~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||||
|
||||||||||||||
المتسول الأخرس
أثناء الحرب الأهلية كان يتنقل في بعض شوارع بيروت رجل متسول، رث الثياب، كريه الرائحة، وسخ الوجه واليدين حافي القدمين، أشعث شعر الرأس واللحية، وهو فوق ذلك أبكم (أخرس)، لم يكن يملك ذلك (المتسول الأخرس) سوى معطف طويل أسود بائس ممزق قذر يلبسه صيفاً شتاءا. وكان بعض أهل بيروت الطيبين يتصدقون على ذلك ( المتسول الأخرس ) ويلاطفونه، كان عفيف النفس إلى حدّ كبير، فإن تصدّق عليه أحدهم برغيف خبز قبل منه، وإن تصدق عليه بربطة خبز (عشرة أرغفة) لم يقبل، وإن أعطاه أحدهم كأس شاي قبل منه، وإن أعطاه مالاً لم يقبل، وإن أعطاه أحدهم سيكارة قبل منه، وإن أعطاه علبة (20 سيكارة) لم يقبل ؛كان دائم البسمة، مشرق الوجه، مؤدباً لطيفاً مع الصغير والكبير. لم يكن له اسم يعرف به سوى : الأخرس.. لم يشتكِ منه أحد، فلا آذى إنساناً، ولا اعتدى على أحد، ولا تعرض لامرأة، ولا امتدت يده إلى مال غيره، ولا دخل إلى بناء لينام فيه، فقد كان يفترش الأرض، ويلتحف السماء. كانت الحرب الأهلية الطاحنة ما زالت مستعرة، وكان الحديث عن ظروف الاجتياح وأخبار الناس وأحوالهم . ودخل الجيش الإسرائيلي بيروت، واجتاحها من عدة محاور، ولاقى أثناء تقدمه البطيء مقاومة شرسة من أهلها الأبطال، وعانى أهل بيروت من القصف الوحشي والقنص المخيف والقذائف المدمرة، واستغرق ذلك عدة أشهر، بينما كان (المتسول الأخرس) غير عابئ بكل ما يجري حوله، وكأنه يعيش في عالم آخر. ولأن الحرب تشبه يوم القيامة {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} فلم ينفع تنبيه بعض الناس (للمتسول الأخرس) عن خطورة وصول الجيش الإسرائيلي إلى تلك الشوارع والأزقة التي كان يتجول فيها وينام على قارعتها في بيروت الغربية. ومع اشتداد ضراوة الحرب ووصول طلائع الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية يئس الناس من (المتسول الأخرس)، فتركوه لشأنه، ووقف بعضهم عند زوايا الطرق وأبواب الأبنية يراقبون مصيره. وتقدمت جحافل الجيش الإسرائيلي واقتربت من ( المتسول الأخرس ) عربة عسكرية مصفحة تابعة للمهمات الخاصة، وترجل منها ثلاثة ضباط، واحد برتبة مقدم، واثنان برتبة نقيب، ومعهم خمسة جنود، ومن ورائهم عدة عربات مدججة بالعتاد، مليئة بالجنود. كانت المجموعة التي اقتربت من المتسول_الأخرس يحملون بنادقهم المذخرة بالرصاص، ويضعون أصابعهم على الزناد، وهم يتلفتون بحذر شديد. كان الجو رهيباً، مليئاً بالرعب، والمكان مليئ بالجثث والقتل ورائحة الدم، ودخان البارود تنبعث من كل مكان. تقدموا جميعاً من ( المتسول الأخرس )، وهو مستلق على الأرض، غير مبال بكل ما يجري حوله، وكأنه يستمع إلى سيمفونية بيتهوفن (القدر يقرع الباب) . وعندما صاروا على بعد خطوتين منه انتصب قائماً، ورفع رأسه إلى الأعلى كمن يستقبل الموت سعيداً، رفع المقدم الإسرائيلي يده نحو رأسه، وأدى التحية العسكرية (للمتسول الأخرس )، قائلاً بالعبرية : باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أحييكم سيدي الكولونيل العقيد وأشكركم على تفانيكم في خدمة إسرائيل، فلولاكم ما دخلنا بيروت ! رد (المتسول الأخرس) التحية بمثلها بهدوء، وعلى وجهه ذات البسمة اللطيفة، وقال مازحاً بالعبرية : [لقد تأخرتم قليلاً]، وصعد العربة العسكرية المصفحة وتحركت العربة المصفحة وخلفها ثلاث عربات مرافقة، تاركة في المكان كل أنواع الصدمة والذهول، وأطناناً من الأسئلة، كان بعض المثقفين الفلسطينيين ممن يتقنون العبرية قريبين من المكان، وكانوا يسمعون الحوار، وقد ترجموا الحوار، لكنهم عجزوا عن ترجمة وجوه الناس المصدومة من أهالي تلك الأحياء البيروتية التي عاش فيها الجاسوس الإسرائيلي المتسول الأخرس أبو الريش كان جاسوسًا إسرائيليًا في لبنان، اكتُشف فيما بعد أنه ضابط برتبة عقيد بالجيش الإسرائيلي كان مشهورًا باسم «أبو الريش» لارتدائه قبعةً عليها ريشة، واسمه الحقيقي غير معروف، كان أبو الريش مقيمًا في كوخٍ خشبيٍ في شارع السادات في بيروت في ثمانينات القرن العشرين، وكان يتظاهرُ بالجنون والغباء، وكان يستعطي المارة ويُساعد السكان في نقل الأغراض. لبساطته كانت له علاقةٌ وطيدةٌ بكثيرٍ من السكان والباعة وسائقي التكسي. حسب مرافق الرئيس ياسر عرفات زياد أمين ربايعة، فإنَّ أبو الريش كان يتجول بين القذائف المُتساقطة من الطائرات بلا خوفٍ أو حذر، وكان متواجدًا دائمًا بالقرب من حاويات القمامة يُفتش عن بقايا الطعام ليأكله، كما يذكرُ زياد أنهم كانوا يشفقون عليه ويدخلونه مكاتبهم لإطعامه. كما وصفه بأنه كان يلبسُ 3 سترات مُمزقة ولحيته كثيفةٌ طويلةٌ جدًا وشعرهُ كذلك، وكانت رائحته نتنه وينام بالشارع، مما جعل الشك فيه أمرًا مستحيلًا. عند دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت في اجتياح لبنان 1982، وبعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 سبتمبر 1982، ظهر أبو الريش فجأةً يرتدي لباسًا عسكريًا ومتواجدًا على حاجزٍ للقوات الإسرائيلية، وكان قادرًا على تحديد جميع أفراد الأحزاب اليسارية اللبنانية والمنظمات الفلسطينية،وبسببه أُلقي القبض على معظم المُقاتلين.اكتُشف فيما بعد أيضًا، أنهُ كان طوال الفترة يُراقب الناس ويرصد تحركات المقاتلين والقادة، ولعب دورًا مهمًا في إرشاد الطائرات الإسرائيلية لأماكن مقرات الاجتماعات والعمليات وأماكن الأسلحة في بيروت لقصفها.حسب زياد ربايعة، فإنَّ مهمة أبو الريش كانت الرصد والمراقبة وتوجيه الطائرات فقط، وليس الاغتيال. المواضيع المتشابهه: |
01-19-2024 | #8 |
|
رد: المتسول الأخرس
|
|
01-19-2024 | #10 |
|
رد: المتسول الأخرس
|
|
كاتب الموضوع | الجوري | مشاركات | 12 | المشاهدات | 129 | | | | انشر الموضوع |
(عرض التفاصيل) عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 7 (إعادة تعين) | |
, , , , , , |
|
|