07-24-2022
|
|
الإعجاز العلمي في القرآن
الإعجاز العلمي في القرآن
الإعجاز العلمي في القرآن هو موضوع يتناول ما ورد في القرآن من موضوعات علمية تتعلق بالحقائق الكونية التي لم تكن مدركة للبشر في زمن نزول القرآن ثم أثبتها العلم لاحقا؛ حيث يؤمن المسلمون بأن القرآن معجزة وأنه دليل على نبوة محمد بن عبد الله.
يقول بعض الباحثين الإسلاميين وعدد من علماء الشريعة المختصين أيضًا بمجالات علمية متنوعة، أن القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة في عدد من الآيات،
وأن هذا يُشكل الدليل القاطع على أن مصدره الله العليم والعارف بكل شيء. وقد انتشر الاعتقاد بأن القرآن بيّن عدّة نظريات علمية معروفة، قبل اكتشافها بمئات السنين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بالمقابل انتقد بعض العلماء والباحثين نصوص القرآن حول خلق الكون والأرض، وأصول الحياة البشرية، وعلم الأحياء، وعلوم الأرض، باعتبارها تحتوي على مغالطات غير علمية، ومن المحتمل أن تتناقض مع نظريات علمية متطورة
خلفية عقائدية
يؤمن المسلمون أن القرآن معجزة النبي محمد للعالمين، وأن آياته تتحدى العالمين بأن يأتوا بمثله أو بسورة مثله، أو بآية من مثله، كما يعتبرونه دليلاً على نبؤته، يقول بعض الباحثين وعدد من علماء الشريعة المختصين أيضًا بمجالات علمية متنوعة، أن القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة في عدد من الآيات وهو ما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن، وأن هذا يُشكل الدليل القاطع على أن مصدره الله العليم والعارف بكل شيء. وقد انتشر الاعتقاد بأن القرآن بيّن عدّة نظريات علمية معروفة، قبل اكتشافها بمئات السنين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وقد يختلفون حول ماهيتها، فالإعجاز يعني ضمناً التحدي مع عجز الجهة التي تحداها، وهذا ما يعتبره البعض خاصاً ببلاغة القرآن وأسلوبه، ولكن آخرين يؤمنون بشمولية الإعجاز في القرآن للعلوم بشكل مطلق، فيؤمن المسلمون أن الله هو خالق الكون وبما أن القرآن هو كلامه فإنه من المستحيل أن يتعارض مع الحقائق العلمية التي اكتشفت بعد نزول القرآن ولهذا فإن الإعجاز العلمي يعني توافق النص القرآني مع مقتضيات العلم الحديث أو وجود إلماحات أو تصريحات ضمنه تؤكد حقائق علمية عرفت لاحقاً، وأشهر من عمل بطريقة منهجية على توضيح هذا هو الطبيب الفرنسي موريس بوكاي، حيث ألف في نهاية تجربته التي أعلن إسلامه كثمرة لها كتابه المشهور الذي ترجم إلى سبع عشرة لغة (التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث). بالمقابل تعرض منهج موريس بوكاي لإنتقادات واسعة من قبل علماء وباحثين غربيين معتبرين كتبه غير موضوعية، وغير علمية، ويناقض النظريات العلمية في مواقع عدة. على سبيل المثال وجد عدد من الناقدين أمثال الباحث تانر إديس أن المراجع والآيات القرآنية التي استند إليها موريس بوكاي ليثبت فيها توسع الكون، والأكوان المتوازية، والكون المنظور هي «خاطئة بشكل صارخ».المدافعون والمنتقدون
برز عدد من الدعاة والعلماء ليؤكدوا الإعجاز العلمي في القرآن، ومن أشهرهم الدكتور زغلول النجار، الذي ربط في عدّة محاضرات جامعية وتلفازية بين ما جاء في بعض الآيات وما أقرّته نظريات علمية في القرن العشرين وما سبقه. ومن أبرز ما قيل في هذا المجال على سبيل المثال، أن الآية السابعة والستين من سورة الأنعام: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٦٧﴾ [الأنعام:67] تشير إلى أن ما ورد في القرآن من معلومات علميّة سوف يُكتشف مع مرور الزمن، وأن الكون خُلق فعلاً من انفجار عظيم، وأن أدنى نقطة على سطح الأرض هي البحر الميت، وأن الجنين يُخلق في أطوار، وغير ذلك من الأمور. كذلك يقول علماء التفسير أن القرآن تنبأ ببعض الحوادث التي ستقع مستقبلاً، من أشهرها هزيمة الفرس على يد الروم البيزنطيين خلال عقد العشرينيات من القرن السابع، بعد أن كان الفرس قد هزموا الروم قبلاً وفتحوا قسمًا من إمبراطوريتهم: ﴿الم ١ غُلِبَتِ الرُّومُ ٢ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ٣ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ٥﴾ [الروم:1–5] فقد نزلت هذه الآية في سنة 615، أي قبل 6 أو 7 سنوات من انقلاب ميزان القوى لصالح البيزنطيين.بالمقابل، هناك عدد من العلماء الذين يُعارضون فكرة وجود إعجاز علميّ في القرآن، قائلين أنه ليس بكتاب علوم، فالعلم دائمًا ما يتغير والنظريات دائمًا ما تتبدل وتُدحض، فلا يمكن القول بصحة إحداها طيلة الزمن. كما أدرج عدد من العلماء والمجلات العلمية المختصة الإعجاز العلمي في القرآن ضمن المنهج الديني وليس المنهج العلمي واعتبر خارج نطاق البحث العلمي، حيث يعتبرونه منهجاً يخالف المنهجية العلمية. تعرضت حركة ربط الدين بالعلوم الحديثة التي يتبعها عدد من كتاب الإعجاز العلمي لإنتقادات واسعة من قبل علماء وباحثين غربيين معتبرين هذه المنهجية غير موضوعية وغير علمية. كما تم انكار بعض المعجزات التي يعتبرها المسلمون إعجاز علمي مثل انشقاق القمر.الإعجاز لغة واصطلاحا
الإعجاز مشتق من العجز والضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق، والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب اعتقاد المسلمين بعدم قدرة أي شخص على الإتيان بمثله.
الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول محمد مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه، وفق اصطلاح الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. فالإعجاز العلمي للقرآن يُقصد به سبقه بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهرهِ التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصولِ إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من نزول القرآن بحسب تعريف زغلول النجار.
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ٨٨﴾ [الإسراء:88]، ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ١٣﴾ [هود:13] أو حتى بسورة قصيرة مثله فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٣٨﴾ [يونس:38].
على الرغم من مرور الكثير من الوقت منذ قديم الزمن إلى الوقت الحاضر، إلا أن أهل اللغة إلى الآن ما زالوا يقرون بقوة الأسلوب القرآني، وعليه فقد أشار أبو سليمان الخطابي إلى عدم قدرة العلماء على إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز فقال:«ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجوه الإعجاز من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وأصغوا فيه إلى حكم الذوق.» وقال العلامة ابن خلدون:«الإعجاز تقصر الإفهام عن إدراكه وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته، فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه.».
السبق العلمي
كلمة السبق العلمي تطلق كما تطلق كلمة السبق الصحفي، فالقرآن ليس كتاب فيزياء فلكية ولا علوم كيمياء أو طب أو زراعة، أو غيرها من علوم الاستخلاف الأرضي التي فوضها الله إلى الإنسان، الذي جعله خليفة في الأرض، حسب قول القرآن. ولقد حث القرآن على طلب العلم والدراسة: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ٥﴾ [العلق:3–5] إذن ليس القرآن كتاباً علميا بحتًا لهذه العلوم فيجب أن نجد فيه كل ما نشاء من الحقائق العلمية في شتى الميادين كما يتصور، بل هو كتاب هداية وتعريف لهوية الإنسان، فالتعريف لماذا خلق الإنسان وما هو دور الإنسان في هذه الحضارة، وما سيكون حاله وما ينتهي إليه وما ينتظره بعد موته. فهو كتاب علمي للسلوك البشري والأخلاق والمعاملات:﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ٩﴾ [الإسراء:9] أما جانب السبق العلمي ففي قوله: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ٥٣﴾ [فصلت:53] ولقد أصطلح العلماء الشريعة على تسمية هذا السبق العلمي بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
الإعجاز القرآني
التفصيل التاريخي لأحداث الرسل والأنبياء
لقد احتوى القرآن على تفصيل تاريخي للأنبياء والمرسلين السابقين وهو التاريخ الذي لم يكن يعرف العرب عنه شيئاً سوى الأحبار والرهبان، وكانوا على خلاف فيما بينهم، أما أمة العرب فقد كانوا أميين لا يعلمون شيئاً عنه، فلما جاءهم النبي محمد بتاريخ الرسل والأنبياء مفصلاً، اعترف به الرهبان والأحبار وصدقوه فيما روى عن ربهِ واضحاً جلياً، وخرجوا من دين كانوا علماءه وتبعوا محمداً. ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ٤٩﴾ [هود:49]
الكشف عما يدور في صدور الناس وخاصة المنافقين
وحصل هذا في عدة مناسبات في عهد النبي محمد بن عبد الله، ومنها حيث كان اليهود يبشرون بظهور نبي قرب زمانه يخرج من بلاد العرب، وكانوا يتهددون العرب بأنهم سيتبعونه ويقتلونهم معه قتل عاد وإرم. فلما ظهر محمد بن عبد الله، وأقام في المدينة كان العرب المؤمنون يلقون اليهود ويذكرونهم بما كانوا يقولون من بشارات فيعترفون ويعلنون إيمانهم ثم إذا خلا بعضهم ببعض أنكر بعضهم على بعض الاعتراف بما يعلمون من أمر النبي محمد، لأن ذلك سيجعل العرب شاهدين عليهم يوم القيامة وظنا منهم أن الحساب سيكون على الشهادة فقط. فأخبر القرآن حاكياً حالهم وكشف قولهم الذي قالوه سراً بينهم، فما كذبوا ما قاله ودخل منهم جماعة في الإسلام.﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ٧٦ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ٧٧﴾ [البقرة:76–77]
الأخبار عن غيوب ومسائل تكون في المستقبل القريب والبعيد
كما أخبر القرآن عن أحداث ستكون في المستقبل وفي عهد النبي محمد، وبعده، فجاء مرور الأيام تفسيراً لما أنبأنا به ومن أمثلة هذا:
انتصار الروم وأدنى الأرض
الإخبار بأن الروم ستَغلِب الفرس في بضع سنين أي أقل من عشر سنوات، بعد أن فرح الوثنيون في مكة بانتصار الفُرس على الروم، وتأهبوا على كذب ما وعد الله في كتابه فما مرت السبع سنوات إلا وتحقق ما وعد الله: ﴿الم ١ غُلِبَتِ الرُّومُ ٢ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ٣ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ٤ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ٥﴾ [الروم:1–5]. وقد عرف العصر الحديث أن منطقة البحر الميت هي أكثر الأراضي انخفاضًا في العالم، وقد ورد ذلك في القرآن: ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ٣﴾ [الروم:3].
وقد جرت المعركة الثانية التي انتصر فيها الروم على الفرس في منطقة البحر الميت، وهي منخفض أرضي يعتبره علماء الجيولوجيا أخفض منطقة على اليابسة، وهي كما عبر القرآن بقوله: بأدنى الأرض، وحدث ما وعد الله بانتصار الروم.
موت أبي لهب على الكفر
أخبر القرآن أن أبا لهب سيصلى نارًا ذات لهب في سورة المسد ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ٣﴾ [المسد:3] أي أنه لن يدخل الإسلام وسيموت علي الكفر هو وزوجته، وقد مات أبو لهب علي الكفر بعد غزوة بدر بسبع ليال، ولم يفكر أن يُسلِم ولو نفاقًا كما أظهر بعض المنافقين الإسلام بينما أسلم ولديه عتبة ومتعب بعد فتح مكة.
الأخبار عن العلوم الحديثة وعن حقائق
وهو الإعجاز العلمي الذي لا يمكن أن نبينه سوى قولنا إنه إخبار سابق للمحدثات العلمية في عصرنا ومن ذلك قوله: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ١٩ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ٢٠﴾ [الرحمن:19–20] وقد اكتشف الباحثون أن مياه البحار لا تمتزج مع بعضها البعض، بل لقد وجدوا أن مياه البحر الأبيض المتوسط لا تمتزج بمياه المحيط الأطلنطي عند جبل طارق. فهناك التقاء وبينهما حاجز ﴿أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١﴾ [النمل:61].
توجد مناطق كثيرة في العالم يختلط فيها الماء العذب مع ماء البحر من دون امتزاج. مثال على ذلك في أمريكا الجنوبية حيث يصب الماء العذب الذي يأتي من الكهوف القريبة من الشاطئ في المحيط من دون أن يختلط مع الماء المالح للبحر ولمسافات طويلة، أو عند اتصال بحرين أو نهرين بكثافات مختلفة، وتوجد هذه الظاهرة ايضاً في منطقة الازقة البحرية Fiordland في جنوب نيوزيلندا. علماً بأنَّ هذه الظاهرة غير موجودة في البحار المحيطة بشبه الجزيرة العربية موقع نزول القرآن على النبي محمد، وكان عدد من القارات لم يزل غير مكتشف زمن نـزول القرآن، ومنها أمريكا الجنوبية ونيوزيلندا. إنَّ هناك قوة الشد السطحيّ surface tension التي تختلف حسب كثافة الماء، وهذا الاختلاف يمنع امتزاج الماءين.
الإعجاز اللغوي في القرآن
الأصالة
نزل القرآن ورُدّد ودُوِّن باللغة العربية وهي لا تزال من اللغات الحية التي يتحدث بها نصف مليار فرد عربي في العالم إضافة إلى مليار آخر من المسلمين من غير العرب الذين يقرأونه ويمارسون عبادتهم باللغة العربية. هذا وإن الإسلام هو الدين السائد في العالم العربي حيث ولد وترعرع وعاش النبي محمد ونزلت عليهِ الرسالة ونشرها فيه. نزل القرآن وردده النبي على حفظة القرآن وبدأ جمعه وتدوينه أثناء حياتهِ، فهو أصيل وغير معرض للتغيير وتشويه المعنى الذي قد يحدث للكتب السماوية الأخرى كونها تُرجِمت على مدى العصور إلى لغات غير التي نزلت فيها.الجدة الدائمة
إن كل كلام بشري يبلى إذا تكرر، وبقدر ترديده بقدر ما يبلى، وتسقط مكانته، ولكن القرآن يعرف بجدته الدائمة، التي لا يؤثر فيها ترديد أو تكرار، فكم كرر المسلمون ويكررون سورة الفاتحة وقصار السور كل يوم وكم أعادوا تلاوة القرآن وجميعهم يثبتون أنه لا زال جديداً على ألسنتهم، وهذه علامة إعجازية تخضع للتجربة من كل من يعرف اللغة العربية في أي زمان ومكان، وبث معانيه بكل اللغات، ولو أخذنا ببعض الآراء الحيادية في هذا الموضوع مثل رأي المستشرق ليون حيث قال: «حسب القرآن جلالة ومجداً أن الأربعة عشر قرناً التي مرت عليه لم تستطع أن تخفف ولو بعض الشيء من أسلوبه الذي لا يزال غضاً كأن عهده بالوجود أمس.»
الكلام الفريد
إن أي كلام من أي إنسان على وجه هذه الأرض يمكن دمجه بغيره من الكلام فلا يستطيع أحد أن يميز كلامه الذي أدمج فيه؛ لأنه بالإمكان أن يقلد الناس كلام أي أديب أو شاعر، غير أن الوجه الإعجازي هنا إذا أخذنا سورة من القرآن وحاولنا إدماجها في أي كلام لا بد أن تتميز وحدها وتظهر على ذلك الكلام، ولهذا قال عنه طه حسين: «إن القرآن ليس نثراً كما إنه ليس بشعر إنما هو قرآن ولا يمكن أن يسمى بغير هذا الاسم، ليس شعراً وهذا واضح فهو لم يقيد بقيود الشعر، وليس نثراً لأنه مقيد بقيود خاصة به وحده لا توجد في غيره وهي التي يتصل بعضها بأواخر الآيات، بنغمة صوتية خاصة.» وقد أدرك ذلك المستشرق الفرنسي موريس فقال:«إن القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية الإلهية لبني البشر، وإنه كتاب لا ريب فيه.» وكان مما قاله المستشرق جيمس متشز في مقاله:«لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم، وهو بكل تأكيد أيسرها حفظاً، وأشدها أثراً في الحياة اليومية لمن يؤمن به.»الإعجاز العلمي في القرآن
يعتقد أنصار الإعجاز العلمي في القرآن أنً القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة وذلك في عدد من الآيات والتي تم اكتشافها في العصور الحديثة. لاحقًا ونتيجة لذلك ظهر ما يُعرف بالأدب الإعجازي. إذ تم نشر العديد من الكتب والمواد التي توضح توافق القرآن مع مقتضيات العلم الحديث أو وجود إلماحات أو تصريحات ضمنه تؤكد حقائق علمية عرفت لاحقاً. من أبرز كُتَّاب الإعجاز العلمي موريس بوكاي وزغلول النجار. ويذكر أن هذه النوعية من الكتب والمنهجيّة تعرضت لانتقادات من مؤسسات وأخويات علميّة مختلفة.
قدّم موريس بوكاي في كتاباته بعض التفسيرات من الآيات القرآنية التي وفقًا لمنهجه تتفق مع العلم الحديث والتي لم تكن تُعرف في الماضي. ولقد ألف في نهاية تجربته كتابه المشهور الذي ترجم إلى سبع عشرة لغة (التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث).
يربط كتاب الإعجاز العلمي للقرآن بين ما جاء في بعض الآيات القرآنية وما أقرّته نظريات علمية في القرن العشرين وما سبقه. ومن أبرز ما قيل في هذا المجال على سبيل المثال، أن الآية السابعة والستين من سورة الأنعام: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٦٧﴾ [الأنعام:67] تشير إلى أن ما ورد في القرآن من معلومات علميّة سوف تبين للناس وتكتشف مع مرور الزمن،
وأن الكون خُلق فعلاً من انفجار عظيم بدليل الآية الثلاثون من سورة الأنبياء: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ٣٠﴾ [الأنبياء:30]، وأن الكون يتوسع بدليل الآية السابعة والأربعون من سورة الذاريات: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧﴾ [الذاريات:47]، وأن الكون بعد توسعه سيرجع ويتقلص من جديد بدليل الآية المائة والأربعون من سورة الأنبياء: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ١٠٤﴾ [الأنبياء:104]، وأن أدنى نقطة على سطح الأرض هي البحر الميت، وأن الجنين يُخلق في أطوار بدليل الآية 12-14 من سورة المؤمنون: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤﴾ [المؤمنون:12–14]، وغير ذلك من الأمور.
هناك عدد من علماء المسلمين الذين يُعارضون فكرة وجود إعجاز علميّ في القرآن، قائلين أنه ليس بكتاب علوم، ويعارض هذا الفريق وجود إعجاز علمي في القرآن، بسبب وجود عدّة تفسيرات علمية لظاهرة طبيعية وحيدة، فالعلم دائمًا في تغير والنظريات قد تتبدل وتُدحض، فلا يمكن القول بصحة إحداها طيلة الزمن.
أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن
نشأة الكون
كان الاعتقاد السائد عن الكون منذ القدم حتى بداية القرن 19 بأن الكون سرمدي; بلا بداية أو نهاية إلى أن برزت نظرية الانفجار العظيم لتؤكد بأن كوننا في ثوانيه الأولى، منذ حوالي 13.8 مليار سنة، خلق من جسيمات متناهية الصغر مثل الكواركات، وعدد قليل من الفوتونات والإلكترونات، في حالة كثافة عالية للغاية ودرجة حرارة هائلة، ازداد حجمه في البداية بسرعة عظيمة أدت إلى انخفاض حرارته مما سمح للجزيئات الأولية بالاندماج لتشكيل جسيمات مثل البروتونات والنيوترونات والهايدرونات، ثم أنوية ذرات بسيطة، ثم ذرات (الهيليوم والهيدروجين مع قليل من الليثيوم) وتشكل غيوم عملاقة من غازي الهيدروجين والهيليوم وقليل من الليثيوم، ثم التحام هذه السحب الغازية تحت تأثير ظواهر كونية معقدة تعتمد على القوى النووية وقوة الجاذبية والقوة الإلكترومغناطيسية لتشكيل النجوم والمجرات.في سنة 1964، أصبحت نظرية الانفجار العظيم أفضل نموذج لأصل الكون وتطوره، بعدما تم اكتشاف إشعاع خلفية الميكروويف الكوني (The Cosmic Microwave Background Radiation) أي الإشعاع الأحفوري للكون الذي تم التقاطه بعدما صار الكون شفافًا، سمح هذا النموذج للعلماء بفهم معظم الظواهر الكونية. يرى مناصرو فكرة الإعجاز العلمي للقرآن بأن نظرية الانفجار العظيم تتفق مع عدد من آيات خلق الكون في النص القرآني.الكون غير أزلي
الكون ليس سرمديا كما كان شائعا قبل بروز نظرية نشأة الكون، ومن الممكن أنه قد وجد من العدم، وفقًا لنظرية التضخم، التي تقول أن كوننا هو كون فرعي تضخم داخل كون متعدد، هذا الكون الذي خلق وفقًا لقوانين فيزيائية أكبر من فائقة الدقة لإنتاج الحياة من جسيمات غير مرئية لا يمكن أن يكون إلا نتيجة لتصميم خالق بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، لأنه لو كانت البروتونات أثقل بنسبة 0.2٪ فقط، لن تكون هنالك حياة ولا ذرات ولا نجوم ولا مجرات ولا كواكب. وهذا يتفق مع نص الآية: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ١١٧﴾ [البقرة:117].
انفصال السماوات عن الأرض
أن السماوات والأرض وفقا لنظرية التضخم الأبدي (The eternal inflation) كانتا مادة واحدة. مما يتفق مع نص الآية: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ٣٠﴾ [الأنبياء:30].
التوسع المستمر للسماء
بدأ الجدل حول توسع الكون تزامنا مع ظهور نظرية الانفجار العظيم سنة 1927 بحيث وجد لوميتر أن الظواهر الكونية الناتجة عن النسبية العامة لا يمكن أن تكون ثابتة كما تم صياغتها من طرف آينشتاين بوضع ثابت كوني إيمانا منه بأن الكون ثابت. في عام 1929، برهن إدوين هابل أن الكون في توسع، بعد أن لاحظ انزياح أحمر في طيف المجرات البعيدة مما يعني أنها تبتعد عن بعضها البعض بسرعة تتناسب مع مسافاتها عن مجرتنا. فنظريتا الانفجار العظيم والنسبية العامة ساهمتا في اكتشاف ظاهرة توسع الكون. وهو ما يتوافق مع نص الآية: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧﴾ [الذاريات:47].
مرور الكون بمرحلة الدخان
تم تفسير مرور الكون بمرحلة الدخان (الهيليوم والهيدروجين مع قليل من الليثيوم) التي كانت سائدة قبل نشأة النجوم والمجرات على أنها مرتبطة بمعنى الآية: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ١١﴾ [فصلت:11].
انهيار الكون
تقول النظرية أن الكون في توسع مستمر ووفقًا لمعادلات فريدمان عندما تتجاوز كثافة «الطاقة-المادة» لكوننا الكثافة الحرجة، ستصبح قوة الجذب الناتجة عن الكتلة أقوى من قوة التمدد الناتجة عن الضغط السلبي للطاقة المظلمة، وينتهي الكون بـ «الانهيار» على نفسه وسيتقلص إلى حد ما في وضع مشابه لذلك الذي بدأ منه، فيما يسمى ب: "big crunch ". وهو ما يراه مناصرو الإعجاز العلمي في القرآن ينطبق بشكل صريح مع الآية: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ١٠٤﴾ [الأنبياء:104]. وقد برزت نظريات أخرى عن مصير الكون إلا أن آخر التطورات العلمية تؤكد بأن كوننا متناهي وسيتوقف عن التوسع وينهار على نفسه.الماء والحياة
ولقد تضمنت الآية القرآنية أعلاه حقيقة علمية أخرى لا تحتاج إلى توضيح وهي أن سائل الماء شيء مهم وأساسي لوجود الحياة على كوكب الأرض، ولا يوجد حالياً سائل في الأرض يصلح أن يكون وسطاً صالحاً للتفاعلات الحيوية في جسم الأحياء غير الماء، ولقد اكتشف أحد الباحثين إن بعض الأحياء المجهرية كالبكتريا تستطيع العيش بدون هواء لفترة زمنية ولكنها لا تستطيع الاستغناء عن الماء مطلقاً كما تشير الآية إلى ذلك من قبل أن يعرف البشر هذا، وإن كانت الآية تشير إلى حقيقتين علميتين.
الفرث والدم في علم تشريح الأنسجة
بعد تقدم العلم واكتشاف كيفية تكون اللبن في الأنعام، ووجد الباحثون أن الأنزيمات الهاضمة تحول الطعام إلى فرث يسير في الأمعاء الدقيقة حيث تمتص العروق الدموية - الخملات - المواد الغذائية الذائبة من بين الفرث فيسري الغذاء في الدم، حتى يصل إلى الغدد اللبنية وهناك تمتص الغدد اللبنية المواد اللبنية التي سيكون منها اللبن من بين الدم فيتكون اللبن، الذي أُخرِج من بين فرث أولاً، ومن بين دم ثانياً، وذلك نص صريح تنطق به الآية في القرآن: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ٦٦﴾ [النحل:66]انخفاض نسبة الأكسجين عند الصعود إلى الأعلى نحو السماء
بعد تمكن الإنسان من بلوغ السماء بالطيران بوسائل النقل الحديثة عرف أنه كلما ارتفع إلى الأعلى في الجو قل الأوكسجين والضغط الجوي، مما يسبب ضيقاً شديداً في الصدور وعملية التنفس، وذلك عين ما تنطق به الآية قبل طيران الإنسان بثلاثة عشر قرناً من الزمان كما ورد في القرآن: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ١٢٥﴾ [الأنعام:125] والحرج شدة الضيق، والآية تبين أنه من عمل ما يستحق به أن يعاقبه الله بإضلاله. فمثل حاله عند سماعه الموعظة وما يتصل بها من الإيمان بالإسلام، وما يصيبه من ضيق شديد كمثل الذي يتصعد في السماء.
الظلمات المتعددة في أعماق البحار السحيقة والأمواج التي تغشاها
كشفت العلوم الحديثة إن في قاع البحار العميقة الكثيرة الماء - البحر اللجي - ظلمات شديدة، حتى إن المخلوقات الحية تعيش في هذه الظلمات بلا أدوات بصرية وإنما تعيش مستخدمة حواسها الأخرى كالسمع، ولا توجد هذه الظلمات الحالكة في ماء البحر الذي يحيط بالجزيرة العربية وإنما اكتشفوها في المحيطات البعيدة عنها ذات الماء الكثير - البحر اللجي - كما اكتشف العلماء موجاً بحرياً داخلياً يغشى البحر وهو أطول وأعرض من الموج السطحي وتم كشفه كذلك بواسطة الأقمار الصناعية، والآية القرآنية تقول: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ٤٠﴾ [النور:40] فتكونت هذه الظلمات نتيجة البحر العميق اللجي أولاً، ثم الموج الداخلي الذي يعكس أشعة ضوء الشمس فلا يسمح لها بالنفاذ إلى الأسفل ثانياً، والموج السطحي ثالثاً الذي يعكس جزءاً من الأشعة، والسحاب الذي يحجب كثيراً من أشعة الشمس فلا يسمح لها بالنفاذ إلى الأسفل رابعاً، فهي ظلمات بعضها فوق بعض وأسبابها المنشئة لها بعضها فوق بعض.
الموج البحري ومن فوقه موج آخر
تبين هذه الآية جانب آخر من الإعجاز القرآني وهي أن الموج البحري الذي كان الناس جميعاً لا يعرفون سوى أنهُ موج واحد في البحار، فالآية أعلاه تقول هنالك موجاً آخر في أعماق البحار، واكتشف الغواصون في بداية القرن العشرين حقيقة كانت مخبوءة في أعماق البحار تلك الحقيقة التي تبين موجاً آخر يقذف بالغائصين فيهِ كما يقذف بالسابحين عليهِ، واكتشف هذا الموج الغواصون الاسكندنافيون.
ووثق أول ادعاء حول هذا الموج البحري في نهاية الحرب العالمية الثانية بواسطة الغواصات العسكرية التي كان يستخدمها الحلفاء، إذ كانت تنعكس عندهم موجات أجهزة السونار المستخدم، ثم تبين حقيقتها في نهاية القرن العشرين عبر بحوث حديثة. ذكرها العالم عبد المجيد الزنداني في كتابهِ حول الإعجاز (توحيد الخالق).
طبيعة الجبال كالأوتاد في علم الجيولوجيا
الوتد يغرس في الرمل لتثبيت الخيمة، وهكذا الجبال فقد اخترقت بامتداداتها الطبقة اللزجة التي تقع في أسفل الطبقة الصخرية التي تُكوِّن القارات، فأصبحت بالنسبة للقارات كالوتد للخيمة، فالوتد يثبت الخيمة بالجزء الذي يغرس في الصحراء وهكذا الجبال تثبت القارات بالجزء المغروس منها في الطبقة اللزجة التي تقع تحت الطبقة الصخرية التي تتكون منها القارات. ولقد تأكد للعلماء هذه الحقيقة العلمية في علوم الأرض عام 1965 وعلموا أنه لولا خلقت الجبال هكذا كالأوتاد لطافت القارات ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ٧﴾ [النبأ:7]، ومادت الأرض واضطربت من تحت أقدامنا، فالقرآن يذكرنا بهذه الحقيقة بقوله: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٥﴾ [النحل:15] إن جعل الجبال كالأوتاد لكي لا تميد الأرض بنا لهو خير دليل على تحركها فلو كانت ثابثة لم يكن للجبال فائدة ثم إن كلمة الرواسي التي تستخدم للسفن مثل المثبت لها حين تكون راسية تقوي هذا المعنى.
الرياح والتلقيح والمطر
يذكر القرآن: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ٢٢﴾ [الحجر:22]، وأثبت العلم الحديث أن الرياح تقوم بالتلقيح الريحي للنباتات بنقل حبوب اللقاح إلى أعضاء التأنيث في الأزهار ليتم الإخصاب وتكوين الثمار، وتثير الرياح كذلك السحاب بتزويد الهواء بالرطوبة اللازمة، وإن إرسال الرياح بنوى التكثف المختلفة يعين بخار الماء الذي بالسحاب على التكثف، كما يعين قطيرات الماء المتكثفة في السحاب على مزيد من النمو حتى تصل إلى الكتلة التي تسمح لها بالنزول مطراً.دوران الأرض حول نفسها
ورد بالقرآن قوله: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ٨٨﴾ [النمل:88]، وهو ما يفيد أن الجبال تدور دوراناً سريعاً كالسحاب لكن الإنسان يراها ثابتة مستقرة، وهناك اختلاف في المقصود من الآية حيث قال ابن عثيمين أن الآية تتحدث عن يوم القيامة وليس في الدنيا.النجم الطارق
المواضيع المتشابهه:
|