《 نزار قباني, من سيغير العالم ؟ 》
عندما يقول الشاعر بأنه بشعره سيغير العالم يجب أن نصدقه، تماما كما نصدق الطفل عندما يخبرنا أنه امتطى غيمة، أو اصطاد نجمة، أو تكلم مع فراشة.
وعندما يقول لنا نابليون، أو كارل ماركس، أو ميكيافيلي، أو هت,لر، أو الإسكندر المقدوني، أو ستالين، أو هولاكو، أو نيرون، أو إسحق شامير، إنهم
غيروا العالم، يجب أن نصدقهم أيضًا.
وعندما يقول لنا الطيار الأمريكي الذي ألقى القنبلة الذ,رية الأولى على هيروشيما، وقتل نصف مليون ياباني في ثانية واحدة، أنه غير مصير الجنس البشرى، يجب أن نصدقه أيضًا.
كل من يملك السلطة يغير العالم على طريقته الديكتا,تور يغير العالم على طريقته، والعسكري يغير العالم على طريقته، والشرطي يغير العالم على طريقته، والراهبة تغير العالم على طريقتها، والمومس تغير العالم على طريقتها والأنبياء، واللصوص، والملوك، والصعاليك، والسكارى والمجانين والحشاشون كل واحد من هؤلاء يقول إنه سيغير العالم. والواقع أن جميع الناس يحلمون بالتغيير، ولكن الوسائل تختلف والمواقف تختلف، والسلوكيات تختلف.
ثم أن النساء أيضًا يغيرون العالم كليوبترا غيرت خرائط الامبراطوريةالرومانية، ونفرتيتي غيرت خطوط الحضارة الفرعونية، وشجر الدر غيرت
تاريخ المماليك، وماريا كالاس غيرت مسار السفن اليونانية التي يملكها. أوناسيس، وماري أنطوانيت رفعت سعر الخبز في باريس، وجورج صاند غیرت موسیقی شوبان، وجيهان السادات شدت أنور السادات من أذنيه إلى تل أبيب، وجسد مارلين مونرو الجميل لخبط أدب آرثر ميللر، وأحذية مدام ماركوس ساعدت على طرد زوجها من الفلبين، وألبرتو مورافيا دخل بين شفتي زوجته الصغيرة جدًا كارمن ولم يعد حتى كتابة هذه السطور.
إذن، فدعاوى التغيير لا تنتهي، حتى إن النملة تدعي أنها المسؤولة عن تنظيم حركة المرور تحت قشرة الكرة الأرضية، كما يستطيع العصفور أن يدعي أنه أسس أول شركة طيران في العالم، قبل أن تكون شركة ألبان أميركان والإير فرانس، والخطوط الجوية البريطانية.
وإذا كان الجنرالات، والعقداء، وأصحاب المليش..يات يغيرون أسرع منا . ويقتلون أسرع منا، ويغيرون العالم بالسيارات المفخ, خة، والمسدسات المكتومة - الصوت، وطائرات ال 16-، فإن الشعراء يغيرون بالسرعة الإملائية، ويغيرون ضمير الإنسان، كما تفعل حنفية الماء : نقطة.. نقطة.. نقطة.. نحن الشعراء
نؤمن بسباق المسافات الطويلة.
كتاب حوارات الكرمل