الموضوع: النَّبْعُ :
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10-12-2022
عبد العزيز غير متواجد حالياً
    Male
اوسمتي
الكاتب المميز تكريم اكتوبر وسام الترحيب بالاعضاء الجدد 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 4049
 تاريخ التسجيل : Oct 2022
 فترة الأقامة : 563 يوم
 أخر زيارة : منذ 4 يوم (10:52 PM)
 المشاركات : 16,440 [ + ]
 التقييم : 11208
 معدل التقييم : عبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond reputeعبد العزيز has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 8
تم شكره 207 مرة في 125 مشاركة

اوسمتي

افتراضي النَّبْعُ :













عاج في أحد الأشتية عند الأصيل على النبع –الذي أحبه ، وألفه كثيرًا ، والذي يعوجُ عليه كلما أشجاه خطبٌ- وجال حوله قليلًا بخطى وئيدة ، ثم اتجه إلى الأثلة ، واتكأ على جذعها الضخم ، وأغمض عينيه ، وسرح بفكره إلى حقبةٍ انصرمتْ ، ثم أفاق من شروده على قطرات غيثٍ تسقطُ على وجهه ، ففرد كفيه ، حتى اجتمعَ فيهما الكثيرُ من القطرات ، فشربها ، ورنا بطرفه إلى السماء ، والغيث المنهمر ، ثم قال : غادَرَ حياتي من غَادَرَ معهم الأُنْسُ والسُّرُورُ ، وأَقَامَ الشَّجنُ بعدهم بقلبي ولم يَبْرَحْهُ !
وأنتِ إن بقيتِ فلكِ الكرامة والزُّلْفى ، وإن ظعنتِ ، فأنتِ كمن ظعن من أحبابي الذين لم يبرحوا قلبي ، ولا عقلي ساعة ، فأنتِ أثيرةٌ ، حبيبةٌ في ظعنكِ والإقامة ، وستظلين كالشمس ، بعيدة المنال ، وتغمرين قلبي بالضياء والدفء ، فأستودعُ اللهَ قلبكِ الرقيق ، وروحكِ النقية !
ثم رنا بطرفه إلى القرية القابعة خلف الرابية ، وقال : أعرفُ السُّبُلَ المُؤَدية إلى المدن والقرى ، ولكني لا أعرفُ السَّبيلَ المُؤَدِّيَ إلى قلبكِ النقي ، فهنيئًا لمن اهتدى إليه ، وحظي بصدقه ووفائه !
عاد إلى الأثلة واتكأ على جذعها الضخم ، وسرح بفكره إلى ذلك العهد المحبب إليه ، ثم أخرج قلمًا وورقةً وكتب فيها : لا تسألي عن حالي ! فما حالُ من ينتظرُ أزوف تلك الساعة منذ عشرين عامًا ، ولم يَنْبَلجْ نُوْرُها ، رغم طول انتظاره !
أيتها الحبيبة : ها هي السحب البيضاء بهدوئها وصفائها ، ونقائها ، تُزيحُ الغيوم السوداء (المثقلة بالفتوة ، القوة ، الأماني العذاب) ، لتستحلَّ مكانها !
أيتها الغيمة التي لم تظلني من هجير السأم ، ورمضاء النوى : سأُلملمُ جراح الهوى ، وذكريات الحنين ، وأظعنُ إلى حيثُ أقضي ما بقي لي من أيامٍ قد لا تطولُ ، حتى تأتي تلك الساعة –التي سألتُ الله كثيرًا أن يُعجِّل لي بها- ، وتبزغَ الشمسُ التي انتظرتها عشرين عامًا ، لتُبدِّدَ ليل الشجى ، فإذا غمرتْ قَلْبَكِ أمواجُ الحنينِ ، بعد هذا الهَجْرِ الـمُضني ، فلا تُكَلِّفي نَفْسَكِ عناءَ القُدُومِ إلى مُلْتَقَانا عند النَّبْعِ ، لأني أكونُ هناكَ في الموْطنِ الذي حَنَنْتُ إليه كثيرًا في مَجْمَعٍ من أحبابِ قلبي الذي ظعنوا ظُعُونًا لا أَوْبَةَ لهم مِنْهُ !
طوى الورقة ، ثم مضى إلى حديقة منزل الفتاة ، ووصل إليها عند السَّحَر ، فتخطى السياج ، واتجه إلى الشجرة التي عندها طاولة القهوة ، وأحد النظر إلى فنجان القهوة فوقها ، وقال : ارتشفتُ هواكِ العذب ، كما ترتشفين فنجان القهوة المرة ، المحببة إليكِ ، مع فارق حلاوة هواكِ وعذوبته ، بحرقه ، وإنهاكه ، ومرارة قهوتكِ وسخونتها !
وضع الورقة في التجويف في بطن الشجرة ، ومضى ميمِّمًا وجهه شطر قرن الشمس الذي بدأ يلوحُ لناظره ، وهو يقول : كان الحبُّ غَيْثًا ، والنَّأْيُ عَيْثًا !
بعد العصر وبينما كانتِ الفتاةُ تتناولُ قهوتها ، لفتَ انتباهها ، بياضٌ في تجويف الشجرة ، فنهضتْ لتستجلي الأمر ، فوجدت الورقة ، ففضتها ، وقرأتها ، وعرفتْ كل شيءٍ ، وعَدَتْ مُسْرعَةً إلى النَّبْعِ ، لعلها تراه ، لتُنْبِئَهُ بأَسْبَابِ نَأْيِهَا ، وعندما وَصَلَتِ النَّبْعَ ، انتظرته إلى الغسق ، ولكنه لم يحضر لأنه كان في تلك الساعة يسمع قرع نعالهم !






رد مع اقتباس
6 أعضاء قالوا شكراً لـ عبد العزيز على المشاركة المفيدة:
 (10-13-2022),  (10-14-2022),  (10-13-2022),  (10-14-2022),  (10-12-2022),  (10-12-2022)