يا منذر أنت وصاحبك ستؤجران إن شاء الله على صنيعكما.
ثم أضاف وهو يمد لهم مالاً استخرجه من صندوقه:
- هذا بعض ما تستحقان..
شكراه جميعا، وقال المنذر:
- سأذهب إلى أهلي إلي بادية الشام.. وصاحبي سيتجه إلى الجزيرة.
وأمر لهما الوالي بركاب وعتاد فقبّلا يده و ودعا الجميع وخرجا. والتفت الوالي إلى جابر ويوسف وقال مؤكداً ما اعتزم عليه:
- أريد أن تنجح هذه الحملة بأي ثمن.. افهما ما أقول!
وكانت الرقعة على خوان الوالي.. وامتدت إليها يدا جابر ويوسف معا ولكن يد جابر كانت الأسرع فالتقطها
وتأملها برهة قصيرة ثم طواها ووضعها في جيبه! ولم يخف ذلك على الوالي لكنه تجاهله..
وفيما عُدَّ تصرف الوالي ذلك وتجاهله لهذا الأمر البسيط من أخطائه القليلة..
وردد الناس أن الحكمة التي اشتهر بها أبو الحسن ابن يونس قد خانته هذه المرة!!


 يُتبع






 


رد مع اقتباس
قديم 09-14-2011   #5


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل الثالث


في البداية اعتقد جابر أن الشخص الذي رُشح ليكون ركيزة الرحلة القادمة صعب الوجود، إن لم يكن إيجاد مثله مستحيلاً..

لكن سرعان ما حدث خلاف ذلك!! فبعد خروجه ذلك الصباح من عند الوالي لم يفكر جابر غير قليل
حتى انقدح في ذهنه أن يستنجد بصديقه القديم.. صديق الطفولة.. المغولي الصغير.. الذي ربما أصبح كبيراً الآن!
عبد القيوم حسنة المغولي.. إن عهده بعبد القيوم قديم.. آخر لقاء لهما كان قبل خمسة عشر عاماً..

تاريخ غابر لا يدري أي شيء استجد فيه.. ولا ماذا صنع الزمان فيه بذلك الصبي الحيوي النحيل!
قدم والد عبد القيوم إلى بغداد بعدما خالط المغولُ الشعوبَ الإسلامية في الشرق.. فاجتذبه الإسلام، ولم يطل به التردد حتى رأى في

الدين المحمدي وشريعته وتعاليمه منجاة له من تخرصات الوثنية المغولية وخرافاتها والتي لم يقتنع بها أبداً عندما كان من أتباعها!
وآثر أن يترك قومه وبني عشيرته من التتار، وما هم فيه من الشرك والطغيان.. واستقر في بغداد،

وتسمى باسم "حسنة المغولي" وعمل حطاباً.. وتعلم كيف يتكلم العربية..
وكان حريصاً على تعلم الفقه وقراءة القرآن.. وأصبح الناس يحترمونه ويدعونه "الشيخ حسنة" وقد قدمت بصحبته من بلاد المغول
زوجته التي أسلمت مثله ووالداه اللذان أَسْمَاهُمَا عبد القيوم ومحمد وبنته عائشة.. وكان مهتماً بتعليم صبيانه فضائل الإسلام وإنباتهم على محاسنه.
وقدَّر جابر أن عبد القيوم إن لم يحد عن تعاليم والده ولم يخرج عن سبيله الذي كان يسير عليه فإنه هو الشخص المطلوب..
وتفاءل كثيراً أن عبد القيوم سيكون كذلك وسيضم إلى ذلك شجاعة ورغبة في السفر..

ثم طفق يتخيل كيف سيكون شكله بناء على ما يذكره من ملامحه عندما كان صبياً.
وبدأ البحث عن عبد القيوم.. بأن تساءل.. أين يمكن أن يكون الآن وعلى أي حال؟ وكان أول شيء فعله أن ذهب

إلى أحياء بغداد القديمة.. واتجه إلى درب الحطابين حيث نشأ هو هناك ردحاً من الزمن برفقة والده الذي كان يخدم في
الجيش العباسي وكان مولى من موالي القائد أبي الحسين بن يونس.
وهناك عانقته الذكريات.. وانداحت في خاطره ذكرى تلك الأيام البريئة

التي عاشها في هذه الأمكنة الضيقة قبل أن يرتفع ذكره ويخالط أصحاب الشان.
وقف عند بيت جارهم السابق "حسنة المغولي" الحطاب.. هنا بالتحديد كان آخر لقاء له مع ابن جارهم السابق عبد القيوم..

وهنا أمام هذا البيت توادعا بشكل بسيط بريء قبل أن يذهب مع والده وأسرته ليشب في قصر أبي الحسين ابن يونس!
طرق باب البيت الذي توقف عنده.. ثم فتح له الباب شخص مسن لم يعرفه، وسأله جابر بعد التحية:
- أليس هذا هو بيت الشيخ حسنة المغولي الحطاب؟
أجابَ الرّجل:
- لا يا بُني! لقد ترك هذا البيت منذ زمنٍ بعيد وسكنت فيه أنا..
- وأين ذهب يا عمّاه؟
- لقد قيل لي إنه انتقل إلى بستانٍ استأجره.
- وأين هذا البستان؟
- قريبٌ من "بطحاء النّهر".
- هل تعرف اسم مالك ذلك البستان؟
- إنه بستان ابن حذيفة أحد تجّار تلك الناحية.. هكذا قيل لي.
أحس جابر بخيبةٍ طفيفة.. لكنه ركب فرسه وانطلق إلى "بطحاء النهر" جنوب بغداد.. آملًا أن يلتقي بعبد القيّوم أو يجد خبرًا يقود إليه.
كان سيره حثيثًا لم يتوقّف خلاله إلّا ليتناول غداءه في إحدى الحانات التي على الطّريق..

وبعد أن استراح قليلًا واصل طريقه ليصل إلى بطحاء النهر منتصف العصر..
وما إنْ وصل حتى طفق يسأل عن بستان ابن حذيفة.. ولم يمكث طويلًا حتّى وقف على بابه..
وكانت خيبته هذه المرّة أكبر!
كان البستان مهملًا منذ مدة طويلة وقد انهدم سياجه.. واستعمرته الأشواك والحشائش.. وتهدّلت أغصان أشجاره واكتسا

جريد النّخيل فيه لون الصّفرة الباهتة.. وكانت بضع بقرات تجول فيه بحريّة!
وقف على حصانه واجمًا.. أهذا ما كان يرجو بعد سيره المتواصل!!
وقدّر في نفسه أنّ ابن حذيفة الثّريّ في غنى عن العناية ببستانٍ كهذا.. لكن أين
حسنة المغولي وولده عبد القيّوم.. وبقيّة أسرته!؟
تجوّل في جنبات البستان المهجور قليلًا ثمّ خرج.. وعند الباب صادفه شاب يافع يركب بغلًا عليه سرج ثمين..

وكان مشدود الجسد، صغير العينين،بالغ النّظافة، عليه شارات الرّخاء. وعند رؤية الشّاب له شدَّ عنان بغله وتوقّف..
وألقى جابر عليه السّلام فسأله الشّابُّ بصلف:
- عمّ تبحث هنا؟
ردّ جابر بسؤال:
- أبحث عن تاجر من أهل هذه الناحية يدعى ابن حذيفة؟
- وماذا تريد منه؟
- أريده لأمرٍ يخصّني.. هل تستطيع أن تدلّني عليه بأيّ ثمن؟
- ربّما أدلّك عليه بلا ثمن إذا قلت لي من أنت، وماذا تريد به!
بدأ جابر يتضايق من الشّاب فقال في حدّةٍ تشابهُ صَلفَه:
- يا هذا، دلّني على بيته أو انصرف!
قال الشّاب بمثل حدّته:
- لقد رأيتك تجول في البستان بلا إذن.. وتدوس الحشائش بحوافر حصانك!
- أتخشى على هذه الحشائش من حوافر حصاني وتغفل عن هذه الأبقار التي تعيث فيه فسادًا؟!
- أهل البستان أحرارٌ في أن يُدخلوا إليه بقرًا أو بشرًا!
لم يكن عند جابر وقت ليضيّعه.. لذا لكز جنب حصانه منصرفًا ولم يكد يبتعد حتى ناداه الشاب وهو يحاذيه:
- تعال.. انتظر.. لماذا تنصرف وأنا لم أنتهِ بعد من كلامي؟
- أنتَ فتىً غير مفيد.. والكلام معك سيفضي بنا إلى الشّجار!
- أين ستذهب؟
- لا شأن لك!
- توقّف.. سأخبرك عن ابن حذيفة.
توقّف جابر عندما برق له الأمل في الإفادة من هذا الشاب المشاكس وقال:
- ماذا تريد أن تقول؟
- ألن تخبرني عن حاجتك بابن حذيفة؟
- لا..
- إذًا فاذهب واسأل عنه!
مدّ جابر يده وسحب سوطه ولوّحَ به في وجهه وهو يقول:
- إذا لم تنصرف حالًا سأذيقك طَعمَ هذا!
فقال الفتى هادئًا:
- أنتَ تغضبُ بسرعة!
واصل جابر مسيرَهُ فجعل الشاب يسير محاذيًا له.. وبعد أن اطمأنَّ إلى أنّ جابر هدأ قليلًا قال:
- امضِ في اتّجاهكَ هذا حتّى يقابلك حائط.. وإذا انتهى الحائط ستجد بيتَ أبي أمامك.
- أبوك؟!
- نعم.. أنا صالح بن حذيفة.. ولدُه.
- لماذا لم تقل لي ذلك قبلًا؟
- الحكمة تقتضي أن أعرف مَن أنت وماذا تريد من والدي.
توقّف جابر وسأل صالحًا على الفور:
- أريد أن أسألك عن رجلٍ مغوليّ استأجر بستانكم؟
- أيّ البساتين تقصد؟
- البستان الذي كنّا عنده.. هل عندكم بستانٌ غيرُه؟
- لا.. هذا بستاننا الوحيد.
لم يرد جابر بشيء فمن الواضح أنّ الشّاب يسعى لإغاظته ومشاكسته وتابع الشّاب:
- إذًا تريد أن تسأل عن المغولي حسنة؟
- نعم، هل هو هنا؟
- لا.. أقام هنا مدّةً ثمّ رحل بأولاده.
- إلى أين؟
- لا أدري.
- متى؟
- قبل ثلاث سنوات.
- يا للخيبة!
قالها جابر بأسى ممّا دفع "صالح" أن يسأل سؤاله المضجر:
- لماذا تبحث عنه؟
- أنا أريده وكفى!
- من أين جئتَ يا رجل؟
- من بغداد.
- إذًا ستحلّ ضيفًا عندنا.
وتساءل جابر هل يمكن أن يكون هذا الفتى المضجر مضيافًا؟! وتابع "صالح" دعوته:
- لقد أقبل الليل ولا خان هنا.. ليس لك إلّا الرّحيل في الصباح.
- سأنام في المسجد.. وأرحل غدًا.
قال الشابُّ ضاحكًا ومسالمًاً:
- المسجد قريبٌ من المستنقع.. وهناك بعوض أصغر من حصانك قليلًا.. ولن يدعك تنام بسهولة..

تعال عندنا فالبيتُ واسع ووالدي لا يغلق بابه دون أيّ ضيف فهو قد أصبح موئلًا للأضياف وعابري السبيل.
فقال جابر ساخرًا:
- وهل ستبيت أنت في ذلك البيت؟
- وهل تريدني أن أبيت في الطريق؟! سأنام بعيدًا عنك ولن أؤذيك.. كنت أسعى فقط لأكتشف مَن أنت؛ فالحكمة تقتضي ذلك..

ثمّ إنّك لن تعدم الفائدة فأبي ربّما أخبرك عن حسنة المغوليّ وأسرته بشيءٍ يدلّكَ على مكانهم.
ابتهج جابر ثانيةً وقرّر أن يمضي مع الشّابِّ الغريبِ الأطوار الذي تنازلَ عن مشاكساتِه واستفزازه واستحالَ مضيافًا يُطلقُ عبارات التّرحيب بسخاء!
مضى برفقته في شيءٍ من الفأل وسأله أثناء الطّريق:
- مَن كان يقيم مع الشّيخ "حسنة" عندما جاء ليكتري بستانكم؟
- كانت زوجته معه بالإضافة إلى ولده الوحيد "عبد القيّوم".
- هل رأيتَ عبد القيّوم؟
- نعم، لماذا تسأل بلهفة؟!
- كان صديقًا لي.. لكن أليسَ للشيخ "حسنة" غير ولده.. ألم يكن هناك ولدٌ أكبر من عبد القيّوم وبنتٌ اسمها عائشة؟
- لم أرَ إلّا عبد القيّوم.
- كيف هو عبد القيّوم؟ حدّثني عنه.
- إنّه شابٌّ صاحبُ جدٍّ وعمل.. كما أنّه كان قويًّا.. لقد رأيته ذات مرّة وقد انكسرت فأسه يستخدم يديه لتكسير الحطب!
- وماذا بعد؟
- كان شديد البرِّ بوالده وأمّه.
- وكيف هو في أمور الدّين؟
- إنّه صاحب استقامة.. لم يكن لديه وقتٌ للفساد.. فهو يراوح ساعاته بين عمله مع والده في البستان وبين الجلوس في المسجد للصلاة والقرآن.
- هذا أهم ما أريد.. وماذا بعد؟
- الحقّ أنّي لا أعرفه جيّدًا.. إلّا أنّه شابٌّ موفّقٌ وحازم.
بان السّرور في وجه "جابر" ولم يسأل "صالح" عن شيءٍ آخر.. لقد اقترب الرّجل المستحيل الوجود من أن يكون حقيقة!
وأشار "صالح" إلى دارٍ واسعةٍ وهو يقول:
- هذه دارُ أبي.. مرحبًا بكَ يا بغداديّ.
نزل جابر وصالح وربط جابر حصانه فيما ابتدر بغل صالح خادم تناول عنانه وانصرف به في حفاوة بالغة.
وفي الدار التقى جابر مضيفه ابن حذيفة.. وكان الأخير بشوشًا. وبعد حديثٍ قصير قال جابر:
- أنا أبحث عن حسنة المغوليّ الذي استأجر بستانكم.. وقد أخبرني صالح أنه رحل من بطحاء النهر.. فهل لي أن أعرف إلى أيّ مكانٍ انتقل؟
مسك الشيخ لحيته وقال:
- لقد استأجروا بستاني ثمّ رحلوا إلى أرض العالية حيث لم الشّيخ حسنة طين البستان.
- وأين أرض العالية؟
- مسيرة يومين من بلدتنا هذه.. لكن ماذا تريد منها؟
أريد مقابلة عبد القيّوم أحد أولاد حسنة المغوليّ.. والسّلام عليه وعلى والده.. إنّهم جيرانٌ لنا منذ زمنٍ بعيد.
قال الكهل في شيءٍ من الوجوم:
- لن تجد هناك أحدًا.. فقد توفّي الشّيخ حسنة ورحلت زوجته وابنها عبد القيّوم إلى بغداد.
- هل توفّيَ الشّيخ حسنة حقًّا؟!
- نعم.. كنت أظنّك تعلم ذلك!
- لا.. لم أعلم بوفاته إلّا السّاعة.. رحمه الله!
- لقد آسفني موته فقد كان شيخًا صالحًا ذا تقى.
- وأين ذهبت أسرته؟
- رجعوا إلى بغداد مرّةً ثانية.
- قد أخبرتني بذلك.. لكنّي أسأل في أيِّ موضعٍ من بغداد؟
- لستُ أعرف بغدادَ جيّدًا يا بُنيّ.. لكنِ الفتى عبد القيّوم قال لي وقد زارني مرّةً ليفي بما كان لي على والده..

إنّهم يسكنون في دربِ الميزاب في الشّرق من بغداد.
قفز جابر من مجلسه والشّيخ يستبقيه لكنه قال بلهجةٍ يكدّرها خبر الوفاة:
- الشّكر لله يا عمّاه ثمّ لك فقد أفدتني كثيرًا..
فقال الشّيخ:
- هل سترحلُ في هذا الليل؟!
- لا بدّ أن أبيتَ الليلةَ في بغداد.. أنا على عجلةٍ من أمري.
- نحن لم نعرف اسمك يا بُنيّ ومَن تكون؟
- اسمي جابر الحبشيّ.. وأنا من رجال الوالي ببغداد.. أبي الحسن بن يونس.
هزَّ ابن حذيفة رأسَهُ مستغربًا ثمّ قال:
- ليتني أعرف ماذا يحدث! ولماذا الاهتمام بالشّيخ المغوليّ وابنه عبد القيّوم..

لقد جاءني قبل يومين شابٌّ مثلك يسأل عن عبد القيّوم ويقول إنّ له صلة بالوالي!
دهش جابر، واتّسعت حدقتاه، ثمّ هدأ وزوى ما بين عينيه قائلًا:
- ألم يذكر اسمه؟
- بلى، قال إنّ اسمَه يوسف بن محمّد.. وكان مثلك؛ على عجلة من أمره!
بَدَت الحيرة المشوبة بالغيظ في وجه جابر عند سماعه اسم يوسف بن محمّد، لكنّه شكر الشّيخ شكرًا بالغًا وودّعه في عجلة أثارت المزيد من دهشته!

ثمّ ركب حصانه وقد اعتزم ألّا يبيت إلّا ببغداد.. ولكنه لم يكد يتوارى خلف قصر ابن حذيفة حتّى ناداه مِن خلفه صوتُ أحد الخدم قائلًا:
- انتظر.. إنّ سيّدي ابن حذيفة يريدك!
ورجع جابر إلى حيث كان الشّيخ واقفًا ومن خلفه ابنه "صالح" راكبًا حصانًا أحمَرَ عليه بعض العتاد.. وابتدرَ الشّيخ الكلام قائلًا:
- أريد منك يا بني أنْ تسمح لابني هذا أنْ يرافقكَ إلى بغداد..
فقال جابر:
- ذلكَ لن ينقصني شيئًا.. ولا مانع لديّ أنْ يصاحبني إلى بغداد على ألّا يتأخّر في تجهيزِ نفسِه.
وهتفَ صالح على الفور وبجذل:
- أنا جاهزٌ للرّحيل.
وودّع صالح والدَه وانطلقَ بصحبةِ جابر يسيران بشيءٍ من العجلة.. وجابر يتمنّى ألّا يزعجَهُ هذا الفتى المتقلِّب.

وقد لاحظَ أنّه كان يعطي والدَهُ المواثيقَ المؤكّدَة ألّا يضرَّ بنفسِه وأنْ يعودَ سريعًا!
وأمعَنَا في السّير وجابر سارِحٌ يفكّر في يوسف كيفَ يعرفُ عبد القيّوم؟! وماذا يريد منه؟!

وهل يبحث عنه لذات الغرض الذي يبحث هو عنه من أجله؟ وهل سبقه واتّصل به وعرض عليه رحلة قانين؟
لقد بدأ يوسف "العمل" بشكل سريع.. وبدأت حمّى المنافسة تشتعل بينهما قبل بدء الذّهاب!

وأخشى ما يخشاه جابر أن يكون يوسف عقبة في طريقه في مستقبل هذه الرّحلة الخطيرة..
مع أنّ الوالي ابن يونس أكّد له أنّ يوسف سيكون تحت إمرتِه ولن يخالفه حتّى يرجعوا.. إنْ كُتبَ لهم الرّجوع!
وحتّى يهرب من هذا الخاطر المزعج التفت جابر إلى مرافقه وقال:
- هل تعرف أحدًا في بغداد؟
أجاب صالح:
- لا.
- هل تقصد بغداد لتتجوّلَ في أسواقها؟
- لا.. مع أنّ هذا هو ما تعلّلت به عند والدي.. وحصلت منه على شهرٍ أمضيه هناك.. شهرٍ كامل!
- إذًا لماذا تذهب إلى بغداد؟
- أريد أن أرى البلاد والعباد، فأبي يُشفق عليَّ من شعاع الشّمس ونسمةِ الهواء..

ويغدق عليّ المال لكنه لا يريدني أن أذهب بعيدًا عنه.. كأنّني ما زلتُ طفلًا صغيرًا!
ضحك جابر من حيلة صالح وسأل:
- لماذا يصنعُ بكَ هكذا؟ أليسَ الأوْلَى أنْ يدعكَ تنشأ رجلًا متدرّبًا على المخاطر وكافّةِ الظّروف؟
- إنه يفعل ذلك بدافع محبته لي.. ولقد تمنّيت أنْ أطوفَ الدّنيا وأذهبَ للغزو وأحارب كالرّجال.. لكنّ أبي لا يلتفت إلى أحلامي هذه!
- ربّما تكون ولدَه الوحيد إذًا!
- لا.. لي خمسةُ إخوة.
- هو ذاك.. أنا الأصغرُ فيهم، وقد توفيتَ والدتي وأنا صبيّ فأصبحتُ موضعَ حنانِ أبي وشفقتِه..

لكنّه استمرّ على هذا الحنان المُملّ إلى يومنا هذا مع أنّي تجاوزتُ الثّامنة عشرة من عمري.
- عندما تتقدّم في العمر سيعجب بك والدك أكثر فاحرِص على برّهِ ولو أضجرتكَ عنايتُهُ الزّائدةُ بك.. فهو لا ينشدُ إلّا منفعتَك،

أنا أكرهُ التّربيةَ القائمة على العناية المبالغ فيها؛ إنّها لا تنتج إلّا نشًأ رخوًا.. لكن برّ الأبوين أمرٌ لازم.
- هذا عينُ الحكمة يا جابر الحبشيّ.. إذا تزوّجتُ ورزقني اللهُ فتيانًا سأقذفُ بهم في خشنِ الأعمال وأنبتهم نباتًا

يجعلُهم قادرين على تقبّلِ الأحمال الثّقيلة.. وها أنتَ تراني أفرُّ من كنفِ الدّلال لأبحثَ عن غيره!
- لقد كانت تلكَ سيرةُ أبي معي.. فكثيرًا ما كانَ يصحبُني معهُ في أسفارِه عندما يكونُ

برفقةِ القائدِ ابن يونس وقد حملتُ السّيفَ وأنا أصغرُ منكَ بعامين.
- سأعتمدُ على نفسي.. وأزجُّ بها في الشّدائد إذا أمنتُ الضّررَ على نفسي أو منّي.. وأمنتُ أنّي أفيدُ وأستفيد.
- تقصدُ أنّكَ ذاهبُ للبحثِ عن المغامرةِ والمخاطرَة؟
- قريبٌ من ذلك..
وبعدَ صمتٍ قصير أضافَ صالح:
- إذا وصلنا بغداد.. هل تُسدِي إليَّ معروفًا وتطوفُ بي في نواحيها بما أنّكَ من أهلها؟
- سأفعلُ.. وستنامُ عندي هذه الليلة وفي الصّباح نذهبُ إلى حيثُ تريد.

دخل جابر ورفيقه بغداد من جهةٍ تزدحمُ بالبساتين.. وكانَ الظّلامُ دامسًا.. زادَهُ قتامةً تقارُبُ الأشجارِ والنّخيل..
وسارا في ممرٍّ ضيّقٍ لا يكفي لمرورِ حصانين معًا.. وكان جابر في المقدّمة يتبعه صالح الذي قال وهو يشدّ عنان حصانه:
- لقد سقطَ بعضُ متاعي.. تقدَّم؛ سألحقُ بك.
ونزلَ عن حصانه ملتقطًا متاعَه، وعندما ركب الحصانَ ثانية سمع صوتًا ينبعث من الظُّلْمَة في الجهةِ الذي ذهبَ جابرُ فيها..

كان ذلك الصّوت يأمر جابرًا في خشونة أنْ ينزلَ عن حصانِه.. وينهرهُ بشكلٍ أكّد لصالح أنّهُ عدوٌّ أو لصّ.
وبهدوءٍ بالغ ربطَ صالح حصانَه في غصنِ شجرة وتسلّقَ جدارَ البستان المجاور وتوغّل فيه حتّى وصلَ إلى حيث الصّوت.. كانا رجلين

لا واحدًا فتسلّلَ حتّى أصبحَ خلفَهما مباشَرَة.. كان الرّجلان ملثّمَين، وكانا يقفان متباعدين وقد سلّا سيوفَهما وحاصرَا جابرًا الذي نزلَ عن حصانِه..
بدأ قلبُ صالح يخفقُ بشدّة.. ولمْ تخلُ أطرافُهُ من رعشَة.. وشعرَ وهو الباحثُ عن المغامرة أنّ هذا امتحانٌ مفاجئٌ للشّجاعة التي يعتقدُها في نفسِه..

لذا شرعَ يفكّرُ في طريقةٍ يهاجمُ بها الرّجلين ويُنقذُ صاحبَه.
بعدما نزلَ جابر عن حصانِه سألهما:
- ماذا تريدان؟
ردّ الأوّل الذي كان ينهره بخشونة:
- اقترِب وهاتِ ما معك.
فقال جابر:
- أنا لا أهابُكما.. ولنْ أعطيكما شيئًا.
تلفّتَ الرّجلُ يبحثُ عنِ الشّخص الذي كان برفقةِ جابر فلمّا لم يشاهده..
هدّدَ جابرًا منتهرًا:
- ألقِ سيفَك وإلّا استعملتُ سيفي.
لمّا رأى جابر ألّا حيلةَ له ألقى سيفَه.. وهو يتساءل أينَ صالح ويأمل أنْ يكون بعيدًا حتّى لا يتعرّض للخطر..

وأدخل في يدِه في جيبِه وقذفَ بما معه من المال على الأرض لكن الرّجل لم يتقدّم لأخذ المال.. بل قال:
- هاتِ كلّ ما معك من أشياء!
هتفَ جابر بحنق:
- إنْ كنتَ تريدُ المال فهذا هو المال.. خذه قبّحكَ الله!
عند ذلك دنا منه الرّجلان وفيما أمسكَ أحدُهما بيديه خلفَ ظهرِه.. دسَّ الآخرُ يدَهُ في ثيابِه باحثًا فلم يجد شيئًا، فنظرَ إلى صاحبِهِ نظرةً قلِقة

فاتّضحَ لجابر أنّهما يبحثان عن شيءٍ غير المال. واتّجَه الرّجلُ إلى الحصان وجعلَ يبحثُ في سرجه.. حتّى استخرجَ منه الرّقعةَ التي رسمَها
المنذر بن سعد قبل رحيلِه.. فلمعت البهجةُ في عينيه عندما فتحها وتأكّدَ من أنّ الرّسومَ بداخلِها.. لكنّه لم يهنأ بتلكَ البهجة! فقبلَ أن يصيحَ
بصاحِبِه الذي يقبضُ على جابر آمرًا لهُ بالهروب.. انقضَّ عليه صالح من الظّلام انقضاضًا وضعَ فيه كلّ ما يملك من اندفاعٍ وقوّة..
وارتعبَ الرّجلُ قبلَ أنْ يسدّد إليه صالح عدّةَ لكمات بقبضته الصّلبة غير الخشنة!
وعندما رأى جابر ذلك أطاحَ بخصمِهِ هو الآخر.. وجعلَ الرّجال يتعاركون وسط الظّلام.. لكن اللصوص كانوا ضخام الأجسام..

واستطاع جابر أنْ يضرب خصمَه ضربةً جعلته يتهاوى ثمّ أسرع إلى صالح وساعدَه منتزعًا الرّقعة من يد اللّص الذي استطاع الإفلات والهرب..
ولم يحاول أحد من الشّابّين اللحاق به.. فاتّجها إلى صاحبه ليجداه قد لاذَ بالفرار أيضًا!
تكلّم جابر متصاعد الأنفاس مبديًا إعجابه برفيقِ رحلتِه:
- لقد أنقذتني.. لولاكَ لمَا انفككتُ منهما!
وردّ صالح في سرورٍ منفعل:
- لقد صنعتُ شيئًا لأوّلِ مرّةٍ في حياتي أصنعه!
- إنّها المغامرات التي تبحثُ عنها جاءتكَ سريعًا يا صالح!
- من فضلِ الله إنّهما نسيا أخذ المال.
ردَّ جابر بعمق وهو ينفض التّرابَ عن ثيابِه:
- إنّهما لا يريدان المال.. لقد كانَ المال سترةً يخفيان به ما يبحثان عنه حقيقةً!
- عمَّ يبحثان إذًا؟!
متأمّلًا أجابَ جابر:
- إنْ لمْ يخب ظنّي فإنّهما كانَ يريدان هذه الرّقعة.. لم أتوقّع أنْ يصل الأمر إلى هذا الحد يا يوسف!
- الرّقعة! أيتركان المال ويحاولان أخذَ رقعة؟ إنّه الغباء!
- بلِ الذّكاءُ يا صالح.. إنّ الرّقعة تُساوي مدينةً بكاملها!
- مَن هوَ يوسف هذا؟ وهل كنتَ تعرفُ هذين الرّجلين؟ وأيّ مدينة تقصد؟
- لا أعرفهما.. لكنّي أشكّ أنّهما مرسلان من قبلِ يوسف!
- هل يوسف هذا من أعدائك؟
- إذا استمرّ في ألاعيب كهذه سيُصبحُ حتمًا عدوًّا لدودًا!
- ومَن هو يوسف؟
- شخصٌ ما..
- أعرفُ أنّه شخص وليسَ جنّيًّا ولا حيوانًا!
- إنّه يُشبهُ الجنّ!
- أنتَ لا تُريدُ إخباري بشيء.. لكنّي تذكّرت.. ربّما يكون يوسف بنَ محمّد الذي زارَ والدي بحثًا عن عبد القيّومِ المغوليّ!
- ما رأيكَ أنْ نواصلَ مسيرَنا يا صالح؟
وسكتَ صالح الفضوليّ على مضض.. وهو لا يشكّ أنّ صاحبَهُ يُعالجُ أمرًا غامضًا وربّما خطيرًا.. وأنّه في شوقٍ كبيرٍ لمعرفتِه!
واصلوا طريقَهم وتوغّلوا داخلَ المدينةِ الكبيرَة.. وقاد جابر ضيفَه إلى منزلِه..

وما أنْ ألقوا جُنُوبَهم على الفُرُش بعدَ تعبِ المسير المتواصل حتّى أخذَهم النّوم.

يتبع










 


رد مع اقتباس
قديم 09-14-2011   #6


شاعر يتآلم من الغدر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 354
 تاريخ التسجيل :  Jun 2011
 أخر زيارة : 11-22-2011 (01:17 PM)
 المشاركات : 76 [ + ]
 التقييم :  12
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



الغزال الشمالي
رغم طول هذه الروايه
فقد أدهشت روحي بما تحمل من معاني
كلمات فيها تعلمنا كيف نواجه وأن لا نضعف
ولا نخاف من الأعداء حكم تمتلأ وكثيرة فيها
يا الله
ان جمال الحروف هنا دائما من روحك تنطق
قوية برواياتك
جميلة في قصصك
رائئئئئئئئئئئئئئئئئعه
بكل عنوان
احترامي

الشاعر
سمير ابو دقة
الحنون مع الأحزان
فلسطين = غزة




 


رد مع اقتباس
قديم 02-22-2012   #7


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شاعر يتآلم من الغدر مشاهدة المشاركة
الغزال الشمالي

رغم طول هذه الروايه
فقد أدهشت روحي بما تحمل من معاني
كلمات فيها تعلمنا كيف نواجه وأن لا نضعف
ولا نخاف من الأعداء حكم تمتلأ وكثيرة فيها
يا الله
ان جمال الحروف هنا دائما من روحك تنطق
قوية برواياتك
جميلة في قصصك
رائئئئئئئئئئئئئئئئئعه
بكل عنوان
احترامي

الشاعر
سمير ابو دقة
الحنون مع الأحزان

فلسطين = غزة




***
جميل مرورك أيها الشاعر المتألم من الغدر
من القلب لك خمائل الشكر






 


رد مع اقتباس
قديم 02-22-2012   #8


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الفصل الرّابع


في الصّباح خرجَ جابر من المسجد بعد صلاةِ الفجر.. مستأذنًا ضيفَه في أنْ يغيب ساعةً منَ الزّمن..
وفيما عادَ صالح إلى النّوم، انطلَقَ جابر من فورِه إلى دربِ الميزاب.
وعندما وصلَ إلى الدّرب ألفاهُ خاليًا منَ النّاس؛ فجعلَ يتسكّع جيئةً وذهابًا مُتسلّيًا بذلك.. مُنتظرًا أنْ يرى أحدًا منَ النّاس ليسألَه..
وعندما انتشرَ النّورُ رأى دخانًا يتصاعد من أحدِ المنازل، فاتّجَهَ إليه وطرقَ الباب..
ليَفتحَ لهُ بعدَ بُرهة صاحب المنزل وقد بادرَهُ جابر بالسّلام ثمّ سأل:
- أينَ أجدُ بيتَ أسرةِ الشّيخ حسنة المغوليّ؟
أجابَ الرّجل:
- لا أعرفُ رجلًا اسمه حسنة المغوليّ.. لكن ها هنا شابٌّ منَ المغول.. اذهب واسألهُ عن صاحبك فربّما يعرفُه.
- وأينَ هو؟
أشارَ الرّجلُ إلى أحدِ المساكن وقال:
- هذا بيتُه.. وأظنُّ اسمَهُ عبد الصّبور، أو عبد الشّكور.. نسيتُ اسمَه!
ابتهجَ جابر فالاسمُ قريبٌ من اسمِ عبد القيّوم، وسأل:
- هل أجدُهُ هذهِ السّاعة؟
- نعم.. لقد اشتريتُ منهُ حطبًا عقبَ الصّلاة.
انصرفَ جابر وقد تزايدَت بهجَتُه؛ فالشّخصُ شابٌّ وحطّابٌ أيضًا.. إذًا.. عادَ عبد القيّوم إلى عملِ والدِهِ القديم.. المُتاجرَةُ بالحطَب..
وطرقَ جابر الباب.. ثمّ جعلَ يُصلحُ من هيئتِه ويُسوّي حزامَه وعِمامته.. وكانَ يَسمعُ بالدّاخل صوتَ الفأس وهي تقدُّ الحطبَ الغليظ..
وأعادَ جابر طرقَ الباب فانقطَعَ الصّوت.. وبعدَ بُرهةً فُتحَ الباب..
كانَ الذي فتحَ شابًّا مَغوليًّا حقًّا.. كانَ عاريَ الزّندين.. مصبوبَ العَرَق رغمَ لطافةِ الهواء..
لم يتكلّم جابر ممّا حدا بالشّابِّ أنْ يقول:
- مرحبًا يا أخي.. هل تُريدُ حطبًا؟
انتبَهَ جابر، فقال مُتداركًا:
- السّلام عليكم ورحمة الله، لقد ذهلتُ عنِ السّلام!
- وعليكم السّلام.. تفضّل.. عندي حَطَبٌ كثير.. جافٌّ تمامًا.
- لا، أنا لا أريدُ حطبًا!
صمتَ الواقفُ بالباب فيما تابعَ جابر:
- أريدُكَ أنتَ إنْ كنتَ مَن أبحثُ عنه!
- عمّن تبحثُ يا سيّدي؟
- أبحثُ عن عبدِ القيّوم بن حسنَة المغوليّ..
- إذًا أنا مَن تبحثُ عنه؛ أنا عبد القيّوم بن حسنة المغوليّ!
كان عبد القيّوم أقربُ لأن يكونَ طويلًا، عذبَ الملامح، وكانَ مفتول العضلاتِ رشيقًا، ناحلَ الخصر، ذا يدين خشنتين، ومظهرٍ خشنٍ يُناسبُه كحطّاب..
وكانَ كسائر المغول؛ ضيّق العينين لهُ قطعتا شعرٍ فوقَ زوايا فمِه.
وعندما خرجَ إلى جابر كانَ يعتصبُ عصابةً خضراء تندّت بالعَرق.. وكانَ فأسُه ما يزالُ في يدِه.. وقد جمدتْ عليه نظراتُ جابر
ثمّ انفرجَت أساريرُه وطافَت بذهنِه الذّكريات.. أهذا عبد القيّوم؟ لقد كبرَ ولم يعُد ذلك الطّفل
الذي يعهدُه! ولمّا طالَ الصّمتُ من جابر تحدّثَ "عبد القيّوم" قائلًا:
- مرحبًا بك.. هل كنتَ تبحثُ عنّي إذًا؟
فقال جابر:
- أحقًّا أنتَ عبد القيّوم بن حسنة؟
- نعم يا رجل.. قل ماذا وراءك؟!
ووسطَ دهشتِه هجمَ جابر عليه وضمّهُ ثمّ أفلَتَه ليسألَه:
- ألم تعرفني بعدُ يا فتى؟
قال عبد القيّوم بدهشَة:
- لا!
- ألَا تذكرُ غلامًا كانَ يلعبُ معك في أزقّةِ الحطّابين.. وأنتَ لم تبلغ الحادية عشرة.. وتُشاكسانِ النّاس وتصطادان الفئران معًا قُربَ النّهر؟
- أصدقاءُ الصِّبا كثيرون، وكلّهم قد لعبتُ معهم واصطدنا الفئرانَ معًا.. وشاكسنا النّاسَ أيضًا!
- أنا جابر الحبشيّ.. ألَا تذكُرُني؟
لم يبحث عبد القيّوم في ذاكرتِهِ طويلًا فقد تذكّر صديقَهُ القديم سريعًا وهتَف:
- بلى، تذكّرت.. أحقًّا أنتَ جابر؟!
وانقضَّ عليه بدورِه، وضمّهُ بعُنف ناسيًا أنَّ الفأسَ معه.. وجعلَ يربت على كتفِه بالفأسِ بخشونة.. وهو يرحّبُ به.. ممّا جعلَ جابرًا يصيح:
- الفأس.. الفأس.. كتفي يا رجل!
وعندما أطلقَهُ قال عبد القيّوم:
- لقد مضى خمسةً عشر عامًا على آخرِ لقاءٍ لنا!
- حقًّا لقد تغيّرتَ وكبرت.. واختلفتَ عمّا كنتُ أعهدُك!
- وهل كنتَ ترجو أنْ أظلًّ صَبيًّا أبدَ الدّهر؟!
- وأصبحتَ قويًّا.. لقد كدتَ تكسرُ أضلاعي!
- مَن يعمل حطّابًا ويضرب بالفأس كلَّ يوم لا بدَّ أنْ تشتدّ قوّةُ زنديه.
وعندما هدأت ضجّةُ اللقاء بينَ الصَّديقين القديمَين.. واستنفدا عباراتِ التّرحيب وأسئلة الأحوال.. قالَ عبد القيّوم:
- يا لي من بخيل! لقد تركتُكَ واقفًا بالباب.. تفضّل يا رجل!
- لا.. ليسَ الآن.. أعلمُ أنّه وقتُ خروجك إلى السّوق لبيعِ بضاعتِك.. سآتيكَ في وقتٍ أمتع لك فحديثي إليكَ طويلٌ ومهم.
- لقد علمتُ أن ما جاءَ بكَ إلّا أمرٌ جليل.. وإلّا فما الذي يدعو رفيقَ الولاة وصديقَ
السّلاطين، وبعد كلّ هذه السّنين أنْ يتذكّر حطّابًا متواضعًا ويزورَه!!
قالها باسمًا ثمّ دعا جابرًا ثانيةً للدّخول فدخل فهو لم يكن بحاجةٍ إلى إلحاحٍ طويل.. وكان متحرّجًا أنْ يشغل
عبدَ القيّوم عن حضورِ السّوق، لكنّ فكرةً عنّت له عندما رأى أكوامَ الحطَب.. فسألَ على الفور:
- كم قيمة هذه الأحطاب كلِّها؟
- عشرون دينارًا..
ثمّ قال وهو يضحك:
- لماذا؟ هل تودُّ شراءها؟
- نعم.. كلّها.
- إذًا ستترك صحبةَ الأكابرِ وأهلَ الشّأن.. وتعزمُ على الاتّجار في الحطب؟!
- لا يا رجل، كلّ ما في الأمر أنَّ لي حظوةً عند الوالي ابن يونس.. فأبي كان من رجالِ أخيه أبي الحسين.. وقد حصلتُ على حرّيّتي منه.
أشرقَ وجهُ عبد القيّوم بالبهاء؛ تأثّرًا بما صار إليه جابر من الحريّة ولاحت لجابر في ملامحه سيما طاهرة دهش لها وقال عبد القيّوم معبّرًا:
- الحمد لله يا جابر.. تلكَ نعمةٌ ألّا يشاركك أحدٌ في نفسِك.
- الحمدُ لله، ذلك من فضلِ الله عليّ..
ثمّ أضاف:
- قل.. هل بعتني أحطابَكَ كلَّها بأربعين دينارًا؟
- هذا كثير! إنّها لا تساوي ما ذكرت!
- إذًا فقد اشتريتُها وأصبحتُ لي.. وهذا ثمنُها.
وبعد أنْ عدَّ أربعين دينارًا من كيسه.. التقطَ يدَ عبد القيّوم الذّاهل ووضع الثّمنَ فيها؛ فقال عبد القيّوم:
- سأظلُّ شهرًا كاملًا لا أبيعُ شيئًا!
- هذا ما أردتُ.. فالآن أستطيع أنْ أتحدّثَ معك بما أريد وأنا مطمئنٌّ أنّي لم أسلبكَ وقتَك وأشغلك عن سوقك.
وبعد أنْ جلسَ جابر، غابَ عبد القيّوم داخلَ البيت ثمّ عاد ومعهُ أرغفةٌ ساخنةٌ غريبةُ الشّكل وإيدام، وقال:
- هذا خبزُنا نحنُ المغول.. لقد أُعجب النّاسُ بخبزِ والدتي فأصبحت تبيعُ لهم حتّى أصبحنا نفكّر في شراءِ هذه الدّار من صاحبِها.
- بربحِ هذا الخبز؟!
- والحطبَ أيضًا.
- وماذا هناك أيضًا؟
- لا شيء.. سوى بستان استأجرناه من قبل في بطحاءِ النّهر أيّام والدي.
- والبستانُ لابن حذيفة.. ثمّ تركتموه إلى أرضِ العالية..
- أنتَ تعرفُ سيرَتَنا!!
- لقد بحثتُ عنكَ بحثًا جيّدًا.. والبارحةُ كنتُ عندَ ابنِ حذيفةَ نفسَه وأصغرُ أولادهِ صالح رجع معي إلى بغداد.
- صالح أعرفه؛ إنّه مدلّلٌ من قِبلِ أبيه.. وغريبُ التّصرّف!
- لكنّه يكرهُ ذلك الدّلال ويضيقُ به، ويشتهي الأخطار!
تأكّد عبد القيّوم بأنّ ثمّةَ دافعًا مهمًّا خلف جابر وزيارتِه.. لكنّه أتمَّ حديثَهُ السّابق:
- ثمّ أصابت أبي علّة.. ومرض؛ فاعتنيتُ بالبستان وحدي ثمّ انتقلنا إلى بستان آخر في أرضِ العاليةِ كما
تعرف.. وعندما توفّي والدي رجعنا إلى بغداد حيث ترانا الآن.
- ألم يُرزق والدُكَ بأولادٍ غيرِك وغير محمّد أخيك وأختِكَ عائشة؟
- لا.. لا يوجد سوانا.
- ومحمّد ألا يساعدُك في كسبِ العيش؟
عندها زفرَ عبد القيّوم زفرةً حارّةً وقال بحزن:
- محمّد؟ كم سبّبَ لنا محمّد من المتاعب!
- أذكرُ أنّه كان مشاغبًا..
- لقد نبتَ نبتًا سيّئًا رغمَ حرصِ والدي على إصلاحِه!
- وماذا يعملُ الآن؟ هل أستطيعُ رؤيتَه؟
- لن يراهُ أحدٌ بعد الآن!
- مات؟!
- نعم.. هربَ من أبي ثمّ قُتل.
- هرب؟
- هربَ قبل حوالي خمس عشرةَ سنة، أي بعد فراقِنا بقليل.
- وأينَ ذهب؟
- لا أدري.. سوى ما يشاع، فقد افتقدناه ذات يوم وبحثَ عنه والدي فلم يجده، ومضت أيّام وأسبوع وأسابيع
ثمّ شهورٌ وسنوات.. ولم يعد، ويئسنا من عودته..
ورغم صغرِ سنّي ذلك الزّمان إلّا أنّني فرحت بذلك؛ فقد كان يؤذيني ويشاكسُ أمّي بل يضربُها إذا غضب!
إنّ أحدًا لم يحزن لهلاكه وفراقِه إلّا أمّي فقد انتابتها الأوجاع وزحفت إليها الشّيخوخةُ بعد موتِه.
- وما الذي دفعهُ للهروب؟
- ربّما يكون ما حدث تلك الليلة هو سببُ هروبِه.. فقد كان والدي يُعنّفهُ على تركهِ الصّلاة.. بل ويضربُه، وقد
كان ذلك ممكنًا وهو صبيّ فلمّا شبَّ قليلًا وقارَبَالعشرين صار قويًّا؛ يهدر كالجمَل ولا يستطيعُ أحدٌ الاقترابَ منه إذا هاج..
وذاتَ ليلة ضربهُ والدي ضربًا مؤلمًا.. وبِتنا بشرِّ مساءٍ ذلكَ الوقت. ولمّا انتصفَ الليل استيقظتُ مذعورًا على صراخٍ وعويل
فذهبتُ إلى حيث كانت أمّي وأبي وأختي يتعاركون مع محمّد.. لقد اجتمعوا عليه وهم يضربونه بالنّعالِ والعصيّ
وهو يحاولُ النّيلَ منهم.. وفهمتُ فيما بعد أنّه حاولَ "الاعتداء" على عائشة فصرخَتْ واجتمعوا عليه.. وفي صباحِ ذلكَ اليوم اختفى!
- ألم تسمعوا عنه شيئًا بعد ذلك؟
- لقد ذكر بعض المسافرين لوالدي أنّهم رأوه في القافلة التي كانوا فيها متّجهًا إلى مصر أو إفريقيا.. وبعد ستّةِ أشهر
من رحيلِه قال شخصٌ من أهلِ الثّقة يتجر بين مصر وبغداد إنّه رآه ثملًا في خمّارة في دمياط بمصر..
ثمّ أكّد لنا بعد عودته من إحدى تجاراتِه أنّه قُتلَ في مشاجرةٍ بينه وبين آخر حال سكرهما في دمياط نفسها.
- إنّه حديثٌ مؤلمٌ يا عبد القيّوم..
- حقًّا.. ورغم ذلك فقد فرح الكثيرون من جيراننا لمقتلِه.
- وعائشة؟ تلك الصبيّةُ الحسناء.. ماذا فعلت؟
ابتسم عبد القيّوم بعدما كدّرته القصّةُ الحزينة وقال:
- لقد كبرت عائشة وأصبحت امرأة وتزوّجت.
- إنّها تُشبه أجدادَها المغول؛ فقد كانت تعتدي عليّ دائمًا، وتتلذّذُ بشدِّ شعري إذا كان منفوشًا..
فإذا صرختُ من الألم انفجرَتْ ضاحكةً في غايةِ السّرور!
لم يتمالك عبد القيّوم نفسه من الضّحك وقال:
- لا تأسَ؛ فقد انتقمتُ لكَ منها.. فعندما بلغتُ الثّالثةَ عشرةَ من عمري أحسستُ أنّي أصبحتُ رجلًا يجبُ
أنْ يُظهرَ قوّتَه؛ فصرتُ أشدُّ شعرَها فإذا صرخَتْ من الألم جعلتُ أضحكُ عليها..
ثمّ أضاف:
- لقد تزوّجَتْ رجلًا من أهلِ بطحاء النّهر.. جاءَ ليعمل مساعدًا لوالدي في البستان في بدايةِ مرضِه، لكنّه
لم يلبث أنْ خطبَ عائشةَ وتزوّجها.. وقد رُزقَت منه أطفالًا.
ابسمَ جابر وهو يقول:
- أرجو ألّا يكونوا قد أشبهوا أخوالَهم؟!
ابتسم عبد القيّوم بدورِهِ وقال:
- من حسنِ الحظّ أنّ والدَهم كان شابًّا هادئًا مسالمًا وقد انصرفوا إليه.
- ووالدتك؟
- إنّها تعيشُ معي، وهيَ التي صنعَتْ هذا الطّعام فأنا لم أتزوّج بعد..
وحكمَ الصّمتُ جلستهما فترة.. حتّى قال عبد القيّوم:
- لقد أخبرتُكَ بكلِّ أمري فأخبرني عن سببِ زيارتِك؛ فأنا متأكّدٌ أنّ خلفَكَ
أمرًا هامًّا!
أخبر جابر عبدَ القيّوم بالقصّةِ كاملة؛ ابتداءً من خبرِ السّجينين اللذين هربا وحدّثا الخليفةَ بشأنِ فظائعِ قانين وانتهاءً بخطّةِ
الهجومِ على قصرِ حاكمِها الظّالم. وانتدَبَه أنْ يكونَ الفدائيَّ المجاهد الذي يتسلّل - بأيّ عذر - داخلَ القصر ويكتشفَه،
وحثّه على النّهوض والمشاركة في هذه المهمّة وأنّه ركيزةُ هذه الحملة وعمادها ومن الصّعوبة التي تقارب الاستحالة أنْ تتمّ إلّا به؛
فهو القادر على الدّخول بين جنود المغول دون أنْ يُكتشفَ مقصدُه وسيكونُ بعيدًا عن الشّكوك لأنّه يشبههم ويعرفُ لغتَهم.
وأضاف جابر قوله:
- لقد فُتح لي ولك يا عبدَ القيّوم بابُ المجدِ على مصراعيه.. فإنَّ مَن يأتي برأسِ شيّوم أو يقتله فسيكونُ له حُكمُ مدينةِ الأشبار، وهي
إحدى أعمالِ الشّامِ العامرة.. فإذا نجحتُ فستكونُ نائبي عليها.. هذا عدا ما ستحصلُ عليه منَ الجاه والمال والحَظوَة لدى القادةِ والأكابر..
واعلَم أن لا أحدَ ينافسني على هذا الأمر إلّا شابٌّ اسمُهُ يوسف بن محمّد.. وهو تحت إمرتي ومن عداد جندي..
- أليسَ هو ابنُ أختِ الوالي ابن يونس؟
- بلى.. هل تعرفُه يا عبدَ القيّوم؟ هل قابلتَه؟!
- لقد سمعتُ به لكنّي لم أرَهُ أبدًا.. إنّه يشتري منّا الحطَب ويُرسلُ غلمانَه إليَّ لهذا الشّأن، وهذا سببُ معرفتي به.. غيرَ أنّ ذلكَ كان أيّام حياةِ والدي.
حمدَ جابر اللهَ أنَّ يوسفَ لم يسبقهُ للفوزِ بعبدِ القيّوم، وتعجّبَ من فطنتِه.. وكيفَ أدركَ أنَّ عبدَ القيّوم صالحٌ لهذه المهمّة. وأضاف عبد القيّوم:
- لستُ أشكُّ أنّ هذا من الجهاد.. ونفسي تحدّثني بالجهاد منذ زمن.. وقد أذنَتْ لي والدتي في ذلك..
كما أنَّ إمامَ المسلمين هوَ مَن ندبَ إليه وكلّفَ به.. غير أنّي أريدُ جهادًا لا حظَّ للدُّنيا فيهِ يا جابر..
جهادٌ لم ينغمسْ في مطامعِ النّفسِ القريبة.. فأنا لستُ بطالبِ مجد إلّا مجدَ الآخرة.. ولا أبتغي مُدُنًا أحكمُها ولا أجرًا على بذلِ روحي..
أنا لا أريدُ إلّا الشّهادةَ في سبيلِ الله فإنْ عدمتها فأحبّ أنْ أرجعَ إلى فأسي وأحطابي ولا شيءَ غير ذلك.
شعر جابر باحتقارٍ خفيٍّ لنفسِه عندما صرَّحَ عبد القيّوم بسموِّ نيّتِه وصفائها وقارن بينها وبين غايته هو وجهاده الممزوجِ حتمًا
بحظوظِ الدّنيا والتّفكير في مغانم الحملة ومكاسبِها الدّنيويّة قبل التّفكير في كونِها جهادًا وبذلًا للرّوحِ في سبيلِ الله.
وأفرحتهُ تلكَ الموافقة غير المؤكّدَة من عبد القيّوم، ولتأكيدها قال:
- إذًا فأنتَ لا تُمانعُ منَ السّفر والانضمام إلينا؟
بعد تفكيرٍ قصيرٍ أجالَهُ عبد القيّوم في ذهنِه الصّافي رأى ألّا شيءَ يمنعُه من السّفر ويصدُّه عن المضيّ مجاهدًا في سبيلِ الله
سوى قيامِه على رعايةِ والدتِه العجوز.. ولهذا قال لجابر:
- إنّها يا أخي فرصةٌ لا ينبغي إهدارُها.. لكن والدتي مُسنّة فهل أترُكُها؟
ردَّ جابر على الفور قاطعًا على عبد القيّوم الطّريقَ إلى أيِّ عذر:
- ستأتي إليها جاريةٌ من قصرِ الوالي تنامُ عندَها وتخدمُها وتؤانسُها لحينِ عودتِك.
- لكنّها لا تقوى على عملِ الفأس!
- سيُجرَى لها رزقٌ مُرتّبٌ من بيتِ المال ما دُمتَ غائبًا عنها.
- فإنْ هلكتُ؟
- سيبقى رزقُها جاريًا مدى حياتِها، وتكونُ الجاريةُ لها.
سكتَ عبد القيّوم معاودًا التّفكير لكنّ جابر الملهوف على الموافقة حالَ بينه وبين أنْ يتردّد.. فهزّهُ بشدّةٍ وصاحَ به:
- قُل إنّك وافقت؟
وباستسلامٍ وابتسامةٍ ردَّ عبد القيّوم:
- وهل تركتني أقول شيئًا غير ذلك؟!
نهضَ جابر على الفور وقال ببهجةٍ عارمة:
- على بركةِ الله سننطلقُ مع أصحابِنا غدًا صباحًا قبلَ طلوعِ الشّمس.
وعندما صارَ بالباب ناداهُ عبد القيّوم:
- الحطب.. انتظِر.. لقد نسيتَ الحطبَ الذي اشتريتَه!
لكنّ جابر هتفَ له ضاحكًا وهو يحثُّ الخُطى في الممرّ:
- إنّه هديّةٌ لك مقابلَ السُّرور الذي أدخلتَهُ على قلبي.
ثمّ تمتمَ بخفوت وقد ابتعَد:
- السُّرور الذي أخشى أنْ يُنغّصَهُ يوسفُ بن محمّد!
بعدَ انصرافِ جابر لبثَ عبد القيّوم في مكانِه ذاهلًا عن الرّغيفِ الذي يقضمُه.. كانَ يُفكّرُ في الرّحلة القادمة
والتي سيكون مرتكزَ المغامرةِ فيها.. لم يكن الخطر هو ما يهمّه..
كانَ مشغولَ التّفكيرِ بوالدتِه.. كيفَ ستقضي أيّامها لحينِ عودتِه.. إنْ عاد! وكيف ستتحمّلُ الوحدة.. وانتظار الأيّام الطّويلة التي قد تُفضي إلى ما لا يسرُّها؟
وكأنّما كانت أمّه تسمعُ أفكارَه.. حينَ دخلَت عليه في فناء الدّار وضمّت ذراعيها إلى صدرِها المترهّل وجعلَت تتأمّلُ
وحيدَها والهواء الذي تحرّكَ فجأة يتمايلُ بشعرِها الأشيبِ الرّماديّ.. وشرعتْ تقولُ بلغتِها وهيَ تبتسِم:
- إذًا فقد قرّرتَ الذّهابَ إلى بلادِ فارس؟
فرفعَ عبدُ القيّوم رأسَه وقال:
- هل سمعتِ حوارَنا يا أمّاه؟
- سمعتُ كلّ شيء.. وأستطيعُ أنْ أعرفَ ما الذي تُفكّرُ به!
ثمّ تابعَت:
- تُفكّرُ بي.. ويُكدّرُ خاطرُك أنْ تذهبَ وتتركَني وحيدة.. أليسَ كذلك؟
قفزَ عبدُ القيّوم إليها وقبّلَها وقال:
- دائمًا تستطيعين معرفةَ ما يجولُ في قلبي! وعلى كلٍّ فأنا لم أذهب بعد وأستطيعُ البقاءَ إنْ كنتِ ترغبينَ في ذلك.
- كلّا يا بُني، لا تجعلني حجرَ عثرةٍ في طريقِك وامضِ إلى حيثُ تشاء.. لكن كُن حذرًا؛ فتلكَ البلادُ مليئةٌ بالأخطار.
ضحك عبد القيّوم وهو يقول:
- أمّاه، كيف أكونُ حذرًا وأنا ذاهبٌ لأواجهَ الموت، وأقتحم قصرًا محشورًا بالأعداء، وأتسلّلُ بداخلِه وأنتِ تعلمين شراسةَ أهلِنا المغول!
ببراءةٍ ردّتِ العجوز:
- لا تقل إنّهم أهلنا! بل هم أعداؤنا.. لقد كان والدُك يؤنّبني على مثل هذا الكلام!
- حقًّا يا أمّاه.. إنّ أهلَنا هم المسلمون وهؤلاء أعداؤنا لعدائهم المسلمين.
حملَتْ أمّ عبد القيّوم بقايا الطّعام وهي تتذكّر زوجَها وأبناءها الذين يتناقصون تباعًا.. فبدءًا بالزّوج الذي اغتالَه
المرض، ثمّ محمّد الذي قُتلَ فاسقًا في بلادٍ بعيدة، ثمّ عائشة التي تزوّجَت
ومكثَتْ مع زوجها بعيدًا عن بغداد.. وها هو عبد القيّوم يُبدي لها رغبتَه في الجهاد ويستطيع إقناعها بأنّ دولةَ بني العبّاس وعلى رأسِها
الخليفة ووالي بغداد قد وضعوا فيه ثقتهم لإنجاح هذه المهمّة التي تبنّوها إكرامًا لمسلمين مضطهدين..
وقد كان عزاؤها الوحيد في رحيل ابنها سموّ الغاية التي ستتحقّق من وراء هذه الحملة..
فبطشُ شيّوم لا يخفى عليها واغتيالُه إراحة للمسلمين وإزاحة ظلال ثقيلة عنهم.
واحتسبَت صبرَها عند الله فهي قد آمنت مع زوجِها ووجدَت سعادةَ روحِها في الإيمان..
وكانت تتوق أنْ تتقرّبَ إلى الله بشيء.. وها قد وجدَتْه.
لقد بثّت حزنها إلى الله وأفضَتْ إلى ربِّها بمكنونِ صدرِها من آلامِ السّنين الماضية.. وكأنّما كوفئت على ذلك عاجلًا فانداحَ
في نفسِها شعورٌ بالفخر بأنْ يعتمد المسلمون وعلى رأسِهم الخليفة والوالي على ابنِها في هذا الأمر.. وحبسَتْ دموعَ
اللوعة في محاجرِها.. وعندما سمعَت صوتَ عبد القيّوم يخرجُ من البيت ويغلق الباب ذاهبًا للاستعداد لرحلةِ الغد..
أذنَت لدموعِها بالانسياب وشرعَت تنشج بصوتٍ مسموع.
أمّا جابر فوصل إلى بيتِه، وعندما صارَ قريبًا من الباب سمعَ صوتًا غريبًا.. فأسرعَ باتّجاه الدّار ليسمعَ صوتَ عراك.. وصالح يصيح:
- لنْ أدعكَ تأخذُ شيئًا!
ربطَ جابر فرسَه على عجل، وشهرَ سيفَه، ودخلَ ليجد صالحًا يتعاركُ مع رجلٍ طويلٍ ملثّم لا يظهرُ من وجهه سوى عينيه، فصاح عندها:
- أتقتحمُ بيتي يا شرّير؟!
وجعل يصاوله بمساعدةِ صالح.. لكن الرّجل تمكّن من التقاط جرّةٍ فارغة وقذها بقوّة لتشجَّ جبينَ جابر وتُسقطه ثمّ لاذَ بالفرار.. وانطلقَ صالح خلفَه..
وبقيَ جابر يُعالجُ الجرحَ الصّغير الذي أحدثتهُ الجرّة التي تحطّمَت على هامتِه.
وعادَ صالح دون أنْ يظفرَ بالرّجل، فقال في خيبة:
- لقد أفلتَ اللئيم! ليتني أدري لماذا يهاجموننا بهذا الشّكل!
فقال جابر شاكرًا ومعتذرًا من ضيفِه:
- لقد أبليتَ معي بلاءً حسنًا.. حتّى إنّي أفسدتُ عليكَ نزهتَك.
- أعتقدُ أنّه ممّن هاجمَنا البارحة.. فقد كان يطالبني بالرّقعة.. لقد تركتَها أنتَ عند رأسِك.. وكنتُ أنا قد استيقظتُ لتوّي فسمعتُ
رجلًا يتحرّك داخل البيت وظننتُه أنتَ وما أنْ رأيتُه بهذه الهيئة حتّى علمتُ أنّه لصّ.. فألقيتُ بنفسي عليه وكانتِ الرّقعةُ
في يدِه فاستوليتُ عليها ثمّ جعلنا نتعارك.. كان هذا قبل أنْ تدخلَ بقليل.
- لقد علموا أنّي غير موجودٍ بالدّاخل فتجرّؤوا على الدّخول ولم يتوقّعوا أنْ يكونَ بانتظارِهم ليثٌ مثلك!
- لماذا كلّ هذا الحرص على الرّقعة؟! أخبرني فلم يعد بوسعكَ أنْ تكتمَ الأمرَ عنّي!
وأخبرَهُ جابر بقصّة الرّقعة فلم يعد بوسعِهِ حقًّا أنْ يُبقيَ الأمرَ مخفيًّا عن صالح.. ولم يعد بوسعِهِ أيضًا أنْ يُخفيَ إعجابَهُ به. وعلّق صالح:
- ولهذا كنتَ جادًّا في البحث عن عبد القيّوم المغوليّ!
- نعم.. وقد وجدتُه بحمدِ الله بل تناولتُ عندَه الإفطار قبل قليل.
- وتركتَ ضيفَكَ للجوع ومصارعة اللّصوص؟!
- أبشر يا صالح؛ أنتَ تستحق الكثير.. وعندي خادمٌ ماهرٌ في إعداد الطّعام وسيعدُّ لكَ إفطارًا جيّدًا!
- وردًّا على بُشراك.. أبشّرُك أنّكَ قد أحسنتَ الاختيار؛ فعبد القيّوم خيرُ مَن يرصد لمهمّةٍ صعبةٍ كهذه.. شجاعةً وحزمًا.
- لقد وافق.. وكنتُ متفائلًا أنّه سيوافق حتّى قبل أنْ أحدّثَهُ بشيء!
ثمّ أضاف:
- وما أريدُه منك أنْ تكتم ما سمعتَ ورأيت ولا تُخبر به أحدًا.. فما أخبرتُك إلّا مكافأةً لك.
- لنْ أخبرَ أحدًا البتة.. لأنّني سأرافقُكم!
- تذهبُ معنا في رحلةٍ خطيرةٍ كهذه؟!
- نعم..
- هذه مجازفةٌ غيرُ مأمونة العواقِب!
- أريدُ أنْ أقتربَ منَ الخطر ولو مرّة.. وأختبرُ نفسي بأسفار طويلة ومفاوز بعيدة حتّى أعرف أيَّ شيءٍ أكون.
- ووالدك؟
- لنْ يعلَم.
وبشيءٍ منَ الشّفقة تأمّلَهُ جابر.. وفكّرَ هل يعتمدُ على قليلِ تجربةٍ مثلِه؟ إنّه مشدود الجسد، قد نبتَ في نعمةٍ
وصحّة.. لكنّه كانَ نحيلًا، ناعمَ المظهر، وكفّاهُ لَيّنتان يتضّحُ أنّهما لم يلامسا خشنًا منذ وُلد!
وأراد جابر أنْ يُعفي نفسَه من عناء صحبتِه فقال:
- لا.. أنا أرفض؛ أنتَ ما زلتَ فتى.. فلا تخاطر بحياتِك حتّى يشتدَّ عودُك!
- حتّى أنت؟
- أنا لا أقصدُ إلّا نفعَك؛ فأنا أعلمُ بما في سفرِنا هذا من الأخطار..
وهنا هتفَ صالح بحدّة:
- قُل لي يا هذا مَن الذي أنقذَكَ البارحةَ من أسيافِ الرّجال.. وحرسَ بيتَكَ هذا الصّباح؟!
ولم يتكلّم جابر، بل فوجئ بالهجومِ المُقنع.. وواصل صالح كلامَه:
- وقل لي مَن الذي منعَ اللّصوصَ مِن أخذِ الرُّقعة؟
اقتنعَ جابر.. ولم يرَ بُدًّا من إجابتِهِ إلى ما طلب؛ فاندفاعُ صالح وشجاعتِه المكنونة التي كان دلال أبيه
يغمطها.. قد استوليا على إعجابِه، لكنّه أراد أنْ يُقرّره بالمسؤوليّة فقال:
- وافقتُ بشرط أنْ تُخبرَ والدَكَ وتستأذنَه.
فقال صالح:
- لو علمَ أبي بما جرى البارحة وما جرى الآن لفقدَ رشدَهُ ثلاثةَ أيّامٍ بلياليهنّ!
- إذًا ستكونُ مسؤولًا عن نفسِك منَ الآن..
- ومَن قالَ إنّك كنتَ مسؤولًا عنّي طوالَ الوقتِ الماضي؟!
ردودُكَ حادّةٌ يا صالح، ولا يستطيعُ أحدٌ أنْ يُطيلَ جدالَك!
وأوصى جابر صالحًا أنْ يتجاهلَ يوسف بن محمّد ولا يُحدّثَهُ بشيءٍ ممّا جرى حفاظًا على سيرِ الرّحلة وطلبًا
لنجاحِها.. ونوى هوَ ألاّ يُراجعَ الوالي ويُحدّثَه في اعتداءاتِ يوسف ومهاجماتِه.

يتبع





 


رد مع اقتباس
قديم 02-28-2012   #9


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الفصل الخامس

بعد أسبوع كانت المجموعة المكونة من خمسة وعشرين فارساً بالإضافة إلى جابر وعبد القيوم ويوسف صالح قد خرجت من بغداد متجهة جنوباً..
وقد استراح الجميع يوماً كاملاً وأخبرهم جابر بالجهة والمدينة فتحولوا بعدها جهة قانين.. كانوا يسيرون في منطقة من الجبال المرتفعة
محاذرين المدن التي تقيم بها جيوب مغولية.. حتى لا يتسامع الناس بهم أو يصل إلى المغول خبر وجهتهم.
وعند التقائهما فرح صالح بعبد القيوم كثيراً وتوثقت بينهما عرى المعرفة.. وعند أول اللقاء قال عبد القيوم:
- أهلاً بسارق البطيخ الصغير، الذي كان يتسلل إلى البستان ليلاً ويعبث فيه.!
فرد صالح ضاحكاً:
- كان البطيخ الذي تزرعونه لا يقاوم!
ثم طفقا يتناجيان ويتذاكران أيام إقامة والد عبد القيوم في بطحاء النهر.
وقد اتضح للجميع منذ البداية أن يوسف لن يكون تابعاً مريحاً لجابر. وكان قد اغتاظ حين رأى عبد القيوم بصحبة جابر.. وهو الذي حاول

الوصول إليه فلم يوفق.وغاظه كذلك انكشاف أمره.. فجابر بات يعرف أن الاعتداءين اللذين تلقاهما كانا من قبله.

وقد بيَّت النية أن يخالف ما كان تعهد به للوالي.. وامتلأ تصميماً على أن يستأثر باغتيال شيوم وحده.. ويفوز بمدينة الأشبار.. وأن يستولي على رقعة
المنذر في سبيل ذلك.. وصمم أن يعرقل جابراً.. وينتهز أيّ فرصة لإثارة الرجال ضده لكنه فشل في ذلك!
كذلك حاول استمالة عبد القيوم إلى جانبه والتقرب منه.. وكان سلاحه الوحيد لبلوغ ذلك حديثه الدائم عن قرابته من والي بغداد..

ووصوله إلى الخليفة إذا شاء.. واستناده إلى بحر من العلاقات والصداقات مع كثير من الأكابر وممن يرجى نوالهم..
وبذل عدة محاولات لكنه صدم بجدار صلد من اللامبالاة من قبل عبد القيوم!
وكان آخر محاولاته تلك التي بينت له أيَّ مسافة بينه وبين عبد القيوم وبينت له أيضاً أن أساليبه الثعلبية لا تجدي نفعاً معه فالشاب المغولي

صاحب آخِرَةٍ.. لا تتفق طبيعته مع مطامعه هو ولا طموحاته.
وقد غير أسلوبه بعدها متنقلاً من التملق والتودد إلى المهاجمة والعداء!! فقد تأخر عبد القيوم ذات مرة لسقي جواده من أحد الجداول.. فاقترب
منه يوسف وقد أشرق وجهه الأبيض المدّور بابتسامة عريضة كشفت عن ثناياه الكبيرة.. وطغت على عينيه الواسعتين
الجميلتين نظرات ماكرة.. هادئة.. وعندما حنى جَوَادُهُ رأْسَهُ للشرب قال وهو يمد
إلى عبد القيوم كيساً صغيراً كان قد أخذه خفية من جراب حصانه:
- خذ هذا الكيس يا سيدي لقد سقط منك فجئت به إليك.
فقال عبد القيوم الذي بدأ يفطن إلى مكره وحيله:
- سيدك! تقول إني سيد يا يوسف؟!
- لا.. بل سيد القافلة كلها.. وعمادها الذي تقوم عليه..
غمز عبد القيوم منبّهاً يوسف إلى أنه مدرك كل ما في الأمر وقال:
- لا تغامر بشرفك.. فأنا لا أعدو أن أكون حطاباً أما أنت فقريب من الولاة.. وابن الأكابر.. وصديق الخلفاء؟!!
- إن شرفي سيزداد وكذلك قدرك يا عبد القيوم إذا سرنا معاً في طريق واحد وأدركت أيّ رجلٍ مفيد أنت.
- لقد أكثرت عليَّ من هذا الكلام.. وقد وعيت حتماً ما تريد قوله.. تريد أن تجعلني نائباً لك على مدينة الأشبار أنت الآخر فأغرق في الأموال

والجاه وتقدمني بمعرفتك ووجاهتك فأنال الحظوة وأصبح قائد الجيوش المقربين.. أليس كذلك؟
- كأن هذا الكلام لا يطربك؟! إن آلاف الطامحين يتمنون ربع ما عرضت عليك!
- أنا في وادٍ وأنت في وادٍ.. أنا لست طالب مجد.. أنا أريد شيئاً أرجوه من الله.. كما نسيت أني وأنت كلانا تحت إمرة

جابر لذلك تطالبني أن أنضم إلى صفك.. كأنك تنوي أن تنشئ لك صفاً آخر؟!
- لقد جنحت في تفكيرك.. كل ما أريده أن نصبح أصدقاء!
- أي أن أنحاز إليك.! وانحيازي إليك معصية لجابر وهو أمير الرحلة ومعصيته معصية لله..
دب الحنق إلى يوسف ولم يعد يبتسم بل صاح:
- أنا أشرف منه.. وأقدر أن أهبك ما تطمح إليه.!
- الذي أحب وأطمع فيه ليس عندك ولا عنده!
- إنه لا يعدو أن يكون عبداً سابقاً من عبيد خالي أبي الحسين.. وليته ظلّ كذلك.
- لقد أصبح حرّاً.. ثم لو كان لا يزال عبداً لأطعته فما لي ولعبوديته حسبي أنه الأمير وكفى.
زفر يوسف زفرة تشبه زفرة جواده عندما ارتوى. وقال:
- أخشى أن تندم لأنك لم تستمع إليَّ..
- إنني أسير الآن في سبيل الله.. وهو ما أطلب لذا فلن أندم على أيّ شيء يقع بعد ذلك أو يفوت.
رجع الشابان بعد فراغ الخيول من شربها إلى حيث بقية الرجال.. لكن عبد القيوم أوقف حصانه والتفت إلى يوسف الذي توقف هو الآخر وقال:
- يا يوسف أنت تذهب لتستقبل سهام العدو بصدرك.. وتقذف بروحك في أتون الموت.. أفليس من حق نفسك عليك ألا تخاطر بها

وتزهقها إلا في سبيل نعيم مقيم لا نعيم زائل؟! أجابه يوسف في ضجر واضح:
- هذا كلام لا يليق بشجاعتي.
- كن مجاهداً في سبيل الله.. ولا تجاهد في سبيل شهواتك يا فتى!
- هذا رفض منك لرفقتي؟.
- لقد قلت ما أدين الله به.
وبغير قليل من الغضب ساط يوسف جواده بشدّةٍ فانطلق يعدو.. وراكبه الفائر يتمتم بكلام غير مفهوم!!
في أحد النهارات نزل الرجال قرب جدول ماء ينساب نابعاً من بين الجبال. ورفعوا السروج عن الخيول وأطلقوها ترعى من الأعشاب

الوافرة في هذه المنطقة.كانوا متأكدين أنهم قرب قرية ما فثمة آثار وروث لأغنام وجمال.
كان جابر يستلقي على الأرض حين قال لرجل من رفاقه اسمه مالك الفهري:
- أنا لا أرى يوسف.. أين هو؟
رد مالك الفهري:
- لقد لاحظت غيابه منذ نزلنا هنا!
وجاء الجواب حين طلع يوسف قادماً برفقة أحد رجاله الخلّص، وقال لجابر في لهفة:
- لقد جئت من النبع.. وهناك آثار ظباء.. لنذهب ونصطاد منها.. إنها لن تبتعد كثيراً عن الماء!
قفز جابر والتقط قوسه وسهامه، فقال عبد القيوم:
- سأرافقكم.. أنا أحب الصيد.
وانطلقوا جميعاً إلى حيث النبع ورافق يوسف صاحبه الذي جاء معه وأمضوا ساعة يسيرون وسط الصخور صعوداً.. وكان يوسف يحث الخطى

حريصاً على أن يكون في المقدمة وأن يختار الطريق! وبعد فترة توقف قائلاً لجابر:
- سنتجه من هنا.. واتجهوا أنتم من الجهة المعاكسة.. وكل يحمل نشابه فلابد أن يصادفه أحدنا.
وقال جابر:
- لن نظلّ نتتبعه سائر اليوم فلنجتمع في هذا المكان بعد ساعة.
ومضى جابر وعبد القيوم وعيونهم على كل بقعة من سفح الجبل وعند كل صخرة متنبهين بحثاً عن الظّباء. وبعد قليل من المسير قال عبد القيوم:
- لقد سئمت!
ضحك جابر قائلاً:
- ألم تقل إنك تحب الصيد!
تلفت عبد القيوم ثم قال بخفوت:
- بلى أحبه.. وها هو.. انظر في الأعلى وعْلٌ كبير!
وقال جابر وهو يركز بصره على وعل يقف قرب صخرة كبيرة:
- اخفض صوتك حتى لا ينفر.. إنه لا يعلم بنا.. سنحاصره بهدوء.
- إنه لن يفلت منا.. فإذا نفر فسيتجه إلى حيث يوسف وصاحبه وسيكون قريباً من مرمى أسهمهما.
وصعد الصديقان بحذر واقتربا من الوعل الذي لم ينفر ولم يتحرك.. وفجأة قال عبد القيوم:
- أحس بحركة خلفنا.. هناك من يراقبنا!!
لم يستجب جابر لمخاوفه.. وعزا ذلك لصوت الرياح.. فواصلوا صعودهم.. حتى التفت عبد القيوم ثانية:
- لقد رأيت شيئاً يختبئ!
- سنفكر في أشيائك هذه بعد أن نظفر بالغداء.
شد عبد القيوم قوسه وهمّ بالنزول للتأكد مما رأى.. لكن جابر منعه وقد أغراه جمود الصيد.. وعندما صاروا على مسافة تكفي لإصابته قال جابر:
- إنه لم يتحرك البتة.. كأنه صخرة.. أطلق عليه يا عبد القيوم أريد أن أرى مهارتك.
شد عبد القيوم الوتر ثم أفلت السهم باتجاه الوعل فاستقر في جوفه - لكنه لم يتحرك!! فسأل جابر:
- هل قتلته؟
- أظنّه مقتولاً من قبلنا!
واتجها إلى الوعل لتصدم أنوفهم رائحة منتنة.. كان الوعل مثبتاً إلى صخرة ومربوطاً بحبال دقيقة لا ترى إلا عن قرب.. ودلت رائحة

جيفته أنه ميت من يومين أو ثلاثة كما أن الديدان كانت تتساقط منه.. وفي أسفل بطنه جرح ودماء يابسة.. وتساءل جابر في دهشة:
- إنه مقتول من قبل.. لكن لماذا ربط إلى الصخرة حتى بدا كأنه واقف؟!
- ربما يريد من فعل ذلك أن يجتذب حوله القطيع وربما ذلك من طرف الصيد.
- قد يصدق ظنك.. لنغادر فالرائحة لا تطاق!
وقبل أن يتم جملته.. رأيا حبلاً انسحب من تحت الصخور.. ثم تبعته هدهدة عظيمة.. وتدحرجت باتجاههما صخور كبيرة..

تجرف معها صخوراً أصغر وتراباً وبعض الحصباء!!
حاول عبد القيوم وجابر الهروب نزولاً.. لكن السيل المفاجئ جرفهم.. وتمكن عبد القيوم من اللجوء جانباً،

وزلت قدمه فسقط تحت جرف صغير على مؤخرة رأسه ففقد وعيه في الحال.
أما جابر فقد دهمته إحدى الصخور الكبيرة ومشت فوقه دون أن تصيبه إلا بخدوش صغيرة.. وسرعان ما نهض وفر من بقية الصخور المتدحرجة..
وجلس يلتقط أنفاسه ثم أحس بزوغان بصره وثقل رأسه.. ثم استلقى فاقداً الرشد!!
ومكث ساعات على حاله تلك لا يحس بشيء.. ثم استيقظ مثقلاً.. ليجد نفسه في غير المكان الذي كان فيه..
كان في كوخ يشبه
أكواخ الفلاحين.. هل يمكن أن تكون قد سقطت منه في سفح الجبل.. أو سقطت عندما دهمته الصخرة الكبيرة؟!
كان الكوخ واسعاً ومرتباً.. وثمة مصباح معلق في السقف.. ونار تشتعل وفوقها قدر تفوح منه رائحة شهية.
وقام من فراشه إلى الخارج ليصادف ليلاً صامتاً وهدوءاً ممتعاً.. وشعر في نفسه أنها رقدة طويلة مريحة.. أزالت عنه كثيراً من تعب السفر..

لكن من نقله إلى هنا.! وماذا حدث أثناء فقدانه رشده؟! وأين عبد القيوم؟!
وعاد إلى فراشه منتظراً أيَّ جواب.. واستلقى يفكر فيما حصل.. ولم يشك أن انهيار الصخور وذلك الحبل الذي انسحب

كان أمراً مقصوداً.. وأن ثَمّة حيلة دبرت للقضاء عليه هو وعبد القيوم..!
وقطع عليه أفكاره دخول رجل مخيف.. فارسي السحنة.. عملاق.. يبدو معتوهاً.. عليه آثار حروق كثيرة..

وعند ظهوره ابتسم لجابر ابتسامة بلهاء عريضة.. وثرثر بعربية مكسرة:
- إذاً فأنت قد استيقظت.. خفت أنا أن تموت.. مضى زمان وأنت فاقد وعيك.. أنت صبور.. ليتني أعرف من أين جئت؟!

لقد حملتك من سفح الجبل على كتفي.. أنت مسكين.. سقطت
عليك الصخور.. أنت مبارك وحظك حسن لذا جئت أنا وأنقذتك.. أنا أعيش هنا.. هذا بيتي.. أنت ضيفي.. أنت مسكين.. كدت تموت.. أنت جائع..
أنا صنعت لك طعاماً سيرد عليك عافيتك.. لحم أرنب اصطدته.. هل تحب الأرانب.. ليتني أعرف من أين جئت.. ليتني أعرف..
اعتقد جابر أنه لو تركه يتكلم فسيظّل على ذلك أياماً متتالية لذا قاطعه قائلاً:
- أعظم الله مثوبتك يا أخي على إنقاذي.. لكن أين أنا؟!
- أنت هنا في كوخي.
- وأين صاحبي الذي كان معي؟
- صاحبك.! من المغولي؟!
- نعم.
- هو صاحبك.. أنت تحبه؟
- نعم.
وهنا تغيرت ملامح الرجل وظهرت عليه علائم حقد مكتوم وشراسة وقال:
- أنا لم أساعده.. هو شرير.. مغولي.. المغول أشرار!
- أما زال على سفح الجبل؟!
- نعم.. أنا لم أساعده.. دعوت الله أن يموت ويروح للجحيم.. أنا أكره المغول.. لقد قلت لنفسي.. اذهب واضرب رأسه بصخر كبير حتى يموت.
وقام جابر منزعجاً للبحث عن صديقه.. لكنه تساءل أي اتجاه يسلك وهو لا يدري عن موقع سقوطه من هذا الكوخ..
والليل مظلم..
كما أن ساقيه تحتاجان لبعض الراحة كي تحملاه.. ولما وجد نفسه عاجزاً عن فعل شيء انفجر في وجه الرجل صائحاً:
- ألست إنساناً أليس في قلبك رحمة.. إن كنت من الإنس فاذهب وأنقذه أو دلني على مكانه.!
فصاح الرجل هو الآخر:
- أنقذه؟! أنقذ مغولياً.. ليذهب ويقتل الناس.. هو مغولي.. هم مجرمون.. قاتلون للنساء والأطفال.. مخربون للبلاد والمزارع..

الموت لهم قتلة الصغير والكبير والبهائم.. ثم هدأ قليلاً.. وتابع بصوتٍ متألم باكٍ:
- هم قتلوا زوجتي.. وأولادي.. وحرقوا جسمي وقلبي.. ألا تنظر..
وكشف لجابر عن بطنه وصدره وظهره.. كانت الحروق تشمل جسده وبعضها قد استعصى على الشفاء!! وأضاف:
- المغول أحرقوني. الشيوم شاه قانين.. صنع ناراً.. ووضع على جسمي زيتاً.. ثم دفعوني في النار.. وقمت أركض.. النار الحمراء

تأكل الجسم والثياب.. وأنا أركض.. أصرخ..وجعل يمثل لجابر كيف كان يركض صارخاً وهو ينفض النار عن جسمه بيديه ثم تابع:
- صنع الشيوم هذا الحريق.. حتى يضحك هو.. ويضحك الجنود..
أنا أقسمت بالله الكريم بعد هذا الحريق.. أن أقتل كل مغولي أقدر عليه.. إن كان كبيراً شاباً.. أنا أقتله..

وإن كان صغيراً أو نساءً.. أنا لا أقتله.. وهذا حكم ياقوت القوي.!
وسكت ليلتقط أنفاسه ويمسح الزبد عن شفتيه.. ثم قال بنشوة منتصر:
- أنا قتلت منهم إلى الآن عشرة بدون السلاح.. الحمد لله..
وأشار إلى عنقه مفهماً جابراً أنه قتلهم خنقاً.. وكان جابر قد هدأ ورأى أنه لا يملك إلا إقناع "ياقوت" أن صاحبه المغولي ليس شريراً.. فقال:
- صاحبي مغولي.. مغولي مسلم يحب المسلمين.. أنقذه يا ياقوت! فهتف "ياقوت" دهشاً:
- مغولي مسلم!! يحب المسلمين؟!
- نعم يا ياقوت.. أنا أحبه.. أنت ستحبه أيضاً.
وبصعوبة أقنعه جابر بما يريد وبصعوبة اقتنع.. وبعدما تحدث طويلاً عن نفسه خرج وتوغل في الظلام.. وقد عرف جابر

أن اسمه ياقوت وأنه فارسي.. وأنه عاش في مدينة قانين الفارسية بين العرب المقيمين هناك.. وأن الحوادث ألقت به في طريق
حاكم قانين البطاش.. وأنه قبل سنوات اعتدى مع جماعة آخرين على جنود شيوم وقتلوا بعضهم.. فاعتقلهم وعذبهم
وقتل معظمهم، واختصه هو بأشد العذاب فقتل زوجته وأولاده وأبقى صبياً له في الخامسة.. وسجن هو لحين
ولما طالب أن يأتوا بطفله ليبقى معه في السجن وألح في ذلك.. قتله شيوم بيديه.. وأوقد عليه النار ثم تركه يركض
ويتعفر بالتراب ساقطاً حتى انطفأت النار بعدما شوهت جسده.. كان يبدو مجنوناً.. وثبت عند جابر
أن المصائب التي مرت به لم تترك عقله سليماً.. وقد اشتكى لجابر من أن الناس ينادونه بالمجنون.. حتى آثر العزلة والعيش
وحيداً قرب النبع في كوخه هذا.. يقتات من الصيد وبعض ما يجلبه من القرية القريبة.
واعتبر جابر ذلك من المصادفات أن يخرجوا لقتال شيوم ثم يلتقون رجلاً يتوق للانتقام منه.. وخطرت لجابر خاطرة.. أن يضم

ياقوت إلى رجاله فهو قوي وتائق للقتال.. لكنه خشي من تقلباته وغرابة أطواره.. فاستبعد الفكرة مؤقتاً.
بعد قريب من الساعة قام جابر وفتح غطاء القدر وتناول شيئاً من الطعام.. ثم أعاد الغطاء.. وسمع وقع أقدام.. ثم دخل

عليه ياقوت يحمل عبد القيوم على كتفه وفزع جابر خشية أن يكون قد أصيب بمكروه وقام على الفور ينظر إليه لكن
عبد القيوم خاطبه بصوت لا أثر للوهن فيه.. وهو ما زال على كتف ياقوت:
- جابر.. أنت هنا.. هل حملك هذا البغل أيضاً؟!
وقال جابر:
- هل أصبت؟
- لا.. أنا بخير.. ما عدا جرح صغير في مؤخرة رأسي.
- إذا لماذا لم تمشي على قدميك؟
- لم يدع لي فرصة.. لقد حملني مع أني قادر على حمله!
كان ياقوت قد ذهب لتحضير الطعام لأضيافه.. فغمز جابر لعبد القيوم وهو يشير بذقنه إلى ياقوت بأنه شبه معتوه. فرد عبد القيوم:
- ذلك واضح جدّاً.
فقال جابر وهو يبتسم:
- إنه رحمة من الله لنا.. فقد استيقظت لأجدني ممداً في كوخه.
- لقد فررت أنا من طريق الصخور عندما تدحرجت علينا.. لكن قدمي زلت فوقعت على مؤخرة رأسي وفقدت رشدي

ثم استيقظت بعد فترى طويلة وذهبت للبحث عنك.. ثم رجعت إلى مكاني رجاء أن تجئ إليّ، أو تبحث
عني أو يجدني يوسف وصاحبه.. ولكني فوجئت بهذا يقف على رأسي عابساً.. ثم ينحني عليّ ويجتثني
من الأرض دون أن ينطق بكلمة. إلا بقوله: مغولي مسلم!! مغولي مسلم!! ثم لم يقل شيئاً بعدها!
ضحك جابر بسرور، وعندما لاحظ انشغال ياقوت بالطعام دنا من عبد القيوم وحذره من تقلباته.. وأخبره قصته.. وأنه أحد

ضحايا شيوم وأن ما أصابه منه جعله معتوهاً.ولبث الصديقان يتحدثان فيما حصل وأكد عبد القيوم ببراءته المعتادة أن
صياداً قد وضع هذه الحيلة لكي يجتذب الوعل المربوط إلى الصخرة بغية الصيد ثم يسحب حبلاً لتتدحرج
الصخور وتصيب الحي.. وأصر جابر أن ذلك كله من تدبير يوسف وعمله وأنه قد سرق الرقعة منه..
وفهم ياقوت فحوى الجدال الدائر ففصل بينهما قائلاً وهو يقدم الطعام:
- أنا رأيتكم تصعدون.. واختبأت تحت صخرة.. ورأيت أنا صاحبكم يجر الحبل.. حتى انهارت الصخور والتراب وضربتكم!
نظر عبد القيوم وجابر إلى بعضهما.. وقال عبد القيوم مرتاباً:
- يبدو أن توقعك هو الذي سيصدق!
وسأل جابر ياقوت مشيراً إلى جسمه:
- كيف كانت هيئة صاحبنا؟
- صاحبكم أبيض.. وقصير.. عيونه كبيرة وفمه مدور صغير مثل فم أرنب!
- وأنفه كبير؟
- أنفه كبير.. ويده كبيرة.
وأشار إلى خده ليفهم جابراً أنه صافي البشرة ووسيم.
فهتف جابر في غيظ:
- إنه هو!! إنه يوسف!! هل رأيت يا ياقوت صاحبنا يأخذ مني رقعة؟
- أخذ صاحبكم ورقة من ثيابك.. وأنت فاقد وعيك!
- لقد أخذها الخبيث وأنا فاقد رشدي.. لم أتصور أن يكون بهذا القدر من اللؤم والخيانة!!
وساد الصمت حتى قال جابر لياقوت:
- هل رأيت صاحبنا يصف الصخور.. ويربط الوعل بالحبال؟
- لا.. أنا صنعت هذه الطريقة.. لتضرب الصخور الوعل الثاني.. صاحبكم جاء ونظر الطريقة.. ثم سحب هو الحبال وجعل الصخور تضربكم.
وقال عبد القيوم:
- إنه صادق.. لقد رأيت تلك الحبال والصخور معدة بطريقة دقيقة لتتحرك جميعها متى ما سحبت إحداها.. وذلك عندما ذهبت
للبحث
عنك في السفح صعوداً ونزولاً..ويبدو أن ياقوت علم أن يوسف ليس طيباً فلم يعترضه! لكن أين الرفاق.. ألم يأت منهم أحد؟!
- ربما هم الآن يجدون في البحث عنا.
وضمَّد ياقوت جرح عبد القيوم وخرج.. بينما بقي جابر وعبد القيوم يتحدثان عن شيوم ومداهمته واقتحام قصره.. وقرر جابر

أن يعودا حالاً إلى بقية الرفاق.. ويعاقب يوسف عقاباً شديداً ويعيده مكبلاً إلى بغداد مع بعض الفرسان.
ولم يكد يتم كلامه حتى دخل عليهما ياقوت مهتاجاً.. وهتف في لهفة:
- أنتم ستذهبون إلى شيوم..! أنا سوف أذهب معكم.. سمعتكم بأذني هل ستقاتلون الشيوم.. أنا قوي.. أنا أعرف القتال..
نظر جابر إلى عبد القيوم ومد شفتيه استياءً وقال:
- هذا ما لم أنتظر.!
فقال عبد القيوم:
- لقد سمعنا ونحن نتحدث.. لقد علقنا به!
وأدخل جابر يده في جيبه وأخرج بعض المال ودفعه إلى ياقوت معتذراً وأخبره أنه لا يستطيع اصطحابه.. فقال ياقوت مستجدياً:
- الشيوم قتل زوجتي.. وأولادي.. وأحرق قلبي وجسمي بالنار.. أنا أريد أن أنتقم !
اعتذر جابر مرة ثانية.. ووعده أن ينتقم له.. وأن يأخذ بثأره من شيوم فيئس ياقوت ودلَّه بصوت حزين على الطريق.. فانصرف

جابر وعبد القيوم تاركيه يراقبهما في الباب وقد حدَّدت النار المشتعلة بالداخل ضخامة جسده.
سارا ساعة كاملة.. وكان عبد القيوم نشيطاً.. أما جابر فكان يتوقف كثيراً ليريح جسمه ويدلك ساقيه..
ووصلا إلى أصحابهما.. وكان أولئك قد أوقدوا ناراً وتلحقوا حولها.. وما إن رأوهما حتى هبوا إليهما.. كان واضحاً أن القلق آخذٌ بهم..

وأمطروهما بالأسئلة.. ودهش عبد القيوم وجابر لتناقص عددهم كانوا لا يتجاوزون العشرة.. وسأل جابر:
- أين البقية؟
فأجابه مالك الفهري الرجل الثالث في الرحلة:
- لقد أتانا يوسف بن محمد.. وقال إنه افتقدك وعبد القيوم.. وأنه وصاحبه بحثا عنكما.. فلما لم يجداكما عادا..

وقد حث الرجال على مواصلة المسير إلى قانين التي لم يبق عليها سوى مسيرة نهار.. وقد أمرته بالتريث
إذْ لا يصح أن نغادر قبل أن نعرف مصيركما.. خاصة وأنك القائد.. وأن عبد القيوم هو عماد اقتحام القصر..
لكن يوسف أصرّ.. لقد رأيت الخبث في عينيه يا جابر فقد كان يحرّض الرجال على نبذك ويقول إن انتظاركما
سيعطل مسير الرحلة.. وقد كثر الهرج والخلاف بيننا ما بين مؤيد لمواصلة الطريق وبين متريث لحين عودتكما..
ونهيت الرجال عن اتباعه وأمرتهم بتركه وقد أطاعني من ترى من الرجال ولم ينضم إلا رجاله الذين انتقاهم..
وهذا يؤكد لي أنه قد بيَّت هذا الأمر من قبل وأنه منذ بداية الرحلة كان ينوي الاستقلال بنفسه والانفصال عنك.. وهو الآن في طريقه
إلى قانين وبصحبته رجاله العشرة ! وقد ذهب جماعة ممن بقي إلى النبع والسفوح المجاورة بحثاً عنكما.
طمأن جابر وعبد القيوم رفاقهما على سلامتهما.. وشكرهم جابر على الوفاء له ووعدهم خيراً وقص عليهم ما جرى منذ البداية..
ووصلت الجماعة التي ذهبت تبحث عنهما فاضطر جابر إلى إعادة الحكاية من جديد.. وأبان عن شكوكه التي تأكدت الآن..

وأخبرهم أن يوسف هو مدبر هذا الحادث.. وأنه سبق له اعتداءان عليه في بغداد في محاولة فاشلة للاستيلاء على الرقعة..
ونجح هذه المرة وسلبها منه وهو فاقد رشده.. وأمرهم أن يشهدوابما رأوا وسمعوا عند الوالي
أبي الحسن ابن يونس وعند الخليفة لمن يقدَّر له منهم أن يعود إلى بغداد !
وفي الصباح الباكر كانت الكوكبة التي صار عدد أفرادها ثمانية عشر فارساً بقيادة جابر.. قد استعدت للرحيل.. واعتزمت

مداهمة قصر الأمير شيوم بدون الرقعة التي تحتوي مخططاً للقصر.. وذلك اعتماداً على مهارة عبد القيوم في دخول القصر
ثم فتح بوابته بعد ذلك.. وقد ظهر التردد في وجوه بعض الرجال خصوصاً بعد تناقص عددهم وأنهم
سيقاتلون جنداً يفوق عددهم الخمسين في قصر يجهلون ممراته ومداخله بذلك العدد!!
ولكن عبد القيوم العظيم الثقة بالله.. ندبهم إلى الاعتماد على الله لا على سواعدهم.. وحثهم على تقوية صلتهم بالله وثقتهم به.
وذكرهم أن يخلصوا مقاصدهم ونياتهم لرضا الله وألا يفكروا كثيراً في غنائم هذه الحملة المحفوفة بالمخاطر.. وأنهم إنما يخوضون في

أوحال الخطر.. وأنه كلما اقترب الركب من قانين فإنما يقترب من فرصة الموت.. فخير لأحدهم أن يكون
صافي المقصد.. سليم النية في الذب عن المسلمين ودفع الظلم عنهم.
وكان عبد القيوم بوجهه الهادئ المؤمن.. ورباطة جأشه قد تسلل إلى قلوب الرجال وغسلها من التردد والخور.. وزاد في ثباتها.
ولم يكد الرجال يهمون بالمسير حتى برز لهم من بين الصخور ياقوت وهو يحمل عدته.. وقد اختطف عنان حصان جابر بعدما أدرك أنه الزعيم. وقال:
- أنا سأذهب معكم إلى قانين.
توقف جابر وأوقف جنوده وقال باسماً:
- هذا مضيفنا البارحة.. يريد مرافقتنا لاقتحام القصر.!؟
لم يجب أحد فقال صالح:
- هل هو الفارسي الذي أنقذك البارحة؟
- نعم.. واسمه ياقوت.
- لماذا لا تدعه يذهب.. نحن بحاجة للرجال بعدما نقص عددنا؟
وقال شاب اسمه العباس بن حسين:
- حقّاً لا ضير من اصطحابه.. فنحن لن نقابل أحداً.. وسيظل أمرنا سراً ما دمنا نراقبه جيداً وقد ينفعنا ساعة القتال..
فقال جابر:
أنا أخشى أن يصبح عبئاً علينا؟!
وقال عبد الرحمن الفهري ابن عم مالك:
- إنه يريد الانتقام.. وإن قبلت رأيي يا سيدي فدعه يذهب فإن عطشه للانتقام سيجعله يقاتل بقوة عشرة رجال !
وكي يقضي ياقوت على تردد جابر صاح به:
- أنا قوي.. أنا أقاتل جيداً..
ثم قبض على قوائم حصانه الأماميتين ورفعهما إلى الأعلى.. فجعل الحصان يحاول الإفلات

صاهلاً.. ولكنه عجز عن ذلك. فهتف جابر به وهو يتثبت كي لا يقع:
- اتركه يا رجل.. سأقع !!
ووسط ضجة الرجال بالضحك قال عبد القيوم باسماً:
- اعطه ما يريد وإلا نسفك أنت وحصانك جانباً.. إنه قوي حقّاً!
فقال جابر صائحاً:
- ستذهب يا ياقوت.. لكن اتركه!
ترك ياقوت الحصان، فقال جابر:
- سأكافئك على مساعدتك يا ياقوت بالذهاب معنا.. فهل معك جواد؟
فقال ياقوت بحماس ظاهر:
- لا أريد أيّ حصان.. أنا أمشي ثلاثة أيام ولا أنام ولا أتعب!!
أشار جابر بيده إليه بالرحيل.. وساروا وسار معهم.. وقد أمضى النهار كله ماشياً.. رافضاً دعوة بعض الرجال

له بالركوب قليلاً على الخيل.. وحتى عندما جلس الرجال قليلاً للاستراحة لم يسترح بل كان يدب هنا
وهناك لجمع الحطب وخدمة جابر في فرح ظاهر.. كأنه لم يسر على قدميه البتة!!
وفيما بعد تبين للرجال أيّ مقاتل هو..!


يتبع







 


رد مع اقتباس
قديم 03-06-2012   #10


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الفصل السادس


مع حمرة الغروب الجميل.. توقف الرجال على رأس ربوة.. وأمضوا دقائق يتأملون بصمت.. وعبوس مدينة قانين..
الواقعة في البعيد.. قانين الفارسية.. موئل الأحلام ومحط الأمنيات.. عرش الرئاسة بالنسبة ليوسف.. والحمية والمجد لجابر..
والمغامرة لصالح.. وأحقاد الانتقام السوداء لياقوت.. والجهاد والفداء في سبيل الله لعبد القيوم..
قانين موئل مطامع الرجال.. وكنز المكاسب الآنية للمغامرين الشجعان القادمين من بغداد لإنجاز مطالبهم.
كان الغروب الزاهي.. والظلام الذي تهابط على البيوت المتقاربة.. والمتناثرة.. وعلى الجبال والوهاد والبساتين..

قد أضفى سحراً.. وغموضاً على المدينة التي بدأت تستلم للنوم..
تمتم عبد القيوم بخفوت:
- ترى أين يوسف بن محمد الآن؟!
رد جابر بتساؤل مثله:
- أتمنى أن أدفع مائة دينار.. وأعرف ماذا يفعل الآن.. إن أعمالنا القادمة منوطة بمعرفة أيّ شيء قد فعل.. هل تتوقع أنه اقتحم القصر؟
- الله وحده يعلم يا جابر.. لكن الشجاعة لا تنقصه!
وقال مالك الفهري:
- ما الرأي يا جابر؟
رد جابر:
- لابد أن نعرف أولاً.. ماذا صنع يوسف بن محمد قبحه الله.. هل وصل واقتحم القصر.. أم تريث.. وإذا لقيناه قبل أن

يعمد إلى فعل أيّ شيء فهل سنتظافر لمداهمة القصر.. أم سيظل مستقلاَّ بنفسه.. منشقّاً عنا؟
- إنه جشع يا سيدي.. لقد خان وسرق الرقعة منك ودبر إصابتك أنت وعبد القيوم ليستأثر بالغنيمة..

فلا أظنه سيفرح بأن يشاركه أحد في الإطاحة بالأمير شيوم.
وقال العباس بن حسين:
- لو كان سيتظافر معنا لما حرض الرجال عند النبع ولما استقّل من البداية !
وقال عبد الرحمن الفهري:
- إنه من الحماقة بحيث يظن أن بإمكانه العمل وحده!
وقال جابر في ضجر:
- كم أود لو أترك له القيادة والجائزة.. وكل ما آذانا وفرقنا في سبيله.. لا أريد أن تفشل رحلتنا هذه.. إن حرمات

المسلمين تهمني كثيراً يا عبد الرحمن.. وقد استوى لدي الآن الحصول على حكم الأشبار
أم عدمه.. المهم أن نغتال هذا الطاغية ونريح المسلمين من شره.
وسأل أحد الرجال وكنيته أبو موسى:
- هل نتقدم يا جابر؟
- لا لن نتقدم كلنا وبخيولنا يا أبا موسى.. إذا فعلنا قد تلحظنا العيون ونثير الريبة حولنا.. والرأي عندي أن نترك هذه

الرابية ونقبع في مكان ساتر.. ويذهب منا رجلان للتجوال داخل المدينة والاقتراب من القصر..
ومعانية أبوابه والبحث عن جهة مناسبة لاقتحامه وتسلق أسواره.
وتساءل عبد القيوم عن دوره الذي جاء من أجله، فقال جابر:
- لقد أصبح عددنا قليلا.. ولن نخاطر بك ما دمنا نعتقد أن هناك سبيلاً لمداهمة القصر تكون السلامة فيه أكثر.
فقال عبد القيوم:
- لكني لم آتِ باحثاً عن السلامة.. وأنت تعلم ذلك !؟
- التسلق عبر الأسوار سيكفل لنا مفاجأة الحرس وهي ذخيرة قد ترجّح كفتنا في القتال.. كما أنه يمكننا
من اتخاذ
مواقع متفرقة.. وهو أحب إليَّ من دخول القصر من جهة بابه لأننا سنكون في موقع واحد وستنصب علينا
سهامهم فهم أصحاب نبل وسهام.. وقد نستطيع معرفة غرفة شيوم من أحد الجنود إذا هددناه بعد أن نقبض عليه..
وهذا رأي من عندي والأمر مشورة فمن عنده غير ذلك فليدلِ به.
أيد الرجال هذا الرأي.. ورشح جابر مالكاً الفهري وقتادة بن سعيد لاكتشاف المدينة والقصر، فانطلقا في الحال..

أما بقية الرفاق فقد قبعوا أسفل الرابية يحجبهم عن المدينة تل كبير.. وكانوا في موضع منخفض لا يراهم حتى من مر بالقرب منهم!
وقد أوقدوا ناراً وشرعوا في إعداد طعامهم.. مستسلمين لخواطرهم.
وكان عبد القيوم يفكر أنه سيكون أول المقتحمين.. وستكون فرصة النجاة ضئيلة.. وإذا قضى نحبه فستنتقل أمه عند شقيقته عائشة..

وسيلقى الموت وهو مطمئن النفس.. فلم الحرص على الدنيا والتعلق الزائد بعنائها وتعبها.
وكان صالح الذي انتقم من حياة الدلال والدعة قد اكتشف أنه مكنوز بالجرأة والشجاعة.. وأصبح يفكر في استخراج

المزيد من كنوزه تلك.. وتمنى أن يتم ذلك بسرعة قبل مضي شهر.. ويعود بعدها سالماً إلى أهله.. ويفاجئ أباه بهذه
المغامرة التي انضم إليها فحتماً سيزداد والده إعجاباً به ولن ينظر إليه نظرته المشفقة.. كأنه طفل من الأطفال!
ومضت ساعات منذ ذهاب مالك وقتادة وكان الرجال قد أنضجوا طعامهم وتناولوه واستلقوا على الأرض بارتخاء..

وسمع ياقوت صوتاً فهب إلى أعلى التل وسأله جابر:
- من؟
- أصاحبنا.
واجتمع الرجال حول مالك وقتادة بن سعيد.. وقدموا لهما طعاماً.. وسأل جابر على الفور:
- ماذا رأيتما؟
قال مالك الفهري:
- رأينا ما لا يسرك.. ولا يعجبك!
وأضاف قتادة وهو يأكل بلا شهية:
- القصر واسع.. وبه حديقة من الداخل وأشجار.
- والأسوار؟
- منيعة كالقلاع.
- والحرس؟
- سمعنا من البعض أنهم خمسون.. ومن آخرين أنهم أكثر من الستين جندياً، وأن شيوم سيحضر المزيد.
- والجزء المنخفض من السور هل رأيتموه؟
- نعم.. وهو الأمل لنا في دخول القصر.. وإن كانوا قد وضعوا على شرفاته ثلاثة من الحرس لا ينفكون ذهاباً وإياباً..

ولولا ذلك لكان من الممكن تسلقه بحبل ومخلب حديدي صغير.
- لا تحمل همّاً، بضعة أسهم مفاجئة ستكفيك أمرهم يا قتادة، لكن ماذا عن الأبواب؟
- ليس للقصر إلا باب واحد.. وهم يغلقونه مع هبوط الليل.. ولا يسمحون لأحد أن يدخل بسلاح.
- وماذا عن المدينة؟
- العرب هنا كثير.. لكن لا حيلة لهم.. وثمة أناس من المغول من غير المحاربين ويبدو من

المقام داخل المدينة لمثلنا مستحيل فالعيون مفتوحة على أي وافد جديد!
- ويوسف ورجاله؟
سكت قتادة مؤثراً بالجواب المرير لمالك.. فأجاب بغضب وأسى:
- لم نكد ندخل المدينة لاستقصاء الأحوال حتى فوجئنا بالناس مجتمعين وعندهم جنديان مغوليان.. وكان غالب

بين عبد الرحمن وبكر الأزدي ومعاوية مصلبين ومحرقين إلى الأخشاب في أبشع هيئة.
- هؤلاء من رجال يوسف!!
نعم.. فالأحمق داهم القصر عنوة عصر أمس من قبل البوابة.. لما رآها مفتوحة وقتل حارسين هناك..

واستطاع الاقتراب من مجلس شيوم.. لكنه عجز عن الوصول إليه.. وقُتل من رجاله
خمسة أثناء المداهمة وثلاثة هم المصلوبون إلى الأخشاب.. ولم نجد من يخبرنا بالبقية.
- حتى يوسف لم تعلموا عنه شيئاً؟!
- لقد سألت أحدهم فقال لي إن رئيس المهاجمين يقصد يوسف محبوس عند شيوم في القصر

وسينقل إلى السجن هذه الليلة.. ولا أدري إن كان ذلك صحيحاً!
- إنه متهور.. بل مجنون.. كيف يهاجم قصراً محشوراً بالحرس.. وليس معه سوى عشرة رجال!!
وقال عبد القيوم:
- بل كيف أطاعه الرجال في ذلك؟
وعلق مالك الفهري:
- لقد كان يريد قتل شيوم قبل أن نصل.. لم يرد التريث مخافة أن يفوز جابر عليه في ذلك!
- يا إلهي لم أر رجلاً ينقاد إلى جشعه بهذا الشكل المميت..!
- إنه لم يفكر بعقله بل كان يفكر بطمعه.!
- لو أستطيع الوصول إليه لضربته بالسوط حتى أقضي عليه.. إنه لا يستحق الحياة.
- لا تقل هذا يا مالك.. إن الله هو واهب الحياة وهو أعلم بمن يستحقها.
وقال جابر منفعلاً:
- الحق معك يا عبد القيوم.. ألا ترى كيف شتت يوسف علينا أمرنا.. وأفسد ما كنا نخطط له.. لقد حاول
التخلص مني ومنك
ولم يفكر كثيراً في حياتنا أو موتنا.. وسرق الرقعة واستقل بنفسه.. وليته تعقل في هجومه بل اندفع بهوج.. وأزرى بنفسه..
ونبَّه شيوم وحرسه إلى أخذ الحيطة وزيادة الجند. وقد أصبح اقتحام القصر أصعب مما كان.
كان ياقوت يفهم نصف الحديث الدائر بين الرجال.. وكان قد عرف أسباب دحرجة الصخور على جابر

وعبد القيوم.. ومهمة هذه المجموعة.. والتنافس الدائر فيها. فانبرى يقول:
- أنا أعرف "الشيوم" سوف يقتل الرجال أمام الناس.. حتى يخاف الناس.
ثم كشف عن صدره وأضاف:
- انظروا.. حريق.. نار.. الشيوم قتل زوجتي وأولادي.!
وصمت الجميع أمام الأنباء المخيبة للأمل.. لكنهم كانوا يفكرون كيف ستكون الخطوة التالية.. لقد أصبح الأمر أكثر تعقيداً.. وأكبر

خطراً فلم تعد المفاجأة التي كانوا يتكئون عليها في نجاح مداهمة القصر طوع أيديهم بعدنا نبّه الاقتحام الفاشل الذي قام
به يوسف حذر الجنود وزاد في احتياطهم.. ووجب إيجاد طريقة أبعد عن المجابهة المباشرة التي حتماً ستكون في غير صالحهم.
وكان عبد القيوم يتأمل ياقوت الذي ما انفك يري الرجال مواضع الحروق والتعذيب
في جسده، ويشرح
لهم أن "الشيوم" هو من فعل ذلك.. حتى أصابهم بالملل!! وقال عبد القيوم قاطعاً صمته:
- ياقوت هل تعرف مكان السجن؟
رد الفارسي:
- أنا أعرف كل شيء في هذه المدينة.
- هل تعرف الطريق من القصر إلى السجن؟
- نعم.. أنا أعرف الطريق..
وقال جابر:
- ما الذي تنوي فعله؟
رد عبد القيوم:
- أرى أن نذهب قرب الطريق الذي يسلكه من أراد الذهاب من القصر إلى السجن.
- ولماذا؟
- سنراقب من بعيد كل من يمر.. فربما كان حقيقة أنهم سينقلون يوسف ومن تبقى معه إلى السجن هذه الليلة تمهيداً لتعذيبهم.
- وما حاجتنا من ذلك؟!
- سنقاتلهم ونختطف يوسف.
- نقاتل ونعرض أنفسنا للخطر من أجل هذا الوقح الغادر؟!
صاح قتادة:
- يوقعنا في معضلة لا حل لها وتريدنا أن ننقذه؟!
رد عبد القيوم بهدوء:
- إنه صاحبنا ولابد أن نساعده متى ما قدرنا وسنقدر إن شاء الله.
وقال جابر بابتسامة إعجاب:
- لله أنت يا عبد القيوم.. يدحرج عليك الصخور ويحاول قتلك ثم تدعوه صاحباً وتنادي بإنقاذه!!
- يا جابر أليس مسلماً وهم كفار؟
- بلى..
- إن كونه مسلماً لا غير يوجب علينا مساعدته لا تركه في أيدي هؤلاء المشركين.. وربما يكون ذلك عطفاً لقلبه ومعجلاً بصلاحه.
وتمتم جابر:
- لا أدري كيف تفكر.! ليت لي قلباً مثلك يا عبد القيوم.
وقال قتادة:
- ما أسرع ما تنسى الإساءة!
وسأل أحد الرجال:
- ما قولك الآن يا قائد:
لم ترق الفكرة كثيراً لجابر لكنه كان ملتزماً لعبد القيوم بالمجاملة. فعلاوة على صداقتهما

التي نبتت جذورها من جديد لم ينسَ جابر أن عبد القيوم رفع رأسه عند الوالي أبي الحسن
عندما استجاب له ورافقه إلى قانين. لذا نهض واقفاً وقال في عزم:
- ليركب عشرة منا خيولهم ولنمض لمراقبة طريق السجن فعبد القيوم محق فيما ذكر، إن
يوسف
وإن خاننا إلا أنه مسلم وسننقذه ما لم يعرضنا ذلك لخطر عظيم.. أو يتسبب
في كشف أمرنا.. كما سنستفيد من يوسف فربما كانت الرقعة معه.
وكان أول الراكبين صالح الذي ابتهج لاقتراب المغامرة.
وسار بهم ياقوت ملتفاً حول المدينة التي يعرفها.. متجنباً قصر شيوم حتى لا يشاهدهم الحرس القابعون فوق الأسوار..
وبعد ساعة
دخل بهم بين مجموعة من التلال الصغيرة.. ثم توقف بهم على مبعدة من بيوت المدينة، وقال مشيراً إلى حاجز من الرمال:
- الطريق مع هذه الرمال.
كان السجن في طرف المدينة والسائر إليه من القصر يلزمه المسير قليلاً خارجها.
وقد عد الرجال ذلك من حسن حظهم وعده عبد القيوم من حسن تيسير الله وتقديره.
وطلب جابر منهم البقاء حتى يسمعوا منه إشارة بالتقدم.. ثم سار برفقة عبد الرحمن الفهري وعبد القيوم وصالح.. وصعدوا تل الرمال..

وكان السجن بعيداً حقّاً عن القصر.. وكانوا في منتصف الطريق بينهما.. أما البيوت فكانت نائية بقدر كاف..
ومضت ساعة من الانتظار.. وتمنى عبد القيوم أن يمر يوسف من هنا وألا يكونوا قد عجلوا بقتله.. وفجأة قال عبد الرحمن الفهري:
- اسمعوا.. وقع حوافر.. لقد قدموا..
وأرهف الجميع السمع، حتى برزت من الظلام مجموعة من الجند المغولي وكان عددهم ستة فرسان ممتطين خيولاً ومسلحين..

ويجرّون خلفهم أسيرين مصفدين بالأغلال في أرجلهما.. وقد عكرت صلصلة أغلالهما صمت الليل.. وعند اقترابهما تبيّن
أنهما يوسف وواحد من رجاله.. كانا يسيران خلف الجنود راجلين شاعثي الشعر.. حافِيَيْ الأقدام..
يمشيان سريعي الخطى حتى يدركا خطوات الخيول ولا يتعثران.
وكان يوسف يمضي رافعاً رأسه.. غير خائف.. لكن الحزن كان طاغياً عليه.. وكان القهر قد أطفأ لهيب

عينيه الجميلتين الخبيثتين.. وجناحا أنفه الضخم يرفان بانزعاج في تشويه لبقية ملامحه الوسيمة.
وتمتم جابر:
- لقد صدق الذي أخبر مالكاً الفهري بأن يوسف سينقل إلى السجن من القصر.. ثم أمر صالحاً باستدعاء بقية الرجال.
وانطلق صالح مسرعاً.. فيما قال عبد القيوم:
- كم أرثي ليوسف هذا.. انظر كيف يسير في كبرياء وأنفَة.. كأنما خلق ليكون ملكاً.. وكأنما قيد الأسر لا يطوق قدميه!!
اقترب الموكب الصغير حتى إذا حاذى تل الرمال.. فاجأه تسعة من الفرسان وأمطره بعضهم بالنبال فأصيب

أحد الخيول جراء ذلك.. وصاح جابر وهو واقف يراقب ما يحصل من فوق حصانه:
- احذروا أن تصيبوا "صاحبنا" .
وحاول المغول الهروب لكن الرجال حالوا دون ذلك وطوقوهم وسرعان ما تساقطوا.
ولم يكد يوسف وصاحبه يصدقان ما يحدث.. وأنهما سيعودان للحياة مرة ثانية.. لذلك لبثا جامدين من الدهشة!
وهتف جابر:
- هيا استاقوا الخيول معكم واحملوا جثث المغول ولنقذفهم بعيداً حتى لا يستدلوا علينا.. ولنغادر المكان بسرعة

قبل أن يفتقدوا أصحابهم فهم لا يتوقعون بقية لمن هاجمهم بالنهار..
وحُمل الجنود القتلى.. وخلع عبد القيوم لباس أحدهم لما رآه ينسابه طولاً وحجماً واحتفظ به.. وسيقت الخيول التي أركب الأسيران

على بعضها.. وأمر جابر أن يسير كل اثنين في طريق مغاير تضليلاً لمن قد يهم بتعقب خطاهم وتواعدوا على اللقاء عند أصحابهم.
ظلّ يوسف طوال الطريق مطرقاً سارحاً.. كان الخجل والفشل يلجمه.. ولم يدْرِ بأي كلمة يتفوه فسيئاته تجاه الرفاق لا تخفى، وقد

زاد همّاً أن منقذيه هم من أساء إليهم قبلاً.. كانت الحسرة والغيظ يملآنه فهو قد انفك من أسر ليقع في أسر آخر.. وليس
سبب يمنع جابراً ومن معه من أن يقاضوه ويحكموا عليه.. وقد تمنى في هذه اللحظة لو أنه هلك وهو يقاتل
المغول في باب القصر.. بدلاً من أن يكون أسيراً مهاناً وفي يد عدوه ومنافسه جابر!
وعندما التقى الجميع حطوا رحالهم.. وأشعلوا ناراً.. واقتيد يوسف وصاحبه بقربها وتجمع الرجال بقربهم.. وقال جابر عابساً:
- هل سرك ما فعلت يا هذا.. سرقت الرقعة.. وهاجمني رجالك أنا وصالح مرتين.. وحاولت التخلص مني

ومن عبد القيوم.. ثم داهمت القصر وفشلت وتسببت في قتل الرجال بلا فائدة..
أكل هذا شجع منك؟! حدثني يا يوسف لِمَ فعلت كل هذا؟!!
وقبل أن يتكلم يوسف صاح مالك الفهري الذي كان غاضباً للغاية:
- لا تسأله عن شيء.. إنه خائف ولا عذر له سوى حبه لنفسه.. لنقضي عليه..
وأيده أبو موسى:
- إن مالكاً محق.. إنه يستحق العقاب.
لكن عباس بن حسين:
- إنه ابن أخت الوالي.. فإذا لم يقتله المغول فلا سبيل لكم عليه.. إلا أن توثقوه وترسلوه مكبلاً حتى يُلقى بين يدي

أمير المؤمنين ويقال هذا الذي خان قائدك وأراد أن يخرب حملتك.
ونادى بعضهم بهذا الرأي.. ونادى البعض بالقضاء عليه وتركه للمغول مرة ثانية حتى يقتلوه.. ولما كثر الجدل في ذلك صاح بهم جابر:
- اسكتوا.. دعوه يتكلم!
وسكتوا.. فرفع يوسف رأسه في كبرياء وقال:
- إن الذي أخرجني من بغداد يا جابر هو الذي أخرجك.. والذي أسعى إليه هو ما تسعى إليه.. وقد آليت على نفسي

ألا يحكم "الأشبار" إلا أنا.. وقد حاولت والنجاح من عند رب العالمين.. وجميعكم يعلم أن هذه الحملة منذ بدايتها
قد استحالت إلى منافسة بيننا.. وأنها لم تقم على التعاون أبداً.. وقد كنت في عجلة من أمري وما كنت لأضيع
ساعة واحدة وقد أغراني أن البوابة كانت مفتوحة ولا كثيرَ حرسٍ عندها.. وقد عرفت من الرقعة مكان شيوم والممر
المؤدي إليه.. وكان النجاح ممكناً لو هاجمنهم ليلاً.. لكن الوقت الذي اقتحمنا القصر فيه كانت جميع الحامية
مستيقظة ومستعدة. وهذا أقوله لكم لا معتذراً ولا مستجدياً رحمتكم، ولكن لتعرفوا ما تتوقون إلى معرفته.
قال جابر:
- أهذا عذرك؟!
- قلت إني لا أعتذر ولن أعتذر ولكني أخبرك بالذي حصل.
- ولماذا اعتديت عليّ أنا وصالح ثم حاولت قتلي أنا وعبد القيوم؟
- لم أحاول قتلك.. ولكن كان لابد من الحصول على الرقعة.
- والرجال الذين تسببت في إهلاكهم؟
- لقد اتبعوني طوع إرادتهم.. وهم قد خرجوا من بغداد وهم يعلمون أن ليس

في انتظارهم ضيافة ولا احتفاء غير السيوف المصلتة والسهام الحادة.
- لقد تعهدت لخالك الوالي أبي الحسن أنك ستكون معنا طائعاً.. ولكنك خالفت

عهدك ونقضت ميثاقك وانفصلت برجالك مستقلاًّ بنفسك!؟
- لقد كنت عازماً على تركك والاستقلال بنفسي قبل المسير من بغداد وما أطلت البقاء إلا رجاء الحصول على الرقعة..

فلما حصلت عليها افترقنا.. والأمر كله خطأ من خالي أبي الحسن.. فأنا ابن أخته وهو يعرف طبيعتي.. وأنني لا أرضى
إلا أن أكون متبوعاً لا تابعاً ولكنه أبى إلا أن يجعلني تحت إمرة عبد لقيط من عتقاء
أخيه أبي الحسين وأنا سيد من أسرة كريمة لها باع في المجد وفي..
لم يكمل يوسف عبارته فقد صفعه جابر صفعة مدوية كفأته على جنبه ثم انهال عليه ضرباً وركلاً في غضب عارم..

وكان عبد القيوم أول من منع جابراً وحجزه عن يوسف ثم تابعه بعض الرجال الذين يبدون تسامحاً بشأنه.. وصاح عبد القيوم:
- أهكذا تعلمت كيف تعامل أسراك الذين لا حيلة لهم.. اهدأ يا جابر لسنا بحاجة للغضب والانفعال قدر حاجتنا إلى الصبر وضبط النفس!
استطاعوا إبعاد جابر عنه فهدأ قليلاً ثم قال متصاعد الأنفاس:
- يا لك من وقح غادر.. أهذه مكافأتي منك لأنني أنقذتك من أيدي هؤلاء.. سترى كيف أصنع.. أين الرقعة؟
لزم يوسف الصمت فجذبه مالك الفهري بثيابه وقد وجدها فرصة للتشفي من يوسف والتقرب إلى جابر.. وصاح به:
- أجب سيدك القائد.. أين الرقعة.؟ ماذا صنعت بها.
أجاب يوسف لاهثاً:
- كانت معي فانقطع حزامي فدفعتها إلى غالب بن عبد الرحمن وأظنها لا تزال معه إن لم تكن قد سقطت أثناء القتال.
وسأله جابر:
- أين بقية رجالك؟
- لم يبق أحد.. قتل منا خمسة حال القتال.. وقتل شيوم ثلاثة وصلبهم في ساحة المدينة.. أما محمود بن حبيب فلا أدري ماذا حل به!
نهض جابر وقال:
- هيا يا رجال سنخطف جثة غالب بن عبد الرحمن ونبحث عن الرقعة في ثيابه.
فسأل قتادة في ضجر:
- ألن تقتحم القصر؟! نحن لم ننفك من خطف الأحياء حتى تأمرنا باختطاف الأموات!!
لم يأبه جابر لكلامه بل ندب للمهمة خمسة من الرجال.. صالح بن حذيفة وعباس بن حسين منهم..

وأوصاهم جابر بتوخي الحذر.. وألا يشتبكوا مع أحد ما وجدوا عن ذلك مناصا.
انطلق صالح ومن معه.. وتوغلوا في الظلام.. وعندما دخلوا المدينة ربطوا خيولهم قريباً من أحد البساتين ثم ترجلوا، ملتحفين بالظلام..

كانت المدينة غارقة في النوم إلا من أفرادٍ من الجند المغولي.. كان اختفاء أسيرهم
وصاحبه وحراسهما الستة قد صعقهم لا سيما عندما عدموا أيّ أثر لهم!
تسلل الرجال إلى باحة المدينة محاذرين أن تقع عليهم عيون الجنود.. وعندما وصلوا إليها كان القتلى على

حالهم أول الليل، ولم يكن هناك سوى حارس واحد يروح ويجئ في عرض الساحة وطولها.
وهمس أحدهم:
- لا يوجد سوى جندي واحد؟!
ورد الآخر:
- ليسوا بحاجة ماسة لهذه الجثامين حتى يشددوا الحراسة عليها!
وقال عباس بن حسين:
- سنرميهم بسهم.. لكن أخشى أن يصرخ منادياً.. فيجتمع علينا ما لا نطيق!
فقال صالح:
- أرى أن نحاصره.. ونمسكه حيّاً ونمضي به.. فربما حصلنا منه على أخبار تهمنا.
هز أحدهم رأسه قائلاً:
- أصبت.. رغبته في ألا يقتل ستجعله يستجيب لنا.
وتسللوا عبر الأزقة ثم برزوا للحارس من جهات أربع شاهرين سيوفهم وبعضهم قد شد قوسه، وأشاروا إليه بالصمت وإلا قتلوه.
ألقى الجندي سيفه في صمت وخوف بعدما سدَّت عليه منافذ الهروب..
واقتاده صالح وعباس بن حسين إلى موضع الخيول، وقال صالح للبقية:
- سنذهب به ونقيده.. والحقوا أنتم بنا.
ومضوا فيما قطع الثلاثة الباقون حبال غالب بن عبد الرحمن المصلوب وأنزلوه واستجروه إلى أحد الأزقة باحثين عن الرقعة في ثيابه.
وعندما وصل صالح وعباس والأسير إلى مربط الخيول.. انشغل صالح باستخراج حبل لتقييد الجندي.. لكن أنةّ

مكظومة من عباس جعلته يلتفت ليشاهد الجندي المغولي وهو ينزع خنجره من
جوفه ويلوذ بالفرار. وتهاوى عباس، فهب إليه صالح لإسعافه لكنه صاح به:
- دعني.. الحق بالمغولي.. لا تدعه يفلت منك.. إياك أن يصل إلى أصحابه، وإلا تداعوا علينا.
وانطلق صالح راكضاً في الجهة التي هرب منها الجندي المغولي متوغلاً في ظلام البساتين.. وسرعان ما شاهد غريمه ينطلق

بين الأشجار كالسهم فجد في طلبه.. وكان صالح أسرع فاستطاع أن يقبض على ثيابه.. وحاول المغولي التخلص وتدحرجا
على الأرض في عراك.. وقد استل كل منهما خنجره.. ثم أفلت المغولي ولحقه
صالح تغلي فورة الشباب ونشوة المغامرة بين جوانحه وتمنحه قوة مضاعفة.
كان يمسك يد غريمه التي تحمل الخنجر بيمينه، ويده الأخرى تقبض على خنجره.. وقد شد المغولي على معصمه..

ولبثا مدة على هذا الوضع حتى تساقطت خناجرهما.. واستطاع صالح أن يجمع قبضته و يسدّد إلى فك الجندي ضربة
عنيفة أطارت اللعاب من فمه.. فما كان من المغولي إلا أن سدد إليه ضربة على وجهه من مجموع كفه الخشنة جعلت
الزوغان يزحف إلى عينيه للحظات وقاوم صالح رغبة في السقوط بعد تلك الضربة المؤلمة فقد علم أن
سقوطه يعني نهايته بخنجر المغولي لا محالة.. فاستبسل في المقاومة... ولبثا مدة ليست قصيرة وعما يصطرعان على الأرض..
وسمع صالح صوت خيول تقترب.. فارتعب.. وظن أنهم المغول.. وضاعف قوته فاستطاع أن يلوي ذراع الجندي
خلف ظهره ويجمّد حركته بعدما وضع السكين على عنقه.. متخذاً إياه رهينة للخلاص من القادمين!
وعندما وصلت الخيول تبين أنهم أصحابه.. كان الضيق و الضجر بادياً عليهم.. وسأله أحدهم من فوق فرسه:
- هل قضيت عليه؟
- أعانني الله عليه.. ولم أقتله بعد.. كيف هو عباس؟
- لقد مات رحمه الله.. الطعنة كانت نافذة.. لقد أدركناه وهو يجود بنفسه فدلنا على الجهة التي انطلقت منها فلحقناك.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنها حماقة أننا لم نتفقد هذا الكلب.. ما كنت أعلم أنه يحمل خنجراً!؟
- هيا لننطلق.. لقد أحضرنا حصانك.
وركبوا إلى أصحابهم يجرون الجندي خلفهم.. وتذكر صالح الرقعة فسأل:
- ماذا عن الرقعة.. هل وجدتموها؟
- أجاب أحدهم:
- لا.. لقد بحثنا في ثياب غالب بن عبد الرحمن.. ثم في ثياب معاوية و بكر فلم نعثر على شيء.. لقد ضاعت.!
أحس صالح بالكدر فالرقعة لم يحصلوا عليها.. وصاحبهم قتل.. وزاد في كدره صداع خفيف سببته ضربة المغولي الأليمة..

وبقي الأمل في أن يحصلوا من الجندي على ما يفيدهم في الاقتحام.
وما أن وصلوا..وزفوا إلى جابر و الآخرين هذه الأنباء السيئة حتى عم الضيق واليأس نفوس الجميع.. وامتلأ الرجال بالغضب..

ورغبوا في عمل أيّ شيء.. وقد نفس بعضهم عن غضبه بلطم الجندي وضربه وأمعنوا في ذلك لولا
أن التقطه أحد الرجال وألقاه بعيداً عنهم.. فعمدوا إلى يوسف وأفرغوا فيه بعض
غيظهم فركلوه ورفسوه فاضطر عبد القيوم ثانية إلى التدخل وحمايته.
لقد شعروا أن الفشل يلاحقهم.. ابتداء من انشقاق يوسف وفشله في الهجوم على القصر إلى مقتل صاحبهم مروراً بفقدانهم الرقعة.

وقد حاول عبد القيوم تهدئتهم وإقناعهم بأن إنقاذهم ليوسف لا يعدو كونه نخوةً. امرؤ مسلم يحتوشه الكفار..
وذلك عندما أصر بعضهم على تخليص يوسف من ضمن الفشل الذي أحاق بهم، فلا الرقعة حصلوا عليها
ولا أمرهم ظل مستوراً.. بل تأكد المغولي بأن ثمة بقايا لأولئك الذين داهموا قصر أميرهم وحاولوا النيل منه.
أمر جابر عبد القيوم بمناقشة المغولي عن أعداد الجنود ومواقعهم من القصر ومكان غرفة شيوم الذي ينام فيها. وهنا تنبه الجميع

إلى أن الجندي لم يكن موجوداً في مكانه الذي قذف فيه قبل قليل!! فصاح أحدهم:
- تباً.. لقد هرب!!
وتقافزوا إلى كل النواحي.. لكن صيحة من قتادة بن سعيد جمعهم:
- لا تذهبوا بعيداً.. تعالوا و انظروا إلى هنا!
فرجعوا واجتمعوا إلى قتادة الذي كان واقفاً بالقرب من ياقوت.
كان الفارسي المهتاج قد انسل مستغلاً انشغال الرجال بما دهاهم وجر الأسير المغولي من إبطيه دون أن يراه أحد.. واختبأ خلف

إحدى التلال وقضى عليه انتقاماً لزوجته وأولاده والحروق التي في جسده!!
كانت علامة سرور وحشي تبدو على محياه المشوش بفعل الإنجاز الذي قام به. وكان الجندي القتيل ممدداً بين يديه

فاقداً الحياة بعد ما قذف رأسه بصخرة كبيرة طحنته طحناً!
ولدن رؤيته للرجال هتف بابتسامة بلهاء:
- أنا أنتقم.. هم قتلوا زوجتي وأولادي.. وأنا سأقتلهم!
فأجابوه بالركلات و الضرب الشديد.. فقد ضيع عليهم فرصة الحصول على أخبار ربما تكون مهمة عن القصر ومن فيه.. وقال جابر بحزم:
- دعوه.. فعلكم لن يزيد الأمر إلا سوءاً.
وطرح أبو موسى اقتراحاً:
- لماذا لا نسأل يوسف عن موقع حجرة شيوم من هذا القصر الكبير ونجعله يرسم لنا الممرات المؤدية إليه؟
فقال جابر:
- رأي لا بأس به.. فهو لا شك يعرف ذلك.
و علق مالك الفهري الضجر دائماً:
- إنه لا يعرف غير خيبته وجشعه.
ورجعوا إلى حيث جلس يوسف محتبياً قرب النار دافناً رأسه بين يديه.
فقال له أبو موسى:
- اسمع يا هذا لقد أتاح الله الفرصة لك لتكفر عن شين فعلك الذي فعلت وهذه ورقة فخط لنا موقع حجرة الطاغية و الممرات القريبة منها..
ومد إليه برقعة وقلم. لكن يوسف نظر إلى نظر إليه ساخراً وقال ساخراً:
- يا لك من أحمق، لو كان شيوم أمام عيني لما أشرت إليه بأصابعي.!
فقال أبو موسى مدهوشاً:
- ويحك لماذا؟!
- ما كنت لأمنح هذا عوناً ليأخذ"الأشبار" !
- أليس قد أنقذك من عذاب ينتظرك؟!
- ليرجعني إلى حيث كنت إن كان نادماً على مساعدته!
- أحسد كل هذا؟!
- سمّه ما شئت لكني لن أعطيك شيئاً مما سألت.
ارتسمت على فم جابر ابتسامة ساخرة وهو واقف ضامٌ ذراعيه على صدره. أما مالك الفهري الذي يغضبه

كل شيء في يوسف فقد استل خنجره وشدَّ ثياب يوسف وهدده قائلاً:
- بل ستنفذ ما طلب منك رغماً عن أنفك..
فقال يوسف بلا مبالاة:
- لن أساعدكم بشيء يفضي إلى رأس الأمير شيوم ولو طبختموني طبخاً.. إلا أن تدعوني أعيد الهجوم ثانية ويتبعني من شاء

من الرجال ويتنحى هذا عن الأمر لي.. ولا شيء عندي غير ذلك!
جذب جابر كتف مالك الفهري قائلاً:
- اتركه يا مالك.. لن نفيد منه شيئاً.
فقام مالك ولم يزاوله غضبه بعد.. واتجه إلى رفيق يوسف وقال:
- وأنت؟
رد الرجل بنبرة تبعث على التصديق:
- ليس لدي ما أقوله فالرقعة لم يطلع عليها غير يوسف وغالب بن عبد الرحمن وكان يوسف في المقدمة عندما داهمنا القصر وكنا نتبعه..

ولسنا ندري عن موقع منام شيوم شيئاً ولا عن منافذ القصر ولا ممراته!
وكرر جابر قوله:
- لن تفيد منه شيئاً هو الآخر.. فاتركه.! لقد كان جهلاً مني أني لم أفتح تلك الرقعة

إلا برهة يسيرة في مجلس الوالي.. لقد ظلت مطوية منذ ذلك الحين!!
وعندما وصلوا إلى هذا الحد من اليأس، تحدث عبد القيوم في تصميم:
- يا إخوتي.. لقد حان أن أنجز ما قدمت إلى هذه البلاد من أجله.. فسوف أستغل هياج الأعداء وذعرهم وأفيد من جلبهم المزيد

من الجنود لحماية القصر وأدعي أنني جندي أتيت لتعزيز حماية القصر والدفاع عن الأمير شيوم..
وسأدرس المداخل والمخارج.. وأنظر في اقتحام البوابة.. أو أيّ طريقة تسهل دخولكم القصر.
فسأل صالح في نكد:
- ربما اكتشفوك فهم يعرفون بعضهم!!
- سأتنكر بثياب الجندي التي بحوزتي.. وسيعينني الله فأنا متوكل عليه وعندي من التفاؤل ما يجعلني أظن

أن الله سيعمي أبصارهم عن اكتشافي وسأظل متنكراً و لو أياماً قليلة.
واستخرج الملابس من سرج حصانه.. ولبسها.. فبدا كجندي حقيقي من عسكر المغول!
وسأله مالك:
- و إذا رفضوا عرضك يا عبد القيوم وطردوك؟
فأجاب باسماً بمنطق بسيط:
- إذا طردوني ورفضوا عرضي فسأرجع إليك و أجلس قبالة هذه النار وأخبرك أنهم طردوني ورفضوا عرضي.. وهذا كل ما هنالك!
وتنحى عبد القيوم بجابر وقال له:
- لقد كنت تحيد عن ذهابي وحيداً للتسلل داخل قصر شيوم وتؤجله كثيراً.. وقد حان الوقت الذي لا بد أن أنفذ

فيه ما كنت تبحث عني في أرجاء العراق لأنفذه ولا محيد لك الآن عنه.. فسأمضي حالاً ولن أنتظر الصباح
فإن نجحت فهو ما نطلب.. وإن اكتشفوني وقتلت.. فأمي أمانة في عنقك. فإن رجعت
حياً إلى بغداد فخذها إلى صهري وأختي عائشة في بطحاء النهر.
وعانقه جابر وهو يقول:
- سنلتقي مرة ثانية إن شاء الله.
وعانقه صالح وبعض الرجال.. وعانقه ياقوت بطريقة خرقاء.. ثم لوح للبقية بيده وتصايحوا داعين له.

وصعد جابر التل بعد انصرافه وظل يتابعه بطرفه لا يحيد..
عبد القيوم المثال الرائع - الذي يعرفه - للمجاهد الفدائي الذي يعيش هموم المسلمين وعينه على الجنة و رضى خالقه..

تمنى لو كان مثله في إخلاصه وبذله نفسه بسخاء فداء للمسلمين.. عبد القيوم يبتعد عن ناظريه الآن لكنه يقترب من سويداء فؤاده..
يغيب قليلاً ثم ترفعه التلال الصغيرة.. تمنى لو يعانقه ثانية.. هذا الفتى المغولي.. ذو الأخلاق الآسرة..
المندفع كالأسد لقتال عشيرته المغول ذوداً عن أبناء دينه المؤمنين.. لقد اكتشف الآن مدى الحب الذي يسكنه تجاه عبد القيوم وتباعثت
في خاطره ذكريات طفولتهما.. وصور درب الحطابين.. عندما كانا يلعبان وهما صبيان صغيران.
واعتراه شعور مرعب بأن عبد القيوم ربّما لا يعود.. ربما يشك فيه شيوم فيأمر بقتله أو إحراقه كما أحرق ياقوت!! فتمتم:
- عبد القيوم.. يا أخي في الله!!
وجاءه صوت صالح بجانبه حزيناً:
- أعرف لماذا تبكي.. أنت تحبه.!
لقد كان يبكي حقاً.. كانت دمعتان قد تسللتا من عينيه وشقا لهما طريقاً إلى لحيته القصيرة بعدما

أحدثا خطين طويلين خلال طبقة الشحوب الغبار التي تكسو وجنته النحاسية.
و قال جابر لصالح:
- لا تخبر أحداً أنك رأيتني أبكي.. فهذه الحال التي نحن فيها ليست موضع بكاء.. ولا أريد أن يعلم الرجال بذلك.
فقال صالح:
- لست وحدك.. لقد فاض قلبي بمحبته.. إقدامه وسماحته التي لا يستطيعها إلا القليل توجب الإعجاب و المحبة!
- المؤمن المخلص.. النظيف النية.. يا صالح.. هو أقدر الناس على البذل والاستمرار في العطاء.. لأنه لا يستبطئ المكافأة على عمله فيمل ويتوقف..

فهو لا ينتظرها من الخلق.. بل يحيلها على رب الخلق سبحانه وتعالى.. وكم أحس باحتقار نفسي كلما جلست إليه وتحدثت معه.!
نزل جابر وصالح من التل.. وقال جابر لجنوده:
- لقد أطلنا السهر.. ونحن بحاجة ماسة إلى نوم جيد.. وفي الصباح سيذهب اثنان منا ليجلبا لنا طعاماً يكفي أسبوعاً كاملاً..

وسنظل ننتظر ما ينجلي عنه هذا الأسبوع.. فنحن لا ندري متى يدعونا عبد القيوم لاقتحام القصر ولا بأي طريقة.
وسأل أحدهم:
- و إذا لم يعد عبد القيوم البتة؟
أجاب جابر:
- إذا لم يعد فسنعرف حينها ماذا نصنع!


يتبع









 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 29 المشاهدات 13428  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 02:14 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah