~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||||
|
||||||||||||||
جـامع الآسـي
خيري عبدالعزيز عبدالباري أحمد
وجَد ضالته في قلب صحراء إفريقيا المُقحلة، بعدما طاف العالم بكاميرته شرقًا وغربًا، طفلاً أسودَ، ضامرَ الجسد، يحبو رغم سنوات عُمره السَّبع، ومِن حوله تترقَّب الطيور الجارحة، أزاح منفعلاً خَصلة من شعره الأصفر الناعم، تدلَّت على عينيه الزرقاوَيْن، فأظْهَرت توهُّجَهما بالإثارة، بينما اتَّخذ بعناية زاوية عبقريَّة للعدسة، أظهَرت أدقَّ التفاصيل. وما لَبِث زهوًا عاتيًا أن تفجَّر داخِله وهو يغادر مسرعًا، ليضم أروَعَ لقطاته لمجموعة الآسي خاصته. عـودة تـابوت بعد غربة رُبع قرن، اتَّصل أحدهم وأنْبَأنا بوصوله غدًا باكرًا. استحضرنا في تلك الليلة خطابه الوحيد من غياهب الماضي في أعماق الذاكرة، فُوجِئنا أن فئران النِّسيان قد الْتَهَمت كلَّ المحتوى، ولَم تترك إلاَّ آلَمًا يَقطر من بقايا الكلمات المتآكلة، وراهَنَّا على معرفته برغم رتوش السنين. وحينما قذَفت الباخرة بآخر الوجوه من جَوْفها، وجَدنا تابوتًا خشبيًّا يَرقد مُنزوِيًا في سكون، يَنطق بجملة وحيدة: "الغربة تَستنزفني في مَهلٍ". فـراق كانت تبدو مُضطربة، وقد أرْهَقها البحث في وجوههم عنه، وكانوا يعلمون ما يَجول بخلدها، تقدَّم أحدُهم ووضَع رأسها المشتعل بالشَّيب على صَدْره، وقال: أنا هنا يا أمي. لَمَعت عيناها بالفرح: محمد، ابني. قبَّل رأسها: نعم يا أمي. دفست رأسها في صدْره، وتسَمَّعت دقَّات قلبه، وفارَقت الحياة. ربَّتوا على كَتفه، تَمْتَمَ: رَحِمك الله يا صديقي، يا محمد. ذهـبت نَهَل من حبِّها الجارف، وغرَّه قلبها الوَلْهان. أعجَبَتْه فكرة أن يَستميل قلوبًا أخرى، ويَستزيد من ينابيعَ جديدة. بعدما عاد - بعد طول سفرٍ - يائسًا خالي اليدين. وجَدها قد ذهبَت. امـرأة اختَرَقها شعاعه، فانفرَطت إلى ثلاثٍ: لَعُوب أشعَلته. وزاهدة أطْفَأته. ونَمِرة شرسة أشْعَرته بخطورة الموقف. |
كاتب الموضوع | روح الأمل | مشاركات | 9 | المشاهدات | 645 | | | | انشر الموضوع |
(عرض التفاصيل) عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 7 (إعادة تعين) | |
, , , , , , |
|
|