وهو أفريدون بن أثغيان ، وهو من ولد جم شيد .
وقد زعم بعض نسابة الفرس أن نوحا هو أفريدون
الذي قهر الضحاك ، وسلبه ملكه ، وزعم بعضهم
أن أفريدون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم الذي ذكره
الله في كلامه العزيز ، وإنما ذكرته في هذا الموضع
لأن قصته في أولاده الثلاثة شبيهة بقصة نوح على
ما سيأتي ولحسن سيرته ، وهلاك الضحاك على يديه ،
ولأنه قيل إن هلاك الضحاك كان على يد نوح .
وأما باقي نسابة الفرس فإنهم ينسبون
أفريدون إلى جم شيد الملك ، وكان بينهما
عشرة آباء كلهم يسمى أثغيان خوفا من الضحاك ،
وإنما كانوا يتميزون بألقاب لقبوها ، فكان يقال
لأحدهم أثغيان صاحب البقر الحمر ، وأثغيان صاحب
البقر البلق ، وأشباه ذلك ، وكان أفريدون أول
من ذلل الفيلة ، وامتطاها ، ونتج البغال ، واتخذ الإوز ،
والحمام ، وعمل الترياق ، ورد المظالم ، وأمر الناس
بعبادة الله ، والإنصاف ، والإحسان ، ورد على
الناس ما كان الضحاك غصبه من الأرض وغيرها ،
إلا ما لم يجد له صاحبا فإنه وقفه على المساكين .
وقيل : إنه أول من سمي الصوفي ، وهو أول
من نظر في علم الطب . ومكان له ثلاثة بنين ،
اسم الأكبر شرم ، والثاني طوج ، والثالث إيرج ،
فخاف أن يختلفوا بعده فقسم ملكه بينهم أثلاثا ،
وجعل ذلك في سهام كتب أسماءهم عليها ،
وأمر كل واحد منهم فأخذ [ ص: 78 ] سهما ،
فصارت الروم ، وناحية العرب لشرم ، وصارت الترك ،
والصين لطوج ، وصارت العراق ، والسند ، والهند ،
والحجاز ، وغيرها لإيرج ، وهو الثالث ، وكان يحبه ،
وأعطاه التاج والسرير ، ومات أفريدون ونشبت
العداوة بين أولاده وأولادهم من بعدهم ،
ولم يزل التحاسد ينمو بينهم إلى أن وثب طوج ،
وشرم على أخيهما إيرج ، فقتلاه ، وقتلا ابنين
كانا لإيرج ، وملكا الأرض بينهما ثلاثمائة سنة .
ولم يزل أفريدون يتبع من بقي بالسواد من
آل نمرود والنبط وغيرهم حتى أتى على
وجوههم ومحا أعلامهم ، وكان ملكه خمسمائة سنة
المصدر
كتاب الكامل فى التاريخ
لأبن الأثير.. عمدة المؤرخين
ومنذ أن خلق سيدنا ادم وله اعداء وحاسدين
الموضوع جميل جدا في سرد التاريخ
وفي نقل انفعالات النفس البشريه التي لا تكتفي من مال ومن جاه
وينسون انهم سيتخلون عن حطامها يوما
شكرا لك لا عدمنا يد العطاء