- فقه الأسرة » الحقوق الزوجية.
- الحديث وعلومه » مصطلح الحديث.
179442: هل ثبت أن زوجة عمر رضي الله عنه كانت ترفع صوتها فيسكت عنها ويصبر عليها ؟
________________________________________
السؤال :
أفيدوني يرحمكم الله في صحة الخبر المنتشر
في الآونة الأخيرة على الإنترنت ،
وفيه أن رجلا غضب من زوجته ؛ لأنها ترفع صوتها عليه ،
فذهَب إلى عـُمـر بن الخـَطـاب ليشكُوها ،
وعندما وصل وهمّ بطرق الباب ، سمع زوجة عمر
صوتها يعلو على صوته ! فرجع يجر أذيال الخيبة.
فما صحة هذا الخبر ؟ وإذا صح :
فهل يستدل به على جواز رفع صوت الزوجة على زوجها؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذه القصة والتي مفادها أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ
يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ
امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا ،
فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ
مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ : مَا حَاجَتُك يَا أَخِي ؟ فَقَالَ :
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي
وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت
وَقُلْت : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ
فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ
لَهَا عَلَيَّ : إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ
لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا ،
وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ ،
فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي ؟
قَالَ : فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ .
فهذه القصة لم نجد لها أصلا ،
ولا وجدنا أحدا من أهل العلم بالحديث تكلم عليها بشيء ،
وإنما ذكرها الشيخ سليمان بن محمد البجيرمي
الفقيه الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (3/ 442) ،
كما ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي
في كتابه "تنبيه الغافلين" (ص: 517) ،
وكذا ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/80)
ولم يذكر واحد منهم إسنادها ،
بل صدروها كلهم بصيغة التمريض التي تفيد التضعيف عادة :
" ذُكر أن رجلا " ، " روى أن رجلا " ،
وهذا مما يدل على أن القصة لا تصح ، ويؤيد ذلك ما يلي :
- مخالفتها للمشهور عن عمر رضي الله عنه
في سيرته من كونه كان مهابا في الناس ،
فكيف بزوجاته ؟ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما :
" مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب
عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له "
رواه البخاري (4913) ومسلم (1479) .
وقال عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ : " شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِلَّا هَيْبَتُهُ،
وَكَانَ رَجُلًا مَهِيبًا " "حلية الأولياء" (4/151) .
- رفع صوت زوجة عمر عليه رضي الله عنهما حتى
يسمعها من بالخارج وهو ساكت منكَر غير محتمل ،
والذي يعرف حال أمير المؤمنين ينكر ذلك بالقطع ،
وهو الذي كان يخاف الشيطان منه ،
ولو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه ،
ورَفْعُ النساء أصواتهن واستطالتهن
على أزواجهن لا يعرف في السلف .
- قوله " إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ
لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا "
قول غير صحيح ، وخدمة المرأة زوجها واجبة عليها بالمعروف ،
وخاصة الرضاع ، فإنه يجب عليها إرضاع أولادها
إذا كانت في عصمة زوجها بلا أجرة ،
والخلاصة : أن هذه القصة لا أصل لها ،
ومتنها ينادي عليها بالنكارة وعدم الصحة .
وعلى ذلك : فلا يصح الاستدلال بها على جواز
رفع الزوجة صوتها على زوجها .
ثانيا :
رفع الزوجة صوتها على زوجها من سوء الأدب وسوء العشرة ، فلا يجوز ذلك .
سئل الشيخ ابن عثيمين :
ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية ؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها
من سوء الأدب ؛ وذلك لأن الزوج هو القوام عليها
وهو الراعي لها فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب ؛
لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما .
كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك ، فالعشرة متبادلة ،
قال الله تبارك وتعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ
فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) .
فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها ،
وأن لا ترفع صوتها عليه لا سيما إذا كان
هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت " .
انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (19/ 2) - بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .
https://islamqa.info/ar/179442"]موقع الإسلام سؤال وجواب