يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح, يُنكرُنا البشر
ويفر منّا الليل والماضي ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحًا تطوفْ
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم, لا أشواقُ تُشرق, لا مُنى
آفاق أعيننا رمادْ
تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتهْ
ولنا الجباه الساكتهْ
لا نبضَ فيها لا اتّقادْ
نحن العراة من الشعور, ذوو الشفاه الباهتهْ
الهاربون من الزمان إلى العدمْ
الجاهلون أسى الندمْ
نحن الذين نعيش في ترف القصورْ
ونَظَلُّ ينقصنا الشعور.
لا ذكرياتْ,
نحيا ولا تدري الحياةْ,
نحيا ولا نشكو, ونجهلُ ما البكاءْ
ما الموت, ما الميلاد, ما معنى السماء
**
يا عامُ سرْ, هو ذا الطريقْ
يلوي خطاكَ, سدًى نؤمل أن تُفيقْ
نحن الذين لهم عروق من قصبْ
بيضاءُ أو خضراء نحن بلا شعورْ.
الحزن نجهله ونجهل ما الغضب
ما قولُهم إنّ الضمائر قد تثور
ونود لو متنا فترفضنا القبور
ونود لو عرف الزمانْ
يومًا إلينا دربه كالآخرين
لو أننا كنا نؤرخ بالسنين,
لو أننا كنا نقيَّد بالمكانْ
لو أن أبواب القصور الشاهقات
كانت تجيءُ قلوبَنا بسوى الهواء,
لو أننا كنا نسير مع الحياةْ
نمشي, نحس, نرى, ننام
وينالنا ثلج الشتاءْ
ويلفُّ جبْهَتَنا الظلام
أواه لو كنا نحسّ كما يحس الآخرونْ
وتنالنا الأسقام أحيانًا وينهشنا الألم
لو أنَّ ذكرَى أو رجاء أو ندم
يومًا تسدُّ على بلادتنا السبيلْ
لو أننا نخشى الجنونْ
ويثيرُ وحشَتنا السكون
لو أن راحتنا يعكّرها رحيل
أو صدمة أو حزن حب مستحيل.
أواه لو كنا نموت كما يموت الآخرونْ
توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) ! هدوئي هو سر أَناقتي
[ صور من زقاق بغداديّ ]
ذهبتْ ولم يَشحَبْ لها خدٌّ ولم ترجُفْ شفاهُ
لم تَسْمع الأبوابُ قصةَ موتها تُرْوَى وتُرْوَى
لم تَرتَفِعْ أستار نافذةٍ تسيلُ أسًى وشجوَا
لتتابعَ التابوت بالتحديقِ حتى لا تراهُ
إلا بقيّةَ هيكلٍ في الدربِ تُرْعِشُه الذِّكَرْ
نبأ تعثـّر في الدروب فلم يجدْ مأوًى صداهُ
فأوَى إلى النسيانِ في بعضِ الحُفَرْ
يرثي كآبَته القَمَرْ.
**
والليلُ أسلم نفسَهُ دون اهتمامٍ, للصَباحْ
وأتى الضياءُ بصوتِ بائعةِ الحليبِ وبالصيامْ,
بمُوَاءِ قطٍّ جائعٍ لم تَبْقَ منه سوى عظامْ,
بمُشاجراتِ البائعين, وبالمرارةِ والكفاحْ,
بتراشُقِ الصبيان بالأحجار في عُرْضِ الطريقْ,
بمساربِ الماء الملوّثِ في الأزقّةِ, بالرياحْ,
تلهو بأبوابِ السطوح بلا رفيقْ
في شبهِ نسيانٍ عميقْ
توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) ! هدوئي هو سر أَناقتي
في ضباب الحُلْم طوّفتُ مع السارين في سوق عتيقِ
غارق في عطر ماء الورد, وامتدّ طريقي
وسّع الحُلْم عيوني, رش سُكْرًا في عروقي
ثملت روحي بأشذاء التوابلْ
وصناديق العقيقِ
وبألوان السجاجيد,
بعطر الهيل والحنّاء,
بالآنية الغَرْقى الغلائلْ
سرقت روحي المرايا, واستداراتْ المكاحلْ
كنتُ نَشْوى, في ازرقاق الحُلْم أمشي وأسائلْ
أين دكّان القرائين الصغيرهْ
أشتري من عنده في الحلم قرآنًا جميلاً لحبيبي
يقتنيه لحن حبٍّ,
قَمرًا في ليلةٍ ظلماء,
خبزًا وخميرهْ
عندما في الغد يَرْحَلْ
من مطار الأمس والذكرى حبيبي
يتوارى وجهه خلف التواءات الدروبِ
**
سرتُ في السوق,
إذا مرّ بقربي عابرٌ ما,
أتمهّل
ثم أسألْ:
سيّدي في أي دكّان ترى ألقى القرائين الصغيرهْ
أيّ قرآن, سواءٌ أحواشيه حروف ذهبيّهْ
أم نقوش فارسيّهْ
أي قرآن?..... وفي حلمي يقول العابرُ
لحظة يا أختُ, قرآنكِ في آخر هذا المنحنى, في (مندلي)
اسألي عن (مندلي)
فهو دكان القرائين الصغيرهْ
ويغيب العابرُ...
وجهه في الحُلْم لونٌ فاترُ...
ثم أمضى في الكرى باحثةً عن (مندلي)
حيث أبتاعُ بما أملك قرآنًا وأهديه حبيبي
حينما يرحلُ عني في غدٍ وجه حبيبي
وتغطيه المسافاتُ وأبعاد الدروبِ
حيث أبتاع من الدكان قرآنًا صغيرًا لحبيبي
ثم أهديه له عند الوداعْ
ليخبّي ضوءه في صدره بُرْعَم طيبِ
وليؤويه إليه حرز حبي
وعصافيري المشوقاتِ,
وتلويح ذراعي
واختلاجاتِ شراعي
**
سرتُ في حلميَ في السوق قريرهْ
أسرتْ روحي السجاجيدُ الوثيرهْ
وأواني عطرِ ماء الورد, والكعبةُ صورهْ
نعستْ ألوانها في حضن حانوتٍ,
وفي حلمي مضيتُ
في دمي شوقٌ لدكان القرائين الصغيرهْ
وحلمتُ
وحلمتُ
بقرائينَ كثيراتٍ, وأختارُ أنا منها, وأهدي لحبيبي
في صباح الغد قرآنًا, ويؤويه حبيبي
صدرَهُ تعويذةً تدرأ عنه الليلَ والسَّعْلاة في أسْفَارِهِ
تزرع اسم الله في رحلته, تسقيه من أسرارِه
**
كان كلّ الناس لي يبتسمون
وعلى لهفة أشواق سؤالي ينحنونْ
زرعوا حلمي ورودا
وسّعوا السوقَ زوايا وحدودا
كلهم كانوا يشيرون إلى بعض مكانٍ غامض إذ يعبرونْ
يهمسون:
اسألي عن (مندلي)
ابحثي عن (مندلي)
دكّة في آخر السوق وتُلْفين القرائين الصغيرهْ
أطعموا قلبيَ من نكهة كُتْبٍ عنبريّاتِ كثيرهْ
بينها ألقى عصافيري القرائين الصغيرهْ
حيث أختارُ وأهدي لحبيبي
واحدًا يحميه من ليل الدروبِ
ووشايات المغيبِ
واحدًا يحمله في الطائرهْ
باقةً من زنبق الله, وسُحْبًا ماطرهْ
**
سرتُ طول الليل في حلمي, ولكن أين ألقى (مندلي)?
شَعَّب السوق حناياه,
ترامَى,
وتَمدّدْ
صار عشرين, دوربًا وزوايا
وفروعًا وخبايا
وتعدّدْ
وتعدّدْ
حيرتي أبصرتها طالعة من قعر آلاف المرايا
قذفتني الامتداداتُ ومصتني الحنايا
وأنا أشرب كوبًا فارغًا, والسوق مُجْهَدْ
تحت خطوي, ودمي يلهث شوقًا
وأنا أعطش في أرض الرؤى, أذرعها غربًا وشرقًا
لستُ أُسْقى, لست أُسْقَى
ضاع مني (مندلي)
ضاعَ, لا القرآنُ, لا الأشذاء لي
ما الذي بعد عطوري, وقرائيني تَبَقَّى
**
مرَّ بي في سوق حلمي ألفُ عابرْ
كلهم قالوا: - وراء المنحنى التاسع يحيا (مندلي)
حيث قرآني وعطري المتناثر
حيث أَلْقَى (مندلي)
(مندلي) يا أنهرا من عَسَلِ
يا ندًى منتثرًا فوق بيادرْ
يا شظايا قمر مغتسلِ
في دموعي,
يا أزاهيرُ من الياقوت نامت في غدائرْ
يا هتافاتِ أذان الفجر من فوق منائر
(مندلي) يا (مندلي)
اسمه فوق الشفاهْ
فلّة غامضة اللون,
وشمعٌ,
وتراتيلُ صلاهْ
وزروع ومياهْ
وأنا مأخوذة الأشواق أدعوه ولكن لا أراهْ
وأنا من دون قرآن حبيبي
ومع الفجر سيرحَلْ
في انبلاج الغَسَق القاني حبيبي
وشفاهي صلواتٌ تترسَّل
وعناقيد دموع تتهدّلْ
انبثق يا عطش السوق انبثق يا (مندلي)
يا قرائين حبيبي
يا ارتعاش السنبلِ
في حقول الحلم من ليلى العصيبِ
**
أين مني (مندلي)? والبائع المصروع من عطر القرائينْ?
ذاهلاً مستغرقًا في حُلُمِ?
ضائعًا هيمان مأخوذًا بأفق مبهمِ
يتشاجى, وجدُهُ سُكْرٌ وتلوينْ
صاعدًا من ولهٍ في عالم من عنبر مضطرمِ
تائهًا من شوقه عَبْرَ بساتينْ
عطشات النخل, والقرآن في تمُّوزها أمطار تشرينْ
(مندلي) يا ظمأى يا جرح سكّينْ
في خدود وشرايينْ
**
وطريقي نحو دكان القرائين الصغيرهْ
فيه أوراد لها عطر عجيبُ
كل من ذاق شذاها تائهٌ,
منسرق الروح,
شريدٌ
لا يؤوبُ
مندلي يا حقل نسرينْ
ذقتُ أسرارَكَ واستبعدتُ كوبي
لم أعد أعرف فجري من غروبي
وتواجدْتُ وضيّعتُ دروبي
وتشوقت لقرآنٍ, على رفّكَ غافٍ,
أشتريه لحبيبي
**
وسمعتُ العابرينْ
يصفون المخزن المنشود: تسري فيه أصداءْ
وتلاوين, وموسيقى وأضواءْ
تصرع السامع صرعًا باختلاجاتِ حنينْ
وشموعٍ ودوالي ياسمينْ
آه لو أني وصلتُ
آه حتى لو تمزقْتُ,
تبعثرتُ,
اكتويتْ
لو تذوقتُ العطورَ السارباتِ
حول دكان القرائين الصغيرهْ
آه لو أمسكتُ في كفّي قرآنًا,
كدوريّ حنون القَسَماتِ
واحد من ألف قرآن حواليه ضبابٌ,
وشذى وردٍ,
وموسيقى مثيرهْ
ليس يقوَى قَطُّ إنسانٌ بأن يصغي إليها
يسقط الصاحي صريعًا, غير واعٍ, ضائعًا في شاطئيها
آه لو أني أطبقتُ عليه شفتَيّا
هو قرآنُ حبيبي
آه لو لامستُ رياهُ بأطراف يديّا
هو وِرْدى, وامتلائي, ونضوبي
والنشيد المحرق المخبوء في قعر دمي, في مقلتيّا
**
وانتهى السوقُ وفي حلمي يَئستُ
وعلى دكّة آمالي الطعينات جلستُ
وانتحبتُ
لم يَعُدْ في السوق من ركن قصيِّ
لم أقلّبْهُ... وتاهتْ (مندلي)...
غرقَتْ في عمق بحر من ضبابٍ سندسيِّ
واختفت في ظل غابات سكونٍ أبديِّ
لم يدع يأسيَ حتى سحبة القوس على الأوتار لي
ضاع حتى الظلّ مني, وتبقّتْ لي روًى من طَللِ
أين أبوابكِ يا ترتيلتي,
يا (مندلي)
يا عطور الهَيْل والقرآنِ يا وجه نبيِّ
يا شراعًا أبيضًا تحت مساء عنبيِّ
**
وإذن ماذا سأهدي لحبيبي
في غد حينَ يسافر?
فرغتْ كفّي من القرآنِ غاضتْ في صَحَارايَ المعاصِر
وخوى خدّايَ إلاّ من غلالات شحوبي
وحبيبي سيغادرْ
دون قرآنٍ, هديّه...
غضة تلمس خدّيهِ كما يلمس عصفورٌ مُهَاجرْ
جبهة الأفق برشّات غناءٍ عسليّهْ
وحبيبي سيسافر
خاوى الكف من القرآن, من عطر البيادرْ
وحكايات المنائر
وأنا أبقى شجيه
كظهيرات من الحزن عرايا غيهبيّهْ
ضاع قرآني, وضاعت (مندلي)
واختفى وجهُ حبيبي
خلف غيم مُسْدَلِ
وامتدادات سهوبٍ وسهوبِ
فوداعًا يا قرائيني, وداعًا (مندلي)
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي
توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) ! هدوئي هو سر أَناقتي
أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا
نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا?
يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ
يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ
سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا:
مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ
غُربَاءْ
اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ
كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري
دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا
وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى
أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري
إن نكن نقضي الأماسي, أنتَ أَدْرى,
غرباءْ
مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ
كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ
مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ
خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي
خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ
أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ
غرباءْ
أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ
يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف
أو لا تُبْصرُ? عينانا ذبولٌ وبرودٌ
أوَلا تسمعُ? قلبانا انطفاءٌ وخمودُ
صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ
ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ
غرباءْ
نحن من جاء بنا اليومَ? ومن أين بدأنا?
لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين.. فدَعنا
نطفرُ الذكرى كأن لم تكُ يومًا من صِبانا
بعضُ حبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا
آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا
قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا
غُرباءْ
توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) ! هدوئي هو سر أَناقتي
الليلُ يسألُ من أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون?
والريحُ تسأل من أنا
أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإِذا فضاءْ!
والدهرُ يسألُ من أنا
أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضي البعيدْ
من فتنةِ الأمل الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمسًا جديدْ
غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ من أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ
أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَل يحجُبُه سراب
وأظلّ أحسبُهُ دنا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ
وخبا وغابْ
توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) ! هدوئي هو سر أَناقتي
قالوا الحياة
هي لونُ عينَيْ ميّتِ
هي وقعُ خَطو القاتلِ المتلفّتِ
أيامُها المتجعداتْ
كالمعطفِ المسموم ينضَحُ بالمماتْ
أحلامُها بَسَماتُ سعْلاةٍ مخدِّرةِ العيونْ
ووراءَ بسمتِها المَنُونْ
قالوا الأملْ
هو حَسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوسْ
في صورةٍ فوق الجدارْ
هو ذلكَ اللونُ العَبُوسْ
في وجه عُصْفورٍ تَحطّمَ عُشُّهُ فبكى وطارْ
وأقام ينتظرُ الصباحَ لعلَّ مُعجزةً تُعيدْ
أنقاضَ مأواهُ المخرَّبِ من جديدْ
قالوا النعيمْ
وبحثتُ عنه في العيونِ الغائراتْ
في قصّةِ البؤسِ التي كُتبتْ على بعض الوجوهْ
في الدهْرِ تأكلُهُ سنوهْ
في الزهرِ يرصُدُ عِطرَهُ شَبحُ الذبولْ
في نجمةٍ حسناءَ يرصُدُها الأفولْ
قالوا النعيمُ ولم أجدْهُ فهل طَوى غدَهُ وماتْ?
قالوا السكونْ
أسطورةٌ حمقاءُ جاء بها جَمَادْ
يُصغي بأذنيه ويتركُ روحَه تحت الرَّمادْ
لم يسمعِ الصَّرَخاتِ يُرْسلُها السياجْ,
وقصائصُ الورقِ الممزَّق في الخرائبِ, والغبارْ, ومقاعدُ الغُرَفِ القديمة, والزُّجَاجْ,
غطّاهُ نَسْجُ العنكبوت, ومعطفٌ فوق الجدارْ
قالوا الشباب
وسألتُ عنه فحدثوني عن سنينْ
تأتي فينقشعُ الضَّبَابْ
وتحدثوا عن جنّةٍ خلف السَّرَابْ
وتحدثوا عن واحةٍ للمتعَبينْ
وبلغتُها فوجدتُ أحلامَ الغَدِ
مصلوبةً عند الرِّتاج الموصَدِ
قالوا الخلودْ
ووجدتُهُ ظلا تمطَّى في بُرُودْ
فوق المدافنِ حيثُ تنكمشُ الحياهْ
ووجدتُهُ لفظًا على بعض الشفاهْ
غنّته وهي تنوحُ ماضيها وتُنزلُهُ اللحودْ
غنّتْهُ وهي تموتُ... يا لَلازدراء!
قالوا الخلودُ, ولم أجدْ إلاَّ الفناءْ
قالوا القلوبْ
ووجدتُ أبوابًا تؤدي في اختناقْ
لمقابرٍ دُفِن الشعورُ بها وماتَ غدُ الخيالْ
جُدرانُها اللزِجاتُ تبتلعُ الجَمَالْ
وتمجُّ قبحًا لا يُطاقْ
وهربتُ شاحبةً أتلك إذنْ قلوبْ?
يا خيبةَ الأحلامِ. إني لن أؤوبْ
قالوا العيونْ
ووجدتُ أجفانًا وليس لها بَصَرْ
وعَرَفْتُ أهدابًا شُدِدْن إلى حَجَرْ
وخبرتُ أقباءً ملفّعةً بأستار الظنونْ
عمياءَ عن غير الشُّرور وإن تكن تُدعى عيونْ
وعرفتُ آلافًا وأعينُهم صفائحُ من زجاجْ
زرقاءُ في لون السماء, وخلف زرقتها دَياجْ
قالوا وقالوا
ألفاظُهم لاكت تَرَدُّدَها الرياحْ
في عالم أصواتُهُ الجوفاءُ يرصُدُها الفناءْ
المتعبونَ بلا ارتياحْ
الضائعونَ بلا انتهاءْ
قالوا وقلتُ وليس يبقى ما يُقالْ
يا لَلخرافةِ! يا لَسُخريةِ الخيالْ!
توقيع :
’ لآ أفعل آلمسْتَحيلْ . . من آجججل
( إنسآن لمم يَفْعَلْ من آجلي آلممگن ) ! هدوئي هو سر أَناقتي