10-20-2021
|
|
وقرأتُ فيهنَّ بُكائي !
لبابة أبو صالح
لحبُّ غيثٌ غائبٌ .. و الأرواحُ هلكتْ جوعًا "
نزلتُ من جـنتي , و كأنني أرتدُّ أعوامًا إلى الماضي السحيق , و لكن بجسدٍ مختلفٍ و رأسٍ أحملهُ معي جميعه أينما ذهبت ..
بدتْ الأشياءُ صغيرةً على غير عهدي بها ؛
فالمدرسةُ ضيقة و الفتياتُ صغيراتٌ , و بعضي يحملني لأسير بينهن و يتأملنني و كأنني من المريخِ ..
سرتُ في الأروقةِ و الوجوهُ تسحبني إلى وجهٍ كنتُ ألبَسُهُ أيامَ كنتُ مثلهن ..
و بدتْ دمعتي تنبتُ في وجدانٍ قديمٍ , و قدْ تحوَّلتُ إلى كبيرةٍ !!
لستُ أحكي قصتي مع هذا العالمِ , فقدْ كانتْ عادية جدًّا ,
الصباحُ و التأنق ثمَّ التأملُ في وجوههن الشاحبة ..
كان كل هذا عاديًّا إلى درجةٍ جعلت دمعتي تنمو كشوكةٍ في حلقي .. وأبتلعها مع كلِّ شهيق جديد !
بدأ البكاءُ فعلا حين دخلتُ الفصل للتعرف على الطالباتِ ..
لا أذكر أنني تعبتُ في ذبِّ الفوضى خارجًا ,
و لكن عيونهن المحملقة بلا استحياءٍ في وجهي ,
و ابتساماتهن المشرعَة المخبئة نكاتٍ و عباراتٍ ساخرة,
كانت صعبةً علي لعِظَمِ خوائها !..
بعد دقائق قلةٍ أحببتهن برغم كلِّ الشغبِ الذي مارسنه , و كلِّ الأسئلةِ الوقحةِ التي طرحنها,
و برغم أصواتِهنَّ الصاخبةِ و ثرثرتهن الشقية ..
أحببتهن لِسرٍّ فيهن إلى حدِّ أني أشفقت على نفسي من هذا الحبِّ !
دار بيننا حديثٌ عن القراءةِ و العقل، و أن الإنسانَ يعبر عن نفسه وعليه أن يحسن في هذا التعبير ,
و أن خلف ملامحهن المشاغبة عملقةً مُشرقة ..
سكتنَ و كأنهن ينبشن معي عن أنفسهن , و قد أحببنَ هذه اللعبةَ ..
حاورنني .. حتى لمعتْ في عيونهن أنوارُ التأملِ فيما أقول ,
و تقلصتْ ابتساماتهن .. و أصغينَ ببراءةٍ بدأتْ تطفو على ملامحَ كانت باهتةً شاحبة !
انتهى زمن الحصة , ولوَّحتُ بابتسامةٍ مُحبَّةٍ لهنَّ أني سأخرج ..
لكنَّ الكلمةَ البيضاءَ كانت قد تحوَّلت إلى سنابل قمحٍ ذهبيةٍ في أرواحهن ..
فهمسن معاً و كأنهن مُتفقات :
" ابقي يا أستاذة .. نريدك .. فكلامك حلو جدّاً " ..
و انفجرَت ذاتي تبكي , إذ أثمر حُبي حُبًّا ذهبيا .. ويلاهُ و ويلي من فتنته !
و خلوتُ بعدها أقرعُ صمتي بسؤالٍ مُتعبٍ :
" أين يخبئ الكبار الحبَّ عن هذه الأرواح الغضة ,
لنـقابلَها و كأنها أشباحُ طفولةٍ مسروقة .. لا براءةً تستوجبها الطفولة .. "
محزنٌ هذا العالَمُ .. جِدًّا .. جِدًّا !!
|