قالت :
الحياة تشكلنا كما تريد على مر السنين
عجيب كيف أننا نولد كالفخار نتشكل كما يشكلنا اباؤنا
فأنت من تستطيع أن تجعل من هذا الطفل قائد عظيم ،
أو تجعله مجرم عالة على المجتمع ..
إنها أيديك السحرية هي من تشكل هذا الفخار البريء ،
الذي لا حول له ولا قوة فيما يصنع به و لكن انتبه ..
فحين تصنع شيئا به لن تستطيع تغييره !
فكما نعلم لا أمل في اعادة تشكيل
الفخار بعد أن يجف !
فكن حذرا في كل تفصيل تضيفه ،
و كل زخرفة تحفرها فما أن يدخل هذا الفخار الفرن ،
وينضج سيتخذ شكلا نهائيا يظل شاهداً على آثار يديك طوال بقائه .
ولا تنسى أن تجعله صلباً فلا ينكسر بسهولة حين يقابل أقل المصاعب في الحياة ،
فإن لم تكن خبيراً بفنون صناعة الفخار متفهما لكيفية تكوين هذه العجينة الخام ،\
التي أعطتك الحياة إياها على أجمل هيئة و أبدع تكوين ، فأنصحك أن تأخذ دروسا في صناعة الفخار ،
قبل أن تشكل عجينة تكون ضحية قلة خبرتك !
أيضاً لا تنسى محتوى هذا الإناء الفخاري فما نفع أن تزينه من الخارج بابدع الزخارف،
و هو من الداخل خاوي لا يملأه إلا الفراغ ينقصه الجوهر ، ليضيئه من الداخل ،
فيصبح هذا الإناء مثالا للكمال .
و لا تكتفي بسكب الماء داخله فيما يمكنك أن تملأه بالعسل و المسك ،
و أنَفس الجواهر ! و أخيراً لا تنس أن تمحو آثار بصماتك من عليه ،
ليغدوا لهذا الإناء كيانه المستقل بعيداً عن كيانك .
ثم يحين وقت الحصاد لهذا التعب حين تنظر لهذه التحفة الفنية ،
بأعين مليئة بالفخر و الاعتزاز حين تسمع مديح من حولك ،
على جمالها الخلاب من الداخل و الخارج !
هكذا هو الإنسان حين يولد كعجينة الفخار الخام ،
و أهله هم من يكونون شخصيته و قيمه
الأخلاقية لتبقى راسخة في عقله إلى الأبد .
أما الجوهر فهو ما يكتسبه الإنسان و تكمن فيه أهميته ،
فالعسل هو الإيمان يغمرك بحلاوته فتحس بأن العالم حولك جميل
أما المسك فهي الأخلاق تنشر رائحتها الطيبة على من حولها ،
فيُعجبوا بها ، و يتَطَيبوا من طيبها ،
و أخيراً الجواهر ، وهي المعرفة قيمتها لا تقدر بمال ، و تحول صاحبها من فقير إلى أغنى
أغنياء العالم ! كل على قدر معرفته و على ما يكتسبه من هذه المعرفه .
قلت :
ما أجمل :
أن يحمل الانسان تلك الامانة التي يُسأل عنها يوم القيامة في غرس القيم في ذات من أوكل إليه تربيتهم والقيام بواجباتهم ،
وأن يتباعد عن تلكم الأعذار التي يتّفلت من ملاحقة المساءلات عن حجم التضحيات وانتزاع الفرص واللحظات من حلق المشاغل
والأعمال ،
ذاك من عَلِمَ عِلم اليقين :
بأن هناك من ينتظر بشغف عظيم ذلك الطفل الرضيع حتى يشب ويكبر ،
ليحمل المسؤولية ويرفع لواء النجاح
والفلاح الذي يُهديه لوطن ودين .
ذاك حال الموّفي ،
اما المجاوز المُخل بالأمانة :
فما همه غير توفير الشراب والطعام والبيت المنيف ، أو بيت مادته من طين !
_ أحسن الأحوال _ !
هو حال ذاك المُربي للغنم وما الفارق غير أن الأول :
جنسهم بشر من طين !
أما الثاني :
فمن جنس الأنعام والحيوان الأليف !
أعتذر :
لتلك المُقارنة التي تحط من قيمة وقدر الآدميين !
ولكن هي الحقيقة ولو كانت بطعم الحنظل المرير !
ذاك الفخار :
قد يُوتقن صانعه صناعته ، ويسقيه من عرق الجبين ،
ويبدع في انتقاء مهية معالمه ،
ليفخر به وليكون بهجة للناظرين ،
ولكن ..
قد يُصادف مكان وجوده ما يُشوه وجهه الجميل !
ويعيث فسادا بذلك النوع الفريد !
لننتقل لواقع الآدميين بعيدا عن الكناية والتشبيه :
ولنتحدث عن الذي يُتبع كلالة يومه متعاهدا في زرع وغرس المبادئ
والقيم في ذلك الطفل الجميل ،
يُغذيه بأطايب الأخلاق ، ومن زلال الدين يرويه ،
ويُرشده ويكشف له معالم الطريق ،
ويكبر على تلكم النصائح ، ولكن في طور نموه تعصف فكره وقلبه " الوارد "
ما سكن في البيئة من شوائب التيه ،
ليبتعد قليلا فقليلا عن ذلك الصراط المستقيم ،
والسبب قد يكون :
من المدرسة !
وقد :
يكون من الصاحب الرفيق ،
وقد :
يكون مما يراه ويسمعه من بث ،
من وسائل تواصل لتُرديه في الحضيض !
من هنا :
كان لزاماً من المربي أن يكون صاحب عصره يعرف
ما يلج من جديد ليواكب العصر الجديد ،
الذي فيه الأخلاق تشكو الأفول !
والمبادئ تتأرجح من الهجران المقيت !
الاهتمام بالجوهر :
كم يغفل عن ذلك الأساس الذي لو اهتم به ذلك الحريص على أن يكون
هو الاهتمام وعينه لأن بذاك يُخرج جيلا سليما لا يعرف " النفاق " ،
لصلاح مُزيف البغيض !
فكم نرى :
تلكم الجموع ممن تلّبسوا بلباس الدين !
وهم للنفاق أقرب على أن يكونوا من المتقين المهتدين !!!
في المحصلة :
ليس شرطاُ أن يكون الطفل الذي نعتني به منذ نعومة أظفاره ،
ونحن نغرس فيه المبادئ والخلق النبيل أن يكون من ورثة الدين الذي
تشرئب له الأعناق ليكون قدوة للعالمين !
وفي ذات الوقت :
لا نقصد بذلك أن نجعل أولادنا عرضة لقُطّاع الطريق ،
أو نُسلمهم للشارع لينطبع فيهم الخير أو الشر ،
أيهما سبق غُنمُه ، كانَ لهُ وافر النصيب !
لا يزال الفكر يطوف في فلك التساؤل عن أثر التربية في
صقل ماهية ذلك " الطفل " وأثرها في سلوكه ورسم خارطة طريقه ،
قد :
تتخلل دقائق وأيام حياته تلك الجرعات الايمانية ،
وتشنف أسماعه بتلكم المعاني والقيم الانسانية ،
ومع هذا قد يحيد عن الطريق ليسلك طريقاً آخر فيه النقيض لكل ما تربى عليه ، ليكفر به بل قد يصل به الأمر أن ينقلب عليه !
قد :
يقول قائل :
بأن تلكم الحالة لن تحدث إلا في حال الاكراه والاجبار على فعل مالا يفقهه ولا يعيه !
وليس له الخيار في رفضه أو تقبله على النحو الذي يتصوره ويمتريه !
ليبقى :
احتمال قوي لا يمكن استبعاده أو أن نستثنيه .
وقد :
يكون الطفل تقبل ذاك بعد أن نضج لديه الشعور والاحساس ،
حتى بات يميز هذا من ذاك .
ومع هذا :
وددت أن أركز في ذلك السالك درب الصلاح وقد ارتضاه وعاش في هوى ذاك ،
ومع هذا :
وفي خضم الاختلاط بهذا وذاك ،
وما تموج به الساحة من مُغريات ، يتنازل عن بعض المبادئ ذلك " الغِر "
لتنفلت " الحبات " من عقد القناعات ورسوخ الايمان في قلب ذاك المستكين !
ليسير في الحياة :
يعيش عيش الغافل الذي لا يُبالي في اقتراف الاخطاء ،
وممارسة المآثم ، فبذاك يُسبل الطريق على وضع مرير .
ففي المحصلة :
_ وذاك هو الغالب إذا ما تشبث به لطف القدير الرحيم _
يقرع في أذنيه ، ويدق قلبه ، ويحرك أرشيف ذاكرته ذاك :
" الضمير "
كي يوقفه على " أطلال " الماضي القريب ،
عندما كان ينهل من ذاك المعين الذي عاش
في كنفه عيشا رغيد .
من هنا :
يتفاوت الواحد من أولئك عن مدى تعاطيهم
وتناغمهم لصوت وهمس ذاك " الضمير " !
فمنهم من :
يعود لرشده ويطوي صفحة غفلته .
ومنهم :
من يُجافي ويدافع ويكتم صوت ذاك الضمير !!
ما أود قوله ختاماً :
" يبقى على ولي الأمر غرس المبادئ والقيم في ذاك المسؤول عنه ،
أما الباقي فيكل أمره لله رب العالمين " .
مُهاجر