~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 359
عدد  مرات الظهور : 4,896,987


عدد مرات النقر : 359
عدد  مرات الظهور : 4,896,987

العودة   منتديات وهج الذكرى > ღ القـسم الاسـلامي ღ > نفحــات ايمانيـة
نفحــات ايمانيـة يختص بالمواضيع الاسلامية العامة على منهج أهل السنة والجماعة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 03-08-2011
اللورد مصر غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 139
 تاريخ التسجيل : Jan 2011
 فترة الأقامة : 4884 يوم
 أخر زيارة : 02-15-2014 (12:02 AM)
 المشاركات : 182 [ + ]
 التقييم : 23
 معدل التقييم : اللورد مصر is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي المظاهرات بين الاتباع والابتداع



… { المظاهرات بين الاتباع والابتداع } …
قد قرأت ما كتبه الأخ الكريم والشيخ الفاضل : عمر بن عبدالرحمن العمر – حفظه الله – عبر جريدة الجزيرة – وفقها الله لما يحبه و يرضاه ، و جنبها ما يسخطه ويأباه ، عدد 10809 وتاريخ 20/2/1423هـ – حول حكم المظاهرات و الاعتصامات ، فرأيته قد كتب فأجاد ، وحرر المسألة وأفاد ، وكان من ضمن ما كتبه في سبب إنكار هذه الوسيلة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن هذه الوسيلة بدعة منكرة ، وقد استغرب الكثير من القراء كيف دخلت المظاهرات في البدع ، لا سيما و البعض قد عدها من جملة الأشياء التي أصلها الحل ما لم يرد دليل على التحريم !
فأردت أن أبين بشيء من التفصيل سبب عد مثل هذه الوسائل من البدع ،وذلك من باب التعاون على البر والتقوى ، وأداء حق النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وحتى يعلم من لم يعلم لماذا مُنعت مثل هذه الأمور في بلاد الحرمين – حرسها الله وأعز بها الإسلام والمسلمين – .
والله أسأل أن يوفق المسلمين لاتباع سنة سيد المرسلين ، والأخذ بالأسباب الشرعية – لا البدعية – في تحقيق عز الإسلام و تمكينه في الأرض .
مـدخـل :
ينبغي أن يعلم أن من ذهب إلى جواز مثل هذه الأمور ، إنما دخل عليه الخلل من جهة أنه نظر إليها على أنها وسيلة من الوسائل أو مصلحة من المصالح المرسلة التي الأصل فيها الحل ، غافلاً أو متغافلاً ، أن الأخذ بالوسائل الشرعية أو المصالح الدينية ، ليس على إطلاقه ، بل إنه مضبوط بضوابط بينها أهل العلم الراسخون في العلم ، للتمييز بين الوسائل والمصالح المشروعة الجائزة ، وبين الوسائل والمصالح المبتدعة المحرمة ، وما ذاك إلا حفظاً لجناب الملة و الدين من أن يدخل فيه ما ليس منه .
ولقد تعمدتُ أن لا يكون هذا البحث مقتصراً على هذه المسألة – أعني المظاهرات والاعتصامات – فقط(1)، بل تعدى ذلك إلى بحث الوسائل والمصالح المرسلة ، حتى يكون أعم وأنفع – إن شاء المولى – وحتى لا نحتاج في كل جزئية من هذا النوع إلى بحث مستقل .
لهذا فإن الكلام سيكون منصباً على بيان الوسائل والمصالح المشروع منها والممنوع ، وبيان الضابط في التفريق بين هذا النوع أو ذاك ، متوخياً في ذلك – إن شاء الله – طريق الكتاب والسنة ، وكلام علمائنا من سلف هذه الأمة ، ثم ضارباً المثل لكل نوع منها ، مبيناً ومعرجاً ضمن ذلك على مسألة المظاهرات والاعتصامات ، وما شاكلها من الوسائل والمصالح .
فاللهم عوناً منك وتوفيقاً ، وإلهاماً منك وتسديداً .
فصل : في المصالح المرسلة و علاقتها بالبدعة .
هناك خلط كبير بين البدعة والمثبت من المصالح المرسلة أدى إلى اعتقاد حسن بعض المحدثات في الدين ، وجعل الكثير من محسني البدع يستسيغون ذلك ويقولون به ، محتجين بالأعمال والفتاوى التي انبنت على المصالح المرسلة في عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم كالأئمة الأربعة وغيرهم ، وكان من نتاج هذا الخلط بين البدع وما ثبت من المصالح المرسلة ما ذهب إليه بعض العلماء من تقسيم البدع إلى خمسة أقسام بحسب الأقسام الشرعية الخمسة ، وقد ضربوا أمثلة لهذه الأقسام الخمسة ، وعند تأمل قسمي الواجب والمندوب منها يلاحظ أنها مما ثبت بالمصالح المرسلة ، وليست من الابتداع في شيء ، اللهم إلا في التسمية اللفظية والاعتبار اللغوي . (1)
فلذلك لابد من إيضاح لمعنى المصلحة ، وما يثبت منها وما ينفي ، وما يدخل في حيز البدع مما لا يدخل فيها . بما يزيل الالتباس ويرفع الخلط والغموض – إن شاء الله – وسيكون ذلك عن طريق عدة مباحث أسأل الله فيها الإعانة والتسديد إنه جواد كريم .
المبحث الأول : معنى المصلحة وأقسامها (2).
المصلحة لغة : كالمنفعة وزناً ومعنى ، والمصلحة اصطلاحاً : جلب منفعة ، أو دفع مضرة وتنقسم المصالح من حيث قيام الدليل على اعتبارها وعدمه إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : المصالح المعتبرة ، وهي : المصالح التي اعتبرها الشارع وشهد بذلك وقام الدليل الخاص منه على رعايتها ، فهذه المصالح حجة ، لا إشكال فيها ولا خلاف في إعمالها ، ويدخل في ذلك جميع ما طلبه الشارع إما طلب ندب أو إيجاب ، إذ لا يأمر الشارع إلا بما هو مصلحة محضة أو راجحة ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، أو نص على إباحته كالبيع وغيره .
القسم الثاني : المصالح الملغاة وهي : المصالح التي ليس لها شاهد اعتبار خاص من الشرع بل شهد الشرع بردها وقام الدليل الخاص منه على إلغائها ، وجعلها ملغاة لا تعتبر .
وهذا القسم من المصالح مردود ، ولا خلاف في عدم اعتباره ، وإهماله بين المسلمين .
فإذا نص الشارع على حكم في واقعة لمصلحة استأثر بعلمها ، وبدا لبعض الناس حكم فيها مغاير لحكم الشارع لمصلحة توهمها هذا البعض ، فتخيل أن ربط الحكم بها يحقق نفعاً أو يدفع ضرراً ، فإن هذا الحكم مردود على من توهمه ، لأن هذه المصلحة التي توهمها قد ألغاها الشارع ، ولم يلتفت إليها ، فلا يصح التشريع بناء عليها لأنها معارضة لمقاصد الشارع .
مثال ذلك : من تصور المصلحة في الربا ، أو بيع الخمر ، أو إيجاب الصيام على من واقع زوجته في نهار رمضان إن كان مِن مَن يسهل عليه الإعتاق أو توهم المصلحة في مساواة الذكر بالأنثى في الميراث ، أو تصور المصلحة في قصد قتل النساء والأطفال ومن لا ذنب له من المسلمين أو غيرهم ؛ بزعم الدفاع عن من يقاتلون في بعض البلدان ضد حكوماتهم ، وبحجة أنها وسيلة للدفاع عنهم .
فإن هذه المصالح المتوهمة وأمثالها ملغاة وغير معتبرة لأمرين :
الأمر الأول : أنها مخالفة للنص الشرعي مخالفة صريحة .
الأمر الثاني : أنه لو فتح الباب وقبل ما يتوهمه البعض أنه مصلحة لأدى وأفضى ذلك إلى تبديل وتغيير الحدود الشرعية بسب تغير الأحوال ، واختلاف مدارك العقول ، وهذا من الباطل، وما يؤدي إليه فمثله .
القسم الثالث : المصالح المرسلة وهي : المصالح التي لم يقم دليل خاص من الشارع على اعتبارها ، ولا على إلغائها .
ووجه تسميتها بالمرسلة :أن الشارع سكت عنها ولم يقيدها باعتبار ولا إلغاء .
المبحث الثاني : حكم الاحتجاج بالمصلحة المرسلة .
قال الشيخ الشنقيطي : فالحاصل أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها ، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساويه .
وأن جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة ، وإن زعموا التباعد منها ، ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك .
ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة ، وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها ، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال (1)
ومن أمثلة المصالح المرسلة التي عمل بها الصحابة :
جمع القرآن على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ولم ينكره أحد من الصحابة .
والمداومة على الاجتماع لصلاة التراويح في رمضان .
المبحث الثالث : ضوابط الأخذ بالمصالح المرسلة.
وهنا يتبادر للذهن سؤال وهو هل جميع المصالح المرسلة والتي لم تقيد بإثبات أو إلغاء يجوز الأخذ بها ؟
والجواب : أن الأمر على خلاف ذلك ، بل لا يجوز الأخذ بالمصالح المرسلة إلا وفق شروط وضوابط هذا محل بيانها :
الضابط الأول : تقدم معنا أن المصلحة المرسلة هي التي لم تقيد بإثبات أو إلغاء وعليه فلا يصح الأخذ بمصلحة تصادم النص .
الضابط الثاني: أن عامة النظر في المصلحة المرسلة إنما هو فيما عقل معناه ، فلا تقع المصالح المرسلة في العبادات التي لا يعقل معناها ، ذلك لأن مبناها على التوقف وعدم الالتفات إلى المعاني وإن ظهرت لبادي الرأي وقوفاً مع ما فهم من مقصود الشارع فيها من التسليم على ما هي عليه ، بخلاف العبادات التي يعقل معناها ، وكذا العادات والمعاملات فإنها جارية على المعنى المناسب الظاهر للعقول ، يضاف إلى ذلك أن العبادات التي لا يعقل معناها حق خاص للشارع ، ولا يمكن معرفة حقه كماً ولا كيفاً وزماناً ومكاناً وهيئة إلا من جهته ، فيأتي به العبد على ما رسم له ، ولهذا لم يوكل هذا النوع من العبادات إلى آراء العباد ، فلم يبق إلا الوقوف عند ما حده ، بينما تهدى العقول البشرية في الجملة إلى معرفة حكم وعلل ومعاني ما سوى ذلك ، ولذلك جاز دخول المصالح في هذا دون ذاك .ا.هـ(1)
وعليه فإن المصالح المرسلة لا تدخل في العبادات التي لا يعقل معناها إلا من جهة الوسائل ، وفرق بين الوسائل والعبادات فالوسائل مطلوبة لغيرها ، أما العبادات فمطلوبة لذاتها . ومن ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
الضابط الثالث : النظر في السبب المحوج لهذه المصلحة من حيث وجوده في السلف أو عدم وجوده .
وقد نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله فقال : والضابط في هذا – والله أعلم – أن يقال إن الناس لا يحدثون شيئاً إلا لأنهم يرونه مصلحة ، إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه ، فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه الناس مصلحة نظر في السبب المحوج إليه ، فإن كان السبب المحوج إليه أمراً حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منا فهنا قد يجوز إحداث ما تدعوا لحاجة إليه ، وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته .
وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه ، أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد ، فهنا لا يجوز الإحداث ، فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً لو كان مصلحة ولم يفعل ، يعلم أنه ليس بمصلحة . وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخلق فقد يكون مصلحة …
فما كان المقتضي لفعله موجوداً لو كان مصلحة . وهو مع هذا لم يشرعه ، فوضعه تغيير لدين الله ، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين . من الملوك والعلماء والعباد ، أو من زل منهم باجتهاد ". (2)
وقال الشاطبي رحمه الله المظاهرات الاتباع والابتداع3)
سكوت الشارع عن الحكم على ضربين :
أحدهما : أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ، ولا موجب يقدر لأجله ، كالنوازل التي حدثت بعد ذلك ، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها ، وما أحدثه بعد السلف الصالح راجع إلى هذا القسم ، كجمع المصاحف وتدوين العلم وتضمين الصناع ، وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها ، فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعاً بلا إشكال ، فالقصد الشرعي فيها معروف …
والثاني : أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم ، فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان ، فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص ، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجوداً ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه ، كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة ، ومخالفة لما قصده الشارع ، إذ فهم من قصده الوقوف عندما هنالك ، لا زيادة عليه ولا نقصان منه .
وحاصل كلام ابن تيمية والشاطبي رحمهما الله : أن المصالح المرسلة تنقسم باعتبار السبب المحوج إليها إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون السبب أو المقتضي لفعلها موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوها لكن تركهم لها كان لمانع زال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يجوز إحداثه ، الأمثلة على هذا القسم :-
أ – المداومة على صلاة التراويح والاجتماع لها ، فإن المانع من المداومة عليها كان خوف النبي صلى الله عليه وسلم من أن تفرض ، ولا شك أن هذا المانع زال بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
ب - إقامة الكعبة على قواعد إبراهيم . فإن المانع من ذلك كان خوف النبي صلى الله عليه وسلم على حدثاء الإسلام أن يتسبب ذلك في ردتهم ، لما للكعبة من القداسة في نفوسهم .
ج - استخدام الأشرطة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .
د - استخدام مكبرات الصوت للأذان ، فقد كان الصحابة يعلنون الأذان فوق الجدران ، ولم يكن عندهم ما يقوم مقام الارتفاع ، فلما سخر الله هذه الأجهزة جاز لنا استخدامها .
هـ – استخدام الإذاعة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، وهذه الثلاث الأخيرة المانع من اتخاذها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، عدم وجودها .
إلى غير ذلك من الأمثلة التي تجري نفس هذا المجرى .
القسم الثاني : أن يكون المقتضي لفعله موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلوه وليس ثمة مانع ، فهذا ليس بمصلحة ، والقول به تغيير لدين الله كما قال ابن تيمية . إذ لو كان مصلحة أو خيراً لسبقونا إليه .
ويقال لمن استحسن مثل هذه المصالح : إن ترك السلف الصالح للأخذ بهذه المصالح المزعومة ، وأخذك بها ، راجع لأحد أمور أربعة :
الأول : أن يجهل جميعهم هذه المصالح ، وتعلمها أنت !
الثاني : أن يجتمعوا على الغفلة عن هذه المصالح ونسيانها ، وتستدركها أنت !
الثالث : زهدهم في العمل بالمصالح الشرعية ، والرغبة عنها ، وتحرص عليها أنت !(1)
الرابع : علمهم وفهمهم أن هذا العمل ليس بمصلحة شرعية،وإن بدا للخلوف أنه مصلحة .
أما الثلاثة الأولى ، فلا يسعه أن يقول بواحد منها لأنه لو فعل ذلك فقد فتح باب الفضيحة على نفسه وخرق الإجماع المنعقد على أن النبي صلى الله عليه وسلم ، الصحابة من بعده هم خير هذه الأمة علماً وعملاً ، كيف لا ؟ والله يقول عنهم : " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " . وقال صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرني ".(2)
فلو كان الخير في شيء لسبقونا إليه .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " من كان مستناً فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة . أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا أفضل هذه الأمة ، وأبرها قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في آثارهم ، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم ، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".(1)
وقال عمر بن عبد العزيز : عليك بلزوم السنة ، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق .
فارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم على علم وقفوا ، وببصر نافذ قد كفوا ، وإنهم كانوا على كشف الأمور أقوى ، وبفضل ما كانوا فيه أحرى ، فلئن قلتم : أمر حدث بعدهم ؛ ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ، ورغب بنفسه عنهم .
إنهم لهم السابقون ، فقد تكلموا منه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم مقصر ، وما فوقوهم محسر ، لقد قصر عنهم آخرون فجفوا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم ". (2)
فلم يبق إلا الأمر الرابع وهو علمهم وفهمهم أن هذا العمل ليس بمصلحة شرعية ، وإن بدا للخلوف أنه مصلحة .
ومن الأمثلة على هذا القسم :
أ - التسبيح بالسبحة أو الحصى فإن الداعي لها كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وليس ثمة مانع ومع ذلك لم يفعلوه ، فلا يجوز إحداثه والعمل به لأنه بدعة .
بل فيه ترك لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يعقد التسبيح بيمينه ويقول : " إنهن مستنطقات "(3).
ويدل على ذلك أيضاً ما رواه الدارمي وغيره عن عمرو بن سلمة قال :
كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن ؟ قلنا : لا فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أرى والحمد لله إلا خيراً . قال : فما هو ؟
فقال : إن عشت فستراه ، رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصاً، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة ، فيهللون مائة ، ويقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة .
قال : فماذا قلت لهم ؟
قال : ما قلت لهم شيئاً أنتظر رأيك أو أنتظر أمرك .
قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء !.
ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم وقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الحمن ، حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح . قال : فعدوا سيئاتكم ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتحوا باب ضلالة .
قالوا : والله يا أبا عبد الحمن ما أردنا إلا الخير .
فقال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : إن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .
وأيم الله ما أدري ، لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم .
قال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج .أ.هـ.(1)
ب – ومن ذلك أيضاً اتخاذ المزاح والضحك إلى درجة الإسفاف وسيلة من وسائل الدعوة لجذب القلوب وخصوصاً الشباب منهم ، نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الناس خلقاً حتى قال بعض أصحابه ما رأيته إلا متبسماً ، ولكن متى كانت النكت ومتى كان التهريج من أساليب دعوته صلى الله عليه وسلم ، هل وقف صلى الله عليه وسلم يوماً بين أصحابه يذكر النكت والقصص المنسوجة والأغاني الجديدة لدعوة الشباب منهم ، حاشاه صلى الله عليه وسلم .
ج - إخراج الجهلة والطواف بهم في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية للدعوة إلى الله ، وهم من يسمون بجماعة الدعوة أو التبليغ ، ولو كان هذا خيراً لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما مع حاجته إلى تكثير سواد المسلمين ، وقد أنكر فعلهم وخروجهم الشيخ محمد بن إبراهيم ، والشيخ ابن باز ، والشيخ صالح الفوزان ، والشيخ المحدث ناصر الدين الألباني ، والشيخ حمود التويجري ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي وغيرهم .
د – الاحتفالات الدينية المبتدعة ، التي لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاحتفال بها كالاحتفال هذه الأيام بالمولد النبوي ، أو الاحتفال بالهجرة النبوية ، أو الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، فإن الذين يحتفلون بهذه الأمور يجعلونها من الوسائل لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من الوسائل لوعظ الناس وتذكيرهم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .
هـ- ومن هذا القسم – مسألتنا – وهي ما أحدث في هذه الأزمان المتأخرة من اتخاذ المظاهرات والاعتصامات والإضرابات ، وسيلة من وسائل الدعوة ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !!!(2)
أوَلمْ يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قادرين على ذلك ؟!
فهل كانوا زاهدين في الأجر والثواب ؟!
أم كانوا مقصرين في ما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟!
أم منعهم من ذلك الخور والجبن عن مجابهة الظالمين ؟!
كلا والله ، إنهم ما تركوا ذلك إلا رغبة عنه إلى ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، من الوسائل المعلومة المعروفة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
و- ومن ذلك ما ابتدعته جماعة الإخوان المسلمين – بل المفلسين كما يصفهم العلامة مقبل الوادعي – ومَنْ تأثر بدعوتهم مِن اتخاذ التمثيل ، والأناشيد وسيلة من وسائل الدعوة زعموا ، فهل سيكون هؤلاء أحرص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هداية الناس ، فلو علم فيها رسول الله خيراً لسبقنا إليها . ولا يصح أن يحتج بما وقع من الصحابة من الإنشاد والرجز فإن ذلك حصل منهم على سبيل الترويح ، وهؤلاء جعلوه وسيلة للدعوة . فلا إله إلا الله كم بين هؤلاء وأولئك من البون والفرق.(1)
القسم الثالث من المصالح المرسلة : أن لا يوجد الداعي أو المقتضي لها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوجد عندنا لكن بسبب تفريطنا في الأحكام الشرعية فهذا لا يجوز إحداثه . ومن الأمثلة على هذا القسم ، ما مثل به ابن تيمية :
وهو وضع المكوس على المسلمين ، بحجة حاجة بيت المال إلى ذلك ، وهذا – أي حاجة بيت المال – إنما حدثت بسبب تفريط الناس في الزكاة والجهاد في سبيل الله فلا يصح أن يبنى خطأ على خطأ آخر .
صحيح أن الداعي لم يوجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووجد عندنا لكن ذلك بسبب تفريطنا بأمر الله ، فلا يصح إحداث شيء هنا ، بل يجب علينا تدارك الخطأ بالقيام بما أوجبه الله فيزول بذلك الداعي .
القسم الرابع من المصالح : أن لا يوجد الداعي أو المقتضي لها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوجد عندنا من غير تفريط منا . فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه وفق الضوابط المتقدمة والمقاصد الشرعية ، ومن الأمثلة على ذلك : جمع المصحف في عهد أبي بكر الصديق .
تنبيهات :
وهاهنا تنبيهات يحسن أن أختم بها كلامي لعل الله أن ينفع بها :
التنبيه الأول : درج كثير من الناس على تسمية ما عليه العموم من البدع "بخلاف السنة" .
ولكن ومنذ أن نشأنا ونحن نسمع أن العمل لا يقبل إلا بالإخلاص والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فإما أن يكون ما قالوا هو الصواب – وأن عمل أولئك وإن خالفوا السنة مقبول – وهذه القاعدة خطأ ، أو العكس ، و والله إن العكس هو الصواب قال سبحانه " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً " . وقال صلى الله عليه وسلم :" كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد " .
فما وافق السنة فمقبول إن استكمل الشرط الآخر ، وما خالف السنة فهو المردود قال سبحانه : " فليحذر اللذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " .
وهذا الاصطلاح – أعني " خلاف السنة " – يصح أن يؤتى به لمن ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات أو فرط فيها دون قصد التقرب بالترك ، كمن ترك سنة الفجر فيقال إن فعله خلاف السنة ، أو ترك الوتر ، أما من غير سنته صلى الله عليه وسلم فقد ابتدع .
وكذا من ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو فرط فيها أو فعل غيرها في المستحب من العادات – العبادات غير المحضة – دون أن يقصد بالترك أو التغيير التقرب إلى الله ، كمن شرب قائماً ، فهنا يصح أن يقال له إن فعلك هذا خلاف السنة .
التنبيه الثاني : أقول أخيراً لمن نظر في هذا المقال ، أن ينظر بعين الإنصاف مع تحر لإتباع الدليل ، وإياك إياك أن ترد الكلام لمجرد أن صاحبه لا يعرف ، أو كون العامة على خلاف ذلك ، فإن الله لم يتعبدنا بأقوال الرجال ، ولا بقول الأكثرية ، وإن من المقرر عند العلماء ، " أن شيوع الفعل وانتشاره لا يدل على جوازه كما أن كتمه وقلة العمل به لا يدل على منعه " .
( قال محمد بن أسلم الطوسي :- " ومن له خبرة بما بعث الله تعالى به رسوله ، وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره ، علم أن بين السلف وبين هؤلاء الخلوف من البعد أبعد ما بين المشرق والمغرب ، وأنهم على شيء والسلف على شيء .
كما قيل :-
سارت مشرقة وسرت مغرباً *** شتان بين مشرق ومغرب .
والأمر – والله – أعظم مما ذكرنا . وقد ذكر البخاري في الصحيح عن أم الدرداء رضي الله عنها ، قالت : دخل عليّ أبو الدرداء مغضباً ، فقلت له : ما لك ؟ فقال : والله ما أعرف فيهم شيئاً من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعاً .
وقال الزهري : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي . فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال ما أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة . وهذه الصلاة قد ضيعت ، رواه البخاري .
وهذه هي الفتنة العظمى التي قال فيها ابن مسعود رضي الله عنه : كيف انتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ، وينشأ فيها الصغير ، تجري على الناس ، يتخذونها سنة ، إذا غيرت ، قيل غيرت السنة ، أو هذا منكر .
وهذا مما يدل على أن العمل إذا جرى على خلاف السنة ، فلا عبرة به ، ولا التفات إليه ، فإن العمل قد جرى على خلاف السنة منذ زمن أبي الدرداء وأنس .( 1)
" وذكر أبو العباس أحمد بن يحيى قال : حدثني محمد بن عبيد بن ميمون : حدثني عبد الله بن إسحاق الجعفري قال : كان عبد الله بن الحسن يكثر الجلوس إلى ربيعة . قال : فتذاكروا يوماً السنن فقال رجل كان في المجلس : ليس العمل على هذا . فقال عبد الله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام ، أفهم الحجة على السنة ؟ فقال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء ".(2)
فالمسلم الحق هو الذي " لا يغلبه شيوع البدع عن تفهم السنن ، فإن العوائد كما أنها تبني أصولاً وتهدم أصولاً ، فإنها ملاكة ، والإنفكاك منها يحتاج إلى ترويض النفس ، وإلزامها بالسنن (3) ".
وما أجمل ما رواه الإمام الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث بالسند الصحيح عن الأوزاعي قال :- عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول ) . (4)
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . والله الهادي إلى سواء السبيل .
اسم الكتاب
المظاهرات بين الاتباع والابتداع
المؤلف
حمد بن عبدالعزيز العتيق







آخر تعديل ام سيف يوم 03-08-2011 في 09:44 AM.
رد مع اقتباس
قديم 03-08-2011   #2


ام سيف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 110
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-09-2016 (07:22 PM)
 المشاركات : 2,518 [ + ]
 التقييم :  41515
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 3 مرة في 3 مشاركة
افتراضي



بارك الله فيك اخي اللورد طرح موفق ولله الحمد

اعذرني لاني عملت على تصغير الخط من درجة 7 الى درجة رقم 5


لك وردي .




 


رد مع اقتباس
قديم 03-09-2011   #3


اللورد مصر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 139
 تاريخ التسجيل :  Jan 2011
 أخر زيارة : 02-15-2014 (12:02 AM)
 المشاركات : 182 [ + ]
 التقييم :  23
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام سيف مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك اخي اللورد طرح موفق ولله الحمد
اعذرني لاني عملت على تصغير الخط من درجة 7 الى درجة رقم 5
لك وردي .
إننى ضيفكم وليس لى أن أعترض




 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المظاهرات بين الإتباع
كاتب الموضوع اللورد مصر مشاركات 2 المشاهدات 2004  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع منذ بعد 04-07-2024, 01:13 PM (إعادة تعين) (حذف)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 01:13 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah