الاختيار الصعب
كثيرًا ما يضطر الإنسان إلى اتخاذ قرارات كانت أبعد ما تكون عن عقله ،
ولكنه يصدرها ؛ لأنه لا يملك خيارًا واحدًا ،
وهل نختلف على أن الحياة مليئة بالاختيارات ،
وأحيانًا تكون خياراتها أصعب من بعضها البعض ،
فليس دائمًا الأبيض يكون نقيضًا للأسود ،
بل أحيانًا يكون الخياران يحملان ذات اللون ،
ولكن هناك لون هو الذي يحفظ الكرامة والكبرياء
أو يكون فيه بداية لحياة جديدة ، قد يكون اختيارًا يحمل الكثير من المجازفة ،
ولكنها مجازفة محمودة ، مقارنةً بالاختيار الآخر ،
فلا تحكموا على بعض الأشياء بالقسوة والأنانية
أو بالتهور والرعونة ، عندما ترون اختياراتهم ،
فلو تعايشتم معهم ، ولمستم ظروفهم لأدركتم
أنه لم يكن لديهم بدائل أو خيارات أخرى ،
فأحيانًا يحكم الإنسان على نفسه بالموت وهو حي يُرزق لأن البديل الآخر لديه يكون الضياع ،
ولا خلاف على أن الموت أفضل كثيرًا من الضياع ، والكثير يظنون أن أكبر وأجمل نِعمة يحصل عليها الإنسان هي حرية تقرير المصير ،
ولكن الحقيقة أن الإنسان أحيانًا يتمنى لو أنه ترك مصيره لغيره ؛
حتى لا يشعر أنه هو الذي أودى بنفسه وحياته إلى التهلكة ،
وهل ننكر أننا عندما نقول لشخص أنت حر في اختيارك لا تكون هذه الجملة دائمًا وحي بالحرية ؟
بل أحيانًا تكون منتهى القيد النفسي الذي يُكبل الروح ، ويُهَمِّد الجسد ،
فما أصعب أن تُوكل باختيارات ، كلها قاتلة ،
كالذي يُخير بين حياته وحياة أقرب المقربين له ،
فما أصعب ذلك !.
للأسف نحن غالبًا من نصنع في أنفسنا في هذه اللحظات الشاقة ،
ونجلب لأنفسنا تلك المعاناة القاسية ، حينما ندخل في تجارب ، دون دراسة أو بُعد نظر ،
فهنا فقط ننظر تحت أقدامنا ، دون أن نُدرك أبعاد اختياراتنا
فالحياة في لحظة تُجبرك على الاختيار ،
وهنا لا مفر من الاختيــار ، ولكن من ينظـــر للأمـام ويترك لعقله العنان ،
ويرفض أن يكون لعبة في أيدي الزمان ، هو فقط من ينجو من لعبة الاختيار ،
فحقًا هي لعبة ، كالمغامرة تقبل الخسائر والمكاسب ، وللأسف كليهما يحمل في فحواه النقيض ،
فالاختيار قد يبدو في ظاهرة خسارة ،
في حين أنه يحمل في باطنه قمة المكاسب ،
والعكس صحيح
ولكن لا جدال في أن الإنسان مها أجَّل أو سوَّف أو ماطل ، ففي النهاية سيختار ،
وسيتحمل نتيجة اختياراته بمكاسبها وخسائرها ، ومادمنا نسعد بالاختيارات السهلة في الحياة ،
فلابد لنا أن نرضى بالاختيار الصعب ،
فأحيانًا هو المُنجي والبداية الأصح .
د. داليا مجدى عبدالغنى