جاء في تفسير السعدي :
ذكر الله تعالى السبب الأعظم ،والموجب الأكبر ،لثبات المؤمنين على إيمانهم،
وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأن ذلك من أبعد الأشياء، فقال الله تعالى :
{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ،
أي: الرسول بين أظهركم ،يتلو عليكم آيات ربكم كل وقت،
وهي الآيات البينات ،التي توجب القطع بموجبها ،والجزم بمقتضاها ،
وعدم الشك فيما دلت عليه بوجه من الوجوه، خصوصا والمبين لها
أفضل الخلق ،وأعلمهم ،وأفصحهم ،وأنصحهم ،وأرأفهم بالمؤمنين،
الحريص على هداية الخلق ،وإرشادهم بكل طريق يقدر عليه،
فصلوات الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين،
فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ،ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا،
ثم أخبر أن من اعتصم به ،فتوكل عليه ،وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر،
واستعان به على كل خير { فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
موصل له إلى غاية المرغوب، لأنه جمع بين اتباع الرسول
في أقواله وأفعاله وأحواله ، وبين الاعتصام بالله. ، .(انتهى)
الاعتصام بالله سبحانه مبدأ إسلامي عظيم، متأصل في قلب كل مسلم،
ونفس كل مؤمن، إذ هو مطلوب منه تدينا وتخلقا، وطاعة له وتعبدا،
وهو زاد المسلم وعدته القوية، وركيزته المتينة، وحصانته المنيعة،
عليه تنبني حياته وتسير، وبه يعتدي ويستنير، ويسعد ويستقيم،
وبه يتغلب على تذليل الصعاب ،ويتوفق في أموره وأعماله إلى الحق والصواب.
ومن ثم، فإن الاعتصام بالله والتوكل عليه لا غنى عنه للمسلم،
ولا مندوحة عنه للمؤمن، به يستعين في جميع شؤونه وأحواله،
وبه يتقوى علما هو واجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد،
وبه يستعد للجهاد والتضحية في سبيل رب العالمين، وإعلاء كلمة الحق والدين،
وخوض غمار الحياة ،ونصرة قضايا الإسلام والمسلمين، وإعزاز أوطانهم
وشعوبهم المسلمة، والوقوف إلى جانبهم في الشدة والرخاء، والبأساء والضراء،
فيكون بذلك من الصادقين المفلحين. ، فبفضل الاعتصام بالله سبحانه
يتحلى المسلم بقوة الإيمان والصبر والثبات واليقين، والسير في الحياة
على النهج المرضي القويم، ويستطيع مجاهدة النفس الأمارة بالسوء،
ومقوماتها، والأخذ بزمامها، والإمساك بعنانها ،حتى لا تجمع أو ترمي به
أحيانا في أحضان مفاتن الدنيا، ومباهج زينتها، أو الوقوع تحت تأثير عواصفها
العاتية ،أو رياحها القوية الهوجاء، التي ترمي بالإنسان في مكان سحيق ،
وإن أسوأ ما يمكن أن يحدث للإنسان : هو الضّلال عن طريق الحقّ ،
وطريق الخير ،وطريق الرّشد،
وأنّ أشدّ ما يؤلم الإنسان :
هو اكتشافه بعد أمة أنّه كان ساربًا في مسالك الضّلالة ،
حاسبًا نفسه من المهتدين،
ومن هنا تظهر أهمية هذه القاعدة الإيمانية:
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران:101،
والمعنى : مَن يتمسّك بالدّين فلا يخشى عليه الضّلال، فالاعتصام هنا استعارة للتمسّك.
وفي هذا إشارة إلى التمسّك بكتاب الله ،ودينه لسائر المسلمين ،
الّذين لم يشهدوا حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ،
فالاعتصام بالله هو أن نتّبِع ما تُلِيَ علينا من الآيات،
وما سَنّه لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
إذن فباب الاعتصام هو كتاب الله وسنّة رسوله، فالإيمان بالله،
هو المعتصم، ولا معتصم غيره، إذا استمسك به الإنسان فقد ضمن النّجاة والفلاح..
يقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب:
في الآية (توجيه إلى الطّريق الّذي ينبغي أن يستقيم عليه العاقل، ويلتزمه،
وهو الإيمان بالله، والاعتصام به من وسوسة الضّالين، وكيد المبطلين،
فذلك هو الّذي يعصم المؤمن من الزّلَل، ويحميه من الضّلال، وفي هذا نجاته وسلامته)
أحسنت طرحا أخي عزمي
أحسن الله إليك وتقبل عملك
جزاك الله خيرا . تقديري واحترامي