~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||
|
|||||||||||||||
البصباص
البصباص
ذات مرة كان الحاج عبد الرحيم يدخن سيجارة بسطح العمارة، و كان جالسا بالقرب من زوجته التي تعلق الملابس بحبال الغسيل، ينظر بتمعن إلى المباني و الأنهج و العربات و يفكر في مستقبل إبنه "سلمان" المنقطع عن الدراسة منذ ثلاثة سنوات، و الذي شغل تفكير أبيه بمناوشاته مع الجيران و مشاكله مع الناس، الأمر الذي جعل أغلب أبناء الحي يتوجهون نحو الحاج للتشكي و للتدخل قصد ثني إبنه عن تصرفاته. كانت في المقابل زوجته تغني بصوت ضعيف لا يكاد يسمع، لكن يمكن لشخص فضولي أن يعرف الأغنية و صاحبها فقط من ألحانها، و كان الحاج لا يتلذذ الصباح إلا مع صوتها الريفي الصلب. لقد أخبرها أنه محظوظ لأنه عرفها و أنه أكثر حظا حين تزوجها، و كانت هي تتظاهر بأنها لا تبالي، في حين أن قلبها يكاد ينشطر من شدة الفرحة. هو جالس اليوم ككل يوم، على كرسي قديم و أمامه قفص عصافير مهجور، جعل منه طاولة صغيرة يضع فوقها طبقا به إبريق شاي و كأس بلوري صغير و يضع فوقها أيضا حبقة جميلة و يانعة، و نفاضة سجائر بالرغم من أنه ينفض الغبار دائما خارجها. يلقي بحبات الشعير ليلتقطها الحمام، و يتفحص جريدته المفضلة و يقرأ القسم المخصص بـ"أروقة المحاكم" بتمعن، و إمرأته تجلس على آجرة و أمامها إيناء كبير به ملابس و مساحيق الغسيل و الماء، و تغني و تغسل. فجأة، لاحظ الحاج عبد الرحيم وجود حركة ما بالشقة التي تقابله مباشرة، و التي تنتمي إلى العمارة المجاورة و لا يفصلها عن العمارة التي يقيم بها غير زقاق ضيق حجبت سماءه أغصان العنب و الياسمين التي صار من الصعب معرفة مكان جذورها و مكان إرتماءها. هي حركة غريبة تثير دهشة من يلاحظها، و خاصة دهشة الحاج. واصل هذا الأخير مسك الجريدة لكنه أبعد عيناه عنها، و تمعن في تلك الحركة لعله يتوصل إلى حقيقة الأمر. و كثرت في ذهنه تساؤلات من قبيل: من هو الذي يتحرك من وراء النافذة ؟ هل تكون خديجة صاحبة تلك الشقة ؟ و ماذا تفعل ؟ إنها خديجة ! لكن من برفقتها ؟ هل هو أحد أقاربها ؟ أم إحدى جاراتها التي تعودت زيارتها في مثل هذا الوقت من الصباحات ؟ و تبقى تلك الأسئلة دون مجيب، تماما كأسئلة العاطلين عن العمل، و أسئلة المرضى و الموقوفين. خديجة هي إمرأة أربعينية توفي زوجها و تركها وحيدة دون أولاد، لقد مر على ذلك الوقت عدة سنوات لكن رغم ذلك فهي لا تزال مهتمة بنفسها و كأنها مراهقة، ترتدي أفضل الثياب و تضع مساحيق التجميل بعناية فائقة، و لها إبتسامة يمكن أن تفعل بالناس ما لم تفعله بهم المخدرات. هي محل إهتمام كل رجال الحي تقريبا، لأنها خشنة التصرفات رطبة المشاعر، تتصرف و كأنها مقاتل روماني وفي، و مشاعرها كمشاعر طفلة صغيرة تحزن و تفرح لأبسط الأمور. إتضح للحاج عبد الرحيم بعد ذلك أن خديجة بصدد تجفيف شعرها المبلل بعد الإستحمام، و لا ترتدي غير منشفة وردية اللون بالكاد تغطي صدرها و ركبتيها. لقد شعر الحاج في تلك اللحظة أن عمره لم يتجاوز الثلاثين سنة، و هو مستعد في هذه اللحظة للقفز من سطح العمارة إلى شرفة خديجة. إلتفت إلى زوجته ببطئ شديد، و ما إن إستقرت عيناه على وجهها حتى وجدها بدورها تنظر إليه مبتسمة إبتسامة صفراء توحي بغضب داخلي رهيب، رغم أنها لم تشاهد شيئا لأن زوجها يجلس أمامها و يحجب عنها رؤية غرفة خديجة، و هذا من حسن حظه. بادلها بدوره إبتسامة جافة لا تعكس أي فرحة داخلية، ثم تظاهر بقراءة الجريدة لكن عيناه أقامتا جسرا غير مرئي بين العمارتين، فقالت له زوجته: "ما بك يا رجل ؟ هل تفكر في أمر ما ؟" فرد عليها بدهشة بعد أن شك أنها فهمت الأمر: "لا لا، بالعكس. أنا أقرأ" و خديجة في المقابل تنظر إلى بلور النافذة تارة و كأنه مرآة، و تدير ظهرها تارة أخرى فتزيد من جنونه. توقفت زوجته عن الغسيل و قالت: "نصف ساعة كاملة و لم تغير الصفحة يا عبد الرحيم" و إستأنفت عملها. كاد المسكين يتوقف قلبه في تلك اللحظة، و شعر بتعرق غير عادي و برودة تجوب كل جسده، و أجابها: "لا لا، مقال طويل أقرأه بتركيز". واصل الحاج بعد ذلك مشاهدة العرض، يتأمل شعر خديجة الطويل و الأسود، و لحمها الأبيض المتماسك و المبلل إثر الإستحمام، و بداخله بركان مشتعل، و قال دون إرادته: "كيف لمرأة حلوة كهذه أن تبقى دون إرتباط ؟" فصاحت زوجته: "ماذا ؟" حتى أغمض عينيه من شدة صيحتها، و طار الحمام الذي بالسطح. نزع الحاج قبعته و فرك شعر رأسه و أرجعها لمكانها و قال لها بكل هدوء: "إنه نفس المقال يا إبنة الحلال، إنه نفس المقال" و شرب كل الشاي الذي في الكأس. في هذه اللحظة بالذات شاهد رجلا بغرفة خديجة، ما هذا الخبر الأسود الملعون يا حاج ؟ دقق في النافذة طويلا بعد أن أحبس أنفاسه، و تخلى عن الشاي و عن زوجته، و عن الحمام و عن كل العالم. يريد أن يعرف هوية ذلك الرجل، و سبب دخوله غرفتها، و كل شيء. لقد تعلق عبد الرحيم بخديجة و صار يحبها دون أن يعلم أحد ذلك، و يغار عليها حتى من القطط المتواجدة بشرفتها. لقد فكر كثيرا في تزوجها و التخلي عن زوجته الأولى كلفه الأمر أن يهبها دكانه و أرضه الفلاحية في البادية، لكن ما منعه من ذلك هو إحترامه لزوجته الصبورة و الطيبة. لكنه بعد ذلك فكر في تزوج خديجة عرفيا إن قبلت بذلك، فهو يعلم كل العلم أن السلطة لا تعلم بذلك إلى الأبد، حتى و إن بلغها الأمر. لقد إحتضنت خديجة ذلك الرجل بمنشفتها المبللة، فوقف الحاج من شدة الغضب، و إحمر وجهه و صغرت عيناه و صار جسمه يرتعش. خديجة تضحك الآن و معالم الرجل الذي برفقتها غير واضحة، و ها هي تسحب الستائر لتحجب الرؤية تماما. إنفجر بركان عبد الرحيم الآن، و ركل قفص العصافير بشايه و حبقته و نفاضة السجائر التي فوقه، و شتم الصباح و شتم زوجته، و شتم نفسه أيضا و كل المتساكنين، و مزق الجريدة و توجه نحو الدرجات. لم تفهم زوجته أي شيء، خاصة أنه سحب معه حبل الغسيل بما عليه من ملابس، و قالت له بغضب مقيت: "ماذا دهاك يا رجل ؟ أمرك غريب هذا الصباح ؟" فتوقف و رد عليها: "أين سلمان إبنك ؟ أخبريه بأن يجلب لي دواء السكر من فوق التلفاز" فقالت له: "لقد ذهب ليصلح تلفاز جارتنا خديجة" فسقط الحاج عبد الرحيم، و لم تفهم زوجته شيئا. 💢💢💢💢💢💢💢 مما قرأت |
02-05-2023 | #2 |
|
رد: البصباص
قصة جميلة أقرب للدراما ولكنها أحيانا قد تحدث في الواقع بشكل كثير لأننا في زمن قل فيه الحياء وكثر فيه مراقبة الناس والتلصص
أشكرك على إدراجك المُميز ربي يسعدك ويحفظك |
|
كاتب الموضوع | اميرة الحب | مشاركات | 6 | المشاهدات | 63 | | | | انشر الموضوع |
(عرض التفاصيل) عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 4 (إعادة تعين) | |
, , , |
|
|