~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 328
عدد  مرات الظهور : 1,863,941


عدد مرات النقر : 328
عدد  مرات الظهور : 1,863,941

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-13-2012   #11


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الفصل السابع


بوابة القصر كبيرة تشي بالقوة والمقاومة.. مُزينة بقطعتين من الرخام الأخضر.. ونقوش فارسية جميلة.. وفي مثل هذا الليل كانت البوابة
مغلقة، لم يكن بالخارج أحد من الحرس.تقدم عبد القيوم بثقة في زي الجندي المغولي.. والسيف المعلق بجانبه.. والخيل الأحمر النشيط..
تجعله فارساً مغولياً قدم من البعيد ليستبسل دفاعاً عن مجد التتار.
وكان واضحاً أن فقدان الجنود الستة وخيولهم و الأسيرين دون أثر واضح.. كذلك اختفاء حارس الساحة.. قد أهاج القصر عن بكرة
أبيهم.. فرغم أن الوقت كان منتصف الليل إلا أن الاقتراب من القصر يعطي انطباعاً تامّاً بالتحفز واليقظة.
ومن أعلى القصر خاطب عبد القيوم صوت شرس بلغة المغول:
- قف يا هذا.. من أنت.. ماذا تريد؟
مرت بعبد القيوم ارتعاشة واجلة، قهرها بأن جذب نفساً عميقاً ثم أجاب بنفس اللغة:
- اسمي "طبوتي" وأنا من مغول الشمال و أريد مقابلة رئيس الحرس.
- انصرف الآن.. وتعال غداً.
- لا بد من أن أراه حالاً.
- لقد أمر أن لا يفتح الباب ليلاً!
- الأمر لا يحتمل التأجيل..
انضم إلى الحارس حارس آخر وتشاورا قليلاً.. ثم أنزلا دلواً من أعلى السور يربطه حبل غليظ..
ويمثل مصعداً يغني عن فتح البوابة. وخاطبه الحارس:
- اربط حصانك.. واصعد.
وفعل عبد القيوم ما طلب منه.. وهو يعجب لهذه الطريقة المبتكرة في الدخول.
وما أن استقر في الأعلى حتى أحاط به الحارسان وواحد آخر.. وجرّدوه من سيفه.. واقتادوه إلى الأسفل عبر درج طويل.. وذهبوا
به إلى غرفة مضاءة وكان هناك شخص رابع يتناول طعاماً وقد رحب به الرجل وسأله:
- ما حاجتك يا شمالي؟
أجاب عبد القيوم:
- أريد مقابلة الأمير شيوم أو رئيس الحرس.
- ولماذا؟
- لأمر هام.. أريد أن يسمعه أحدهما مني.
- الجميع ينام الآن يا هذا.. ليس هناك سوى بعض الحرس.
وفرح عبد القيوم فـ "بعض" تعني "القليل" وكان هذا أول مكاسب مغامرته. وسأل الرجل:
من أين قدمت؟
- من الشمال.. لقد سلخت أياماً طويلة في السفر ولم أتوقف إلا الآن!
- ستتناول طعاماً الآن وتنام وغداً ستقابل رئيس الحرس.
واقتادوه ثانية إلى غرفة أخرى ولم يعطوه سيفه بل أغلقوا عليه الغرفة بالقفل بعدما وضعوا عنده بعض الطعام الذي لم يتناول
منه عبد القيوم شيئاً. بل نام نوماً جعله التحفز والتوجس متقطعاً قلقاً.
وفي الضحى.. أخذه أحد الجنود لمقابلة رئيس الحرس.
كان رئيس الحرس ضخماً مخيفاً.. وكان يصلح نشاباً بين يديه عندما أدخله الجندي عليه قائلاً:
- سيدي "لاتو" لقد جاء هذا الفارس البارحة ونام هنا.. وهو يريد مقابلتك.
تكلم "لاتو" بفظاظة:
- ألم أقل لكم ألا يدخل أحد القصر ليلاً؟
ثم نظر إلى عبد القيوم متفرساً وسأله:
- من أنت وماذا تريد؟
قال عبد القيوم:
- اسمي "طبوتي" وأنا مقاتل جيد ويهمني شرف المغول وقد سمعت بمداهمة قام بها بعض الأشقياء لقصر سيدي شيوم.. وأن الأمير طلب
زيادة حامية القصر.. وأنا أريد أن أتطوع للحراسة عنا والدفاع عن مقام الأمير.
فقال رئيس الحرس بخشونة:
- كلكم بهذا الشكل.. تأتون متطوعين للذود عن حمى المغول وبعد شهرين تطالبون بالأجر وتلحفون بالسؤال.
وصمت قليلاً ثم أضاف:
- لقد زاد الأمير في عدد الجند.. وأمر ألا نأتي بالمزيد.. ولكن لا بأس.. فنحن بحاجة إلى خدم فقد خاف كثير من الخدم الرعاع بعد
مهاجمة القصر وتركوا العمل هنا.. وقد.. ما هذه الدماء التي في ثيابك؟!
وقف شعر عبد القيوم مخافة أن يكون رئيس الحرس قد اكتشفه فقد نسي أن يغسل بقعة الدم الكبيرة التي في ثياب الجندي التي
يرتديها والناتجة عن مقتله ليلة البارحة، لكنه اعتذر على الفور:
- لقد سقطت ليلة البارحة من على الخيل ولم أجد فرصة لتنظيف ثيابي يا سيدي.
- ماذا تجيد من الأعمال يا فتى؟
- سأعمل أي شيء تطلبه مني..
أعاد رئيس الحرس تأمله من قدميه إلى رأسه ثم قال له:
- أنت تبدو فارساً فكيف ترضى أن تعمل عمل الخدم؟!
- أنا لا عمل لدي.. وأحتاج مأوى وطعام.. وإذا كان العمل في سبيل العساكر المغولية.. فلا أبالي أيَّ شيء كان في العمل.
من حسن حظك أنك مغولي فالأمير طرد من كان يعمل هنا من غير المغول منذ زمن.. لكن من أي القبائل أنت؟
- أنا من قبائل "اليوتا" في الشمال الشرقي من بلاد المغول!
اخترع عبد القيوم اسم القبيلة من ذهنه.. ولم يتوقع أن هناك قبيلة تحمل هذا الاسم.. إلا عندما كشر "لاتو" عن أضراسه وهتف بامتعاض:
- تباً لذلك اليوم الذي حاربنا فيه قبيلة "اليوتا" لقد قتل ابن عمي في تلك المعركة.. وبما أنك من هؤلاء الأقزام فستعمل
على تنظيف الحشوش و المراحيض.. وإذا لم يعجبك هذا العمل فاغرب عن وجهي حالاً!!
شعر عبد القيوم بالمرارة لهذا العمل المهين.. لكنه سرعان ما اغتبط به.! فهو يتيح له أن يتسكع في كل ممرات القصر وردهاته.. وأن يرسم
خريطة شبيهة بخريطة المنذر بن سعد. ووافق فوراً على عرض رئيس الحرس مع أنه تمنى لو يطيح برأسه في الحال.
ومنذ تلك الساعة خصصت له حجرة ليعيش فيها غاية في الضيق والقذارة.
وفي أقل من أربعة أيام أبان رئيس الحرس إلى أي حد يحتقر قبيلة "اليوتا" التي جنت على عبد القيوم.. فمع المعاملة الخشنة.. و إلى جانب تنظيف
المراحيض كان هناك بعض الأعمال الحقيرة التي لم يتعود عليها كالكنس وتنظيف الإسطبل، وكان يغتاظ أحياناً.. لكنه إذا تذكر أن كل
ذلك في سبيل الله هانت عنده نفسه ورضي! وتيسر له التجوال في ردهات القصر الخارجية..
لكنه لم يلتق بالأمير شيوم.. ولم يعرف مقرّه ولا حجرة نومه.. وكم كان في لهفة إلى ذلك.
و على مدى الأيام السابقة.. كان يستيقظ صباحاً.. ثم يقوم لجمع روث الخيول وينشره في الشمس لييبس ثم يسلمه إلى الطباخ ليستخدمه
في إشعال النار و الطبخ. ثم يبادر إلى المهمة التي تجلب الورم إلى كبده وهي تنظيف الحشوش من مخلفات الآدميين.
وقد كانت الحشوش والمراحيض منتشرة في كافة أرجاء القصر.. وكان الحش يتكون من غريفة صغيرة.. رفيعة السقف مزودة بالماء.. وفي وسطها
ثقب صغير تجلس فوقه. وتحتها حجرة ثانية عرضها وطولها ثلاثة أذراع وارتفاعها كذلك ولها بويب صغير..
وكان ما يمر مع الثقب يصير إلى الحجرة السفلى.. وعندما تجتمع القاذورات فيها.. يأتي منظف الحشوش ويفتح البويب
الصغير ويكنس تلك القاذورات ويجمعها في عربة يجرها بنفسه.. ويخرج بها خارج القصر.. ثم يلقيها بعيداً.

وقد حمد عبد القيوم ربه على هذا العمل، فمع إتاحته له بالتنقل داخل الحديقة
والقصر بحرية.. كانت فرصة الهروب متوفرة وبشكل آمن ومستمر!
وكان عبد القيوم جادّاً في إنجاز ما جاء من أجله وهما مطلبان.. الأول رؤية شيوم، والثاني
رسم مخطط للقصر ومعرفة مقصورة شيوم التي ينام بها ليلاً.
وقد حدث ما حقق له المطلب الأول وجعل الجنود يغيّرون نظرتهم إليه.!
فذات نهار كان يتجه إلى الحديقة لكنس الأوراق.. وهناك شاهد جندياً ضخماً يستند إلى جذع شجرة
وقد تلوث حذاؤه بالوحل.. وما إن رآه الجندي حتى ناداه:
- تعال هنا يا خادم.
واقترب عبد القيوم فأضاف الجندي:
- نظف حذائي من الوحل.
نسي عبد القيوم الحذر فقال باستعلاء:
- ليس من عملي أن أنظف أحذية الجنود.!
فقال الجندي بشراسة:
- أنت خادم.. وستفعل كل ما يطلب منك..
وجرى بينهما جدال. حتى قال الجندي في غضب:
- ستنظف الحذاء ولو لعقاً بلسانك.. فلا أحد هنا يعصي "أوسطاي" .
واجتمع عليهما بعض الجنود.. وأرادوا أن يتسلّوا بإشعال الخصام فقال أحدهم:
- لا تغضب "طبوتي" يا "أوسطاي" فربما أرغمك على تنظيف الحشوش بدلاً منه!
فقال أوسطاي:
- اخرس يا "سوجي" وإلا نظفت أنت الحذاء!
- بل اخرس أنت يا كلب..
- هل تريد أن تنضم إلى هذا الذليل ضدي!؟
- أنت تحسب أنك ترهب الجميع.. وأنت لا تخيف فأرة..!
وانتقل الخصام إلى "سوجي" و "أوسطاي" بدلاً من عبد القيوم وقال "أوسطاي" وهو يصر على أسنانه:
- بما أنك تدخلت فيما لا يعنيك فخذ هذه..
وسدّد إلى فك "سوجي" ثلاث لكمات عنيفة جعلته أخراهن يتطوح بعيداً. وضحك الجنود فأضاف أوسطاي:
- سينظف هذا الحذاء وأنتم تنظرون..
كان مغتاظاً.. فقد ساءه أن يتكابر عليه خادم ذليل.. لذا قبض على غارب عبد القيوم وحناه تجاه قدميه حتى أجلسه وقال:
- تباً لك.. لقد جعلتهم يسخرون مني.. فالعق الحذاء يا حقير.!
ودفع حذاءه إلى فم عبد القيوم.. حتى التصقت به شفتاه.. وتزايد ضحك الجنود وسروهم بنجاح الخصومة. ولم يعد عبد القيوم يملك
السيطرة على نفسه.. ولم يتذكر سوى أنه مسلم.. وأن هؤلاء مشركون..
وأنه يعتز بإسلامه. فقذف الحذاء بعيداً.. وهتف بأوسطاي:
- ستندم أيّها الثور الهائج.!
واستقام واقفاً، والتفت إلى خصمه وصفعه صفعة مدوية وقبل أن يستفيق صفعه أخرى حتى استدار.. ثم نزع خوذته وركلها بقدمه..
وجذبه من ناصية شعره إلى الأرض بقوة حتى انكب على وجهه في حوض الشجرة الملئ بالوحل و الطين.
وتصايح الجنود سروراً.. وهتف أحدهم:
- أنت قوي يا منظف المراحيض.. أنت الوحيد الذي هزم أوسطاي!
واستقام أوسطاي من سقطته صائحاً:
- أنا لم أهزم بعد يا أوغاد.!
وكان "سوجي" قد استفاق من أثر اللكمات العنيفة، وهتف:
- بل سترى كيف هزمت..
وضرب ظهر أوسطاي بغصن اقتطعه من الشجرة مما جعله يصرخ ألماً ويلتفت
إليه نازعاً الغصن من يده ومنهالاً على وجهه ورأسه بالضرب.
وجعل "سوجي" يتراجع تحت ألم الضرب، وهنا تدخل عبد القيوم وساعد "سوجي" بخنق أوسطاي بذراعه من الخلف وسحبه إلى حوض الشجرة
ثانية وحاول إسقاطه فعجز عنه لضخامته.. فما كان من أوسطاي إلا أن احتمله فوق يديه تمهيداً لقذفه على الأرض.
وازداد هتاف الجنود لما أصبح العراك أكثر إثارة ومتعة.. وكان بعضهم يطل من أعلى السور مستمتعين بالمشاهدة.. وقبل أن يقذف
أوسطاي بعبد القيوم إلى الأرض.. تعلق عبد القيوم بغصن الشجرة.. والتفت أوسطاي مدهوشاً من الحمل الذي فر من يديه..
فركله عبد القيوم برجله في جبينه.. فتراجع لتستقبله قبضات سوجي الغاضب الذي
سدّد إليه ضربة جعلته يتهاوى إلى الوحل ثانية، وهتف سوجي:
- أحسنت يا طبوتي.. لقد أدبته جيداً.. ولن يتكابر بعد اليوم!
وهنا جاء من خلفهم صوت آمر ينهاهم:
- ما هذا الضجيج.. من بدأ العراك أيها الأوغاد؟!
ونزل عبد القيوم ملتفتاً إلى صاحب الصوت.. فشاهد شاباً طويلاً متين العضلات.. وحشي الملامح.. يرتدي سروالاً فضفاضاً..
وحذاءين يصلان إلى منتصف ساقه.. وقميصاً موشى بالحرير.. وكان حليق الرأس يتدلى من أذنيه قرطان كبيران..
ومظهره يبعث على المهابة.. ويوحي بالسطوة والقسوة!!
وهتف أحد الجنود:
- كفّوا يا سفلة.. الأمير شيوم!
وجمد عبد القيوم لحظات و حدّق فيه بعينيه.. الأمير شيوم.. مرعب الآفاق.. وحاكم قانين السفاح.. الذي قطع الرجال المسافات..
واقتحموا المخاطر لاجتثاث عنقه.. والظّفر برأسه.. مظهره المترف القاسي.. يصادق على
كل ما يشاع عنه من أخبار.. ويؤكد أن رأسه ليس سهل المنال.!
ووجد عبد القيوم شفتيه تتحركان بلا صوت:
- (واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون)
وعندما توقف شيوم وضع يده على خصره صامتاً.. فانسحب الجنود كالفئران المذعورة.
ولم يبقَ سوى عبد القيوم و سوجي و أوسطاي.. وقال شيوم لسوجي:
- اذهب وأحضر بساطاً وأريكة.
فقال سوجي في وجل:
- و أين أضعها؟
- تحت هذه الشجرة.
- أمرك سيدي شيوم.
- أسرع.. واعلم أنك ستنال العقاب على هذه المشاجرة.
ثم التفت إلى أوسطاي معنفاً:
- لماذا تتقاتلون؟! لا شك أنك من ابتدأ العراك.. أنت تثير المشاكل والضجيج دائماً.!
فقال أوسطاي:
- إنه خادم متمرد يا سيدي.
وانبرى عبد القيوم يقول:
- لقد حاول إهانتي.. وقسري على لعق حذائه لأنني رفضت تنظيفه من الوحل!
فقال أوسطاي:
- كاذب.. إنه كاذب يا سيدي الأمير.
ودافع عبد القيوم عن نفسه:
- لقد اضطررت للدفاع عن نفسي.. والجنود الذي كانوا هنا يشهدون بذلك..
وهتف بعض الجنود الذين كانوا يطلّون من الأعلى:
- إن أوسطاي هو الكاذب يا سيدي.. لقد اعتدى عليه وعلى سوجي..
فصاح بهم شيوم:
- اخرسوا.. ألم تجدوا وقتاً تتشاجرون فيه غير هذا الوقت.. يا حمقى ألا ترون أن شرّاً يختطف الجنود فيختفون لا أثر..
وأنتم تتهارشون هنا كالكلاب!! هيا انصرفوا.
وانصرف الجنود.. فالتقط شيوم الغصن الذي اقتطعه سوجي وأهوى به على أوسطاي..
وجعل يضربه في كل مكان بقسوة أرعبت عبد القيوم وهو يقول:
- أنت لا تعجبني أيها الضخم.!
- وعندما أفرغ فيه غضبه.. ركله برجله حتى سقط وقال له:
- لا تحدث شغباً مرة أخرى.
فقام أوسطاي ذليلاً والتقط يد شيوم وقبلها وسارع بالفرار.
وعندما رأى عبد القيوم ذلك تيقن أن كل ما يروى عن شيوم لم يكن مبالغاً فيه.
وآثر الانسحاب قبل أن يعمل شيوم شيئاً.. وكاد ينسل صامتاً حتى ناداه شيوم:
- أنت.. تعال إلى هنا.
واقترب عبد القيوم متظاهراً بالمسكنة و الانصياع، فسأله شيوم:
- من أنت.. وما اسمك؟
أجاب عبد القيوم عابساً:
- خادمك "طبوتي" يا مولاي.
- كيف دخلت إلى هنا؟
- لقد جعلني رئيس الحرس خادماً.
- كيف يكون ذلك.. كان عليك أن تقابلني.. لقد أعلمته ألا يدخل أحداً إلا بعلمي!؟
- لعل ذلك هفوة منه إذْ لم يعلمك.!
- لا لم يقل لي شيئاً عنك.!
- لقد قدمت ليلاً و معي سيفي وجوادي وقد نذرت نفسي للدفاع عنكم يا مولاي و عن القصر.. فقد غاظتني تلك الشرذمة
التي تجرأت على مقامكم بحقارة.. وأدركت أنه لا بد من تعزيز حماية القصر.. وبما أنه لا عمل لي فقد عرضت نفسي
على الرئيس لاتو.. لكنه احتقرني لأني من قبيلة "اليوتا" التي يكرهها.. وجعلني خادماً
على تنظيف الحشوش والمراحيض وكنس الحديقة كما ترى يا مولاي!
وسكت عبد القيوم عندما لاحظ أن الأمير شيوم شغل عن حديثه بتأمل جسمه وتقاطيع وجهه.!
ثم أطرق إلى الأرض سارحاً.. ومضت فترة قصيرة قبل أن يرفع إلى عبد القيوم عينيه القاسيتين ويقول:
- هذه شهامة منك يا فتى.. أن تعرض نفسك للدفاع عنا.. وسآمر لاتو أن يجعلك في عداد الجند في الأيام القادمة.
- الشكر لك أيها الأمير..
- أما المشاجرة التي أحدثتها.. فسأعدُّك ضيفاً و أعفو عنك لكن ليس دائماً.. وإنما لأنك تطوعت لحماية القصر..
والآن انصرف ولا تعد لمثل الذي فعلت فأنا لا أحب المشاكل.
انصرف عبد القيوم وهو يقاوم إغراءً عنيفاً في أن يحطِّم رأس شيوم بمجرفته ويضح حداً لشروره! وساءته تلك الترقية المفاجئة
فهي ستحد من حركاته داخل القصر وتجعله ملازماً للجنود الذين ربما استجروه بالحديث فعرفوا من لكنة لسانه أو لهجته أيَّ عدو هو!!
ولكنه عزى نفسه بأنه لم يبق سوى يومين أو ثلاثة ويتصل برفاقه بطريقة ما وتبدأ المهاجمة وبعدها يتمشى على حوائط القصر
منصوراً أو يسحب معفراً مقتولاً.. شهيداً في سبيل الله.. وقد زاده طمأنينة وارتياحاً كسبه ولاء "سوجي" وصداقته..
فتعاونهما ضد البغيض المشرك أوسطاي جعلهما أكثر تفاهماً وتقارباً.. وكان سوجي من ابتدأ إنشاء هذه العلاقة
حين التقى عبد القيوم بعد ساعة من العراك في أحد الممرات وألقى إليه التحية مبتسماً وقال:
- ربما نصبح أصدقاء يا طبوتي.. تستطيع زيارتي عند مرفع الدلو الذي صعدت إليه عندما جئت. وستجدني هناك فأنا آمر ذلك المصعد..
وثق أنني لن أنسى أنك ساعدتني على ذلك القذر.. و إلا كنت محط سخرية الجنود.
وزاره عبد القيوم في موقعه وتحادثا.. وفهم عبد القيوم أنه يَنْقِمُ على شيوم لأنه جلده عقاباً على المشاجرة جلداً يفوق ذلك
الذي ناله أوسطاي. وكانت زيارة عبد القيوم تلك مفتاح نفع كبير له ومصدر رخاء لسوجي فيما بعد.!
وبما أنه رأى وجه شيوم وعرف فقد بقي عليه إنجاز مطلبه الثاني وهو تعيين مقصورته التي ينام فيها.. وتحديد أقصر الطرق إليها..
وكان يهم بإعداد رسومات توضح ذلك لولا أن حدث ما وفر عليه الجهد واختصر عليه الوقت..
فقد لاحظ في ضحى اليوم الذي تلا تلك المشاجرة أن ثمة مرحاضين قرب المطبخ لم يكنسهما منذ مجيئه. فقام بجر عربته وأوقفها
قرب المرحاضين.. ونظف أولهما متأذياً كعادته.. ثم شرع في الثاني فاتحاً بويبه السفلي..
فإذا بمحمود بن حبيب.. الرجل المفقود من رجال يوسف بن محمد.. قبالته!!
لبرهة ألجمته الدهشة وهو يتأمله.. كان ذابل العينين من طوال احتجابه عن الشمس عليلاً.. أصفر.. كالميت المبعوث.. كان عاجزاً عن الكلام..
لكن عبد القيوم فهم كل شيء فأشار إليه إشارة ثم أغلق البويب.. وأسعفه عقله.. فخطّط بسرعة.. وشرع في تنفيذ خطته..
فأفرغ العربة من محتوياتها القذرة في المرحاض الأول، ثم تلفت، فلما أمن أن لا أحداً يراقبه.. فتح البويب وجر محموداً
الذي لم يعترض ولم يسأل ونقله إلى العربة وأغلق عليه غطاءها ومضى به إلى حجرته وأغلق الباب عليهما وأحكم إغلاقه..
وابتدر ضيفه الصامت الذي كان يستجيب له فيما يفعل ويتطوح بين يديه كطفل.. فخلع ملابسه المنتنة وغسله.. ثم
ألبسه ملابس جديدة عنده.. وقدم له طعاماً خفيفاً وماءً.. فبدأت الحياة تدب فيه وشكر عبد القيوم متلعثماً بصوت
كالفحيح.. فسجَّاه عبد القيوم على الفراش وهمس في أذنه:
- لا تحدث صوتاً فأنت في حجر الضبعة! وإذا اكتشفوك قتلوك وقتلوني معك..
ولم يحدث محمود بن حبيب صوتاً بل نام ملء جفونه بعدما امتلأ بطنه الخاوي. وخرج عبد القيوم إلى أعماله مقرراً أن يزور
سوجي ليفيد منه في معرفة مقصورة شيوم فلم يجده هناك ووجد شخصاً آخر قال له:
- لا ينزل المصعد إلا في الليل.. لذا فإن سوجي قد خرج إلى أسواق المدينة لبعض شأنه مثل معظم الجنود.
لم يشأ عبد القيوم تفويت الفرصة فسأل على الفور:
- وهل يخرج معظم الجنود من القصر طوال النهار؟
- ليس كلهم.. النصف تقريباً.. وفي وقت الضحى و شيئاً من الظهيرة فقط.
- عندما أصبح مقاتلاً وجندياً مثلكم سأتمتع بالخروج والتجوال.. فلاتو يعاملني كخادم ولا يدعني أخرج إلا لألقي القاذورات خارجاً وأعود!
- أنت مقاتل جيد يا طبوتي لقد لقنت المتغطرس أوسطاي درساً لا مثيل له!!
شرح له عبد القيوم كيف أنه فعلاً كيف أنه فعلاً كان مرهوب الجانب في قريته التي جاء منها و أنه كان يقود الخصومات دائماً..
وبعد حديث قصير انصرف عنه وهو يضحك في قرارة نفسه لعلمه أنه لم يتشاجر مع أحد منذ افترق عن جابر وهو صبي..
لأن جابراً هو الذي كان يقوده إلى المشاجرات والمشاكسات زمن صباهما.
وعند الظهيرة عاد إلى حجرته فدخل وأغلق الباب جيداً.. وهناك كانت الحياة قد عادت تماماً إلى الميت الأصفر..
و أشرق وجهه بنصف العافية.. وتحدث عبد القيوم:
- لقد ظننتك تعاني سكرات الموت.. فقل لي بالله هل كنت تختبئ في هذا المرحاض طوال الأيام الماضية؟!!
أجاب محمود بن حبيب بصوت أسيف وهو يسند ظهره للجدار ويغطي رجليه الممدودتين بالفراش:
- وبلا طعام ولا شراب.. قبح الله يوسف.. إنه سبب ما حصل لي وللبقية.. إن تهوره أدى إلى هزيمتنا.. فقد أمرنا باقتحام البوابة لما رأى
الحرس عندها قليلاً.. وقد صاولناهم بالسيوف و نحن نتجه إلى مقصورة شيوم.. لكنهم تكاثروا علينا ولما رأيت يوسف
يتعثر ويسقط.. ورأيت السيوف تخترط الرجال.. لذت بالفرار إلى بطن القصر.. وكانت معجزة لا أكاد أصدق أن أحداً
لم يلحظني و أنا أندس في هذا الحش الذي وجدتني فيه.. ويبدو أن الحرس الذين في أعلى الأسوار قد هبوا
إلى البوابة.. ومن ذلك اليوم و أنا مختبئ، ومن رحمة الله أن الحش لا يستعمل.
قال عبد القيوم:
- لا تلق باللائمة كلها على يوسف.. إنه لم يجلدك بسوطه حتى تنضم إليه!
فأطرق محمود بخجل وقال:
- أنا نادم بشدة على انضمامي إلى هذا المجنون.
- إن انشقاقكم عنا شتت أمرنا و أضعف قوتنا.. لاسيما عندما استولى يوسف
على خارطة القصر وعرضني أنا و جابراً للهلاك.. لولا أن نجانا الله!
الخارطة.. ليتنا لم نحصل على الخارطة.. لقد خدعنا يوسف بالمكاسب ووعدنا بالأموال إذ نحن سكتنا وانضممنا إليه.. متى استولى على الخارطة..
وقد دبر خديعة الصيد و الوعل في الجبل.. ودحرجة الصخور.. واستدراجكما إلى الجبل لتنفيذ خطته، ثم أدخل يده في جيبه وهو يقول:
- هذه هي الخارطة.. تباً لها من شؤم!
وقذف إليه بالرقعة التي رسمها المنذر بن سعد ودهش عبد القيوم لوجودها معه فسأل:
- ألم تكن مع غالب بن عبد الرحمن؟
- كانت مع يوسف فانقطع حزامه فدفعها إلى غالب ودفعها غالب إليَّ لأتأملها ونسيت معي.. لكن أريد أن أعرف شيئاً كثيراً
كيف عرفت أنها مع غالب وكيف تتجول هنا بحرية.. وأين بقية الرجال؟!
حدثه عبد القيوم بكل ما حدث منذ البداية.. منتهياً باختطاف يوسف ورفيقه وأنهم آخر من بقي حيّاً..
وبتنكره في القصر لإيجاد فرصة للدخول. وعلق محمود قائلاً:
- ليتكم تركتم يوسف للقتل!
- لن ندعه يشارك في اقتحام القصر ثانية.. سنقتاده مكبلاً إلى الخليفة.
- ومتى ستهاجمون؟
- إن الجميع على أتم الاستعداد وهم بانتظار إشارة مني لوقت الهجوم ومكانه وقد كنت بصدد دراسة الطريق إلى مقصورة شيوم..
ولكن وجود الرقعة الآن قد كفاني مؤنة ذلك.. سأذهب بعد تأملها لأدرس الممرات التي حول غرفة شيوم حتى نتمكن من الوصول إليه
وإنجاز أمرنا ثم نتراجع بدون أن تكون أظهرنا في متناول سيوف الجنود.. هذا كله يحتاج إلى شيء من الدقة والحذر!
- منذ متى وأنت هنا؟
- منذ أيام.
- ألم تستدل على جناح شيوم الذي يقيم به إلى الآن؟!
- لم أشأ أن أثير حول نفسي العيون حتى يطمئنوا إليَّ.. فهم لم يألفوني بعد وأنا هنا لا أعدو أن أكون خادم حشوش
بالإضافة إلى أن رئيس الجنود يحتقرني لأني من قبيلة "اليوتا".
- "اليوتا"؟
- قبيلة اخترعتها ونسبت نفسي إليها ولم أدر أن هناك قبيلة بهذا الاسم يكرهها رئيس الجنود!
ورغم الخطر لم يمنع عبد القيوم ومحمود نفسيها من الابتسامة.. وجعل عبد القيوم يتأمل الرقعة وصمت، حتى قاطعه محمود متكدراً:
- وأنا؟
رفع عبد القيوم عينيه خاليتين من أية معنى وقال ببراءة:
- ماذا بك؟
- ماذا تنوي أن تصنع بي؟
- لا أنوي أن أصنع شيئاً!!
- وخيانتي وخروجي على جابر واتباع هذا المأفون؟!
- الأمر موكول إلى جابر فهو أمير الرحلة.. وهو تسامح وقد كف عن إيذاء يوسف ولابد أن يعاملك مثل معاملته.
- أشك في ذلك..!
- لماذا؟
- لأن يوسف ابن أخت الوالي وله مكانته.. أما أنا فلا شيء.
- أنت ما زلت أخاً لنا رغم ما فعلت.. وما دمت معك فلا تخش شيئاً.
- إذاً فأنت قد عفوت عني.؟
- عفوت عنك من قبلي.. وسأشفع لك عند جابر.. وما عدا ذلك مما في بغداد فلا أعدك بشيء.
ثم أضاف:
- قلت لك ما زلت أخاً.. وسأنصرك وأنقذك من هنا إن شاء الله بشرط.. بلهفة قال محمود:
- موافق عليه.
- أن تعاهدني بعدم مساعدة يوسف والخروج على جابر مرة ثانية.
أساعده!! لو أستطيع إذا لصفعته وبصقت في وجهه.!
عاود عبد القيوم تأمل رقعة المنذر بن سعد التي طال الصراع عليها.. وكان متأكدًا أنّ المزيدَ من التأخر في الاتصال بجابر ورفاقه
سيجعلهم يهاجمون غير عابئين بأيّ خطر.. وفكّر في الخطوة التي لا بدّ أنْ يبدأ بها.. ورأى أنّ ذلك هو أنْ يصلّي
صلاة الظّهر هو ومحمود ويدعو الله أنْ يدلَّه على طريق الخلاص والنّصر.
وعندما فرغا من صلاتهما.. دسَّ عبد القيّوم الرّقعةَ في ثيابه وخرج ومعه كيس ومجرفة وجعل يتظاهر بالتقاط الأوراق التي يسوقها
الهواء من الحديقة إلى الممرّات والرّدهات، فإذا غاب عن الجنود أسرع الخُطى، فإذا سمع صوتًا تباطأ مصطنعًا الإغراق في عملِه..
كان يسير على هدى الرّقعة التي معه، وأفضى به التّطواف إلى فناءٍ جانبيٍّ جميل.. لم يكن واسعًا، لكنّه كان عامرًا بالورود
والرّياحين ولم يشك أنّ هذا هو مكان شيّوم؛ فهو أجمل ما في القصر.. وبكلِّ جرأة صعد عبد القيّوم ذلك الدّرج ليجد أنّ السّطح
المعدّ بعنايةٍ فائقة لليالي الصّيف الحارّة كان واسعًا قصيرَ الحواجز، فيه مثل تلك الرّياحين التي في الفناء.. ولاحظ عبد القيّوم
أنّه كان معزولًا عن بقيّة سطوح القصر.. وقد جلب له ذلك شيئًا من الضّجر؛ فعند الاقتحام لا بدّ من النّزول إلى بطن القصر
للوصول إلى المقصورة إذ لا يمكن ذلك عن طريق السّطوح التي سيكون الدّخول عن طريقها وهذا سيعرّض
الرّفاق لمزيدٍ من الجنود؛ لأنّ حامية الأسوار والسّطوح أقلّ ممّن يقطنون في الغرف السّفلى!
ونزل عبد القيّوم وانصرف من الجناح مسرعًا متّجهًا إلى ممرٍّ حدّده ليكون طريقَ الانسحاب بعد الإجهاز
على شيّوم.. وقبل أنْ يغادر المكان فوجئ بأوسطاي يعترض طريقَه!
وتظاهر عبد القيّوم بالتقاط الأوراق غير مبالٍ به.. وكان أوسطاي يفترسُه بنظراتٍ غريبة عامرةٍ بالحقد، وقد قال له مستوقفًا:
- ماذا تفعل هنا؟
ردّ عبد القيّوم باحتقار:
- أنتَ ترى بعينيك ماذا أفعل!
- أنتَ تنظِّفُ الحشوش.. ولا شأنَ لكَ بمقصورة الأمير وما حولَها!
ابتهج عبد القيّوم وكاد ينسى شرور أوسطاي الضّخم لأنّه تأكّد فعلًا أنّ ما اجتالَه كان جناح شيّوم.. وتابع أوسطاي:
- هناك خدمٌ اختارَهم الأميرُ للعنايةِ بالمقصورة ونباتِها.. فلماذا جئتَ بمجرفتِك إلى هنا؟
- أنا لا أحبُّ أنْ أتلقّى الأسئلةَ منك..
- إذًا فأنتَ تختار الأعمالَ التي تروق لك، وتدعُ الأعمالَ التي..
- كفى! أنتَ تخطّطُ لمشاجرةٍ أخرى.. وحتمًا ستكون المهزومَ فيها!
- بما أنّك ذكرتَ هذا الموضوع فثقْ أنّني لنْ أنسى ما حدث!
- هذا أمرٌ يهمُّكَ وحدَك، وأنا لا أعبأُ بك!
- أنتَ وسوجي ستدفعان الثّمن.. وستكونان موضعَ انتقامي.
- لقد أخفتني يا هذا.. سأهرب..
ومضى عبد القيّوم بكيسه ومجرفتِه وهو يحسّ بلسع نظرات أوسطاي على ظهرِه.
وفي حجرتِه.. كان متحفّزًا وهو يقول لمحمود:
- اسمع يا محمود.. لقد حزمتُ أمري ولا داعي لمزيدٍ من التّأخّر وسأرسلُك إلى الرّفاق فقل لهم إنّني سأنتظرُهم بعد الفجر فوق الجزء المنخفض
في السُّور فهذا الوقت هو أنسبُ الأوقات لمداهمة القصر حيث يكون معظم الحرس في فُرُشِهم لأنّهم لا يستيقظون إلّا
مع شروق الشّمس.. والقليل منهم هم مَن يكون في الحراسة، كما أنّ هذا القليل موزّعٌ على السّطوح وعلى بقيّة
القصر وعند البوّابة.. والجزء المنخفض من السّور ليس عندَه سوى ثلاثةٍ من الحرس.. فإذا رأوا إشارتي فليتقدّموا
إلى السّور وليقذفوا المخالب الحديديّة وسلالم الحبال وسننطلق إلى مقصورة شيّوم.. فإذا هلك سيتبعثر جنودُه
ويتشتّتُ أمرُهم.. وقد أخذتُ الممرَّ الذي سنتراجع معه وظهورُنا في حمايةٍ منهم.
فقال محمود:
- وكيف ستخرجني من هنا؟
- كما نقلتُكَ في الصّباح.. سأخفيك داخل العربة، وأخرج بك إلى موضع النّفايات والكناسة.. وعليكَ أنْ تهدأ حتّى أنصرف.. ثمّ تنطلق
حيث التّلال العالية بعيدًا غرب المدينة، إنّهم يقيمون هناك في مكانٍ لا يكاد يُرى، فإذا لاحظتَ ألّا أحدَ قريب منك فصح بأعلى
صوتِك، ونادِ جابرًا وسيخرجُ إليكَ بعضُهم في الحال.
- أنا لم أبرأ مِن شكّي.. أخشى أنْ يقتُلَني جابر!
- لو كان سيقتُلُك لقتلَ رفيقَ يوسف.
- وأنت هل تظنُّ أنّ باستطاعتك مقاتلةَ ثلاثة جنودٍ وحدَك؟
سكت عبد القيّوم في حيرة، فأضافَ محمود:
- لنْ تستطيعَ أبدًا.. فقل لي هل يسمحونَ لكَ بالخروج لرمي النّفاياتِ ليلًا؟
- لا..
- وقبيل الغروب؟
- ما دام الوقتُ نهارًا فلا بأس.. لكن البوّابةُ تُغلقُ مع الغروب.. لماذا تسأل؟
- سنخرج الآن كما تقول.. وإذا جاء قبيل الغروب سأكون قد بلغتُ الرّجال وأعلمتُهم بموعدك ورجعتُ إلى حيث
موضع الكناسة وأجلس حتّى تأتيني لأدخلَ القصرَ ثانيةً وأحارب معك.
- إنّه رأيٌ جيّد.. لكنّك مُتعَبٌ وعليل!
- لا.. لقد عادت إليَّ عافيتي.
- إذا كان لا بدَّ من ذلك فليكن بعض الرّجال ولتَبقَ أنتَ حتّى تستريح.
- بل أنا مَن سيساعدك.. وسترى كيفَ ذلك!
- ندمُكَ على ما بدرَ منك لا يعني أنْ تقذفَ بنفسك إلى الهلاك!
- أريدُ أنْ أقاتل حتّى أعذرَ أمام الله وأمامَ النّاس.
أدنى عبد القيّوم العربةَ من بابِ حجرتِه.. ولمّا اطمأنَّ إلى عدمِ وجود أحد همسَ لمحمود الذي قفزَ إلى داخل العربة وأغلقَ عبد القيّوم الغطاء
عليه ثمَّ أغلقَ بابَ حجرتِهِ ومضى وهو يدعو الله ألّا يكتشفَهُ أحد.. واقتربَ مِنَ البوّابة وكان هناك بعضُ الجنود الذين
لم يعيروهُ التفاتًا وعندما جاوزَها حمدَ الله مِن كلِّ قلبِه.. وسار حتّى موضع الكناسة ثمّ فتحَ الغطاءَ قائلًا:
- اخرُج؛ لقد وصلنا.
وخرجَ محمود.. وما أنْ صادفَهُ الهواءُ حتّى هتف:
- ربّاه! ما هذه الرّائحة؟
فقال عبد القيّوم:
- أنتَ في كناسة ولستَ في حديقة!
رجع عبد القيّوم إلى حجرتِه ونام استعدادًا للعمل.. وكان مرهقًا فطالَ نومُه وعندما استيقظَ وصلّى، خرج ليفاجأ أنّه نامَ معظمَ العصر..
فحمل مجرفتَه وسارعَ يجرُّ العربة حتّى يتمكّن مِن إحضارِ محمود قبلَ إغلاقِ البوّابة..
وعندما مرَّ مِن عند الحرّاس قال لهُ أحدُهم:
- هذه هيَ المرّةُ الثّانية التي تخرجُ فيها لرمي القاذورات يا طبوتي!
وَجَفَ قلبُ عبد القيّوم وقبل أنْ يقول شيئًا.. ردَّ صوتٌ مِن خلفِه:
- لقد أصبحَ طبوتي صديقي فلا تعترضوه.. وإلّا منعتُكم مِن ركوبِ الدّلو!
كان ذلك سوجي، وكان يضحك وهو يمازحُ زملاءَه، وقد أضاف:
- ما دامت أمعاؤكم تنتجُ بهذا الشّكل فسيخرجُ طبوتي المسكين إلى الكناسة خمسَ مرّاتٍ في اليوم!
وضحكَ الجميع، فقال الحارس:
- عُد بسرعةٍ يا طبوتي.. وإذا تأخّرت فستصعدُ في دلو سوجي وتظلُّ العربةُ خارجًا حتّى أفتحَ البوّابةَ في الصّباح!
وأسرعَ عبد القيّوم؛ فقد كان هذا هو ما يخشاه.. وعندما وصل.. وجدَ محمودًا بانتظارِهِ قلِقًا وقد صاحَ به:
- أينَ كنت؟!
ردَّ عبد القيّوم لاهثًا:
اصعَدْ.. لا وقتَ للأسئلة!
وأدخل محمود سيفين ونشابين وأسهُمًا ثمّ قفزَ إلى جوف العربة، ومضى عبد القيّوم. وخاطبَهُ محمود من داخل العربة:
- لقد ذهبتُ راكضًا، وعدتُ راكضًا.. وقد وجدتُ تسامحًا من جابر وبقيّةِ الرّجال.
فقال عبد القيّوم:
- إنَّ ما تفعلُه الآن تضحيةٌ وشجاعةٌ يا محمود.. أرجو أنْ تُثابَ عليها..
- لقد هنّأني بعضُهم بسلامتي، وبشّرتُهم بسلامتِك.. وحاولَ جابر أنْ يمنعني ويُرسلَ أحدَهم عوضًا عنّي لكنّي رفضت.
- كيفَ وجدتَ الرّجال؟
- كانوا في مللٍ عظيم.. وشوقٍ إلى عملِ أيِّ شيء!
- غدًا صباحًا سيجدون الكثير ممّا يمكن عملُه..!

تتبع




 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس
قديم 03-14-2012   #12


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



راااااااااااااااااااااااااائعه
لم اقراء قصه من فتره طويله تشدنى احداثها
الى الكرسى بهذه الطريقه
قراءت كل الاجزاء فى جلسه واحه
انتظر بقيه القصه
كل هذا الجمال لايصدر الا من قلمك واختياراتك
المنقوله الرائعه انت ياغزاله
تقبلى مذيد تقديرى لثقافتك اللامحدوده



 


رد مع اقتباس
قديم 03-15-2012   #13


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صدى الاطلال مشاهدة المشاركة
راااااااااااااااااااااااااائعه
لم اقراء قصه من فتره طويله تشدنى احداثها
الى الكرسى بهذه الطريقه
قراءت كل الاجزاء فى جلسه واحه
انتظر بقيه القصه
كل هذا الجمال لايصدر الا من قلمك واختياراتك
المنقوله الرائعه انت ياغزاله
تقبلى مذيد تقديرى لثقافتك اللامحدوده


القدير صدى الاطلال
يمنحني حضورك الألق ..من الزهو ما يفيض ..
يسعدني أن تنال هواجسي العابرة متابعتك الرائعة ..بحضورك العبق
سلمت ..حماك الله
تراتيل محبة .. وتجلة احترام









 


رد مع اقتباس
قديم 03-16-2012   #14


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل الثّامن

في الوقت المتّفقِ عليه.. كان عبد القيّوم قد تأكّدَ مِن أنّ كثيرًا مِن الحرس يغُطُّون الآن في نومٍ عميق، وأنَّ أقلَّهُم هم مَن باتَ يحرس
الأسوارَ ومخدعَ الأمير شيّوم.. فتسلّلَ خارجًا مِن حجرتِه يتبعُهُ في الظّلام محمود بن حبيب.. وسارَ في الحديقةِ قليلًا
ثمَّ شرعَ يصعدُ درجًا يُفضي إلى أعلى الأسوار قريبًا مِن الجزء المنخفض منها.. وكان هناكَ ثلاثةٌ مِن الجنود..
اثنان قد جلسا يتسامران.. والثّالث كان يروحُ ويجيء ويتوقّفُ أحيانًا عندَهما. وتوقّفَ عبد القيّوم
عند جدارٍ منخفِض وقال لمحمود بن حبيب:
- ابقَ هنا.. وإذا رأيتَني أُطلقُ السّهمَ على هذا الذي يروحُ ويغدو فانقضّ على هذينِ الاثنين وسآتي لمساعدتِك.
ومضى إلى جزءٍ مِنَ السّور بعيدًا عن الجنود وأطلَّ مِن هناك ليُشاهدَ عبدَ الرّحمن الفهريّ وحدَهُ مختبئًا فأشارَ إليهِ بالبدء..

وعادَ إلى حيث الجنديّ الثّالث وما أنْ اقتربَ منه حتّى ناداهُ الجنديّ:
- طبوتي.. هل فارقكَ النّوم؟
ردَّ عبد القيّوم وهو يُفلتُ عليهِ سهمًا:
- نعم.. وستُفارقُكَ الحياةُ إن شاءَ الله.
وسقط.. وما أنْ رآهُ صاحباه حتّى هبّا واقفَين.. فاندفعَ إليهما محمود كما أوصاهُ عبد القيّوم الذي سارعَ لمساعدَتِه..
وتبارزَ

الرّجال.. ورأى عبد القيّوم المخالبَ الحديديّة وهيَ تنشبُ في طرفِ الجدار ثمّ تهتزُّ تحتَ وطأةِ مَن
يصعدُ عليها.. وجاءَ من الغلسِ صوتٌ يسألُ في خشونة:
- ما هذا القتال؟ مَن هناك؟
وكان ذلك لاتو رئيسَ الحرس.. وما أنْ تبيّنَ له ما يحدث حتّى صاح:
- طبوتي.. هل تقاتلُ الجنود؟!!
واستلَّ سيفَهُ وعمدَ إلى محمودَ فطعنَه من الخلف.. أمّا عبد القيّوم فقد تمكّن من خصمِه وأصابَه في مقتل..

وانكفأ إلى محمود ليساعدَه لكنّه وجدَهُ يُعالجُ روحَه.. فانقضَّ
على رئيسِ الحرس والجنديِّ الآخر يُصاولُهما محاولًا إبقاءهما ريثما يصعدُ الرّفاق.. وصاحَ رئيسُ الحرس:
- كنتُ أشكُّ فيكَ يا خائن! وقد حذّرني أوسطاي فلم أصدّق!
وأطلَّ رأسُ جابر ومالك وأحدُ الرّجال.. فدهش رئيسُ الحرس والجنديّ فهتف:
- اقتحام! إنّهم يقتحمونَ القصر!
وهتفَ عبد القيّوم بدورِه لرفاقِه:
- أدركوني قبلَ أنْ يعلمَ الباقون..
وهبَّ إليهِ جابر.. لكنّ رئيسَ الحرسِ صاحَ بكلِّ ما أوتيَ مِن قوّة:
- اقتحام! استيقظوا!
وتمكّنَ مِن الفرار.. وحاولَ صاحبُه اللّحاقَ به فشدَّهُ عبد القيّوم مِن رجلِه فسقط وقضى عليه جابر.
وتكامل صعود البقية فصار مجموعهم سبعة عشر مقاتلاً بما فيهم عبد القيوم وياقوت.. وسأل عبد القيوم جابراً:
- لقد اكتشف أمرنا.. وسيتقاطرون علينا بعد قليل.. فهل نُقدم أم نعود
أدبارنا؟
أجاب جابر في عزيمة:
- لا سبيل إلى العودة.. فلئن فشلنا في هذا الهجوم فلن نستطيع معاودة المحاولة مرة أخرى.. إلا أن يشاء الله..
عندما هتف عبد القيوم للرجال:
- اتبعوني.. سننطلق إلى مقصورة الطاغية.. إن أكثر جنوده نيام الآن وسنفيد من مفاجأتهم.. بيعوا أنفسكم لله يا رفاق فاليوم

تنصرون أو تقتلون.. قاتلوا بضراوة.. ولتطغى شجاعتكم وبسالتكم على كثرتهم.
تدافع الرجال.. ولحقوا بعبد القيوم الذي انطلق راكضاً وهو يسمع صيحات رئيس الحرس ترج القصر رجّاً مستنهضاً جنود النيام.
وعندما وصلوا إلى جناح شيوم لم يعترضهم سوى الباب المفضي إلى فنائه ولم يقاوم سوى لحظات سقط بعدها تحت

الركلات المتتابعة.. أما باب المقصورة فكان مغلقاً ومقفلاً، وقال عبد القيوم:
- شيوم بالداخل.. لنخلع الباب..
فازدحم عليه أربعة جعلوا يركلونه.. لكن متانة خشبه حالت دون أن يستجيب لهم بسهولة، وهتف مالك الفهري:
- أسرعوا قبل أن يتوافدوا علينا.. لنقتل الطاغية قبل أن يهبوا لنجدته!
ثم رفع سيفه وأهوى به على موضع القفل فأثر فيه تأثيراً بالغاً.. ثم شرع يضربه

بسيفه حتى قال ياقوت الذي كان ملتاثاً بالحقد ورغبة الانتقام:
- أنت ابتعد.. أنا سوف أخلع الباب.. وأقتل الكلب!!
وابتعدوا عنه فاندفع كالثور وارتطم بالباب بشدة أدهشت الرجال وطار الباب بعنف مقتلعاً معه بعض الحجارة!!
وظهرت لهم غرفة شيوم فاخرة.. ثمينة الأثاث.. واسعة.. وقد علقت على الجدران

سيوف شيوم ودروعه.. وكثير من الفؤوس المختلفة الأشكال!
وبالداخل كان الأمير شيوم قرب النافذة.. يقف حافياً.. غاضباً.. عليه آثار النوم.. مرتدياً ثياباً خفيفة ويمسك سيفه غير هيّاب..
وهتف عبد القيوم:
- هذا شيوم الذي تبحثون عنه..!
وقبل أن يهاجموه صرخ رئيس الحرس من خلفهم بلغته:
- اقتلوا الغزاة..
والتفتوا ليجدوا معظم جنود القصر شاهرين سيوفهم وبعضهم لم يستكمل لباسه.
لم يفهم الرجال لغته.. لكنهم عرفوا أنه يأمر بالهجوم.. فارتدوا إليه والتحم الفريقان في القتال.. وصاح جابر:
- قاتلوا أيها الشجعان.. وسأكفيكم أمر هذا الطاغية.
وهب لمبارزة شيوم وقد دار في خاطره أن ليس بينه وبين تحقيق أمنيته إلا أن يقتل هذا الذي أمامه.. ويبقى بعده حيّاً.!
أما عبد القيوم فقد همّ بمساعدة جابر الذي صرفه:
- دعه يا عبد القيوم.. أريده لي وحدي..
فانضم إلى البقية.. وقصد رئيس الحرس ونشب معه في قتال غير متكافئ!
وقد همهم الأخير:
- طبوتي.. أيها الغادر.. يا كلب "اليوتا" القذر.. سترى كيف نشويك بعد قليل!
ثم صاح في جنوده:
- أريدهم أحياء.. أحياء!!
ولاحظ عبد القيوم أنه رغم كثرة عدد المغول إلا أنهم حريصون على إطالة أمد القتال وتجنب الضربات
القاتلة..

بل كانوا يعمدون إلى جرح مبارزيهم حتى يضعفوا قوتهم.. فهم لا يريدون لهم موتاً مريحاً.. بل يريدون
تعذيبهم إذا هزموهم..وكان ذلك أسلوب شيوم الوحشي الذي لقنهم إياه من قبل!!
وكان باب المقصورة أمامه مفتوحاً.. فشاهد كيف كان القتال الدائر بين شيوم وجابر عنيفاً.. وأن شيوم كان يصيح:
- فئران.. ما أنتم إلا فئران.. سترون كيف أصنع بكم.!
وأدرك كم أخطأ حين اختار رئيس الحرس خصماً له يبارزه.. وأدرك أنه لم يكن عاجزاً عن إنهائه بقدر ما يريد إبقاءه حيّاً..

ولذا قاتل بقلب يخفق بطلب الجنة.. قاتل بما يليق بإيمانه العميق وغايته الوحيدة التي جاء يطلبها..
وسئم رئيس الحرس منه فبدأ يدفعه بشراسة حتى استطاع أن يلقي السيف من يده ثم قبض على جانبي

جبينه بكفه الضخمة وشد عليها بأصابعه القاسية فجعل يحاول الخلاص منه أو لطمه..
لكن قواه بدأت تخور.. حتى ارتخى جاثياً.. وقاوم رغبة في السقوط.. لكن الشرير ضرب برأسه الجدار ليتهاوى إلى الأرض..
وقبل أن يفقد وعيه.. رأى ياقوت يهب لنجدته ويندفع بعنف قاذفاً رئيس الحرس

بعيداً عنه.. ورأى جابراً يتراجع أمام شيوم حتى خرج من الغرفة..
ورأى أن كفة القتال تترجح لصالح جنود القصر.. وأن أصحابه ينهارون مثله!!

تتبع











 


رد مع اقتباس
قديم 03-22-2012   #15


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل التاسع

في المساء استيقظ عبد القيوم من إغماءته الطويلة..!
استيقظ مشوشاً.. متألماً من رأسه.. ثقيل الجسد.. تحز رجليه ويديه قيود من الحديد.. كان يرجو أن يكون

الوقت نهاراً، لكن ظلام الحجرة التي استيقظ فيها خيّب ظنه..
وتذكر تدريجياً ما حدث قبل غيبوبته.. تذكر جيداً رئيس الحرس وهو يعصر جبينه ويضرب الجدار برأسه..
وشعر بصداع..تلفت حوله.. كان رفاقه معه.. وكان بعضهم مستلقياً.. وبعضهم يحتبي في كآبة..
وجر جسده واستند إلى الجدار.. وجاءه صوت جابر من جانبه:
- هل استيقظت يا عبد القيوم؟
- نعم.. لكني أحس بآلام في رأسي.!
اغتصب جابر ابتسامة وقال:
- أنت لم تشعر حين نقلوك إلى هنا..
- ما هذا المكان المظلم.. حتى النوافذ لا توجد به.. سجن؟!
- نعم.. هذا سجن المدينة.. سجن قانين.. الذي هرب منه المنذر وعبد الرحمن.
- الحمد لله على قضائه يا جابر.
- إنها مصادفة.. أن نأتي لإنقاذ السجناء فنقع فيما وقعوا فيه!!
- من الذي معنا هنا.. أنا لا أكاد أرى أصبعي؟!
- الجميع هنا.. لم يقتل منا سوى واحد فهم كانوا حريصين حقاً على إبقائنا أحياء.
وتحدث مالك الفهري بضيق:
- لقد وقعنا في أسر لا خلاص منه.
فقال عبد القيوم:
- أنا لم أصلّ منذ فقدت رشدي.. في أي وقت نحن؟
رد جابر:
- في منتصف الليل.
- لقد أطلت المدة.. ألا يوجد هنا ماء لأتوضأ منه؟
- هناك ماء في الزاوية.
بعد ساعة كان عبد القيوم قد قضى فوائته.. وعاد يتلمس طريقه إلى مكانه الأول. وقد سأل جابراً:
- حدثني عن القتال.. وهل نلتم من الخبيث؟
فقال جابر:
- لقد احتربنا كما رأيت وتقاتلنا أشد ما يكون.. فتقاطروا علينا من كل جهة.. وتكاثروا علينا.. وكان

الفناء ضيقاً.. وقد أردنا التراجع وصحت للرفاق بذلك
وعندما هممنا بذلك كانت مجموعات منهم تسد علينا المنافذ وقد حجزنا في الفناء فلم نملك إلا
مواصلة القتال فكانوا يقذفون سيف أحدنا ويبقون عليه حيّاً..
حتى أسرونا بهذه الطريقة.
- وأنت ألم يمكّنك الله من شيوم؟
- إنه شديد البأس.. وكدت أنال منه إلا قليلاً.. وكل ما قيل عن جلده وقوته ليس من المبالغة.. وقد

كان خطأ مني أني واجهته وحدي وكان الأولى أن ينضم إليّ ثلاثة أو أربعة من الرجال.. إنه لا يطاق!
- ألم يحضر معكم صالح بن حذيفة؟
- لقد تركته عند يوسف ورفيقه يحرسهما.. ويعتني بالخيول.
- ماذا فعلت بهما؟
- ربطنا أيديهما من خلاف.. وقيدنا أرجلهما.
الحمد لله أنك لم تحضره معك.. إنه مازال يافعاً رغم أنه شجاع وجرئ.
استلقى عبد القيوم على أرض السجن التربة وما لبث أن نام إلى الفجر واستيقظ

ليجد أن آلام رأسه قد خفت.. وقد استيقظ الجميع على صوت
طبول تقرع وعندما ارتفعت الشمس.. تعالت في السجن ضجة وصهيل خيول ثم فتح
الحبس الذي يقيمون فيه ودخل عليهم عشرات الجنود..
وساقوهم تحت ضرب السياط إلى خارج السجن ثم ركبوا خيولهم والرجال يسيرون على أقدامهم
حتى وصلوا الساحة التي أمام بوابة قصر شيوم. وهناك كان الناس مجتمعين بعضهم يجلس في الظلال
الطويلة لسور القصر، ينتظرون وصول الأسرى.
وقد فرش بساط كبير ووضع في وسطه كرسي رفيع.. جلس عليه شيوم بثيابه الفاخرة..

ولحيته القصيرة.. ورأسه الحليق وقد تدلت أقراطه من أذنيه..
وكان يمسك في يده صولجاناً أَخْضَرَ قصيراً برأس مذهب.. يضرب به كفه
في رتابة، وقد تجلى في عينيه غضب عارم وقسوة بالغة!
وعلى رأسه وقف رئيس الحرس كالصنم ممتلئاً ظفراً وغروراً، وكانت نار عظيمة قد أوقدت

ثم تناقص لهبها وتحولت إلى جمر ملتهب، وعندما وقعت عيون
الرجال عليها سرت القشعريرة في أجسادهم ولم يقل بعضهم لبعض شيئاً فالوجوم قد ألجم أفواههم،
إلا أن عبد القيوم الراضي دائماً المقتنع بكل الأحوال قال:
- الجو هنا ألطف من داخل الحبس.. لقد تخلصنا من هوائه الفاسد.
فعلق مالك في غاية التشاؤم:
- لقد تخلصنا من الهواء الفاسد لنقع في سموم هذه النار!
رد عليه عبد القيوم متكدّراً من كلامه:
- لا تقل هذا يا رجل.. الذي خلقك قادر على أن ينجيك!
- ما أبعد النجاة.. ألا ترى إليهم كيف يسجرون النار من جديد..؟
- لقد جئت من بغداد وأنت تعلم أيّ شيء قدامك.. فأعظم ثقتك بربك.. ولا تظهر الجزع أمامهم!
وقال جابر:
- الطاغية أراد للعقاب أن يكون مرهباً للجميع.. لقد جاء الناس من أماكن بعيدة.
نهض شيوم من كرسيه بهدوء واقترب من أسراه الذين أجلسوا متراصين.. وجعل يتفرّس في

وجوههم بنظرات نمر ينتقي فريسته.. ثم قال موجهاً كلامه لكل من في الساحة:
- إن سيدي الخان الأعظم.. ذا الهيبة العظيمة.. لا يرضيه أن يثير الفتن شرذمة قليلة من المحتقرين..

وإن ما قام به هؤلاء الأعراب اللصوص قدح في مقامه السامق.. وتناول بالعبث
سلطانه المرهوب.. وستعرفون يا أهل قانين وما حولها كيف
نعاقب من ثار على الخان الأعظم.. وتطاول على مجد المغول العريق.. لقد هاجم الأشرار القصر مرتين..
وقتلوا الجنود بعد خطف صاحبهم.. وسترون عقابهم وليكن في ذلك عبرة للمعتبرين.!
ثم جلس على كرسيه.. وشحبت وجوه الرجال.. وتكلم الترجمان مفسراً كلامه بالعربية ثم بالفارسية.
وقال شيوم:
- ابدءوا بهذا..
وأشار إلى أبي موسى.. فقام عشرة جنود يعرفون ماذا عليهم أن يعملوا وأحموا سهاماً بعددهم في الجمر..

وقام جنديان إلى أبي موسى الذي علته صفرة الموت وأوقفوه.. وشد الجنود العشرة سهامهم المحماة..
فصاح بعض الجنود الذين يقفون خلف شيوم.. والذين لم تعجبهم هذه الطريقة الرحيمة:
- هذا من أشدهم.. نريد أن تُسعَر عليه النيران.. لقد قتل..
قاطعهم شيوم ملتفتاً نصف التفاتة:
- اخرسوا.
فسكتوا في الحال، وصوبت السهام تجاه أبي موسى وأطلقت فصرخ صرخة مكتومة ثم تهاوى إلى الأرض

كالأسد المصاب من السهام المرتكزة العالقة به.. وقد فاحت من جسده رائحة الشواء.
لم يملك جابر دمعته.. فقرأ له عبد القيوم:
- الّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُوا إِنّا لله وَإِنّا إَلَيهِ رَاجِعُونَ.
فقال جابر:
- ما أبكي إلا حزناً عليه.. لا جزعاً.. إنه من أعقل الرجال.
وتصايح الناس عند هذه البداية طالبين الكف عن مواصلة العقاب.. فوقف شيوم وحَدَجَهُم بنظراته التي

يعرفونها فارتعبوا وسكتوا.. كانت نظرة واحدة كفيلة بإسكاتهم.. لكنه خاطبهم:
- كفى.. اصمتوا.. وإلا لحقتم به.. كل واحد منهم سينال عقابه.
واقتاد الجنود ياقوت الفارسي.. فتقدم وقد لاحت في عينيه المعتوهتين نظرات الهزيمة والقهر..

وبدا منظره مرعباً.. وعندما مثل بين يدي شيوم خاطبه ساخراً:
- إذاً فقد تجرأت علينا ثانية أيها الوغد.. ولم تكفك تلك الحروق التي في جسدك حتى جئت تطلب الموت..

إنك تنسى الألم بسرعة.. وستلحق بجرائك وكلبتك العاهرة.
ولم يتحمل ياقوت رؤية عدوه القديم يتبجح أمامه.. فهمهم ببعض كلمات فارسية.. وانقض على شيوم مطوقاً

عنقه بالسلسلة التي تربط يديه وجعل يخنقه بها.. حتى سقطا معاً على الأرض.. فهجم بضعة
جنود لتخليص أميرهم فسحبوا ياقوت عنه لكنه لم يفلت عنقه بل سحبه معه!
وتعالى سعال شيوم بشدة فما كان من الجنود إلا أن أغمدوا أسيافهم في جسد ياقوت الضخم.
وعندما ارتد شيوم إلى كرسيه جعل يتحسس عنقه والجنود يجرّون

جثة ياقوت بعيداً عنه.. وأراد أن يفرغ غضبه فصاح:
- تبّاً لكم.. أين كنتم؟.. أحضروا زعيمهم.. وليرني قوته الآن.
وسيق جابر وأعطي سيفاً وفكت قيوده.. وقال له الترجمان:
- الأمير يقول لك بارزه.
واستعجب جابر من هذا الطلب فهو قد هُزم أمام شيوم وهو في غاية القوة فكيف يريد مبارزته وهو منهك..

وعرف أن شيوم يريد رد اعتباره بسبب ما ألحقه به ياقوت من السخرية.. وشد جابر السّيف
وصاوله وهو يشك في ثباته طويلاً لكن لم يرد أن يوصم بالجبن والضعف.. وبعد لحظات
أطار شيوم السيف من يده ورفع سيفه عالياً.. ثم خفضه فقال رئيس الحرس متمماً لعبة سيده:
- اقتله يا سيدي.. انتقم من عدوك!
فرد الأمير شيوم في كبرياء طاغية بكلام لم يفهمه جابر، حتى قال الترجمان رافعاً صوته حتى يسمع الناس:
- الأمير يقول إنه لن يدنس شرفه بقتله وهو منهوك عاجز.. ولو كان في ساحة القتال فسيرى كيف ينتزع روحه.
وأغمد شيوم سيفه وانقض على جابر يلطمه حتى أدمى فمه، ثم قال:
- ألقوه في الجمر.. ليس كفؤاً لسيفي.
ولما رأى عبد القيوم ما يحل بصديقه.. غضب غضباً حزيناً.. ولم يتمالك نفسه فصاح واقفاً بلغة مغولية:
- يا متوحش.. الأرواح بيد الله هو الذي ينتزعها متى يشاء.. قاتلني وأنا من سيهزمك ويحتز عنقك..
والتفت إليه شيوم، وقال رئيس الحرس:
- إنه منظف الحشوش الخائن يا سيدي.
فقال شيوم:
- قيدوا هذا يا لاتو.. وأحضروا الخادم.
ولما جاء عبد القيوم عند شيوم كان غاضباً أكثر منه وجلاً فحدجه بنظرات مزدرية متحدية.. فقال شيوم:
- ما كنت لأعف عن قتل القائد لأنه متعب عليل.. وأدنس شرف سيفي بدم كانس مراحيض مثلك.
فقال عبد القيوم:
- لم تستمر في طغيانك.. فمهما طال زمنك.. فلابد أن يأتي يوم تعرف فيه أي ضعيف أنت!
فقال شيوم:
- لقد وضعت فيك ثقتي.. فخنت يا طبوتي.. وانضممت إلى هؤلاء البؤساء متنكراً لعشيرتك

وبني قومك ستعاقب بما يليق بوضيع مثلك.
وبلغ السرور مبلغه بأوسطاي الذي كان قريباً. فهتف:
- لتمت أيها الغادر..
فنهره شيوم:
- اخرس يا أوسطاي.
ثم خاطب الجلاد:
- اخلع ثيابه.. واجلده.. ثم اسلخه وألقه إلى الجمر.. هذا أقل ما يستحق.
وتعلقت عيون الناس بالجنود الذين شرعوا في خلع قميص عبد القيوم.. ثم احْتوَشُوه وشدّوه إلى

خشبة مغروسة في موضع قريب من شيوم.
وحنى رفاقه رؤوسهم حزناً لاسيما جابر فقد زادت محبته في قلوبهم لتدينه وأخلاقه.
ورفع الجلاد سوطه وأهوى به إلى صدر عبد القيوم فأطبق فكيه تجلداً.
ثم أهوى عليه ثانية وثالثة.. وما كاد شيوم يتأمل جسده الرشيق حتى صاح بطريقة غريبة:
- توقف.. توقف!
ودهش الجلاد ودهش الجميع بما فيهم عبد القيوم المتألم ورفاقه!!
وتنحى الجلاد عن شيوم الذي قام من كرسيه.. وفمه نصف مفتوح واقترب من عبد القيوم ومسح ظهره

وشعره المتهدل وتلمس صدره المشعور بأصابعه الفاترة.
فقال عندها عبد القيوم وهو يطبق على أضراسه:
- اغرب عن وجهي يا لعين.. هل أشفقت علي؟! لست في حاجة إلى شفقتك!!
ولم يرد أن يضيع الفرصة الساخنة باقتراب شيوم.. فجمع نفسه وبصق في وجهه.. وركله ركلةً منعتها

القيود أن تكون بالغة.. وما كاد يفعل ذلك حتى صفعه رئيس الحرس بشدة!
وتوقع الجميع أن ينهي شيوم حياة عبد القيوم بسيفه أو يكبه بنفسه في الجمر الملتهب..

لكنه ظل صامتاً.. شبه ذاهل.. وأشار إلى رئيس الحرس بالابتعاد..
وسلّط نظراته الغريبة في وجه عبد القيوم الذي قال متصاعد الأنفاس:
- ابتعد عني.. واقض ما أنت قاض.
وهنا تمتم شيوم:
- طبوتي!! طبوتي!! من قبائل اليوتا!!
فأضاف عبد القيوم:
- لتعلم أني تسللت إلى قصرك لا لحمايتك أو العمل عندك..

وإنما لأفتك بك يا عدو الله و سأفعل لو أتيح لي ذلك.!
وظهر للجميع أن الأمير غير عابئ بما يتفوه به هذا الأسير الذي يتراقص له الموت من مكان قريب..

فقد عاد يتلمس صدر عبد القيوم وعنقه و وجنتيه.. ثم عاد إلى كرسيه مطأطأ الرأس..
وقد خبت جذوة نظراته الوحشية.. ونادى رئيس جنوده قائلاً بصوت خافت:
- اسمع يا لاتو.. خذ الأسرى وعد بهم إلى السجن.. وادفن هذه الجثث بعيداً.. واصرف الناس حالاً.
وكما دهش الجميع دهش رئيس الحرس الذي ساءه هذا الإجراء حيث حرمه من الاستمتاع بالمزيد من مشاهد

التعذيب.. لكنه لا يملك غير الطاعة، فطفق ينفذ ما أمر به.
وعندما قام الرجال ليعودوا إلى السجن مر جابر بالقرب من عبد القيوم وقال:
- اصبر يا عبد القيوم.. سنلتقي في الجنة إن شاء الله.
فرد عبد القيوم في دهشة:
- ليتني أدري ما أصابه.. أعتقد أنه يريد قتلي بطريقة ما !!
وعندما بدأ الناس ينصرفون.. دنا رئيس الحرس من سيده العابس وقال:
- وهذا اللعين.. هل أدفعه إلى الجمر.. أم أعلقه برجليه؟
أجاب الأمير بصوت لا يكاد يسمع:
- خذه إلى القصر.. وسألحق بك.. سأعاقبه بنفسي!!
وحبس عبد القيوم في إحدى غرف القصر.. كان قلقاً.. يتمنى لو أنهم حبسوه مع رفاقه..

وقد لبث في حبسه متوجساً..مرهفاً سمعه لأي صوت.. تمر بخاطره أنواع العذاب التي يمكن أن
ينزلوها به.. وعجز هذه المرة عن مدافعة الوجل..
وتسللت إلى فؤاده بوادر الوحشة.. لاسيما وقد أصبح وحيداً.. وتمثلت لناظريه أزقة بغداد التي جال فيها..
وتمنى لو يطير إلى الجامع ببغداد ويصلي فيه ركعتين يودع بهما الدنيا ويجعلهما آخر
عهده بالحياة.. لم يكن آسفاً على الدنيا.. لكن أضجره أن يقتل عاجزاً..
أسيراً.. ويظلّ الطاغية يخوض في دماء المسلمين!
وعند الظهيرة فتح عليه الباب جنديان وانتهراه:
- قم لمقابلة الأمير.
وقام معهما فسارا به في ردهات القصر الواسع حتى وصلا إلى مقصورة الأمير شيوم.. كان بابها

مفتوحاً وشيوم جالسٌ على سرير نومه.. فأدخلاه وخرجا مغلقين الباب خلفهما.
كانت الغرفة قد رتبت وأصلحت بعد البعثرة التي أصابتها أثناء القتال..

وقد استبدل الباب المخلوع بباب آخر جديد.
ظل شيوم جالساً على سريره لا ينظر إليه.. وقد زاولته وحشيته.. وبدا سارحاً غارقاً في تفكير غامض..

واستغرب عبد القيوم من تصرفه هذا.. وبحث عن شيء ليقوله فلما لم يجد شيئاً آثر الصمت..
وبعد مدة دخل جندي يحمل إناءً وناوله لشيوم الذي قال:
- اخلع ثيابه.. واخرج!
واستسلم عبد القيوم للجندي الذي شرع ينزع عنه ثيابه حتى إذا لم يبق

عليه سوى سراويله الواسعة تركه وخرج مغلقاً الباب..
وتسارعت دقات قلبه.. ولم يعد قادراً على منع أطرافه وجسده من الارتعاش

وعندما استقام شيوم واقفاً قبالته.. تصاعد الدم إلى وجهه..
وسرت الرعدة إلى فكه.. وشَرّقَتْ به الظنون السوداء وغرّبت.. وهيأ له ذهنه المضطرب أن شيوم
سيقتله قتلة بشعة أو يمثل بجسده فقال بصوت مبحوح وهو يجر الحروف من حنجرته جرّاً:
ليس هذا من أخلاق الفرسان..!؟
فقال شيوم بصوت متهدج عميق:
- لا تخف يا طبوتي.. فأنا فارس وأحترم الفرسان.
ثم أدخل يده في ثيابه وأخرج خنجراً لامعاً من طراز فارسي وغمسه في الإناء الذي لم يشك

عبد القيوم أنه سُمّ.. واقترب منه فتمتم عبد القيوم بالشهادتين ورفع وجهه إلى السقف
وأغمض عينيه.. وجعل ينتظر الخنجر أن يغوص في كبده.!
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث! بل شرع شيوم يحلق صدره من الشعر الخفيف النابت بخنجره!! ولما بلغ النصف

من ذلك.. توقفوهو يتفحص عبد القيوم بنظرات تحمل وجداً واضحاً. ثم اعتراه ذهول
وجعل يتحسس صدره وشعر رأسه ووجنتيه كما فعل في الساحة صباحاً!! ثم جعلت شفتاه تتحركان
بهيئة من يوشك على البكاء وصاح لحارسه الذي دخل
فوراً لتلقي الأوامر.. وقال له وهو يواجه الجدار:
- أخرجه إلى حبسه!
وتنفس عبد القيوم الصعداء وهو يساق خارجاً من مقصورة الأمير شيوم والممرات

تردد صدى صوت سلاسله الغليظة.. وعندما أغلق عليه
باب الحجرة طفق يفكر.. هل يظنه شيوم عدواً له قديماً.. إنه يكرر اسمه "طبوتي" فهل عدوه
اسمه "طبوتي" هل خرج من مصادفة "اليوتا" ليقع في ورطة "طبوتي"؟! وإذا كان يظنه عدواً
فلماذا لم يجهز عليه في الحال؟! ولماذا يختبئ به في غرفته الخاصة!؟
وبقي يتقلب على نار الشك والحيرة.. ويتوقع أن يستدعى في أية لحظة.. وعندما حل العصر قضى صلاته..

وما كاد يفرغ حتى قعقع باب الحجرة فعلم أن الأمير أرسل له الجندي ليحضره.. لكنه فوجىء بشيوم نفسه!!
كان وحده.. وكان هادئاً مكدّراً.. وربما حزيناً.. وقبض على يده صامتاً وساقه عبر ردهات القصر

متجهاً إلى مقصورته.. وسط دهشة الجنود المتناثرين هنا وهناك.. وزاد في دهشتهم حين كان طبوتي
يسير والأغلال تعيق حركته.. والأمير يمشي خلفه متهادياً مراعياً قيوده..
فتعثّر طبوتي فانحنى أميرهم في لطافة ليساعده على الوقوف.. إنهم يعرفون غطرسته وعدم تواضعه
فكان هذا التصرف تجاه منظف الحشوش الخائن مدعاة للاستغراب!!
وفي داخل المقصورة أغلق شيوم الباب على نفسه وعلى أسيره.. وقد تسارعت دقات قلب عبد القيوم

حين رأى على الأرض نطعاً من الجلد مفروشاً وفوقه قطعة خشب كبيرة
مرتفعة، داكنة اللون من كثرة الدماء المتيبسة عليها!!
وعلى طرف النطع فأس صغيرة تشبه تلك التي يقطع بها أحطابه إلا أنها قصيرة المقبض!
وأجلس شيوم أسيره فوق النطع.. قبالة الخشبة.. وقد اتكأ عبد القيوم بيديه على الخشبة فامتدت

سلسلة يديه على عرض الخشبة، وتناول شيوم الفأس وجعل يسنها على حديدة معه ولما اطمأن
إلى حدة شفرتها.. لبث فترة صامتاً.. ثم رفع يده في الهواء..
وفعل عبد القيوم فعله السابق.. أغمض عينيه ونطق بالشهادتين واحتسب روحه عند الله!!
وصرخ شيوم بآهة قصيرة كئيبة ثم قذف فأسه بمهارة مروعة تجاه عبد
القيوم، لتنغرز في الخشبة وتقد السلسلة التي تربط يديه!!
وارتعب عبد القيوم من تلك المهارة.. وتلك الصرخة!! ورفع عينيه إلى شيوم وكم كانت

دهشته بالغة حين رآى مآقيه تفيضان بالدمع.. وحين رآه يمد يده إلى زنده وينهضه قائلاً في حزن:
- قم يا "طبوتي" قم يا صغيري!!
ثم أصبح عاجزاً عن الكلام حين أضاف بلغة عربية سليمة:
- عبد القيوم.. أخيراً التقينا..!!
وانقض عليه يضمه بشدّة ويقبل كل جزء في وجهه.. ويربت على ظهره في مودة حقيقة!!
وبعدها تذكر عبد القيوم ما يمكن فعله.. فهذا الذي يعتنقه كائناً من كان.. هو شيوم الطاغية..

الذي طبقت شهرته الآفاق في القسوة والظلم.. لذا فقد دفعه حتى ارتطم بالسرير وهتف في وجهه عابساً:
- ابتعد عني.. كائناً من كنت.!
قابل الأمير شيوم هذه الشراسة بابتسامة وهو يقول:
- أنا أخوك يا عبد القيوم.. المصادفة وحدها جمعت بيننا!!
ذهل عبد القيوم عن أن يقول شيئاً.. وارتخت شفتاه وزاولهما العبوس..
وتكلم شيوم وقد طمست البهجة وحشية ملامحه:
- لقد كبرت يا عبد القيوم و أصبحت رجلاً.. عندما رأيتك لأول مرة في الحديقة خفق قلبي

وأحسست أني أعرفك.. لكني قلت ربما هو يشبهه.. ولم أكن متأكداً فطردت الشكوك..
وكنت أجد شيئاً يشبه الأنس كلما رأيتك تكنس بمجرفتك وكنت أراقبك من بعيد
حتى لا يقول الجنود إن الأمير شيوم يتقرب إلى خادم ينظف المراحيض.. وعندما حدثت هذه المداهمة
والقتال زاولني هذا الشعور.. واستسلمت لما تمليه السياسة والحزم.. ولكن عندما رفعت
عنك الثياب هذا الصباح.. لم أشك أنك شقيقي الذي خلفته في
بغداد، وقد أردت المزيد من التأكد.. وكنت أعرف شامتك التي في صدرك.. وقد تمنيت
أني لم أرك في هذه الحال..لكني أسامحك فأنت شقيقي.. أنت شقيقي يا عبد القيوم بن حسنة..!
وغمغم عبد القيوم بالكلام:
- هل تعني أنك محمد؟!!
- أنا محمد.. أخوك الذي هرب غاضباً في تلك الليلة وفر إلى مصر.
ـ ألم تقتل في حانة؟!
- هذا ما قيل.. وهذا ما أحببت أن يشاع.. والحق أني كدت أقتل وأموت.. فقد طعنني أحدهم..

لكنني استخفيت حتى شفيت جراحي.. وتركت مصر والتحقت بقومنا المغول.
وبلا إرادة منه جف قلب عبد القيوم.. وألقى بنفسه بين يدي أخيه يعانقه عناقاً مرتبكاً قلقاً..

وهو لا يرى إلا صورة أخيه الضائع المفقود.. وغابت عن ذهنه صورة شيوم
سفاك الدماء.. ومعذب المسلمين!! وتمتم بأسى:
- رباه ما هذا الامتحان!؟


يتبع











 

التعديل الأخير تم بواسطة الغزال الشمالي ; 03-22-2012 الساعة 02:42 AM

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012   #16


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



السلام عليكم الغزاله
قصه جميله تحمل معانى ساميه
منها معنى الجهاد فى سبيل الله
الذى نسيه المسلمون فى هذا العصر
ننتظر الاجزاء التاليه
تقبلى تقديرى ومودتى



 


رد مع اقتباس
قديم 03-30-2012   #17


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صدى الاطلال مشاهدة المشاركة
السلام عليكم الغزاله
قصه جميله تحمل معانى ساميه
منها معنى الجهاد فى سبيل الله
الذى نسيه المسلمون فى هذا العصر
ننتظر الاجزاء التاليه
تقبلى تقديرى ومودتى

وعليكم السلام
يسعدني تواصلك صدل الاطلال
بارك الله فيك على المرور العطر
لك التحية مع الشكرومن الورد أعطره






 


رد مع اقتباس
قديم 03-30-2012   #18


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل العاشر



في صباح تلك الليلة التي اختصم فيها محمد مع والده وأمه وأخته هرب إلى حيث لا يدري.. ووجد أقدامه تقودانه إلى مصر.. وهناك
عاش حياة معذبة.. متشرداً.. متنصلاً من الدين عقيدة وشريعة.. وصاحب الفساق والمنحطين.. ومارس عملاً مهيناً فأصبح ساقياً
للخمر، وحاول إنشاء خمارة مع رجل آخر وعملا لفترة قصيرة.. ثم اختلفا وتشاجرا.. وفي لحظة غضب
قتل محمد شريكه.. وكان ذلك أول لقاء له مع البطش والدماء!
ثم اقتتل مع شقيق شريكه فجرحه الأخير.. وأشيع أنه قتل.. لكنه نجى من الموت وهرب بجلده من مصر بعد أن أمضى

فيها قرابة الخمس سنوات.. والتحق ببلاد المغول وكره بلاد العرب والمسلمين.. وتخلى عن الدين نهائياً
واعتنق الوثنية وتعاليم "الأليساق" قوانين جنكيز خان!
وخدم كجندي باسل في جيوش الخان الأعظم.. زعيم المغول.. وما زال يترقى في الجيش حتى أصبح قائد كتيبة.. ثم قائداً عامّاً..

ثم حاكماً لبلاد قانين التي تعتبر مشاغبة في نظر المغول.. فشوهد له من البطش والقسوة والظلم
ما زاد حظوته عند الخان الأعظم وأشاع ذكره حتى بلاد بني العباس!
وقد تنازعت عبد القيوم بشأنه نوازع شتى.. إنه يلتقي شريكه في رحم أمه بعد طول غياب.. وقد تكلفت السنين الطويلة

بمحو تلك الاعتداءات الصغيرة التي صدرت منه.. وبراءة عبد القيوم الطفل - التي لا تختلف كثيراً عنها
الآن - جعلته يتناسى مشاكسات أخيه ويتمنى - بعد سنة من غيابه - لو يعود ليلعب معه!
وهاهو يظهر الآن لا للعب بل للبطش والظلم!
لثقل الموقف وغرابته.. أجّل عبد القيوم التفكير فيه.. والتأمل فيما يتخذ من قرار إلى حين. وشرع يسأل أخاه بلهجة هادئة:
- لماذا اخترت لنفسك هذا الاسم؟!
أجاب شيوم باعتزاز:
- أردت أن يكون لي اسم من لغة قومنا.. وكرهت أن يبقى شيء يربطني بحياتي العربية.
- حقاً.. لقد أصبحت تكره العرب والمسلمين وتخصهم ببطشك!؟
- أنا سعيد يا عبد القيوم بلقائنا هذا.. فلا تفسد علي فرحتي بهذه الشتيمة!
- لقد أدهشني أنا أيضاً لقاؤنا.. لكنني لم أنتظر أن أجدك حاكماً ظالماً يتعطش الكثيرون للفتك به؟!
- وأنا لم أنتظر أن أجدك في صف أعدائي يا عبد القيوم.
ثم أضاف:
- إنك تجهل أموراً كثيرة يا أخي.. فالحكم لا يقوم إلا بالحزم.. وأهل هذه البلاد قوم شغب وعصيان.. وكان لا بد من

القسوة تجاههم حتى يذعنوا ويهدأوا.. وقد نجحت في ذلك.. فنظرة واحدة كفيلة بإخماد لجاجتهم.
وقد رأيت بنفسك أي قدر وصلت إليه في ذلك، ويلزمك سنوات لتدرك أموراً كثيرة بهذا الشأن.
- ألا تخاف من الله أن يأخذك بظلمك؟!
- لقد اخترت طريقي.. ولا أجد ضيراً فيه.. فالذود عن مجد المغول أمر ألزمت نفسي به ويهمني كثيراً.
- هل يسرك ما فعلت بوالديك؟
- والديّ.؟ نعم.. أنت لم تحدثني عن والديّ.! أخبرني عن أمي كيف هي؟
- أمك!! لقد جلبت لها الأحزان والأمراض وعجلت بشيخوختها..
- وأبي؟
- لقد قتلته بفعلك المشين.. فأصيب بعلة في قلبه.. ومات بعد هروبك بسنوات.
فقال شيوم بحدة:
- أنت تعود ثانية لشتيمتي؟!
رد عبد القيوم بحدة أكثر:
- ما فعلته سابقاً وتفعله الآن.. لا يمكن أن ينسى أو يغتفر.. أم نسيت أنك حاولت "الاعتداء" على عائشة؟!
تلجلج شيوم.. واعتراه الخجل.. ثم قال:
- هي ابتدأت بالشجار.. وعلى كل حال لا داعي للحديث في أمر بغيض كهذا!
- لقد سببت لنا المتاعب جميعاً..
وبعد هدوء سأل:
- ما أخبار عائشة الآن؟
- لقد تزوجت شابّاً عمل عند أبي إبّان مرضه.. ولديها ثلاثة أطفال.
وحكم جلسة الشقيقين جو من التقارب وتداعي الذكريات.. وطفق عبد القيوم يتكلم عما حدث أثناء
غيبة أخيه بلهجة عجز
عن أن يجعلها غير غاضبة.! ابتداء من تنقلاتهم والبستان الذي استأجروه في بطحاء النهر ثم عودتهم إلى بغداد
وممارسة العمل بالحطب مجدداً وزواج عائشة ومثله تحدث شيوم عن تفاصيل
رحلته إلى مصر وحياته هناك ثم فراره إلى المغول وسطوع نجمه.
وحاول عبد القيوم أن يكون لطيفاً أثناء الحديث طمعاً في استدراج شقيقه إلى العودة والتوبة.. والرجوع إلى

حظيرة الإسلام.. وجعل ينتظر الفرصة المناسبة للحديث بهذا الشأن.. وقد تأخرت تلك الفرصة أياماً.
وخلال ذلك أظهر شيوم حذراً تجاه عبد القيوم.. وخلط له الاحترام بالأسر!! فعمد إلى إزالة السلاسل القديمة الغليظة واستبدلها

بسلاسل صاغها من الذهب الخالص. وخصص له حجرة في الجناح الخاص به حبسه فيها..
ولم يأذن له إلا في الخروج ليتمشى في الحديقة أو في الأسطح وفوق الأسوار.
وبلغ العجب بالجنود مبلغه حين رأوه ينتقل من ذل الأسر إلى عزِّه ومن كونه عدوّاً خائناً إلى كونه شقيقاً للأمير شيوم..

يلاصقه الساعات الطوال ويشاركه طعامه.. وقد رأوا مقدار البهجة في عيون أميرهم وهو ينضحهم بالقطع الذهبية الكثيرة ويقول:
- هذا شقيقي.. لقيته بعد طول غياب، وسأجعل لقدومه احتفالاً.. وأصنع الخمر بنفسي لهذه المناسبة.!
وكان عامة الجنود لا يحبونه.. وكان موقفهم فاتراً تجاهه لاسيما أوسطاي و لاتو رئيس الحرس.. رغم انكشاف أكذوبة اليوتا..!!
ولم يكونوا يصارحونه بالعداوة والشتائم مخافة من الأمير شيوم.
إلا أن ثلاثة أو أربعة من الجنود في مقدمتهم سوجي كانوا أكثر تملقاً وطمعاً في الاقتراب منه بحكم قرابته الطارئة بالأمير.
ولم يكن يعرف ماذا حل برفاقه ولا ماذا حصل لصالح وأسيريه يوسف بن محمد ورفيقه.. وتمنى ملهوفاً معرفة أيّ خبر عنهم!
وبعد جهد أخبره سوجي والذين معه أن أصدقاءه ما زالوا في السجن.. لكن لا أحد يعرف ماذا يفكر شيوم بشأنهم..

وإن كان الجميع متأكدين أن أحداً منهم لن ينجو من بطشه!
وكان الجنود وعلى رأسهم الرئيس لاتو يلحّون على الأمير شيوم في مواصلة عقاب وتعذيب أولئك الذين قتلوا رفاقهم..

ولكن الأمير وقع في الحيرة و تنازعته أفكار شتى مثل عبد القيوم. فالرغبة في الانتقام متوفرة لديه لكن فرحته بشقيقه
ومجاملته تقضي بألا يسئ إليه بقتل أصحابه.. وكان يفكر على الدوام بحلٍ لهذا الوضع الشائك! وقد أسف عبد القيوم
للتشاؤم الذي أصبح يعتريه بشأن نهاية رفاقه فصار يلح على أخيه في أن يزور السجن الذي يقبعون فيه..
لكن هذا الأمر لم يكن موضع مناقشة بالنسبة لشيوم! لاسيما وقد خفت حدة مفاجئته باللقاء غير المتوقع..
وبدأ يفكر بطريقة تناسب طبيعته القاسية.. بعيداً عن فورة اللقاء الأول..
وعاطفته تجاه عبد القيوم التي أسرته في البداية!!
وجاء الوقت الذي نادى عبد القيوم فيه شقيقه الطاغية إلى العودة والإياب ونبذ الطريق السائر فيه.. كان ذلك في جلسة

قصيرة شكلت منعطفاً حادّاً في تعامله مع أخيه وكيفية التفكير في مستقبل علاقتهما.!
فذات ليلة.. ضجر عبد القيوم من البقاء في حجرته وكان باب فناء المقصورة مغلقاً فآثر الصعود إلى السطح الفسيح المعزول..

الذي ارتقى إليه قبيل الاقتحام.. وهناك كانت أنسام الليل منعشة.. فقام وصلى طويلاً ودعا الله أن يلهمه رشده..
وأن يهدي أخاه محمداً إلى التوبة والإسلام.. وعندما فرغ جلس مطمئناًّ.. هادئ الشعور والتفكير..
ولبث مدة يتأمل القمر وهو يكافح غيوماً بيضاء مستطيلة داهمته بسرعة..
كان القمر بهيّاً جميلاً.. لكن السحب تزاحمت عليه واغتالته بقسوة.!
وقطع عليه تأملاته صوت شيوم من خلفه:
- أنت هنا إذاً.. هل راقت لك الخلوة بنفسك في هذا السطح؟
أجاب عبد القيوم بعدما التفت إليه:
- إنه مكان جيد للتفكير.. لأنه بمنأى عن التدخلات.. فهو لا يناله إلا من كان في المقصورة أو الغرف التي في فنائها.
- إن القصر كله يعجبني.. لقد أتقن الفرس بناءه وتفصيله.. لكن بماذا كنت تفكر؟
- لم أصعد لأفكر في شيء.. ضجرت من الداخل وطار النوم من عيني فجئت إلى هنا.
- ضجرت من الغرفة أم من كل شيء؟!
- ما الذي يدعوني إلى الضجر من كل شيء!!؟
- أعلم أن حياتنا هنا لا تعجبك!
- الحياة هنا.. وفي بغداد سواء.. لكن أنت وأفعالك تجلب لي الحزن!
- ولماذا جلبت لك الأحزان؟
- بظلمك للناس.. وإرهاقهم بالضرائب والإتاوات.. والبطش بهم لأجل ذنوب طفيفة..
- الذنوب التي تحسبها طفيفة تقود لأكبر منها.. والأموال التي نأخذها منهم ندافع عنهم بها ونردها في مصالحهم.
أطرق عبد القيوم إلى الأرض ثم رفع رأسه قائلاً:
- يا محمد إني أراك تظلم نفسك وتغرق في ظلم الناس إلى أذنيك.. ولك عليّ حق النصيحة.. فعد إلى ربك الذي

خلقك ودع ما أنت فيه من هذه الوثنية التي تمجها العقول والتي لم تتبعها إلا حمية للمغول وتشبثاً بخرافاتهم وقد ذقت
الإسلام والإيمان فأنت قادر على المقارنة بين دين أنزله الله وأيّده بمعجزة وبين نتاج عقول لا تعرف ربها.
- وماذا بعد؟!
- إني أرى لك أن تنتهي عن هذا الحكم اللعين الذي قادك إلى الفجور والظلم.. وتعود معنا إلى بغداد وتسلم

نفسك إلى الخليفة العباسي فهو أكبر ملوك المسلمين.. وتنـزل عند حكم الله.
ابتسم شيوم ساخراً من بساطة عبد القيوم:
- لا أدري كيف تفكر يا عبد القيوم.. أترك مجدي وأمارتي التي لم أحصل عليها إلا بعد جهد.. لأذهب مكبلاً بالحديد

إلى بغداد وألقي بنفسي بين يدي عدوي وعدو المغول.. وأبقى تحت رحمته فإما أن يقتلني.. وإما أن يحبسني ذليلاً..
وإذا أنعم عليّ غاية الإنعام أطلقني لأعمل راعياً للغنم.. أو حطاباً معك!!
- أعدك أن تصل إلى بغداد مكرماً.. وإذا لم ترد بغداد فدعها إلى أي بلد تحب وسأذهب أنا معك.. وستفرح أمي بذلك وتأتي معنا.
كان عبد القيوم يتكلم بغاية العفوية والبساطة.. وعدّ شيوم ذلك سذاجة وأراد

النفاذ من هذه الموضوعات فقال قاطعاً الطريق على عبد القيوم:
- أنا راض بالذي أنا عليه.. ديني الأليساق وشريعة جنكيز خان.. وأمتي أمة المغول.. وسأبذل كل شيء في خدمتهم
فهم
أنقى البشر وأشرف الأجناس! ولا أكتمك القول أني تمنيت أن أبي لم يعرف الإسلام ولم يعتنقه ولم يهاجر لبغداد.. ويختلط بالمسلمين.
اقشعر بدن عبد القيوم لدن سماعه هذا الكلام، وقال مرعوباً:
- ألا تخاف الله.! ألا تؤمن به؟ هذه ردة.. توجب دخولك النار.. ردة صريحة يا محمد!!
- اسمي شيوم.. فلا تضجرني بهذا الاسم الذي تدعوني به!
- حتى اسمك لم تعد تطيقه! إنه اسم رسول الله.. نبي البشرية.!
- لا مكان في الأرض لمثل هذه الأشياء يا عبد القيوم.. وليس هناك غير الحياة التي ترى بعينييك.. ثم الرقدة التي لا يقظة بعدها.
- لو سمعتك أمك تتفوه بهذا الكفر لصعقت!
- أمي.. أنا لم أصعد إليك إلا لأحدثك بشأنها..
ثم بان عليه الفرح لما سيقول وتابع:
- ستشاركني هذا المجد الذي أعيشه.. وسأسمح لك بالعودة إلى العراق مع بعض جنودي.. لتأتي بأمي ونعيش هنا في

هذا القصر أسياداً وأمراء لا حطابين وفقراء.! وسنتعاضد لبسط المزيد من الهيمنة والنفوذ.
لم يفكر عبد القيوم البتة في استثمار اقتراح شقيقه وتصرف حسبما أملت عليه براءته وفطرته السليمة فنهض غاضباً وصاح:
- تريد أن أشاركك طغيانك وظلمك.. وأنا من قطع المسافات الطوال لردعه وصده؟!!
- لماذا تسميه طغياناً.. وتصر على ألا تفهم معنى الحزم ومعنى الظلم؟!
- وماذا تسميه أنت؟!
- إنه المجد.. إذا تعاضدنا ستنال الحظوة لدى الخان الأعظم وستتدفق الأموال بين يديك كالماء!
لم يستوعب عبد القيوم المهموم بالآخرة.. هذه العروض الدنيوية التي أضجره بها جابر في بغداد ثم يوسف ثم شقيقه أخيراً.. لذا قال بسخرية:
- حظوة في بغداد وأموال، ومدن تحكم... وها أنت تضجرني بالحظوة كذلك.. قبحك الله وقبح هذا الخان الأذل..

تريدني أن أنسلخ من ديني.. وأنتظم في خدمة هذا السفاك الأثيم؟!
فقال شيوم:
- ولاؤك شديد لهؤلاء البؤساء الذين تنافح عنهم، والذين ستجتثهم جيوش المغول من عروقهم.. وتبيد دولهم عما قريب!
حاول عبد القيوم تهدئة نفسه، وقال في يأس:
- إننا لن نلتقي على شيء يا "شيوم" ولن يجمع بيننا جامع.. إن العقيدة تفرقنا.. فإن كنتُ شقيقك الذي

تحب فأطلق سراحي وسراح رفاقي ودعني أرجع من حيث جئت..
وأدرك شيوم هو الآخر اتساع الفجوة بينه وبين عبد القيوم فقال بلهجة قوضت آماله:
- لست من الحماقة بحيث أطلق سراح رجال تغلي قلوبهم حقداً علي وقد اقتحموا مكاني وقتلوا جنودي..

ولست من الجفاء بحيث أدع شقيقي يبتعد عني بسهولة قبل أن أملأ نفسي منه.. الجنود يا عبد القيوم
متشبّثون بمعاقبة رفاقك، أما أنت فستظلّ شقيقي وستظلّ داخل القصر حتى أنظر في أمرك!
قال ذلك ثم نزل مع الدرج منصرفاً بينما ظلّ عبد القيوم واقفاً كالجماد يغرز نظراته الحادة في ظهر شقيقه.
وعندما أوى عبد القيوم إلى فراشه في موهن من الليل.. حانقاً.. غاضباً.. اجتاحت ذهنه عاصفة من الأفكار المختلطة..

فالالتقاء مع شقيقه والاتفاق على صلح وقناعة بات مستحيلاً.. فشيوم يميل إلى الانتقام من رفاقه وسيلح عليه جنوده
في ذلك فيصبح ذلك الميل تصميماً وعزيمة.. وسيستمر في بطشه وطغيانه.. فصورته في صباه لا تختلف
عنها في حاضره.. شهوة للعدوان.. وانقطاع إلى الظلم والقسوة!
وارتأى عبد القيوم أن خير حل لمعضلته.. هو الهروب.. أن يحاول الفرار بنفسه ويعود إلى بغداد ويترك أصدقاءه لأقدار الله..

فلا طاقة له بإنقاذهم ولا لوم عليه إذا ولى هارباً وعاد من حيث أتى.. فحملة القضاء على مظالم قانين
باءت بالفشل وقد عمل كل ما بوسعه.. وقام بدوره المناط به لإنجاحها.
ورفع الغطاء ناهضاً من فراشه.. وحاول فك السلسلة من رجليه تمهيداً للهروب فعجز.. وقام إلى الباب وكان عنده

مرآة فوقعت عينه على صورته في المرآة فتوقف ناظراً إلى وجهه على ضوء القمر
الذي عفت عنه السحب وتركته ليبسط ضياءه على أفنية القصر ونوافذه.
وكأنما أكدت له المرآة ما جال في نفسه فجأة.!! بأنه خائن.. متخاذل.. لم يحقق الغاية التي كابد المشاق من أجلها..

واقترب من المرآة.. هل كان حقّاً مجاهداً.. يتحرق شوقاً للجهاد والغزو دفاعاً عن المسلمين..!
كيف اعتقد ذلك في نفسه عندما كان يشاهد صورته في المرآة المعلقة في فناء الدار التي يقطنها في درب الميزاب ببغداد..

هل كانت تكذبه تلك المرآة.. وصدقته الحقيقة مرآة قانين.!؟ وأوجعه الخاطر الجديد.. فما هو إلا متنصل من مناصرة الإسلام
وأهله.. متخفف من مكابدة الطغيان ومصاولة الظلم.. لسبب وحيد.. أنه صادر من شقيقه.. وبهذا تكون عاطفة القرابة
غير المتبصرة والضحلة.. طاغية على ما يحتمه الدين وعقيدة الإيمان من نصر المسلمين والكفاح عنهم!
وعانت نفسه المؤمنة هذا الشعور.. وأحسّ بالنقمة على ذاته.. فبصق على وجهه في المرآة..

ونكص إلى فراشه مغموماً.. ملهوب القلب بالأسى.
إن شيوم سيقتل جابراً ومالكا وبقية الرجال كما قتل أبا موسى وياقوت.. وسيواصل تجبره في الأرض.. وسيتعاظم خطره..

فالمغول ولا شك لن يتركوا هذا الشاب المندفع الطموح الشديد البأس محصور النشاط في مدينة واحدة.!
بل سيوكل إليه المزيد من النفوذ والقيادة.. وسيدرك أن ما أوصله إلى هذه المنزلة إلا شدته وقسوته، فيتمادى في ذلك ويستكثر منه.!
وهو عبد القيوم المجاهد.. على بعد خطوات من طاغية المغول شيوم، وقطع دابر شروره.. وإنهاء طغيانه ملقى بين يديه..
وليس يحول بينه وبين ذلك إلا العزيمة الصادقة.. وأن يستوعب بصدق أنه مسلم مجاهد.. أمام كافر مشرك..
يتربص بالمسلمين ويسومهم سوء العذاب.. وأن لا علائق تربطهما حتى يذعن الأخير للحق
والإيمان ويجافي كفره وظلمه.. وإلا فلا رحم ولا قرابة.
وركضت إلى خاطره آية كان يقرأها في الجامع ببغداد.. نطق بها قلبه من دون أن يحرك شفتيه:
قال تعالى: لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَـانُواْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ

أُوْلَئكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنّ حِزْبُ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ [ المجادلة: 22 ].
فزاوله شيء من سكر العاطفة.. وشدَّه سياق الآية العظيمة.. فانسابت إلى قلبه بعد ما راعته الجوائز المذكورة

فيها المبذولة بسخاء رباني لكل من بتر علائق القربى مع الكافرين و العصاة.. وعلقها بالله وحده.!
وقام من مرقده في تصميم.. تحدوه عزيمة لم يختبر جودتها.. وتسلل خارجاً من غرفته، ولم يكن في الممر القريب أحد من الجنود.. واتجه إلى مقصورة شقيقه ووقف برهة عند الباب.. سيقتله بهدوء فهو طاغية كافر ولا شيء غير ذلك.. وسيحاول الهرب فإن نجا

وإلا فليمت شهيداً.. ولا يضره بعد ذلك ما دام في إزهاق روحه.. راحة من ظلم لا يطاق!
ودخل المقصورة.. وهناك كان الأمير شيوم.. حاكم قانين البطاش.. وينبوع مآسيها.. ينام ملء جفونه.. وقد استلقى على سريره

الفخم.. ناشراً يديه كنسر.. مباعداً بين ساقيه.. مملوءاً بالعظمة.. يشخر شخيراً لطيفاً..
وقد استولى جذعه وأطرافه على كامل الفراش.. ولا تكاد تخفى سيطرته وجبروته حتى أثناء نومه!
وانتزع أحد السيوف المعلقة على الجدار.. وشد قبضة يده على السيف.. وتقدم من الكائن الهائل المطروح على السرير..

وما أن شاهد وجهه وعينيه المغمضتين والظلمة تلفه في طمأنينةٍ.. حتى فر الأمير شيوم.! وحل مكانه محمد.. أخوه المراهق..
الضائع في مصر!! فانهارت حماسته عاجلاً.. ولذعت فؤاده شفقة موقوتة!!
فانكفأ راجعاً يجر سلاسله وهي تصدر صوتاً ناعماً.. وأغلق الباب خلفه مرجعاً السيف إلى مكانه.!
وعندما استقر في فراشه.. كان محبطاً.. مدركاً أي شراك وقع فيها.. وأيّ قيد أحاط بمعصميه.. وجلد نفسه بتفكير أليم..

لقد جبنت عن الإخلاص.. أسرتك مودة الكافر الذي حاد الله ورسوله.. أنت خائن.. سافرت من بغداد لتجاهد أعداء الله..
وتحارب الطغاة بسيفك ويدك.. أما قلبك فكان مفتوحاً كالباب المشرع لكل طارئ.. فاستقبلت أول وافد
يناقض قصدك بالخور.. وسقطت من أول امتحان!! شيوم السفاح، الولوغ في الدماء.. ينام على بعد
أذرع من مرقدك.. مفتوح الصدر.. جاهزا.. والسيف في يدك.. وأنت الزاعم أنك مجاهد تحب الفداء في سبيل الله..
ثم تجبن عن إراحة الناس منه.. وتهبه الفسحة ليستيقظ غداً.. ويعبث في الأرض بطشاً وظلماً..
وربما بدأ بأصحابك.. كأنك لم تقرأ آية.. ولم تتل قرآناً!!
وهنا تباعث فيه التصميم مرة أخرى.. ونهض بعزمه الذي كان لا يزال أسير الوهن..

وتكلف اندفاعاً.. ففتح باب غرفته وخرج إلى شيوم.. فلم يكد يضع يده على الباب حتى انهار من جديد..
وعجز عن التنفيذ.. فعاد إلى حجرته وألقى بنفسه على فراشه شبه باكٍ!!

تتبع








 


رد مع اقتباس
قديم 03-30-2012   #19


الصورة الرمزية سهيل
سهيل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 518
 تاريخ التسجيل :  Feb 2012
 أخر زيارة : 09-10-2013 (10:33 PM)
 المشاركات : 199 [ + ]
 التقييم :  17040
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي



كما عهدناك رائعه ومبدعه في الكتابه ,الاختيار والانتقاء لا استطيع الا قول لله درك كم انتي متميزه فلكي تحياتي



 
 توقيع :
[frame="13 65"]
البــعــد جــرحٍ غــايـــرٍ مــا يـســبـره
يـاكـود مـن لاعـه فـراقك وانت عيد
الــجـمـر لا شفـتـه تـرى فالمـجمره
تــذكــر ان قـلبـي غــدى جمرٍ وقيد
[/frame]


رد مع اقتباس
قديم 03-30-2012   #20


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



السلام عليكم ياغزاله
امام كل هذا الفيض من الجمال لاأستطيع إلا أن أقول
شكرا يا را ئعه



 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 29 المشاهدات 13422  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 04:50 PM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah