الموضوع: القطة السوداء
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2023   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية اميرة الحب

إحصائية العضو






  اميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
اميرة الحب غير متواجد حالياً

المنتدى : ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
user353_pic2thumb القطة السوداء

لن أطالبك يا قارئي العزيز أو أتوقع منك أن تصدق ما سأسطره لك الآن من قصة "منزلية" وقعت في داري لكنها جامحة الخيال. وسأكون مجنونا بالفعل إن توقعت أن تصدقها، إذ أن حواسي نفسها تأبى تصديقها! بيد أني لست مجنونا ولا حالما. وبما أني قد أموت غدا، فإنه من الخير لي أن أريح ضميري وأحكي لي القصة الآن. ليس لي من غرض في حكايتها سوى أن أتلو علي الناس أجمعين ومن غير زيادة أو نقصان أو تعليق، سلسلة من الحوادث العائلية التي وقعت بالفعل، ونتج عنها ما أرعبني وعذبني بل وقضى علي. رغم كل ذلك، فإني لن أقوم بشرح أو تفسير ما حدث. بالنسبة لي لم يحدث ما وقع في نفسي سوي الرعب، بيد أنه بالنسبة للكثيرين فإن ما حدث قد يمر عبورا عابرا لا أثر له ولا خطر. قد أجد فيما بعد قدرا من الفكر والعقل والمنطق يقلل أو يزيل ما علق بي من هواجس وأوهام بسبب ما حدث، ويقدر الظروف التي أحاطت بي حينها، ويدرك أن ما جرى إن هو إلا تعاقب عادي لسلسلة من الأسباب الطبيعية والنتائج.

لقد عرفت منذ نعومة أظفاري بخصلتي الإنسانية والهدوء، وهما خصلتان ميزتا طبعي. وكانت طيبة قلبي بادية وجلية لرفاقي مما جعلني مصدرا لا ينقطع لدعاباتهم. كنت شغوفا بالحيوانات عطوفا عليها، وحباني والدي بأعداد متنوعة منها كنت أقضي في رفقتها سحابة يومي وأسعد غاية السعادة بإطعامها ومداعبتها. ونمت عندي مع مرور الأيام تلك العادة، ولم تفارقني حتى غدوت رجلا كبيرا، إذ كان إطعام حيواناتي الأليفة ومداعبتها مصدر سعادتي الأهم. لن أجد عسرا في شرح مدى وعمق السعادة بل النشوة التي يلقاها المرء عند إطعام ومداعبة حيوان أليف، فذلك أمر معلوم ومشهود عند كل من لديه كلب ذكي مخلص. ثمة أمر ما في حب ذلك الحيوان...حب مبرأ تماما من الغرض والأنانية، وعامر بنكران الذات ينفذ إلي شغاف القلوب. يعلم ذلك جيدا كل من أتيحت له فرصة اختبار صداقة البشر الكذوبة، وإخلاصهم المتكلف الزائف.

تزوجت في عمر باكر، وكنت جد سعيد أن وافق طبع زوجي كثيرا من طباعي. لاحظت امرأتي حبي الشديد للحيوانات الأليفة فلم تدخر وسعا في اقتناء العديد منها، فامتلأت دارنا بالطيور وبأسماك الزينة وبكلب بديع وأرانب وقرد صغير وقط. كان ذلك القط أسودا كالح اللون، سمينا جدا وجميلا رائع المنظر. كان قطنا ذاك ذكيا لأبعد الحدود. ألمحت لي زوجي – ولم أعهد فيها من قبل ميلا لتصديق الخرافات- لما يردده الناس من قديم من أن كل القطط السوداء إنما هن ساحرات متخفيات. لم تك زوجي جادة في قولها ذاك، بيد أني أثبت هنا ما قالته، وستذكر ما قالته يا قارئ بعد حين.

كان بلوتو (وهذا هو اسم قطنا) حيواني الأليف وصديقي المفضل دون منازع. لم أكن لأسمح لأحد أن يشاركني في إطعامه، وكان يتبعني كظلي وأنا أجول في الدار، وكنت أجد عسرا شديدا في منعه من ملاحقتي وأنا أسير في الطرقات.

مضت صداقتنا على هذا النحو عددا من السنين، وخلال تلك السنوات تعرض مزاجي العام وشخصيتي (للأسف ولخجلي الشديد بفعل ثورة عصبية شريرة) لانقلاب شديد وتغير جذري نحو الأسوأ. غدوت أكثر تقلبا في المزاج، وأشد عصبية، وأقل حساسية تجاه مشاعر الآخرين. صرت استخدم لغة أكثر عصبية بل وعنفا شخصيا مع زوجي، وكان هذا بالنسبة لي مصدر تعاسة لا توصف. أحست حيواناتي دون ريب بذلك التغير السيئ في طبعي وشخصيتي، إذ كنت قد أهملتها بل أسأت معاملتها. رغم ما طرأ علي من تغير غير محمود، فإن معاملتي لبلوتو (قطي الأثير) لم تتأثر إلا هونا يسيرا، إذ لم تطاوعني نفسي لإساءة معاملته في حين أنها لم تتورع عن إساءة معاملة الأرانب والقرد وحتى الكلب، عندما ألقاهم مصادفة في طريقي أو حين يغلب عليهم الشوق والحنين إلي. استفحل مرضي، وأي مرض أسوأ من إدمان الكحول. أحست بذلك زوجي، وأحس به أيضا "بلوتو" والذي تقدم الآن في العمر وغدا مشاكسا بعض الشيء، وصار يتلقي مني من سوء المعاملة ما يلقي.

وفي ليلة حالكة السواد، عدت لداري ثملا أترنح بعد سهرة طويلة في المدينة. لقيت "بلوتو" في طريقي، وتصورت أنه يتحاشاني ويعرض عني بعد أن حاولت الإمساك به. لعله كان خائفا من عنف سيلقاه على يدي، فأفلت من بين يدي بعد أن أحدث فيها بأسنانه جرحا صغيرا جدا. تملكني غضب شيطاني من فعل القط فلم أعد أفرق بين الجدار والحمار، وبدا لي أن روحي القديمة قد فارقت جسدي، وتملكتني روح سوء شريرة، زاد من شرها المستطير تأثير ما دخل جوفي من مشروب "الجن" القوي، وتهيج كل عصب في جسدي فأخرجت من جيب الصديري الذي كنت أرتديه سكينا صغيرة حادة النصل، وأحكمت قبضتي علي عنق القط المسكين، واقتلعت أحدى عينيه من محجرها. إنني أقطر خجلا وحرقة وقشعريرة وأنا أسطر مثل ذلك الفعل الوحشي الفظيع.

عندما أفقت من سكرتي في صباح اليوم التالي، وبعد أن تبخرت أدخنة غضب تلك الليلة الفاسقة تراكمت علي نفسي مشاعر متباينة، اختلط فيها الرعب بالندم من هول ما ارتكبت من جرم عظيم. بيد أن تلك المشاعر كانت واهية مريبة لم تمس جوهر روحي، وسارعت بدفن تلك المشاعر في بحر متلاطم من الخمر اغرق ذكرى ذلك الفعل الشنيع.


💠💠💠💠💠💠

مما قرأت












توقيع :





💕🅰 🅼 🅵 💕


عرض البوم صور اميرة الحب   رد مع اقتباس