في إحدى المدن المزدحمة كانت تعيش روعة مع والدتها وأختها الصغيرة ابتسام .... وكان يرقد منزلهم في الطابق الثالث من بناء ضخم ... توفي والدها منذ فترة وجيزة وهي الآن قد تخرجت في الجامعة وأصبحت مدرسة لغة عربية وتحاول قدر الإمكان أن تغطي مصروف المنزل إلى جانب راتب والدها رحمه الله .
إنها فتاة بارعة الجمال تطل كل يوم بعينيها الزرقاوين ووجها الأبيض وشعرها الأسود الطويل وقامتها الباهرة وقد طلبت للزواج مراراً إلا أنها رفضت من أجل والدتها وأختها فلا تستطيع تركهما وفي أحد الأيام وبينما كانت عائدة من المدرسة شاهدت شاباً يوازيها بالجمال لم يبعد ناظريه عنها إلا أنها ألقت ببصرها نحو الأرض وأسرعت في مشيتها دون أن تعيره أي اهتمام ومع مضي الأيام تكررت رؤيتها لذلك الشاب فأخبرت أمها بأمره واستأذنت منها أن تحادثه فوافقت والدتها شريطة أن تعرف ما يدور بينهما من أحاديث .
وفي صباح يوم جميل خرجت روعة كعادتها من المنزل فرأت الشاب يتقدم نحوها فتوقفت وانتظرته وعندما وصل قال لها مرحباً فقالت له : أهلاً ما الذي تريده مني ألا تكفّ عن ملاحقتي ?
فأجابها : صدقيني لا أريد إيذاءكِ ولكنني معجب بك وقد أحببتك من أول نظرة فهل تقبلين دعوتي على فنجان قهوة لأتعرف إليك أكثر وترددت روعة في قبول دعوته وفكرت ملياً ثم قالت له : حسناً , أنا موافقة ولكن عليك أن تكف عن ملاحقتي فالناس لا ترحم أبداً .
سرّ الشاب لذلك ومضى في طريقه إلى أن اختفى عن ناظريها شعرت روعة بخفقان قلبها وقالت في نفسها : هل هذا هو الحب حقاً ?
وتبسمت وأكملت طريقها نحو المدرسة التي تعلم فيها وعندما حان الموعد ارتدت أفخر الثياب وسرّحت شعرها ثم ودعت والدتها وذهبت وعندما وصلت كان الشاب بانتظارها فرحّب بها ودعاها كي تجلس ثم قال لها: أدعى فراس وأنت ما اسمك ? فقالت له: اسمي روعة وأنا مدرسة لغة عربية .
حقيقة لقد أعجبت بكِ منذ أن رأيتكِ وفرحت كثيراً لأنني وجدت شريكة حياتي فما رأيك ?
¯ لا أدري حقاً ماذا أقول ? صحيح أنكَ لفت نظري من بين جميع الذين تقدموا لخطبتي ولكنني ما زلت مترددة في إقامة علاقة معكَ .
¯ أرجوكِ لا تترددي خذي وقتكِ ودعينا نتعرف على بعضنا أكثر كي لا نقع بالخطأ فيما بعد .
¯ إذاً أنا موافقة .
وبدأ كل واحد منهما يحكي قصته للآخر ومضى الوقت ولم يشعرا بشيء إذ كان واضحاً أن الحب أخذ يسري في قلبهما ومضت الأيام وازدادت لقاءاتهما ووقعت روعة في حب فراس فكانت تنتظر رؤيته دائماً إذ جافاها النوم وبدأت أعراض الحب تظهر عليها ولم تشعر أنه يكذب عليها بل كان صادقاً في حبه لكنها كلما طلبت منه أن يأتي ويخطبها كان يرفض ذلك ويقول لها: دعينا نعيش أجمل لحظات حياتنا فما زال الوقت مبكراً على الخطبة ولم تهتم روعة للأمر كثيراً فالحب الذي يجمعها قوي متين وهي متأكدة أن الأمر سينتهي بهما إلى الزواج .
وفي أحد الأيام وبينما كانت روعة عائدة من المدرسة هاجمها ثلاثة شبان وأغمضوا عينيها حاولت أن تصرخ وتطلب النجدة لكنهم غطوا فمها ووضعوها في سيارتهم وساروا بها وشعرت بالخوف والقلق فأخذت تبكي بحزن عميق لم تعرف لماذا فعلوا بها ذلك ? وارتادتها الأفكار السوداء دون أن تعرف أي طريق تسلك وفجأة شعرت بأيديهم القذرة تمسك بها فأنزلوها ثم نزعوا الغطاء عن عينيها ووضعوها في غرفة مظلمة كانت تبكي وتصرخ لكن أحداً لم يستطع سماع صوت ضحكاتهم الوحشية .
كانت وجوههم قذرة متمرسة على الإجرام وساد الغرفة دخان سجائرهم وعندما انتهوا من شربها اقتربوا من روعة وأخذوا يحرقون بأعقاب سجائرهم جسدها الرقيق الطاهر كم صرخت وعانت من الألم والعذاب لكن لم يسمع صرختها أحد وأغمي عليها من شدة الحروق التي لقيها جسدها وبعد ساعات قليلة استفاقت من غيبوبتها فرأت فراس بقربها ينزع اللثام عن فمها فصرخت: حبيبي أين أنت? أرجوك أنقذني من هؤلاء القتلة فابتسم في وجهها ثم أخذ يضحك وتعالى صوت قهقهته فأحست روعة بالشر المنبعث من تلك القهقهة لكنها لم تستطع أن تصدق أنه فراس فقال لها: ما كل هذه الرقة الرومانسية , أنتم الفتيات كلكنّ هكذا حين يأتي شاب ويبدي إعجابه بواحدة منكن تظهر له الرقة واللطافة ثم تأتي وتخونه .
¯ روعة: لماذا تقول هذا الكلام يا فراس صدقني ... إنني أحبك .
¯ فراس : سأنتقم من كل الفتيات وسأجعل العار يلحق بكل واحدة منكنّ .
¯ روعة: أرجوك لا تفعل بي شيئاً دعني أذهب بسلام وسأنسى كل ما حدث .
¯ فراس : لا تحلمي بذلك يا صغيرتي الجميلة أتعرفين لماذا? لأنني كنت طالباً جامعياً وقد أحببت فتاة توازي جمالكِ واستمرت علاقتنا وازداد حبنا لبعضنا يوماً بعد يوم وفي أحد الأيام أردت أن أحضر لها هدية عيد ميلادها فذهبت إلى منزلها وحين فتحتِ الباب لي فوجئت بما رأيت كان عندها مجموعة شبان وكل واحد منهم يبدي إعجابه بها بالطريقة التي يريدها وعرفت حينها أنها فتاة عاهرة فألقيت إليها بالهدية وصفعتها محتقراً ما رأيت وانتهى كل شيء بيننا وقررت منذ ذلك اليوم أن أنتقم من كل فتاة لأن الإناث كلهن هكذا .
¯ روعة: وما ذنبي حتى أكون ضحية مأساتك .
¯ فراس: ذنبك هو أنك فتاة ... أنثى ... ترفضين من تريدين وتعشقين من تريدين وأخذت روعة تبكي وتتوسل إليه لكنه صم أذنيه عن أنينها وهجم عليها بوحشية بالغة ثم لاذ بالفرار خوفاً من أن تقبض الشرطة عليهم وأخذت روعة تسأل نفسها بحزن: كيف سأعود إلى المنزل ? يا للعار ... وأخذت تقول: أماه ... أماه اقتليني فأنا لا أستحق أن أكون ابنتك أرجوكِ ... أرجوكِ أريد أن أموت ... أريد أن أريح نفسي من هذا العار .
فقالت والدتها: هدئي من روعك يا ابنتي واحكي لي قصتك وأخذت تروي لوالدتها ما جرى معها منذ عودتها من المدرسة إلى هذه اللحظة وفوجئت والدتها لم تدر ماذا تقول ? أو ماذا تفعل? فأخذت تلطم على وجهها تقول: يا للعار ... يا للعار ... يا للعار .
قالت روعة وهي تبكي: صدقيني يا أماه حاولت أن أقاومهم لكنهم كانوا أقوى مني انظري ... انظري كيف حرقوا جسدي بأعقاب سجائرهم وأسرعت نحو غرفة والدها وأحضرت مسدسه وملأته بالرصاص ... أرجوك يا أمي خلصيني من هذا العار ... صوبيه نحو رأسي وأريحيني فضمت الأم ابنتها لأنها تعرف أنّ ابنتها صادقة في كلامها وليس لها ذنب فيما حدث وقررت أن تساعدها في الانتقام من أولئك الأشرار لأنها لو أرادت أن تخبر الشرطة فلن يصدقوا كلامها روعة: صدقيني يا أماه ... أقسم بشرفي الذي سرق مني لن يهنأ لي بال حتى أثأر لكرامتي ولو كلفني ذلك حياتي وارتدت الثياب السوداء وحملت مسدس والدها ومضت نحو قدرها وبدأت تبحث عنهم لتنتقم ومضت الأيام والليالي وهي ما زالت تبحث وتبحث دون كلل أو ملل فحين تشعر بالتعب تنام قرب المسجد وحين تريد أن تأكل تذهب إلى منزلها فتأكل من طعام والدتها بضع لقيمات ثم تعاود البحث وفي أحد الأيام وبينما كانت تمر في شارع مأهول لاح لها من بعيد خيال فراس فأخذت تركض نحوه بحذر وكان على أحد طرفي الشارع حديقة عامة وحين وصلت إليها اختبأت خلف شجرة كبيرة وأخذت تراقب من بعيد كان فراس يلاحق فتاة حسناء ويطلب منها أن تعيره القليل من الاهتمام لكن الفتاة كانت قد شعرت بالخطر فحاولت الابتعاد عنه ولكنه استمر في ملاحقتها وحين رأت روعة ذلك تذكرت كل لحظات الظلم التي مرت بها فوجهت المسدس نحو رأسه وضغطت على الزناد فانطلقت رصاصة كالبرق واخترقت رأسه القذر وسقط على الأرض مضرجاً بدمه والتفّ الناس حول جثته وأخذوا يبحثون عن القاتل حينها شعرت روعة بالراحة والاطمئنان فقد انتقمت لشرفها ولم تشعر بالحزن إزاءه فلو سنحت لها الفرصة لأقبلت عليه وشرحت جسده بسكين حاد وفجأة تعالى صوت ضحكتها فتقدمت الشرطة نحو الصوت وفوجئت لما رأت كانت روعة تحمل المسدس وتضحك فلا ترتوي وحين انتهت أخذت تبكي وتنثر التراب على نفسها قائلة : لقد قتلته ... أجل انتقمت لنفسي وقيدتها الشرطة وأخذت إلى مركز التحقيق وبعد ساعتين من توقيفها استدعاها قائد الشرطة للتحقيق فأحضروها وجعلوها تجلس على كرسي والدمعة لا تغادر عينيها الجميلتين لم تتكلم أو تنطق بأيّ حرف فسألها قائد الشرطة: ما الذي دفعكِ إلى قتل الشاب فراس ?
روعة: أردت الانتقام لشرفي الذي سلب مني عنوة ولكن أتمنى أن تصدقني عندما أروي لك قصتي وبدأت تقصّ عليه حكايتها دون أن تتوقف عن البكاء وكان قائد الشرطة ينظر إليها طوال الوقت ويركزّ بانتباه إلى ما تقوله فشعر أنها بريئة وما فعلته كان حقاً قد استردته لنفسها لكنّ القوانين تمنع هذا الكلام وعندما انتهت من سرد قصتها أمر القائد بأخذها إلى السجن ريثما يتم استكمال التحقيق وفكر في قصتها ملياً فشعر بالغرابة أحياناً وبأنها قصة خيالية لكنه عندما عاد إلى الدلائل والبراهين وجد الصدق والبراءة فيها ثم ذهب إلى منزلها وقال لوالدتها: لقد تمّ توقيف ابنتك بسبب قيامها بقتل الشاب فراس عمداً وغمرت الابتسامة وجه أمها فأخذت تزغرد وتبكي فعجب قائد الشرطة وقال لها: تزغردين يا خالة وابنتك في السجن فأجابته : لو كنت مكاني يا بنيّ لفعلت أكثر من ذلك فالشرف غالٍ ولابدّ أن يكون عقاب سرقته غالياً أيضاً فسرّ من كلامها وصمم على الإمساك بالشبان الثلاثة الباقين الذين خطفوها وأحرقوا جسدها بأعقاب سجائرهم , وبعد أسبوع من البحث تم القبض عليهم واعترفوا بما فعلوه بروعة وحين خضعت للمحكمة برأت من تهمة قيامها بالزنى لكن كان لابد من معاقبتها على جريمة القتل التي ارتكبتها فحكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات نظراً لوجود الأسباب المخففة واعتبر ذلك انتقاماً لشرفها لكنّ الحق العام استوجب سجنها تلك المدة وأمضت روعة حياتها في السجن وهي مطمئنة مرتاحة الخاطر ولو أنها ما زالت تشعر بالنقص والذلّ والمهانة فمهما فعلت فهذا هو قدرها ولن تستطيع تغييره وحين خرجت من السجن انتقلت مع والدتها وأختها إلى الريف ومارست حياتها الطبيعية واستمرت في تعليم اللغة العربية للإناث وكانت دائماً تحذرهن من ارتكاب الخطأ الفادح وحذرتهنّ من قصص الحب وأكاذيبه وعواقبه الوخيمة لأنّ الجمال الذي تظهره لنا المرآة ما هو إلا انعكاس كاذب يخدع البصر وعلينا أن نحذر منه وكما يقال :"ليس كل ما يلمع ذهباً" لذلك لابد أن تحذر كل فتاة من خدعة الحب ... إنه الحب القاتل .
🔻🔺️🔻🔺️🔻🔺️🔻
مما قرأت
03-10-2023
قصة الحب القاتل
رد: قصة الحب القاتل
العرض العادي
