د. محمد حسان الطيان
لم يعد أمر التعليم مقصورا على التلقّي والمحاضرة، أو التدريس والمساءلة، بل تعددت وسائطه وتنوعت طرقه وموارده، وأصبح بمقدور الطالب أن يصل إلى كثير من أنواع العلوم والمعارف بواسطة الشابكة (الإنترنت) أو باستخدام برمجيات ونظم حاسوبية تتيح له من سبل المعرفة ما لا تتيحه كل الطرائق التقليدية المعروفة، ناهيك عن القنوات الفضائية ووسائل الإعلام والإعلان المختلفة وأنماط الاتصالات التي قربت البعيد وجمعت المتفرق واختصرت المسافات وجعلت من كوكبنا المترامي الأطراف حارة واحدة يدخلها كل من عرف الطريق إلى بابها.
ومن هنا تأتي أهمية التعليم المفتوح، وتتبدى أهمية الجامعة العربية المفتوحة التي أراد لها صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز أن تواكب التعليم التقليدي وتشد من أزره، وأن تمنح من حرم منه فرصة أخرى يتابع فيها تحصيله الجامعي، وأن توفر هذه الفرصة للمغتربين عن أوطانهم أو المنشغلين بوظائفهم وأعمالهم..أو المنشغلات ببيوتهن وأسرهن من ربات الخدور وسيدات البيوت، أو كل من فاته ركب التعليم الجامعي لقصور ذات اليد أو قدم الشهادة الثانوية أو ما شابه ذلك.. عساهم يتابعون المسيرة، ويشاركون المشاركة الفعالة في بناء صرح الأمة العلمي.
نعم تلكم هي الغاية النبيلة التي توخاها صاحب السمو الملكي من مشروعه الرائد هذا، فآتت أكلها في بواكير نتائجها، وما زال ينتظر منها الكثير. وأول الغيث قطر ثم ينهمر.
همسة صغيرة أختم بها القول متوجها إلى طلابنا الذين يتوهمون أن التعليم المفتوح أيسر خطبا ، وأهون درسا من التعليم التقليدي، أقول لهؤلاء لا يفتنَّنكم الشيطان ويزيننَّ لكم الأمر على غير وجهه، فالتعليم المفتوح في حقيقة الأمر يتطلب جهدا زائدا واعتمادا على الذات وتحديا للصعوبات ومتابعة حثيثة لكل ما يطلب فيه من وظائف وواجبات واختبارات، إنه عند التبصر يحتاج إلى ترميم الفجوة التي تخلفها فقد الحاضرة وعدم التلقي.
على أن جامعتنا المفتوحة – والإنصاف شريعة – لم تحرم طالبها من فائدة المحاضرات والالتقاء بالأساتذة، بل أبقت على نسبة من الحضور تعادل ربع الساعات المعتمدة، يلتقي فيها الطالب بأستاذه فيأخذ عنه، ويحاوره ويسائله ويناقشه ويفيد من تصحيحاته وملاحظاته على وظائفه وواجباته واختباراته.
إنها تذكرني بتلك الإجابة التي أجاب بها ابن عباس من سأله عن علمه: أنى لك هذا العلم؟ فقال: لسان سؤول قلب عقول، وكنت كلما لقيت عالما أخذت منه وأعطيته. فالسؤال مطية العلم، وهو السبيل إلى المعرفة.
وبعد فالتعليم المفتوح نمط جديد من أنماط التعليم يرجى منه خير كثير ، ويحتاج منا أن نحوطه بكل العناية ليمنحنا كل العطاء ، والعلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه.