عنترة الفارس (الصفحة الأولى)
د. وليد قصاب
(الصفحة الأولى)
لاَ أَمْلِكُ السَّيْفَ إِلاَّ قَدْ ضَرَبْتُ بِهِ
وَلاَ تَمُوتُ جِيَادِي وَهْيَ أَغْمَارُ
وَلاَ أُعَوِّدُ مُهْرِي أَنْ أُوَقِّفَهُ
وَسْطَ الكُمَاةِ، وَلاَ يَشْقَى بِيَ الْجَارُ
عنترة
الصفحة الأولى
بَكَرَتْ تُخَوِّفُنِي الْحُتُوفَ كَأَنَّنِي
أَصْبَحْتُ عَنْ غَرَضِ الْحُتُوفِ بِمَعْزِلِ
فَأَجَبْتُهَا إِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْهَلٌ
لاَ بُدَّ أَنْ أُسْقَى بِكَأْسِ الْمَنْهَلِ
فَاقْنِي حَيَاءَكِ لاَ أَبَا لَكِ وَاعْلَمِي
أَنِّي امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِنْ لَمْ أُقْتَلِ
إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَوْ تُمَثَّلُ مُثِّلَثْ
مِثْلِي إِذَا نَزَلُوا بِضَنْكِ الْمَنْزِلِ
عنترة
• • •
بِالأَمْسِ أُسْقِطَ فِي الْمَعَارِكِ عَنْتَرَهْ
بَطَلُ النِّزَالِ
وَزَارِعُ النَّصْرِ الْخَصِيبِ
عَلَى الدُّرُوبِ الْمُقْفِرَهْ
حَشَدَتْ لَهُ بَكْرٌ وَذُبْيَانٌ
حُشَودًا لَمْ تُرَهْ..
ظَهَرَتْ عَلَى مَدِّ الفَضَاءِ
بُرُوقَ هَوْلٍ مُمْطِرَهْ
فَهَوَتْ بِهِ الفَرَسُ الْحَنُونُ
كَمَا تَهَاوَى القُبَّرَهْ
وَتَقَهْقَرَتْ خَيْلُ القَبِيلَةِ
مِثْلُ حُمْرٍ
أَجْفَلَتْ مِنْ قَسْوَرَهْ
• • •
فَسَرَى كَنَارٍ فِي الْهَشِيمِ
حَدِيثُ قَهْقَرَةِ الرِّجَالْ
وَتَعَثَّرَ البَطَلُ العَتِيدُ
كَمِثْلِ زَلْزَلَةِ الْجِبَالْ
ذَاكَ الَّذِي
مَا كَانَ فِي يَوْمٍ
سِوَى صَخْرٍ عَتِيٍّ
لاَ تُنَاوِشُهُ النِّبَالْ
فَتَفَجَّعَتْ عَبْسٌ
وَمَاتَ عَلَى مُحَيَّاهَا الكَلاَمْ
وَغَدَتْ رُؤُوسُ الكِبْرِيَاءِ
تَكَادُ تَلْصَقُ بِالرُّغَامْ
مَا عَادَ يُسْمَعُ فِي القَبَائِلُ صَوْتُهَا
مَا عَادَ يُعْرَفُ شَكْلُهَا أَوْ لَوْنُهَا
أَوْ يَسْتَبِينُ - مِنَ التَّفَجُّعِ - وَجْهُهَا
فَالْخِزْيُ أَشْوَاكٌ
نَمَتْ فِي كُلِّ دَارْ
وَظِلاَلُ كَابُوسٍ رَهِيبٍ
أَثْقَلَتْ صَدْرَ الكِبَارِ
مَعَ الصِّغَارْ
غَطَّتْ عَلَى عَيْنِ الْجَمِيعِ غِشَاوَةٌ
حَجَبَتْ لَهُمْ ضَوْءَ النَّهَارْ
• • •
لَكِنَّ عَبْلَةَ
كَفْكَفَتْ دَمْعًا جَرَى شَلاَّلَ مَاءْ
قَدْ كَادَ يَحْفِرُ وَجْهَهَا
لَوْلاَ التَّجَلُّدُ وَالعَزَاءْ
فَمَضَتْ إِلَى البَطَلِ الْجَرِيحِ
وَكَادَ يَسْحَقُهُ الأَسَى
لِتَبُثَّهُ عَزْمًا
وَتُشْعِلَ فِي جَوَانِحِهِ الدِّمَاءْ
وَتُضَمِّدَ الصَّدَمَاتِ
فِي الْجِسْمِ القَوِيِّ
وَتَسْتَثِيرُ إِلَى دُجَى اليَأْسِ العَنِيفِ
رُؤَى التَّفَاؤُلِ وَالرَّجَاءْ:
يَا سَيِّدَ الفِتْيَانِ
يَا خَيْرَ الرِّجَالْ
يَا فَارِسَ الطَّعْنِ الْمُؤَزَّرِ
فِي مَيَادِينِ القِتَالْ
لاَ تَقْعُدَنَّ بِكَ الْجُرُوحُ
- وَإِنْ كَبُرْنَ -
عَنِ النِّزَالْ
مَا أَنْتَ أَوَّلَ مَنْ كَبَا
بَيْنَ الصَّنَادِيدِ العِظَامْ
فَلِكُلِّ سَيْفٍ نَبْوَةٌ
وَلِكُلِّ خَيْلٍ كَبْوَةٌ
وَتَظَلُّ فِي سَمْعِ الزَّمَانِ
خُطَى الْمُثَابِرِ لِلأَمَامْ.