منتديات وهج الذكرى

منتديات وهج الذكرى (https://www.wahjj.com/vb/index.php)
-   المقال والقصه القصيره بقلم عضو سبق نشرهم (https://www.wahjj.com/vb/forumdisplay.php?f=172)
-   -   النَّبْعُ : (https://www.wahjj.com/vb/showthread.php?t=44057)

عبد العزيز 10-12-2022 06:51 PM

النَّبْعُ :
 


عاج في أحد الأشتية عند الأصيل على النبع –الذي أحبه ، وألفه كثيرًا ، والذي يعوجُ عليه كلما أشجاه خطبٌ- وجال حوله قليلًا بخطى وئيدة ، ثم اتجه إلى الأثلة ، واتكأ على جذعها الضخم ، وأغمض عينيه ، وسرح بفكره إلى حقبةٍ انصرمتْ ، ثم أفاق من شروده على قطرات غيثٍ تسقطُ على وجهه ، ففرد كفيه ، حتى اجتمعَ فيهما الكثيرُ من القطرات ، فشربها ، ورنا بطرفه إلى السماء ، والغيث المنهمر ، ثم قال : غادَرَ حياتي من غَادَرَ معهم الأُنْسُ والسُّرُورُ ، وأَقَامَ الشَّجنُ بعدهم بقلبي ولم يَبْرَحْهُ !
وأنتِ إن بقيتِ فلكِ الكرامة والزُّلْفى ، وإن ظعنتِ ، فأنتِ كمن ظعن من أحبابي الذين لم يبرحوا قلبي ، ولا عقلي ساعة ، فأنتِ أثيرةٌ ، حبيبةٌ في ظعنكِ والإقامة ، وستظلين كالشمس ، بعيدة المنال ، وتغمرين قلبي بالضياء والدفء ، فأستودعُ اللهَ قلبكِ الرقيق ، وروحكِ النقية !
ثم رنا بطرفه إلى القرية القابعة خلف الرابية ، وقال : أعرفُ السُّبُلَ المُؤَدية إلى المدن والقرى ، ولكني لا أعرفُ السَّبيلَ المُؤَدِّيَ إلى قلبكِ النقي ، فهنيئًا لمن اهتدى إليه ، وحظي بصدقه ووفائه !
عاد إلى الأثلة واتكأ على جذعها الضخم ، وسرح بفكره إلى ذلك العهد المحبب إليه ، ثم أخرج قلمًا وورقةً وكتب فيها : لا تسألي عن حالي ! فما حالُ من ينتظرُ أزوف تلك الساعة منذ عشرين عامًا ، ولم يَنْبَلجْ نُوْرُها ، رغم طول انتظاره !
أيتها الحبيبة : ها هي السحب البيضاء بهدوئها وصفائها ، ونقائها ، تُزيحُ الغيوم السوداء (المثقلة بالفتوة ، القوة ، الأماني العذاب) ، لتستحلَّ مكانها !
أيتها الغيمة التي لم تظلني من هجير السأم ، ورمضاء النوى : سأُلملمُ جراح الهوى ، وذكريات الحنين ، وأظعنُ إلى حيثُ أقضي ما بقي لي من أيامٍ قد لا تطولُ ، حتى تأتي تلك الساعة –التي سألتُ الله كثيرًا أن يُعجِّل لي بها- ، وتبزغَ الشمسُ التي انتظرتها عشرين عامًا ، لتُبدِّدَ ليل الشجى ، فإذا غمرتْ قَلْبَكِ أمواجُ الحنينِ ، بعد هذا الهَجْرِ الـمُضني ، فلا تُكَلِّفي نَفْسَكِ عناءَ القُدُومِ إلى مُلْتَقَانا عند النَّبْعِ ، لأني أكونُ هناكَ في الموْطنِ الذي حَنَنْتُ إليه كثيرًا في مَجْمَعٍ من أحبابِ قلبي الذي ظعنوا ظُعُونًا لا أَوْبَةَ لهم مِنْهُ !
طوى الورقة ، ثم مضى إلى حديقة منزل الفتاة ، ووصل إليها عند السَّحَر ، فتخطى السياج ، واتجه إلى الشجرة التي عندها طاولة القهوة ، وأحد النظر إلى فنجان القهوة فوقها ، وقال : ارتشفتُ هواكِ العذب ، كما ترتشفين فنجان القهوة المرة ، المحببة إليكِ ، مع فارق حلاوة هواكِ وعذوبته ، بحرقه ، وإنهاكه ، ومرارة قهوتكِ وسخونتها !
وضع الورقة في التجويف في بطن الشجرة ، ومضى ميمِّمًا وجهه شطر قرن الشمس الذي بدأ يلوحُ لناظره ، وهو يقول : كان الحبُّ غَيْثًا ، والنَّأْيُ عَيْثًا !
بعد العصر وبينما كانتِ الفتاةُ تتناولُ قهوتها ، لفتَ انتباهها ، بياضٌ في تجويف الشجرة ، فنهضتْ لتستجلي الأمر ، فوجدت الورقة ، ففضتها ، وقرأتها ، وعرفتْ كل شيءٍ ، وعَدَتْ مُسْرعَةً إلى النَّبْعِ ، لعلها تراه ، لتُنْبِئَهُ بأَسْبَابِ نَأْيِهَا ، وعندما وَصَلَتِ النَّبْعَ ، انتظرته إلى الغسق ، ولكنه لم يحضر لأنه كان في تلك الساعة يسمع قرع نعالهم !

نجـ سهيل ـم 10-12-2022 07:23 PM

رد: النَّبْعُ :
 
اهلا بك عبدالعزيز..
قصة حزينه مؤلمه..
لعله ليس هذا مكانها الصحيح..
سننتظر وارفه تنظر في الامر..
واتمنى عودتك مع قصص اخررى واجمل...
تحياتي لك

عبد العزيز 10-12-2022 07:42 PM

رد: النَّبْعُ :
 
أهلًا بالعزيز نجم : ممتنٌّ لرقة مروركَ وعذوبته (ليس الأمر ركنًا أو واجبًا ، فافعل ما يحلو لكَ بنقله إلى مكانه المناسب) .

أسعدكَ ربي ، ووفقكَ .

وردة الغرام 10-12-2022 10:59 PM

رد: النَّبْعُ :
 
هلا وغلا والله فيك اخي الكريم عبد العزيز في

منتدانا الغالي آل الوهج وبين إخوانك وأخواتك.


تسلم الايادي على المجهود المبذول والطيب والرائع

اعجبتني رغم أنها تحمل في طياتها الكثير من الحزن .

يعطيك الف عافيه اخي الكريم عبد العزيز

وارفة البيان 10-12-2022 11:53 PM

رد: النَّبْعُ :
 
قرأتها
وكأني قد تقلبت بين المنفلوطي في قصصه أو العقاد في اناه
أطلت الجلوس معهم أم أعاروك كل بلاغتهم ولغتهم وأحاسيسهم
كان البطل يصف كل ماحوله بدقة ولا يفعل هذا إلا من له حس مرهف
بالحب والجمال في كل المخلوقات حيث كان ينظر لكل الأشياء
فيقف عند الطاولة وفنجان القهوة ويتحدث للغيم ويطاول السحب
وهو كبياضها
أحببت البطل كحالي عندما كنت أقرأ للكبار في قصصهم التي تجعلنا نهيم
بالشخوص لجمال تفكيرهم ومنطقهم

سيدي لست وصية على الادباء
بل لهم الأمر والنهي فيما يرون
أرى فيها قصة جميله
وارى الحظ تبسم عندما أتى بك هنا
استاذنا عبد العزيز

وارفة البيان 10-12-2022 11:58 PM

رد: النَّبْعُ :
 
أقل مايقدم لها ختم قلم مميز
وتنبيه ومكرمة لا تكاد تكون بشيء امام كرم الكريم

ناطق العبيدي 10-13-2022 10:11 AM

رد: النَّبْعُ :
 
دمتم بهذا العطاء المستمر
يسعدني الرد على مواضيعكم
والتلذذ بما قرات وشاهدت
تقبلوا خالص احترامي
لارواحكم الجميلة

الجوري 10-13-2022 04:56 PM

رد: النَّبْعُ :
 
قطعه ادبيه فخمة
أحسنت وابدعت استاذنا الفاضل
وأهلا وسهلاً بك بيننا
تحياتي والورد

عبد العزيز 10-13-2022 11:09 PM

رد: النَّبْعُ :
 
وردة الغرام : مرورٌ أرقُّ من أنفاس الصبا إذا داعبت رياض الربا (ممتنٌّ) .

عبد العزيز 10-13-2022 11:09 PM

رد: النَّبْعُ :
 
الكاتبة المبدعة وارفة : أغدقتِ عليَّ من كرمكِ ما جعلني أطاولُ السماء (رضي عنكِ ربي ، وجعل السعادة لا تبرح قلبكِ ، والبسمة لا تفارق ثغركِ) .
ممتنٌّ لكرمكِ الفيَّاض .


الساعة الآن 03:35 PM بتوقيت الرياض

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون