دخلت إلى المطبخ الذي لا يتعدى طوله مترين وعرضه متر واحد، وقد وضعت بداخله
ثلاجة صغيرة جداً، ومغسلة ممتلئة بالصحون التي لم تُغسل منذ وقت طويل، وبعض
الرفوف بجانب المغسلة. فتحت الصنبور كي أشرب، فسال منه ماء بني اللون ممزوج
بالتراب، لا يصلح للشرب، ثم فتحت الثلاجة لعلي أجد فيها بعض الطعام، ولكنها
كانت خاوية مثل النملية التي تركتها في غرفتي!
جلست على الأريكة أنتظر أيمن، ومرَ وقت طويل وأنا أنتظر واشتد جوعي، جف
حلقي، وبدأت الأفكار والظنون تدور في رأسي... أين ذهب أيمن؟ ماذا أفعل الآن
وحيداً في هذه الغرفة؟ أسئلة كثيرة لم أجد لها جوابا!
كان صمت رهيب يطبق على صدري، يشعرني بالوحدة القاتلة عندما سمعت صوت
روكسانا يرن كالجرس في أذني وهي تضحك في الخارج، ثم فتح الباب، ودخل أيمن
بيده علبة من الكرتون تفوح منها رائحة الطعام، تتبعه روكسانا، وهي تتمايل
عليه وتضحك بأعلى صوتها، وقد حملت بيدها زجاجة من الخمر.
بادرني أيمن بالحديث قائلاً: اعتقدت بأنك سوف تنام طوال النهار والليل، فلم
أرد أن أزعجك، ولهذا خرجت مع روكسانا لندعك تنام جيداً، وقد اشترينا لك بعض
الطعام، فأنت لم تأكل منذ البارحة.
لم تسعفني الكلمات لكي أعاتب أيمن،فقد فتحت العلبة، وكانت تحتوي على البطاطا
المقلية وقطع من لحم الدجاج، وبجانبها زجاجة ماء، فرحت ألتهم الطعام بشراهة
من شدة جوعي، حتى أني خجلت من نفسي أمامهم.
كنت أشعر بنظرات روكسانا تراقبني وفيها شيء من التقزز، وكأن لسان حالها
يقول: من أين جاء هذا الغريب ليشاركني الغرفة مع صديقي.
سألت أيمن متردداً، وقد بانت على وجهي علامات الارتباك:
- كيف نتدبر أمرنا نحن الثلاثة في هذه الغرفة الصغيرة؟ وأنت لم تخبرني بأن
صديقتك تعيش معك في بيتك!
طال جواب أيمن، فقد كان ينظر إلى سقف الغرفة، واعتقدت بأنه يفكر في حل لهذا
الموضوع، ولكنه فاجأني عندما قال بعد تنهيدة طويلة: هذا البيت ملك روكسانا
وأنا أقيم عندها.
فسألته مستغرباً: الذي أعرفه أنك تاجر وعندك أملاك كثيرة وشركة وسيارة ورصيد
في البنك، ومحلات تجارية... هل كل هذا كان كذبا؟
احمر وجه أيمن حتى ظننت بأن عروق الدم ستنفجر في رأسه، ونظرَ إلى الأرض ثم
رفع رأسه إلى السقف مع تنهيدة طويلة، وقال: إنه القمار يا صديقي، لم يُبق لي
شيئا، حتى ثيابي بعتها وقامرت بها، وهذا كان سبب ذهابي إلى البلد، كي أطلب
بعض المال من أهلي، وقد أعطوني ولكن لا يعلمون بأني أبدد المال في القمار
ولكن هذه المرة سوف أعمل وأضع يدي بيدك ولن أعود للقمار.
عائلة أيمن في القرية غنية جداً، وهم يملكون الكثير من الأراضي الزراعية، ولهذا
كان باستطاعتهم إرساله إلى الخارج ليكمل تعليمه، أما عائلتي فقيرة، وأبي
لا يملك سوى قطعة أرض صغيرة لا تكفي لإطعام البغل.