عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10-05-2022
النورس غير متواجد حالياً
اوسمتي
وسام مسابقة المبدعين المركز الثالث قلم وهج المميز الكاتب المميز وسام الترحيب بالاعضاء الجدد 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 4002
 تاريخ التسجيل : Jul 2022
 فترة الأقامة : 670 يوم
 أخر زيارة : 03-27-2023 (07:58 AM)
 المشاركات : 2,826 [ + ]
 التقييم : 61210
 معدل التقييم : النورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond reputeالنورس has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 4
تم شكره 308 مرة في 197 مشاركة

اوسمتي

افتراضي الحانوتى لايموت











فوق ظهر حمار هزيل يجوب الرجل طرقات القرية ، يضرب على طبلته الكبيرة بعصا غليظة .." وستشيع الجنازة ظهر اليوم والعزاء فى ( المضيفة ) الكبيرة "..
نزل علىّ الخبر بردا وسلاما ، تنفست الصعداء وكأن شيئاً ما كان يرزخ فوق صدرى وقد إنزاح للتو ..
قبعنا خلف ( المضيفة ) تحت شجرة الجميز العتيقة نتبادل الهمس فيما بيننا عن ذلك الرجل الذى مات اليوم وكانت أجسادنا ترتعد برداً ، بينما شاع الدفء فى قلوبنا لخبر موته ..
أ تراهنونى على أن هذا الرجل لم يمت ؟؟

لا لقد مات ، فأهل القرية جميعا لاخبر عندهم الا خبرموته ..هكذا رد أحد رفاقى وهو يقرب فمه من أذاننا ..
تعثر ثالث فى كلماته وهو يهمس بها إلينا وعيناه تدوران فى كل إتجاه متوقعا هبوط الحانوتى علينا من فوق سطح المضيفة ، هو سيموت ولكن بعد أن يدفِن أهل القرية جميعاً ..


تشعب الحديث ودار دوراته فى كل الإتجاهات لكنه كان يصب فى نفس الموضوع حتى بدأ الخوف يدب فى صدورنا عندما أكد إبن العمدة وهو أكبرنا سنا أن الحانوتى ليس بشراً بل هو جان فى صورة إنسان يعمل لدى ملك الجن السفلى ، إنتابنا الفزع وسبح كل منا فى أوهامه وتصوراته ، وإنطلقنا إلى دورنا وكأن الشياطين فى أعقابنا عندما رأينا مايشبه الشبح قادم ناحيتنا فى الظلام ، بينما لم يكن سوى رجل قصد الخلاء لقضاء حاجته ، لكننا لم ندرك هذا فى حينه .....


ماتت أمى وأنا بعد فى السادسة ، جاء الحانوتى الى بيتنا ، فتأملته للمرة الأولى ، فقد كنت ألمحه يطوى الطريق طياً كالبرق ، فلا تكاد ملامحه تثبت فى ذاكرتى ، لكنه اليوم أتى إلى دارنا ، رجل طويل كمارد ، نحيف كعود ذرة ، جاف المحيا كغصن يابس، رفيع الأنف طويلها ، حاد النظرات وكأن الشرر يتطاير من عينيه ..وما أن عبر باب دارنا حتى صاح فى صوت جهورى ناهق ، هل كل شئ جاهز؟؟ فظننت لساعته أنه يسأل عن أشياء مجهزة سلفاً لدفن كل من بالدار ، فقد قالت خالتى ذات يوم أنه ما من دار يدخلها حتى يموت أهلها تباعا .. تملكنى الرعب فعدوت بأقصى ما استطيع ألى نهاية الدار وارتقيت السلم الخشبى إلى سطح الدار ، وإختبأت بين أعواد الحطب أراقب مايجرى .......... بعد قليل خرج الرهط يحملون نعش أمى يتقدمهم الحانوتى بينما إنهمرت دموعى حزنا وخوفا..... ومنذ ذلك اليوم إختزلت قضية الحياة والموت فى شخص رجل واحد هو حانوتى قريتنا ، وقر فى نفسى أن وجوده يعنى موتى ، والعكس صحيح ، ولم أكن أعرف وقتذاك أن هناك حانوتى آخر فى القرية المجاورة إلأ عندما ماتت جارتنا فأرسلوا من أتى به .. وبهذا عادنى الخوف على حياتى ، وظلت صورة الحانوتى تطالعنى صباحا و مساءً .......

مرت السنوات ورأيت العالم من حولى بكثير من الحقيقة والواقع ، إلأ أن مايتعلق بالحانوتى ترك أثراً سيئا فى نفسى فكنت على كبر سنى أكره مجرد ذكر كلمة حانوتى ، وأرى فى ذكر لقبه نذير شؤم وهلاك وفراق ....
توفى أبى صباح يوم مطير ، وأرسلنا الى القرية المجاورة من يحضر الحانوتى فعاد إلينا بخبرمعناه سفر الأخير .. طالت ساعات التفكيروالتشاور ، ورأى البعض ضرورة سرعة دفن أبى ، تأملنى عمى بنظرة مدققة من خلال عينين ضيقتين ثم فاجأنى بسؤال بعمرى لم أتوقعه ماحييت " ألست ابنه ؟ " .... "مابك ياعمى ؟ أنا ابنه بالطبع " حسناً فلتقم على تجهيزه ودفنه إذن ..نزل علىّ كلامه كالصاعقة وأحسست بقلبى ينخلع وأنفاسى تتوقف ، وتكورت داخل ذاتى فى ذاتى ،وفرت أعماقى من أعماقى ،و راحت أفكارى بددا ، وزاغت عينى صدمة ، وكادت روحى تغادر جسدى رعبا .. لكن صوت الرجال أعادنى الى بعض نفسى ، وأكدوا جميعا أحقيتى فيما أشار به عمى ، ولأننا أحياناً نجدنا مرغمين على أن نفعل ماهو ضد رغبتنا ، ولأنه هناك مواقفاً يجب أن نظهر فيها رجولتنا وقوة معدننا فقد وجدتنى دون وعى منى أهز رأسى علامة الموافقة.. أنهيت الأمر كله بمساعدة البعض ، وعدت من المدافن شبه ميت ، فلا أنا مصدق ما حدث ، ولا عقلى مستوعب مافعلت .....بعد اسبوعين تقريباً دق باب الدار فقمت لفتحه ، وجدت عجوزا ضامرة محدودبة الظهر متشحة بالسواد خلفها تقف فتاة تبكى هى إبنتها على مايبدو " نعم ياخالة ..تفضلى " قالت فى صوت مرتعش باكِ" أطال الله عمرك ياولدى ، لقد توفى زوجى صباح اليوم ، وحانوتى القرية المجاورة أقعده المرض فأشاروا علىّ بالمجئ إليك " ....!!

المواضيع المتشابهه:



 توقيع :
وكم من كلام قد تضمن حكمةً... نال الكساد بسوق من لا يفهم ُ.....

رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ النورس على المشاركة المفيدة:
 (10-05-2022),  (10-07-2022)