~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,083,408


عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,083,408

العودة   منتديات وهج الذكرى > ღ القـسم الاسـلامي ღ > نفحــات ايمانيـة
نفحــات ايمانيـة يختص بالمواضيع الاسلامية العامة على منهج أهل السنة والجماعة
التعليمـــات روابط مفيدة
 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-22-2017   #3
بنت النيل


الصورة الرمزية مي محمد
مي محمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 528
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : 08-25-2020 (10:59 PM)
 المشاركات : 36,790 [ + ]
 التقييم :  228073882
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Crimson
شكراً: 201
تم شكره 562 مرة في 461 مشاركة
افتراضي تاريخ وجغرافيا بني اسرائيل في القران



[frame="10 10"]بعد مراجعتي لمعظم الآيات القرآنية، التي تحكي سيرة بني إسرائيل، تبيّن لي الكثير من الوقائع المبهمة في تاريخهم، والكثير من المفاهيم المغلوطة، التي كنت أحملها ويحملها عامة المسلمين، والتي سيرد تفصيلها في هذا الفصل إن شاء الله. كنت سأقتصر بحثي في تاريخ بني إسرائيل، لإثبات تحقق وعد المرة الأولى من علو وإفساد وعقاب، ولكن تبين لي من خلال الأحاديث العامة، وعند طرحي لموضوع هذا البحث، أن كثيرا من الناس يجهلون تاريخ بني إسرائيل، وخاصة ماهيّة الأحداث التي حصلت معهم وموقعها من حيث الزمان والمكان، والتي ذُكرت متفرقة في القرآن وبلا ترتيب في أغلب الأحيان، ويجهلون أيضا حتى ترتيب أنبياء بني إسرائيل وتعاقبهم، لذلك كان لا بد لنا من تعقب تاريخهم منذ البداية.

إبراهيم عليه السلام:
حسبما ورد عن أهل الكتاب فإن إبراهيم عليه السلام كان مقيما في بلدة أور في جنوب العراق {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:24]، {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت:26]، {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:71] ومن ثم انتقل إبراهيم ولوط عليهما السلام إلى فلسطين.
وسكن لوط عليه السلام قريتي "سدوم وعمورة" سب تسمية التوراة، في موضع البحر الميت حاليا، واستمر إبراهيم عليه السلام على الأرجح، حتى وصل إلى المدينة المسمّاة باسمه لغاية الآن -وهي الخليل جنوبي القدس- وسكن فيها، وظاهر النص القرآني يفيد بأنهما لم يكونا متزوجين، ولو كانا كذلك لذُكِرَ أهلهما عند النجاة، كما اقترن ذِكْر الأهل مع الأنبياء، في كل من حالات النجاة والهجرة التي وردت في القران، كما في الآية {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء:76]، والآية {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا … لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت:32]، والآية {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص:29] ليفيد ذلك أنهما هاجرا منفردين وفي مقتبل العمر، وأن الزواج حصل بعد الإقامة، وعلى الأرجح، من نفس الأقوام التي دخلوا عليها وعايشوها كأفراد، والله أعلم.قال تعالى على لسان إبراهيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39] ومرت سنون طويلة، وبعد أن تقدم إبراهيم عليه السلام في العمر، وهبه الله جلّ وعلا إسماعيل أولا من هاجر، فأسكنه وأمه في مكة، ومن ثم رُزِقَ بإسحاق في شيخوخته، من سارة التي كانت عجوزا, ومن ثم وُلِدَ يعقوب لإسحاق عليهما السلام، قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود:71-72].

مسألة بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى:
قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96].
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ، ثُمَّ قَالَ: حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِد» (رواه الشيخان، وأخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد).
جاء في شرح السندي, لنفس المتن عند ابن ماجة، ما نصه : قوله: "وُضِعَ أول" بالبناء على الضمة، "قال أربعون عاما" قالوا: ليس المراد بناء إبراهيم للمسجد الحرام، وبناء سليمان للمسجد الأقصى، فإن بينهما مدة طويلة بلا ريب، بل المراد بناؤها قبل هذين البناءين، والله أعلم.ومن معاني (الوضع)، في لسان العرب والمواضع معروفة، وواحدها موضع، والموضع هو اسم المكان، وفي الحديث: ينزل عيسى بن مريم فيَضَعُ الجزية، فتوضع الجزية وتسقط، وفي الحديث: ويَضَعُ العلم أي يهدمه ويلصقه بالأرض، ووَضَعَ الشيء وَضْعَاً أي اختلقه وأوجده، ووضع الشيء في المكان أثبته فيه.
ولم تأتِ (وُضِعَ) بأي حال من الأحوال بمعنى (بُنِيَ)، وذلك يفيد بأن الوضع كان للقواعد فقط. وقد رُوي أن آدم عليه السلام، هو أول من بنى الكعبة، واتخذت مكاناً لعبادة الله، ومن ثم تحول الموضع لعبادة الأصنام، وأزيلت معالم ذلك البناء، بفعل الطوفان زمن نوح عليه السلام، واختفت هذه القواعد نتيجة تراكم الأتربة، على مرّ السنين.
وإعراب (وُضِعَ) في كلا الموضعين، هو فعل ماضٍ مبني للمجهول، أي أن فاعل الوضع غير معلوم في النص، وجاءت بمعنى تعيين وتحديد مكان البيت، وهناك روايات بأن الملائكة كشفت لآدم عن موضعه، عندما بناه لأول مرة.
وبلغة مسّاحي الأراضي نستطيع القول أن (وُضع) جاءت بمعنى تحديد وإسقاط إحداثيات الموقع على الأرض وتثبيت حدوده.
ولا يختلف اثنان على أن من أعاد بناء البيت الحرام, هما إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام, بدلالة قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26], بوّأنا أي كشفنا وأظهرنا له موضعه ومكنّاه منه وأذنا له في بنائه, ومن ثم كان البناء برفعه فوق القواعد, في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة:127], والغاية من بناءه هو جعله مكانا للعبادة, بما تشمله من طواف وقيام وركوع وسجود, لمن يستجيبوا لرسالة الإسلام, كما ورد في الآية أعلاه, التي كان يحملها إسماعيل عليه السلام والمقيم في ذلك المكان {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:54].

يعقوب ويوسف عليهما السلام:
قال تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَانِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58] ويعقوب عليه السلام هو إسرائيل, والمقصود ببني إسرائيل هم نسل يعقوب عليه السلام, وحسب ما ترويه التوراة, أنه ترك مقام أبيه إسحاق في فلسطين, وهاجر إلى خاله في العراق (وهذا مما نشك في صحته) ورعى عنده الغنم عدة سنين, وتزوج اثنتين من بناته, وعاد إلى فلسطين مرة أخرى, وقد رُزق عليه السلام باثني عشر ابنا, وأبرزهم يوسف عليه السلام, في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4], وقوله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف:100] أي أجلس أبوه وأمه إلى جواره, احتراما وتقديرا وتوقيرا, ومن ثم سجد له أخوته الأحد عشر دون أبويه, ففي الآية (4) كانت الرؤيا الأولى, للأحد عشر كوكبا والشمس والقمر, ومن ثم كانت الرؤيا الثانية, لسجود الأحد عشر كوكبا دون الشمس والقمر, وهذا ما تؤكده الآية (100) حيث رُفع الأبوين إلى العرش, ومن ثم وقع السجود من الأخوة.
أما مكان سكنى يعقوب عليه السلام, ومن قوله تعالى على لسان يوسف: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ} [يوسف:100], يتبين لنا أنهم كانوا قد سكنوا الصحراء, وعاشوا حياة البداوة, ومن المعروف أن مهنة البدو, هي تربية المواشي وتبادل منتجاتها مع أهل الحضر, ومن قوله على لسان أخوة يوسف أيضا: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:82] والقرية هي مكان تواجد يوسف عليه السلام في مصر, حيث تركوا الأخ الشقيق ليوسف, وقولهم هذا وتردّدهم لأكثر من مرة على مصر, يدل على قربهم منها, وقولهم: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} يدل أنهم ذهبوا إلى مصر ورجعوا في قافلة, وأفرادها يقطنون معهم أو بالقرب منهم, والأرجح أن تكون هذه الصحراء, التي كانوا يقيمون فيها قريبة إلى مصر, وربما تكون صحراء النقب جنوب فلسطين, وفي منطقة بئر السبع بالذات حيث سكنى بدو فلسطين, وهو الأرجح والله أعلم.

الانتقال إلى مصر:
وبعد أن تبوّأ يوسف عليه السلام في مصر منصبا, يوازي منصب وزير الخزينة أو المالية في عصرنا الحالي, لدى فرعون مصر.
انتقل يعقوب وبنوه للحاق بيوسف في مصر, قال تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَني مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:99-101], ودخلوها معزّزين مكرّمين آمنين, وقوله {آمنين} يوحي بأن ليس كل من دخل مصر آنذاك ليقيم فيه من الغرباء والدخلاء, سيكون آمنا على نفسه من الاضطهاد والاستعباد.

بعض مظاهر الحكم المصري:
قصة يوسف عليه السلام أشهر من أن تعرّف لذلك سنوردها باختصار, ونركّز على بعض ما خفي منها.
حيث كانت مصر آنذاك إحدى كُبريات الممالك القديمة, بدلالة قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف:54], وعلى لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} [غافر:29], وكان نظام الحكم فيها ملكي وراثي, وكلمة فرعون ربما تكون اسم أو لقب للملك, ويقال أن الفراعنة لم يكونوا ملوك مصر في زمن يوسف عليه السلام, فسواء كان هذا أو ذاك, فنحن نتحدث عن الأوضاع في مصر آنذاك بشكل عام, حيث يبدو لنا أن المجتمع المصري كان يتألّف من أربع طبقات:

الطبقة الأولى: العائلة الملكية, التي هي في مصاف الآلهة من حيث الحقوق والامتيازات.

الطبقة الثانية: الأشراف من المصريين, وهم الموكل إليهم الأعمال التنفيذية من وزراء وكهنة وما شابه, والذين يتمتعون بامتيازات استثنائية, وهم علية القوم وسماهم سبحانه ملأ فرعون في قوله: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:88]. ومنهم العزيز صاحب يوسف عليه السلام, وهامان الذي كان يشغل ما يشبه, منصب رئيس الوزراء في عصرنا هذا, قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر:36].
وانضوى يوسف عليه السلام ضمن هذه الطبقة, مع أنه كان من الغرباء, كونهم كانوا بأمسّ الحاجة لعلمه وحكمته, لإدارة شؤون البلاد الاقتصادية في سنين الجفاف لا لشيء آخر بعد أن أصبح عليه السلام من المقربين للملك, {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54] بعد أن كان عبدا مملوكا لذلك العزيز, الذي قال عنه يوسف عليه السلام: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23] ولفظ ربّ في الآية السابقة جاء بمعنى صاحب أو مالك, ولفظ العزيز هو لقب يُطلق على الأشراف ذوي المناصب الرفيعة, وقد خُوطب به يوسف عليه السلام, من قِبَل أخوته في الآية (88).
ويبدو أن المجتمع المصري كان منغلقا على نفسه, ولا يخالط الغرباء من منظور الفوقية والاستعلاء, ويخاف الغرباء ويخشاهم وبالتالي كان ينبذهم.

والطبقة الثالثة: عامة المصريين وهم يعملون بالوظائف العامة والخاصة بامتيازات عادية, وشملت هذه الطبقة نسبيا بني إسرائيل في زمن يوسف عليه السلام.

والطبقة الرابعة: العبيد وأغلبهم من غير المصريين بلا حقوق وبلا امتيازات, بل على العكس ليس لهم إلا المهانة والازدراء, ويعملون بقوتهم اليومي في الزراعة والبناء والخدمة, ومن ضمنها صاحبيّ السجن, وشملت هذه الطبقة بني إسرائيل بعد موت يوسف عليه السلام وحتى بعث موسى عليه السلام, والمخطئ من هؤلاء العبيد في حق المصريين, كان مصيره السجن أو العذاب الشديد أو القتل, وبدون محاكمة على الأرجح, وخاصة إذا كان خصمه مصريا حتى لو أُتهم زورا وبهتانا.
وأما الموقع الجغرافي لعاصمة الملك, وبدلالة هذه الآيات: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51], {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:24-27], فهو يقع على مجرى نهر النيل, في أخصب الأراضي المصرية, أما سكنى فرعون وآله -أي عائلته- كانت خارج المدينة بمعزل عن الشعب, وقصره مقام على ضفاف النيل.

هل كان يوسف داعية إلى الله في مصر؟
نقول نعم, وقد بدأ الدعوة في السجن, عندما قال لصاحبيّ السجن: {يَصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:39-40], واستمرت دعوته حتى مماته, قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر:34] وهو يعني أهل مصر, وكان يوسف عليه السلام يدعوا إلى الله تعالى بالقسط, فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي, ولهذا قال مؤمن آل فرعون: {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا}, وطال الأمد بقوم فرعون وببني إسرائيل فضلّوا إلا قليلا, وكان منهم مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه, وعلى لسانه جاءت هذه الآية ومنهم أيضا أهل موسى عليه السلام.

أحوال بني إسرائيل في مصر بعد وفاة يوسف عليه السلام وحتى خروجهم منها:
بعد زوال سندهم لدى فرعون أصبح حالهم حال العبيد, وربما يكون ذلك في زمن فرعون نفسه أو من مَلَك بعده, بعد وفاة يوسف عليه السلام, لزوال المصلحة والنفع الذي تأتّى من علم يوسف وحكمته في الإدارة والاقتصاد.
واستمر حالهم كذلك حتى خروجهم مع موسى عليه السلام, وحسب ما يُروى أن المدة, ما بين دخولهم إلى مصر وخروجهم منها هي أربعمائة سنة, والله أعلم, وحالهم في تلك الفترة الزمنية, يصفه القرآن بما يلي: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4], {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49], {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [الدخان:30] وازداد العذاب والاضطهاد لهم, ببعث موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه.
والحكمة الإلهية التي أرادها الله من بعث موسى عليه السلام, هي ما ابتدر به رب العزة سورة القصص, بقوله {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ علَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5-6] والقصة بتمامها, مفصلة في سورة القصص وسورة طه, وقصة موسى معروفة ومألوفة لدينا, حيث وُلد عليه السلام وألقته أمه في النيل خوفا من ذبحه, فالتقطه آل فرعون واعتنوا به, حتى إذا بلغ أشدّه قتل مصريا, فأتمر به ملأ فرعون, فغادر مصر متجها إلى مدين, ولم يكن قد لقي بلاء قبل ذلك, فقد كان ربيبا منعمّا في آل فرعون, ولم يكن عليه السلام قد أُوحيَ إليه بعد, وإنما كان مسلما على دين آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام. الموقع الجغرافي لمَدْيَن: قيل فيها في المعاجم: أنها تقع قرب بحر القلزم (البحر الأحمر) محاذية لتبوك, وتقع بين وادي القرى والشام, وقيل اتجاه تبوك بين المدينة والشام, وقيل هي كفر سندة من أعمال طبرية, وقيل بلد بالشام معلوم تلقاء غزة, وفي "البداية والنهاية" قال ابن كثير: كان أهل مدين قوما عربا, ومدين هي قرية من أرض معان من أطراف الشام, مما يلي ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط, وكانوا بعد قوم لوط بمدة قريبة.

والقول الأخير هو أفضل ما قيل فيها, وهو الأرجح فهي تقع شرقيّ نهر الأردن, في السفح المطل على فلسطين قبالة أريحا, حيث المكان المسمى بوادي شعيب حاليا, والذي يقع فيه مقام النبي شعيب عليه السلام, في جبال محافظة البلقاء الأردنية, وهي أرض خصبة تصلح لزراعة القثائيّات, وفيها الأشجار المثمرة وعيون الماء, ويؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى, على لسان شعيب مخاطبا قومه: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود:89], والمقصود هنا البعد المكاني, حيث المسافة بين قرية شعيب والبحر الميت (بحيرة لوط) لا تتجاوز 20 كم, أما البعد الزماني بين لوط وشعيب فيُقدّر بمئات السنين, حيث أن لوط عاصر إبراهيم وأن شعيب عاصر موسى عليهم السلام.
وكما ورد في الروايات, كان أهل مدين يقطعون السبيل ويخيفون المارة, وهم أصحاب الأيكة أي الأشجار الملتفة والمتشابكة -وهي صفة موجودة أيضا في تلك المنطقة- وكانوا من أسوء الناس معاملة, يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما, يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص, فآمن بشعيب بعضهم وكفر أكثرهم, {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:189] {فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:91], ولم تدمر ديارهم بل بقيت على حالها, ويقال أن ذلك كان في يوم شديد الحر, فبعث الله ظللا من الغمام في بقعة قريبة من مكان سكناهم, فذهبوا ليستظلوا بها فنزل بهم العذاب, وبقي في القرية من آمن لشعيب عليه السلام من قومه وهم قلة.

مقام موسى في مدين:
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} خرج موسى من مصر وحيدا {قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:22] ولم يكن يملك من أمره, إلا حسن ظنّه بربه عز وجل حتى صار إلى مدين.
فلبث موسى عليه السلام (8-10) سنين في أهلها, لقوله تعالى على لسان شعيب عليه السلام {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:27] وتزوج فيها ورعى الغنم {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ …}.

[/frame][/size][/b]




 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 11-22-2017 الساعة 09:07 PM

رد مع اقتباس
 
كاتب الموضوع مي محمد مشاركات 17 المشاهدات 3553  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 01:45 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah