الموضوع: سراب
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 09-10-2021
روح الأمل غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
اوسمتي
تكريم اكتوبر المراقبة المتميزة متميزين الوهج وسام 30 الف 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3602
 تاريخ التسجيل : Jul 2020
 فترة الأقامة : 1386 يوم
 أخر زيارة : 12-24-2022 (09:39 AM)
 المشاركات : 49,122 [ + ]
 التقييم : 1400003561
 معدل التقييم : روح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 1,699
تم شكره 3,594 مرة في 2,459 مشاركة

اوسمتي

افتراضي سراب



د. علي عبدالتواب عبدالحليم


اتَّكَأ على أرِيكَتِه البُنِّيَّة المعتادة في شُموخٍ، وشرع يُقلِّب في هاتفه دونَ أنْ يدري ماذا يريد؟ يحاوِلُ أنْ يَتَغلَّبَ على حالةِ الوَحْدة الفتَّاكة التي تنهش فيه بأنيابها الحادَّة، اصْطَدَمَتْ عيناهُ باسمِها الهُلامي على هاتفه، فكسا وَجْهَه ابتسامةٌ لا إرادية، وأحَسَّ بنَشْوةِ الحُبِّ تَتَلألأُ داخِلَه على الرغم من أنه لا يُدْرِكُ شيئًا من ملامحِها غَيْرَ تلك الصورة التي رَسَمَها له قَلْبُه من صَوْتها الحنُون وابتسامتها العَذْبة، وبَقِيَتْ صُورتُها الحقيقةُ سَرابًا مُتعدِّدَ الأطْيافِ وعلى الرغم من ذلك كان يُحِسُّ بها، ويتأمَّلُ كثيرًا كلماتِها، وعفويتها، وابتساماتها، وقلبها النابض الذي يرجف طَرَبًا وفَرَحًا تارةً، وخَجَلًا تارةً أخرى، وابتساماتها التي تُزَلْزِلُ كِيانَه، وتُشْعِرُه بأنَّه وُلِدَ من جديدٍ، ليُكمِل عمره المحفوفَ بالسَّعادة على يديها.



كانَتْ غامِضةً أحيانًا؛ بل دائمًا، سريعةَ التقلُّب، مزاجيةً رغم حُبِّها الكبير المزعوم الذي يملأ جوانحَها، وتُثيرُ دائمًا شُجُونًا حَوْلَ ذاتها، وتُغلِّفُ رُوحَها دائمًا باليأس الممزوج بروح الرضا لأوضاع ترضى أنها ضحيةٌ لها، وتقتنع بدور الضحية الذي يملأ أركانها، وتتعايش معه، وتُرَدِّدُ ألحانَه الشَّجيَّة التي تبرد بها حرارة بركانها المسْتَعِر من شدَّةِ ما يعصف بها منذ نعومة أظْفارِها.



لم يَدْرِ مُرادَها وغاياتها، وربما تبحث عن سعادة وقتيَّةٍ تُنيرُ بها وَجْهَ الحياةِ المظلم، وتجعلها تستدير لها لتُرِيَها ثَغْرَها الباسم، ربما تبحث عن حياةٍ زوجيةٍ موازيةٍ في عالم افتراضي من صُنْعِ الخيال، تتحاشى فيه الواقِعَ المؤلمَ المحيطَ بها من كُلِّ الأركان.



ترك هاتفَه وأراحَ ظَهْرَهُ للوراء قليلًا، وبدأ يتأمَّل أطيافَ صورتها المنقوشة في خياله، فأحَسَّ - برغم تلك المصاعب الجَمَّة والأفكار السوداء التي تتعاوَرُ داخِلَه فتُنغِّص عليه حُبَّه الوليد - بأنه يُحبُّها وقد نَبَتْ حُبُّها في قلبه، وتَرَعْرَعَ بسُرْعةٍ، وما زال ينمو سريعًا، وبَدَأتْ تتلاشَى تلك الأفكارُ السوداءُ التي تُنغِّصُ عليه حياتَه؛ ولكِنْ سُرْعان ما طَفَتْ على السَّطْح، وتجلَّتْ ملامحُها، واشتَدَّ صِراعُها بعد تلك المكالمة التي ألْقَتْها في طريقِه المصادفةُ المفجعة لشابٍّ آخَرَ يُحادِثُها.



أحَسَّ بشُعُورٍ غريبٍ يعصِفُ بكِيانِه، شُعُور مُتناقِض تختلطُ فيه مشاعرُ جمَّة، فتارةً مفعم بالألم والحزن، وأخرى تمتزجه الشَّفَقَةُ والضِّيْقُ، واليأس والرغبة في البُعْد والانتقام؛ عندئذٍ ينسَدُّ الأُفُقُ، وتتحوَّل لوحةُ السعادةِ المرسومة إلى سوداويَّة قاتمة؛ لكنها كانت دائمًا تنتشله من هذا السَّوادِ، وتَضَعُ نُقْطةً جديدةً من أوَّلِ السَّطْر لحياةٍ جديدةٍ قِوامُها المشاعرُ، وأسَاسُها الحُبُّ، وتُنيرُ له بابتسامَتِها طريقًا جديدًا يرسم لهما حياة سعيدة مُفْعَمة بالتحدِّي الممزوج بآلام الواقع.



انْتَبَه على صَوْتِ هاتِفِه العالي ليُوقِظه من حلم اليَقَظَة الجميل، فارتَشَفَ رَشَفاتِ ماءٍ من كأسٍ زُجاجيٍّ مُزَخْرفٍ بخطوطٍ ذهبيَّةٍ مُتَعَرِّجةٍ، ثم التَقَطَ هاتِفَه بسُرْعةٍ، فَجاءَهُ صَوْتُها الرَّخيمُ يُردِّدُ بِنَبْرةٍ حانيةٍ "أُحِبُّكَ"، عندها تَبَدَّدَتْ كُلُّ أفكارِه السَّوْداء، وامتلأ صَدْرُه بالسكينة، واحتَوَتْهُ السعادةُ بأجْنِحَتِها الرقيقةِ، فأحَسَّ براحةٍ تملأ جوارِحَه، ورَدَّ على كلماتها بهَمْسٍ.




 توقيع :


شكرا نجمتنا لا عدمتك :

رد مع اقتباس