~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,080,172


عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,080,172

العودة   منتديات وهج الذكرى > ღ القـسم الاسـلامي ღ > علوم القرآن والتلاوات
علوم القرآن والتلاوات شقُ طريقاً نحوالجنة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-27-2020
الصقر غير متواجد حالياً
SMS ~ [ + ]
اوسمتي
وسام الكاتب المميز وسام العيد مع الجوري مسابقة عطر الجوري وسام عضو مشارك 
لوني المفضل Aqua
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل : Feb 2016
 فترة الأقامة : 2990 يوم
 أخر زيارة : منذ 2 ساعات (11:19 PM)
 المشاركات : 29,299 [ + ]
 التقييم : 11111807
 معدل التقييم : الصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي أفضل القصص من القرآن والسنة ...!











[URL="http://wahjj.com/vb/showpost.php?p=608695&postcount=6"]


📕 نضع هنا بين الفينة والأخرى قصصا من القرآن الكريم
ومن السنة النبوية الشريفة وجميعها منقولة ،،
وهو موضوع متجدد نسأل الله تعالى أن ينفع به
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل :
















المواضيع المتشابهه:



 توقيع :





آخر تعديل الغريبة يوم 10-28-2020 في 04:11 PM.
رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ الصقر على المشاركة المفيدة:
 (10-28-2020)
قديم 10-27-2020   #2


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 2 ساعات (11:19 PM)
 المشاركات : 29,299 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



فوائد قصص القرآن:
وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي :


(1) إيضاح أسس الدعوة إلى الله ، وبيان أصول الشرائع التي يبعث بها كل نبي :
( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )[الأنبياء : 25].
(2) تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجندة ، وخذلان البطل وأهله: ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) [هود: 12] .
(3) تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم .
(4) إظهار صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال .
(5) مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى ، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل ،
كقوله تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسة من قبل أن تنزل التوراة ، قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) [آل عمران: 93].
(6) والقصص ضرب من ضروب الأدب ، يصغى إليها السامع ، وترسخ عبره في النفس : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ) [يوسف: 111] ([1]).
(7) بيان حكم الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص لقوله تعالى :
( ولقد جاءهم من الأنبياء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغني النذر )
(8) بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين لقوله تعالى عن المكذبين : ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ) .
(9) بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين لقوله تعالى :
( إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ) .
(10)
rتسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين له لقوله تعالى : ( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ) .
(11) ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد لقوله تعالى :
( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) .
(12) تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم لقوله تعالى :
( أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ).
(13) إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقوله تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا )
( وقوله )
( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله )
([2]).


--------------------------
([1]) انظر مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان (317-318)

([2])انظر أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (53-54).


________

من كتاب القصص في القرآن الكريم
إعداد إسلام محمود دربالة عفا الله عنه




 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:24 PM سبب آخر: وضع المصدر والهامش

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #3


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 2 ساعات (11:19 PM)
 المشاركات : 29,299 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة لقمان :

موقع القصة في القرآن الكريم:

ورد ذكر القصة في سورةلقمان الآيات 12-19.

قال تعالى:(( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ))

القصة:


هو لقمان بن عنقاء بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه السهيلي عن ابن جرير والقتيبي .
قال السهيلي : وكان نوبيا من أهل أيلة قلت وكان رجلا صالحا ذا عبادة وعبارة ، وحكمة عظيمة ويقال : كان قاضيا في زمن داود عليه السلام فالله أعلم .
وقال سفيان الثوري عن الأشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان عبدا حبشيا نجارا وقال قتادة : عن عبد الله بن الزبير قلت لجابر بن عبد الله : ما انتهى إليكم في شأن لقمان قال كان قصيرا أفطس من النوبة .
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال : كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة.

وقال الأوزاعي : حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر .
وقال الأعمش عن مجاهد كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين وفي رواية مصفح القدمين وقال : عمر بن قيس كان عبدا أسود غليظ الشفتين مصفح القدمين فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال له : ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟

قال : نعم ,قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث
، والصمت عما لا يعنيني رواه ابن جرير عن ابن حميد عن الحكم عنه به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن أبي يزيد بن جابر قال : إن الله رفع لقمان الحكيم لحكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال : ألست عبد بن فلان الذي كنت ترعى غنمي بالأمس قال : بلى قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وترك ما لا يعنيني .

وقال ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش القتباني عن عمر مولى غفرة قال : وقف رجل على لقمان الحكيم فقال : أنت لقمان أنت عبد بني الحسحاس قال : نعم قال : فأنت راعي الغنم الأسود قال : أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امرئ قال : وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك قال : يا ابن أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك قال : ما هو ؟ قال لقمان : غضي بصري ، وكفي لساني ، وعفة مطمعي وحفظي فرجي وقيامي بعدتي ووفائي بعهدي وتكرمتي ضيفي وحفظي جاري وتركي ما لا يعنيني فذاك الذي صيرني كما ترى.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة بن رباح عن ربيعة عن أبي الدرداء أنه قال يوما ، وذكر لقمان الحكيم فقال :
ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال ، ولكنه كان رجلا صمصامة سكيتا طويل التفكر عميق النظر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد يبزق ، ولا يتنحنح ، ولا يبول ولا يتغوط ولا يغتسل ، ولا يعبث ، ولا يضحك ، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد وكان قد تزوج وولد له أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ، ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر فبذلك أوتي ما أوتي ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن لا يقوم بأعبائها فاختار الحكمة لأنها أسهل عليه وفي هذا نظر والله أعلم وهذا مروي عن قتادة كما سنذكره وروى ابن أبي حاتم و ابن جرير من طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن عكرمة أنه قال : كان لقمان نبيا وهذا ضعيف لحال الجعفي.


والمشهور عن الجمهور أنه كان حكيما وليا ولم يكن نبيا وقد ذكره الله تعالى في القرآن فأثنى عليه وحكى من كلامه فيما وعظ به ولده الذي هو أحب الخلق إليه ، وهو أشفق الناس عليه فكان من أول ما وعظ به أن قال(( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) فنهاه عنه وحذره منه.
وقد قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لما نزلت " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس بذاك ألم تسمع إلى قول لقمان ؟ " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " ورواه مسلم من حديث سليمان بن مهران الأعمش به ثم اعترض تعالى بالوصية بالوالدين وبيان حقهما على الولد وتأكده وأمر بالإحسان إليهما حتى ولو كانا مشركين ولكن لا يطاعان على الدخول في دينهما إلى أن قال مخبرا عن لقمان فيما وعظ به ولده

((يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ))

ينهاه عن ظلم الناس ولو بحبة خردل فإن الله يسأل عنها ويحضرها حوزة الحساب ويضعها في الميزان كما قال تعالى

((إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وقال تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ))

وأخبره أن هذا الظلم لو كان في الحقارة كالخردلة ولو كان في جوف صخرة صماء لا باب لها ، ولا كوة أو لو كانت ساقطة في شيء من ظلمات الأرض أو السماوات في اتساعهما وامتداد أرجائهما لعلم الله مكانها

((إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)) أي علمه دقيق فلا يخفى عليه الذر مما تراءى للنواظر أو توارى كما قال تعالى(( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وقال وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وقال عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ))

وقد زعم السدي في خبره عن الصحابة أن المراد بهذه الصخرة الصخرة التي تحت الأرضين السبع وهكذا حكي عن عطية العوفي وأبي مالك والثوري والمنهال بن عمرو وغيرهم وفي صحة هذا القول من أصله نظر ثم في أن هذا هو المراد نظر آخر فإن هذه الآية نكرة غير معرفة فلو كان المراد بها ما قالوه لقال : فتكن في الصخرة وإنما المراد فتكن في صخرة أي صخرة كانت كما قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان ثم قال(( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)) أي أدها بجميع واجباتها من حدودها وأوقاتها وركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها وما شرع فيها واجتنب ما نهي عنه فيها ثم قال(( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) أي بجهدك وطاقتك أي إن استطعت باليد فباليد وإلا فبلسانك فإن لم تستطع فبقلبك ثم أمره بالصبر فقال وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ وذلك أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في مظنة أن يعادى وينال منه ولكن له العاقبة ولهذا أمره بالصبر على ذلك ومعلوم أن عاقبة الصبر الفرج وقوله ((إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)) التي لا بد منها ولا محيد عنها وقوله ((وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك ويزيد بن الأصم وأبو الجوزاء وغير واحد : معناه لا تتكبر على الناس وتميل خدك حال كلامك لهم وكلامهم لك على وجه التكبر عليهم والازدراء لهم قال أهل اللغة : وأصل الصعر داء يأخذه الإبل في أعناقها فتلتوي رؤوسها فشبه به الرجل المتكبر الذي يميل وجهه إذا كلم الناس أو كلموه على وجه التعظم عليهم.

وقوله(( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) ينهاه عن التبختر في المشية على وجه العظمة والفخر على الناس كما قال تعالى(( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)) يعني : لست بسرعة مشيك تقطع البلاد في مشيتك هذه ، ولست بدقك الأرض برجلك تخرق الأرض بوطئك عليها ولست بتشامخك وتعاظمك وترفعك تبلغ الجبال طولا فاتئد على نفسك فلست تعدو قدرك .
وقد ثبت في الحديث بينما رجل يمشي في برديه يتبختر فيهما إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة وفي الحديث الآخر إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة والمخيلة لا يحبها الله .
كما قال في هذه الآية(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) ولما نهاه عن الاختيال في المشي أمره بالقصد فيه فإنه لابد له أن يمشي فنهاه عن الشر ، وأمره بالخير فقال(( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)) أي لا تبتاطأ مفرطا ولا تسرع إسراعا مفرطا ولكن بين ذلك قواما كما قال تعالى ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) ثم قال(( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)) يعني : إذا تكلمت لا تتكلف رفع صوتك ، فإن أرفع الأصوات ، وأنكرها صوت الحمير.

وقد ثبت في الصحيحين الأمر بالاستعاذة عند سماع صوت الحمير بالليل فإنها رأت شيطانا ولهذا نهي عن رفع الصوت حيث لا حاجة إليه ولا سيما عند العطاس فيستحب خفض الصوت وتخمير الوجه كما ثبت به الحديث من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما رفع الصوت بالأذان وعند الدعاء إلى الفئة للقتال وعند الإهلال ونحو ذلك فذلك مشروع فهذا مما قصه الله تعالى عن لقمان عليه السلام في القرآن من الحكم ، والمواعظ ، والوصايا النافعة الجامعة للخير المانعة من الشر وقد وردت آثار كثيرة في أخباره ومواعظه ، وقد كان له كتاب يؤثر عنه يسمى بحكمة لقمان ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى.
قال الإمام أحمد :
حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك أنبأنا سفيان أخبرني نهشل بن مجمع الضبي عن قزعة عن ابن عمر قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لقمان الحكيم كان يقول إن الله إذا استودع شيئا حفظه وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني إياك والتقنع فإنه مخوفة بالليل مذلة بالنهار . .

وقال أيضا : حدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ضمرة حدثنا السري بن يحيى قال لقمان لابنه : يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك وحدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن المسعودي عن عون بن عبد الله قال : قال لقمان لابنه : يا بني إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام - يعني السلام - ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا ، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك معهم وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم وحدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ضمرة عن حفص بن عمر قال : وضع لقمان جرابا من خردل إلى جانبه وجعل يعظ ابنه وعظة ويخرج خردلة حتى نفد الخردل فقال : يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظها جبل تفطر قال : فتفطر ابنه.
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الباقي المصيصي حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الحراني حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي حدثنا أبين بن سفيان المقدسي عن خليفة بن سلام عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة لقمان الحكيم والنجاشي وبلال المؤذن قال الطبراني : يعني الحبشي ، وهذا حديث غريب منكر.

وقد ذكر له الإمام أحمد ترجمة في كتاب الزهد ذكر فيها فوائد مهمة وفرائد جمة فقال : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن رجل عن مجاهد وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ قال : الفقه والإصابة في غير نبوة وكذا روي عن وهب بن منبه

وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا حبشيا.
وحدثنا أسود حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أن لقمان كان خياطا.

وحدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك يعني ابن دينار قال : قال لقمان لابنه : يا بني اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة .



مصدرها

https://islamweb.net/ar/library/inde...k_no=59&flag=1

وهي ناقصة الجزء الاخير










 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:27 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #4


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 2 ساعات (11:19 PM)
 المشاركات : 29,299 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة حزقيل :

موقع القصة في القرآن الكريم:

قال الله تعالى: فى سورة البقرة الآية

((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ))

القصة:

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع، خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا:

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ))

قال ابن إسحاق فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض، فقال لهم الله: موتوا. فماتوا جميعا فحظروا عليهم حظيرة دون السباع فمضت عليهم دهور طويلة، فمر بهم حزقيل عليه السلام

فوقف عليهم متفكرا فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال: نعم. فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما وأن يتصل العصب بعضه ببعض. فناداهم عن أمر الله له بذلك فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.

وقال أسباط عن السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة في قوله:

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ))

قالوا: كانت قرية يقال لها: "داوردان"، قبل "واسط" وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم.

فوقع في قابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادى وآخر من أعلاه: أن موتوا. فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر بهم نبى يقال له: حزقيل. فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقيه وأصابعه،

فأوحى الله إليه: تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال: نعم. وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم فقيل له: ناد. فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي. فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام ثم أوحى الله إليه؛ أن ناد: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسى لحما. فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها. ثم قيل له: ناد. فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومى. فقاموا.

قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت. فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم.

وعن ابن عباس؛ أنهم كانوا أربعة آلاف. وعنه: ثمانية آلاف. وعن أبي صالح: تسعه آلاف. وعن ابن عباس أيضا: كانوا أربعين ألفا. وعن سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل "أذرعات". وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل. يعنى أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر. وقول الجمهور أقوى؛ أن هذا وقع.


وقد روى الإمام أحمد وصاحبا "الصحيح" من طريق الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام، فذكر الحديث. يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض؛ فلا تقدموا عليه فحمد الله عمر ثم انصرف.


وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج ويزيد المعني قالا: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال: فرجع عمر من الشام . وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه.


قال محمد بن إسحاق: ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل، ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم، وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له: بعل. فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر؛ لأنهما يقرنان في الذكر غالبا، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة "الصافات" فتعجلنا قصته لذلك. والله أعلم. قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال: ثم تنبأ فيهم بعد إلياس وصيه اليسع بن أخطوب، عليه السلام.


مصدرها

https://islamweb.net/ar/library/inde...bk_no=59&ID=86






 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:28 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #5


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 2 ساعات (11:19 PM)
 المشاركات : 29,299 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة سبأ

قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ۝ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ۝ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ۝ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ۝ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ: 15-21].

المعنى الإجمالي للقصة:
سبأ من ملوك اليمن وأهلها، وكانت بلقيس صاحبة سليمان  منهم، وكان في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم، واتساع أرزاقهم، وزروعهم، وثمارهم، وبعث الله تعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل، والتفرق في البلاد.
روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن ابن عباس قال: إن رجلاً سأل رسول الله ﷺ عن سبأ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض؟ فقال: بل هو رجل ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستة من أولاده العشرة، وهؤلاء أولاد لا يشترط أن يكونوا أولاد مباشرين، المهم أن من صلبه عشرة أولاد، سكن منهم اليمن ستة، قال: وبالشام منهم أربعة: فأما اليمانيون: فمذجح، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير، عربًا كلها، وأما الشامية: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان [رواه أحمد: 2900].
قال ابن كثير رحمه الله عن هذا الحديث: إسناده حسن. [تفسير ابن كثير: 6/504]، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند: إسناده صحيح. [أحمد: 2900].
وروى الترمذي رحمه الله عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي ﷺ فذكر في الحديث، فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة سكنوا في اليمن، وتشاءم منهم أربعة يعني سكنوا في الشام، فأما الذين تشاءموا في الشام: فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد، والأشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار [رواه الترمذي: 3222، وصححه الألباني صحيح الترمذي:2574].
قال ابن كثير رحمه الله: ومعنى قوله ﷺ: ولد عشرة من العرب أي كان من نسل هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن، لا أنهم ولدوا من صلبه، بل منهم من بينه، وبينه الأبوان، والثلاثة، والأقل، والأكثر، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب". [تفسير ابن كثير: 6/507].
إذًا هؤلاء العشرة ترجع إليهم القبائل العربية، وحصل أن منهم من كان في اليمن، ومنهم من رحل إلى الشام، فإذًا بالشام قبائل عربية أصلها من اليمن، والتفرق هذا حصل بعد سيل العرم، وذلك معنى قوله ﷺ: فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، أي: بعدما أرسل الله عليهم سيل العرم، منهم من أقام ببلادهم، ومنهم من نزح عنها إلى غيرها. [تفسير ابن كثير: 6/507].
فإذا قال قائل: القبائل العربية الموجودة في بلاد الشام كيف ذهبوا إلى بلاد الشام؟ ومتى ذهبوا إلى بلاد الشام؟
فيقال: بناء على هذا الحديث تأريخيًا ذهبوا بعد سيل العرم، لما فرقهم تفرقوا في البلدان السيل هذا فرقهم، إذًا هذا كان سبب ذهاب هؤلاء رؤوس القبائل العربية، هؤلاء الذكور الذين تناسلت منهم القبائل العربية في بلاد الشام، وكذلك في اليمن.
وقد أنعم الله عليهم أولاً قبل السيل أنعم عليهم ليوحدوه، كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ [سبأ: 15]، المحل الذين يسكنون فيه آية من النعم الوفيرة، وأغدق الله عليهم الأشياء العظيمة، جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ [سبأ: 15] عن يمين بلدتهم جنة، وعن شمالها جنة، والجنة البستان العظيم، هذه الجنان متراكبة الأشجار، وافرة الثمار، متنوعة العطاء، يحصل لهم بها الغبطة والسرور، فأمرهم بشكر هذه النعمة، قالوا: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15].
فهذه النعم التي أمرهم الله بشكرها، كانت تتمثل برزق رغيد، رزقهم الله من هاتين الجنتين، وبلدة طيبة، حسنة الهواء، قليلة الأمراض، وعدهم الله  إن شكروه أن يغفر لهم، وقال: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15]، لكن ما حصل هذا منهم، فَأَعْرَضُوا [سبأ: 16].
أعرضوا عن توحيد الله وعبادته وشكره، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله، كما قال الهدهد لسليمان : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ۝ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ۝ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ [النمل: 23-24].
نتيجة لهذا الكفران، يعني: بدلاً من أن يعبدوا الله ويوحدوه فإذا بهم يشركوا به ويعبدون غيره، مع أنه هو الذي أنعم عليهم، فانتقم الله منهم، كيف كان الانتقام؟ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [سبأ:16].
والله إذا قال لشيء: كن فيكون، فالله  أمر هذا السيل بهذا السد أن يسيل عليهم، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ[سبأ: 16]، الماء الغزير الشديد، فتحطمت الجنتان، وتبدلت الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، صارت أشجار لا نفع فيها، كما قال تعالى:وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ[سبأ: 16]، السابقة المثمرة، اليانعة النضرة، كثيفة الأشجار والثمار، جَنَّتَيْنِ [سبأ: 16] أخريين لكن ماذا فيه؟ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ [سبأ: 16] لكن قليل، أين هو من الأكل السابق؟ لا يقارن. أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ [سبأ: 16]، الخمط والأثل نوعيات رديئة من الطعام جداً، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ: 16]، السدر أنفع من الأشجار السابقة، ولذلك قليل، لكن لا يقارن لا السدر ولا الخمط ولا الأثل بما كانوا عليه، أين الثمار الناضجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية؟ تبدلت كلها إلى شجر ذي شوك كثير، وثمر قليل؛ بسبب كفرهم وشركهم وتكذيبهم، وعدولهم إلى الباطل، ولذلك قال تعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا[سبأ: 17]، عاقبناهم بكفرهم، وهناك ناس في هذا الزمن الله أنعم عليهم بنعم وفيرة، وأعطاهم أموال طائلة، ولكنهم طغوا فسلبهم الله إياها، هناك أناس كانوا أصحاب ثروات انتقم الله منهم بسبب طغيانهم، وصاروا مشردين مطاردين، أحوالهم في ضنك وشدة وضيق، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا [سبأ: 17] عاقبناهم وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].
فالمجازاة هنا خاصة بالعقوبة؛ لأن الله يجازي على الحسنات، ويجازي على السيئات؛ لكن هذه عقوبة، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا [سبأ: 18]، الآن يسرد لنا نعمة أخرى من النعم التي أعطاهم الله إياها، أن نعمه عليهم لم تكن فقط في بلدهم لكن حتى خارج بلدهم، كيف؟ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ: 18]، كان يحتاجون للتجارة، ويسافرون، يضربون في الأرض، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [سبأ: 18]، قيل: الشام لأن الله بارك في الشام، المسجد الأقصى وما حوله الشام، فجعل الله من مكانهم في اليمن إلى الشام طريق التجارة، هذا كله طريق ميسر سهل، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً [سبأ: 18]، بينة واضحة، يعرفها المسافرون، متقاربة متواصلة بحيث لا يحتاج المسافر إلى زاد وماء.
بل يخرج من بلدته اليمن مثلا يجد منها قريب بلدة على طريق السفر إلى الشام ينزل البلدة هذه، يمشي يجد بلدة أخرى، يمشي يجد بلدة أخرى، وهكذا بلدات كثيرة على الطريق، يعني جعل لها طريق سفر مأهول بالبلدات والقرى؛ بحيث أنهم لو أرادوا السفر يسر عليهم الطريق لا يحتاج إلى حمل زاد كثير وماء، ويقطع مفاوز وصحاري، طريق تجارتهم طريق عامر بالبلدات الظاهرة، وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ[سبأ: 18]، بحيث يعرفونه، ولا يتيهون فيه، قَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ جعلنا هذه القرى على مسافات معينة معروفة، وقرى ظاهرة على الطريق، بينة فلا يضيع ولا يتيه، ولا يحتاج لحمل زاد كثير، وأيضاً المسافات معروفة وواضحة، وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ يعرفونه ولا يتيهون، كان سفرهم آمنًا لا خوف فيه، لا يوجد قطاع طرق، أمن في طريق السفر، ولذلك قال الله: سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ: 18]، فالأمن كان في الليل وفي النهار، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ:18] سواء في الليل، أو في النهار، الطريق آمن، لكن لا فائدة ما استجابوا، ولا قدروا، ولا شكروا النعمة، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الحج: 74]، ولا شكروا نعمته، كفروا بالله، ملوا النعمة لدرجة السفه والطيش البطر، فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا [سبأ: 19] ملوا النعمة، وطلبوا أن تتباعد الأسفار بين القرى التي كانت السير فيها ميسرًا، وفي قراءة أخرى، رَبَّنَا بَعِّدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا [سبأ: 19]، أحبوا المفاوز التي يحتاجون فيها إلى قطع الزاد والرواحل، وأن يسيروا في الحر والخوف، وهذا يذكرنا بما طلبه بنو إسرائيل من موسى، الله أعطاهم المن والسلوى وأشياء يسيرة جداً، لا تحتاج إلى جهد، أنواع من السمان يصيدونه بسهولة وحلوى، ويأتيهم رغدًا، ماذا قال بنو إسرائيل لموسى مع كل هذه النعم ؟
قالوا: فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا [البقرة:61]، يعني: الواحد يعدل بالمن والسلوى البصل والثوم والكراث والعدس، فقط ملوا النعمة، وهؤلاء كذلك، ولهذا قال موسى لبني إسرائيل:أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة: 61] ، وعوقبوا على ذلك اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة: 61].
وقال : وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا[القصص: 58]، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [سبأ: 19]، إذًا كفروا بالنعمة، فعاقبهم الله، فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ: 19].
صارت سيرتهم على ألسنة الناس، فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ يسمر بها المسافرون، جعلناهم أخبار، شيء كان ومضى، وصار قصة، صار الناس يروها لبعضهم، ذهب اجتماعهم، وانتهت ألفتهم، وعيشهم الهنيء، وتفرقوا في البلدان، وصاروا شذر مذر، حتى صار يضرب بهم المثل إلى الآن عند العرب، في أمثال العرب: تفرق أيادي سبأ، إذا واحد أراد يضرب مثل بتفرق الشيء وتبعثره وتشتته ،مثلاً مجموعة من الناس أو قبيلة تفرقوا، فيقولون: تفرقوا أيدي سبأ، يعني كما تفرق أولاده في البلدان، فرقهم الله، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[سبأ: 19].
فهكذا حل بهم العذاب، وبدلت النعمة نقمة، وتحولت العافية إلى بلاء، وصارت العقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام، وكان في هذا عبرة، ودليل على قدرة الله وبطشه ونقمته.
لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 19] على النعم، فالصبار الشكور هو الذي ينتفع بهذه القصة، ولهذا قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[سبأ: 19]، فإذًا من فعله مثلهم فعل به مثلما فعل بهم، وشكر الله -تعالى- لحافظ النعمة، وينتقم الله ممن كفر بالنعمة، والجزاء من جنس العمل.
قال مطرف رحمه الله: نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر". [حلية الأولياء: 1/298]، وهذا معنى حديث عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له[رواه مسلم: 2999].
إبليس الذي أغواهم فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[ص:82-83]، وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ: 20] من الذين لم يكفروا بالنعمة، لأن المؤمنين ليس له عليهم سلطان، صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ[سبأ: 20]، إبليس ما أجبرهم إجبارًا، إبليس دعاهم إلى الأماني والغرور، فأطاعوه.
قال الحسن البصري: والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كانوا إلا غرورًا وأماني، دعاهم إليها فأجابوه" [زاد المسير: 6/450].

الفوائد والدروس المستفادة من القصة:
وهذه القصة فيها فوائد متعددة:
إذ أن سبأ يعتبرون نموذجًا عمليًا لكل من تمرد على أوامر الله، واستخدم النعمة في غير وجهها، في بعض البلدان التي تسلط عليها من تسلط كان فيها نعمة كبيرة، وخير، لكن يقولون: كان الواحد إذا أكل من السندوتش لقمتين ركله برجله، الباقي يجعله مثل الكرة، فعاقبهم الله  وسلط عليهم من أراذل الخلق من سلط، إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ[سبأ:21].
والقرآن فيه تحذيرات من الله  لمن أنعم عليهم، أن يسلكوا سبيل قوم سبأ، لقد ذكر الله تعالى لنا في القرآن مواضع أن الكفار تمتعوا في الدنيا بجنات، وجنة، وجنتين، ولكنها زالت، ذكر لنا قصة صاحب الجنتين، وأصحاب الجنةـ وسبأ جنتين عن يمين وشمال، فها هم قوم سبأ، قد أزال الله جنتيهم، وصاحب الجنتين في سورة الكهف أحيط بثمره وانتهت، وأصحاب الجنة في سورة القلم فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم: 19]، وفرعون ومن معه، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ[الشعراء: 57-58]، فالله تعالى يعاقب بإذهاب النعمة، هذا هو الشاهد العقوبة بإذهاب النعمة، إذا لم تقدر حق قدرها، ولم تشكر أذهبها الله سلبها من هي عنده، بسبب عدم شكره.
والرزاق هو الله -تعالى-، ومن العبر العظيمة قوله تعالى: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ [سبأ: 15]، أعطاهم رزقًا، لكن أعرضوا وتولوا أعرضوا، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [سبأ: 16]، سنة الله التي لا تتبدل، ولا تتخلف، قال الله -تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، النعمة إذا لم يقم العبد بشكرها ستكون عذابًا وعقابًا، هذا الماء الذي كان نعمة لسبأ صار عقوبة عليهم، تحول إلى سيل حطم جنتيهم، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا [سبأ: 17].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع أن الله لم يهلك أحدًا ولم يعذبه إلا بذنب". [الحسنة والسيئة: 2/173].
يعني: لا يهلك الله قومًا بلا سبب منهم، لا يهلك الله قومًا بدون معاصي، لا تجي عقوبة على قوم إلا بمعاصي، لا يوجد قرية أو قبيلة أو بلد صالحة وجاءتها عقوبة عامة. قال الله عن سبأ: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا [سبأ: 17].
وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ[القصص: 59].
وكذلك فإننا عرفنا من الآيات أن الذي ينتفع هو صاحب الصبر والشكر، الصبار الشكور، أما المعرض فلا ينتفع، وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها، وهم عنها معرضون، ولذلك كان الصبر على ثلاثة أنواع، نصبر على الطاعات نعملها، الواجبات نقوم بها، نصبر عن المعاصي فنجتنبها، ونحذر منها، ولا نقع فيها، نصبر على أقدار الله المؤلمة إذا حلت بنا، نصبر عليه لا نجزع، لا تنوح المرأة لا تشق ثيابها، لا تقطع شعرها، لا يجوز الاعتراض على أقدار الله، ولا أن يلام الله على المصيبة.
وشكر الله  يكون بثلاثة أشياء:
بالقلب، بالإقرار بالنعمة، والعلم أنها من عند الله، ونسبتها إليه، أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر: فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب [رواه البخاري: 846، ومسلم: 71].
فشكر النعمة الأول بالقلب الاعتراف للمنعم، أبوء لك بنعمتك عليّ [رواه البخاري: 6306]، اعترف.
وباللسان التحدث بها، والثناء على الله بها، فيقال: يشكر الله  على النعمة، فيقال: الحمد لله، كم ذكر من الأذكار فيه الحمد لله؟
على الطعام الحمد لله، وعلى الشراب الحمد لله، وإذا لبس اللباس الجديد الحمد لله، وهكذا يحمد الله تعالى على النعم يوميًا.
وبالجوارح أن تعمل بها بطاعة الله، وأن تسير إلى طاعة الله، وبيديك، وتنظر بعينيك، وتسمع بأذنيك ما يرضي الله، وهكذا فتشكر ربك بالجوارح، قال تعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].
قال القرطبي: "في هذه الآية سؤال ليس في هذه السورة أشد منه، وهو أن يقال: لم خص الله تعالى المجازاة بالكفور؟
ولم يذكر أصحاب المعاصي، فتكلم العلماء في هذا فقال قوم: ليس يجازى بهذا الجزاء الذي هو الاصطلام والإهلاك إلا من كفر، قال مجاهد: يجازى بمعنى يعاقب.
وذلك أن المؤمن يكفر الله تعالى عنه سيئاته، والكافر يجازى بكل سوء عمله، فالمؤمن يجزى ولا يجازى؛ لأنه يثاب، قال طاووس: هو المناقشة في الحساب، فأما المؤمن فلا يناقش الحساب.
وقال النحاس: وأولى ما قيل في هذه الآية وأجل ما روي فيها: أن الحسن قال: مثلاً بمثل، وهل نجازي إلا الكفور، مثلاً بمثل.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من حوسب هلك فقلت: يا نبي الله، فأين قوله : فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: 8].
قال: إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك وهذا إسناده صحيح [رواه أحمد: 25748، وقال محققو المسند: إسناده صحيح].
وشرحه: أن الكافر يكافئ على أعماله، ويحاسب عليها، ويحبط ما يعمل من خير، ويبين هذا قوله تعالى: ذلك جزيناهم بما كفروا، وفي الثاني، وهل يجازى إلا الكفورـ ومعنى: يجازى يكافئ بكل عمل عمله، ومعنى جزيناهم، وفيناهم، فهذه حقيقة عظيمة". [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 14/288].
نسأل الله  أن يجعلنا من الشاكرين الصابرين، ومن العابدين المنيبين، والتائبين الأواهين إنه سميع مجيب.


مصدرها
https://almunajjid.com/courses/lessons/105





 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:30 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #6


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 2 ساعات (11:19 PM)
 المشاركات : 29,299 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة طالوت وجالوت :

قال الله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ)
[البقرة:246-252].

بنو إسرائيل في حالة الاستضعاف
تشير هذه الآيات الكريمة إلى قصة وقعت لبني إسرائيل في فترة من فترات حياتهم في الأرض المقدسة، كانوا مضطهدين مهزومين أمام أعدائهم، وقد سلب أعداؤهم منهم التابوت الذي فيه سكينة من الله وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وقد شعر القوم بالذل ومرارة الهزيمة والهوان، وكان هذا الشعور عند العامة والملأ، فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل وأن يبدلوا ذلهم عزة، وهزيمتهم نصراً، وعلموا أن السبيل الوحيد لذلك هو الجهاد في سبيل الله.
مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالجهاد واختباره لهم
هذه إذاً قصة بداية الصحوة في هذه الفترة، استيقظت العقيدة في نفوس وجهائهم، وكانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي خلفه نبي، ولا شك أن شدة الذل والاستضعاف يولد في النهاية التحدي، وإرادة التغلب والإنقاذ من هذه الورطة التي يعيش فيها المستضعفون، وهذا النبي الذي لا نعلم اسمه كان معهم في فترة الاستضعاف، وليس من المهم معرفة اسمه ولذلك أبهم في الكتاب العزيز فقال الله: إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ [البقرة:246] ليس المهم ما هو اسم النبي، المهم أنهم قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، أرادوا أن يقاتلوا مع ملك ولم يريدوا أن يقاتلوا مع النبي.
ولما كان النبي فيهم -هذا- يعلم طبيعتهم المائعة، وهمتهم الرخوة، وأنهم لو أمروا بالقتال فسوف يرتدون عنه، وينكصون ويقعدون، قال لهم يريد التأكد منهم: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]؟ يريد التأكد من هذه الهمة وهذه الروح الجهادية التي استيقظت الآن؛ لأنهم قالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] يعني: القوم يريدون الجهاد، وهذا النبي الكريم يريد أن يتأكد من حالهم، فقال: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]؟ فأظهروا الإيمان، وحب الجهاد، وإرادة الخلاص من الذل والصغار، ولكنهم في أول اختبار ظهرت طبائع نفوسهم التي امتلأت بحب الدنيا والظهور فيها، وعدم التسليم لأمر الله تعالى.
هم طمأنوا نبيهم أنهم سوف يقاتلون ولا يتخلفون، وإنما فقط الذي يمنعهم من عدم الجهاد هو عدم وجود ملك، فلو وجد ملك سيسارعون للقتال، وبينوا له الباعث القوي للقتال وقالوا: إنه الذل الذي يعيشونه: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246].
فلما سمع نبيهم بذلك، ولاحظ حماستهم، واندفاعهم، جاء الوحي من الله تعالى بأن الملك الذي عينه الله لقيادتهم في الجهاد هو طالوت ، وأنه هو الذي سيقودهم إلى النصر والعزة وتحرير أرضهم من المغتصبين، لكن هؤلاء القوم لم يتخلصوا من حب الدنيا أبداً، ولذلك في أول اختبار بمجرد أن أعلمهم باسم الملك الذي سيقودهم قالوا: أنى يكون له الملك علينا؟ اعتراض أولي وفوري، اعتراض على اسم القائد، لماذا فلان؟ بدلاً من أن يسلموا لأمر الله جاءت الطبيعة اليهودية -كما مر معنا في قصة البقرة- لتعترض: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ [البقرة:247].
بعد أن استعدوا قبل قليل للقتال إذا بهم يعترضون على القائد الذي عين من عند الله تعالى لأنه قال: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً [البقرة:247] فلم يكن منتخباً منهم أو معيناً من نبيهم فقط وإنما كان من الله، وهذا الاعتراض ولا شك كان دليلاً واضحاً على تلكؤ القوم في تنفيذ الأوامر.
وتمضي القصة لتبين بأنهم فوجئوا إذ كانوا يتوقعونه ملكاً قادماً من بيت الملك، وأن طالوت ليس من بيت الملك، ثم إنه فقير، وبين القوم تعلقهم بالدنيا بقولهم: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247] فعجب النبي لموقف القوم الذين كانوا يريدون ملكاً يقاتلون وراءه، فبين لهم نبيهم المواصفات التي تؤهله للملك، وأنه أنسب الناس حسب الميزان الرباني: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ تمكناً منه وَالْجِسْمِ يعني: قدرة على القيادة وتحمل أعباء القتال: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247] وأراد نبيهم أن يبين لهم بالتأكيد آية وعلامة على صحة تولي هذا الملك عليهم فقال لهم: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248] يأتيهم التابوت بدون قتال ولا حرب، ستحمله الملائكة وتأتي به إليهم، وهذا دليل على أن طالوت هو الملك من عند الله، والسكينة: هي الراحة والرضا واليقين، وفي هذا التابوت أشياء مادية ورثوها عن آل موسى وآل هارون.

خروج طالوت بقومه للقتال واختباره لهم :
ولما جاءت الآية سلم القوم مكرهين ووافقوا على تملك طالوت ، وتسلم الملك والسلطان، وعبأ قومه للقتال وجهزهم لمحاربة الأعداء، ولما خرج بهم للمعركة الفاصلة أراد أن يختبر حماستهم وطاعتهم، وأن يبلو هذا الفورة التي حصلت في البداية؛ لأنه لا بد قبل المعركة من اختبارات للتأكد من حماسة الجند واستعداداتهم للمواجهة، لا بد من اختبارات صغيرة قبل الاختبار الكبير، فلما فصل بهم وغادر البنيان والعمران قال: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ [البقرة:249] فعندما تمرون عليه لا تشربوا منه، فمن خالف أمري فليذهب عني وليس من جيشي ولا يتبعني؛ لأنه ليس جندياً يستحق أن يكون في هذا الجيش، لكن الذي لم يشرب والتزم الأمر وأطاع فإنه يبقى معي ويقاتل.
ثم إنه أراد أن يجعل فرجة وفسحة في الأمر لأن في القوم عطشى قال: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249] يبل بها فمه ويطفئ عطشه، ولما وصلوا النهر عصوا طالوت وشربوا منه إلا قليلاً منهم التزموا الأمر وأطاعوه.

الاختبار الثاني لأصحاب طالوت
ترك طالوت جموع العصاة المخالفين وسار بالقلة الباقية المطيعة حتى وصل بهم إلى أرض المعركة، فلما نظر جنوده إلى جنود الأعداء خافوا قتالهم، وجبنوا عن مواجهتم، وكان أعداؤهم الكفار بقيادة جالوت الكافر، وكانوا أكثر عدداً منهم، فهنا حصل امتحان آخر قبل أن تنشب المعركة وهي أن بعضهم قالوا: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249] وهم الأكثرية، ولا قدرة لنا على حربهم، وبعضهم -هؤلاء الخائفون- جبنوا عن المعركة، وبقي مع طالوت من القليل الأول قلة وهم الذين يظنون أنهم ملاقو الله، وهؤلاء القلة: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249] دخلوا المعركة مؤمنين بالله، صابرين على بلواه، وبدأت المعركة، فطلبوا النصر من الله واستغاثوا به وتضرعوا إليه وقالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] وحقق الله وعده، وأنزل نصره، فهزموهم بإذن الله، وبرز في المعركة داود عليه السلام ولم يكن نبياً ولا ملكاً وقت ذاك، برز بقوته وشجاعته وقتل جالوت وآل إليه الأمر بعد طالوت ، ومن الله على داود بالملك والحكمة، وعلمه مما يشاء.

وبعد هذا الملخص للقصة نأتي إلى ذكر بعض الفوائد والدروس المأخوذة منها:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] كما قلنا في البداية: إن مرحلة الاستضعاف تولد التحدي، وإن شدة الطغيان من الأعداء لا بد أن يوقظ أشياء في بعض النفوس، وتنتفض العقيدة في القلوب، ويستيقظ الإيمان، وهذا ما هو موجود الآن في المسلمين، فإن المسلمين اليوم يعيشون -ولا شك- مرحلة استضعاف كبرى، فقد تسلط عليهم الأعداء من كل جانب، ولا شك أننا في هذه المرحلة ينبغي أن نستلهم بعض ما في هذه القصة من الفوائد التي تعين على مواجهة الاستضعاف الذي نعيشه في هذه المرحلة.
لا شك أن التحدي يجب أن يكون موجوداً في نفوسنا، وينبغي علينا ونحن نعيش في هذا الذل الذي فرضه علينا أعداؤنا أن نسعى للخلاص منه، لا يصح أن نستسلم للواقع بأي حال، ولذلك قالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] فإذا وضحت النية، ووضح الطريق من أن الجهاد في سبيل الله هو سبيل الخلاص من الذل، عند ذلك ينقطع نصف الطريق إلى النصر، فإن الهدف لابد أن يكون واضحاً فلا يغشاه الغبش الذي لا يدري معه الشخص أين يسير.
الاعتداد في الملك والقيادة بالعلم والقدرة
ولما أنهكت الحروب وقهرت الأعداء أولئك القوم، سألوا نبيهم رجلاً يقاتلون وراءه، وعندما قال لهم نبيهم: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] ما الذي يمنعنا من القتال ونحن نعيش في غاية الذل، وما فائدة العيش؟ فنلاحظ هنا -أيها الإخوة- أنهم أول ما تولوا عندما أنكروا إمرة طالوت ، كانوا يتوقعون شخصاً، وإذا بشخص آخر يخرج، وأظهروا التولي عن طاعته من البداية أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247] ولذلك لا بد أن يتأسس في النفوس الميزان العقدي الإيماني الرباني للاصطفاء، ولا يجوز أبداً أن ننظر إلى قضية المال على أنه ميزان أو على أنه ميزة: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247] إذاً هو فقير، قال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:247] طعنوا في طالوت لأمرين:
الأمر الأول: أنه ليس من بيت ملك.
والثاني: لأنه فقير. والله تعالى رد هذه الشبهة بقوله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:247] وقوله: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] بينت الآية أن للقائد صفتين مهمتين:
الأولى: العلم.
والثانية: القدرة: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] فأول صفة من صفات القائد: العلم، والصفة الثانية: القدرة، ولا يستحق أن يكون قائداً ملكاً عليهم إلا إذا جمع بين العلم والقدرة.
هذا العلم والقدرة أهم من الجاه والمال، لكنهم اعترضوا وقالوا: هذا ليس بذي جاه: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ [البقرة:247] والاعتراض الثاني: أنه فقير: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247] فرد الله عز وجل عليهم بصفتين أهم من الصفتين اللتين اشترطوهما هم وفكروا فيهما فقال لهم: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] فلماذا كان العلم والقدرة أهم من الشرف والمال، وأهم من النسب والمال، وأهم من الجاه والمال؟ لأسباب:
أولاً: أن العلم والقدرة من باب الكمالات الحقيقية، فهما: كمال حقيقي أن يوجد في الشخص علم وقدرة بخلاف الجاه والمال.
وثانياً: أن العلم والقدرة من الصفات الذاتية للشخص، بخلاف الجاه والمال الذي هو أمر منفصل عن الإنسان، فإن الإنسان قد يكون بغير جاه ولا مال ثم يكتسب جاهاً ومالاً، يكتسبه من شيء خارجي، لكن العلم والقدرة صفات ذاتية في الشخص لا تنفك عنه.
ولذلك من الأسباب أن العلم والقدرة لا يمكن سلبهما عن الإنسان، لكن المال والجاه يمكن سلبهما عن الإنسان.
وكذلك فإن العالم بأمر الحروب القوي الشديد على المحاربة، يحصل الانتفاع به في حفظ البلد ودفع شر الأعداء أكثر من الانتفاع بصاحب النسب والغني إذا لم يكن عنده علم ولا قدرة على دفع الأعداء.
الله خالق أعمال العباد
وقوله تعالى: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] يدل على خلق الله لأعمال العباد وأنها من عنده، الله خلق فيه العلم، وخلق فيه البسطة في الجسم، قال بعضهم: إن المراد بالبسطة في الجسم طول القامة، وأنه سمي طالوت لأنه كان طويلاً وأن (طالوت) مبالغة من الطول، ولكن هذا ليس صحيحاً فإن طالوت اسم أعجمي وليس مشتقاً من الطول، ولذلك فإن القول الراجح في البسطة التي آتاها الله طالوت أنها القوة والشدة، فالمراد بها القوة ليس الطول ولا الجمال وإنما القوة.
ولا شك أن العلم والقوة أجل صفات القائد، والله يؤتي ملكه من يشاء ولا يعترض عليه أحد: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247] وتأمل كيف ختمت الآية بصفتين من صفات الله مناسبة لما في الآية فقوله: وَاللَّهُ وَاسِعٌ [البقرة:247] هذا مقابل لقولهم: إنه فقير ولم يؤت سعة من المال فقال: الله واسع الفضل، أنتم طعنتم فيه لكونه فقيراً والله واسع الفضل والرحمة، والله يعلم أن القيادة لا تتأتى بالمال، والله قادر أن يفتح عليه من أبواب الخير والسعة ما يريد، والله عليم فعلم هذا الشخص، وعليم في من يصلح للقيادة، وعليم باصطفائه واختياره سبحانه وتعالى.
أخذهم الجلال والهيبة والوقار من التابوت
وفي قوله: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ يعني: علامة ملكه: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ وهو صندوق التوراة: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ الجلال والوقار والهيبة: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ لا يهمنا ما هي هذه البقية، هل هي عصا موسى؟ هل هي بقية الألواح التي تكسرت؟ ما هي هذه البقية؟ الله أعلم: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248] في هذه الخارقة التي هي علامة ملكه.
النصر يكون ببذل الأسباب الشرعية
وكذلك فإن في قوله: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ [البقرة:249] قد ورد في الحديث عدد هؤلاء، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء ، وروى ابن جرير أيضاً عنه قال: (كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جازه معه إلا مؤمن) فإذاً كم عدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر؟ ثلاثمائة وبضعة عشر شخصاً مثل عدد المسلمين في بدر .
ولما غلبت الفئة القليلة في بدر الفئة الكثيرة وهم المشركون كان هذا مثالاً آخر مضافاً إلى الأمثلة التي سبقت مثل قصة طالوت على القاعدة العظيمة التي ذكرها الله بقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] وانكسر العدد الكبير أمام العدد اليسير، وفي هذا دليل على أن الإيمان في المعركة هو المرجح، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: [إنما تقاتلون بأعمالكم] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) فإذا كانت الأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والتوكل ضعيف، والتقوى زائلة فلا سبيل إلى النصر البتة فإن الله ذكر أسباب النصر فقال: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200] وقال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [المائدة:23] وقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] وقال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40] وقال: إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45] فهذه أسباب النصر وشروطه لما كانت معدومة، وضعيفة وضئيلة لذلك لم يأت النصر، وانحسر سلطان المسلمين.
قال القرطبي رحمه الله في وقته -وكان وقت قوة للنصارى، في أواخر العهد الأندلسي- قال: فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا، بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره، ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد، ولكثرة الطغيان، وقلة الرشاد، حتى استولى العدو شرقاً وغرباً، براً وبحراً، وعمت الفتن، وعظمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم.
العبرة ليست بكثرة العدد
وفي قوله تعالى: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249] أراد عز وجل أن يقوي قلوب هؤلاء الذين قالوا هذه الكلمة بقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249] فالعبرة ليست بكثرة العدد ولكن بالتأييد الإلهي، ولذلك إذا جاءت الهزيمة فلا ينفع كثرة العدد، وإذا جاء النصر فلا يمنعه قلة العدد.
قيمة اللجوء إلى الله ودعائه
وفي قوله تعالى: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] فائدة بلاغية بليغة وهي: أنهم طلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر أي: يغمرهم به من فوقهم؛ فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم من الأسفل، أفرغ علينا صبراً من فوقنا، يعني: أنزله علينا كثيراً عامراً كما يفرغ الإنسان الإناء كله: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا [البقرة:250] فسألوا الله تثبيت الظاهر والباطن، فإذاً إذا جاء الصبر من فوق، وثبات الأقدام من الأسفل جاء النصر.
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:250] المبارزة: أن يبرز كل واحد منهم لصاحبه في وقت القتال، نلاحظ هنا دور العلماء والأقوياء إيمانياً لما قالوا: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249] ونلاحظ تضرعهم إلى الله بإفراغ الصبر، وإنزال النصر، كما قال الله في آية أخرى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:146-147] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ربه في هذه المواطن الشديدة، ويجأر إليه، ويلح عليه إلحاحاً شديداً، ولذلك كان يقول في معركة بدر : (اللهم بك أصول ..) كان يستنجز نصر الله وموعوده ويقول إذا لاقى العدو: (اللهم إني أعوذ بك من شرورهم، وأجعلك في نحورهم) وكان يقول: (اللهم بك أصول وبك أجول).
فالإفراغ: هو الصبر وإخلاء الإناء مما فيه: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] المبالغة في طلب الصبر من وجهين: الأول: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه: أَفْرِغْ عَلَيْنَا [البقرة:250] يعني: صبه علينا صباً بحيث لا يخرج بل يبقى مستقراً في أنفسنا.
والثاني: إفراغ الإناء هو إخلاؤه، معنى ذلك: صب كل ما فيه، ولذلك سألوا صبراً كثيراً وداخلاً ولذلك قالوا: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] وهذا أبلغ من قولهم: صبرنا فالإفراغ إذاً طلب الكثرة من الصبر، وأن يكون فيه -داخله- ممتلئاً بحيث إنه لا يخرج منه.
الصبر واتخاذ الأسباب المادية عند لقاء العدو
وكذلك فإنه يتبين أن من الأمور المطلوبة عند المحاربة:
أولاً: أن يكون الإنسان صبوراً.
كذلك أن يكون قد وجد من الآلات والأدوات ما يعينه على المواجهة.
ثالثاً: أن تزداد قوته على قوة عدوه؛ فيحصل عند ذلك الانتصار، فأما الأولى فهي المذكورة في قوله تعالى: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] والثانية: وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا [البقرة:250] والثالثة: وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] فإذا تحقق الصبر وثبات الأقدام والغلبة -الزيادة- على العدو -الزيادة العامة- يحصل الانتصار.
فضل داود عليه السلام
وقوله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ [البقرة:251] يعني: هزم هؤلاء الأقلون أولئك الكثيرين: بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:251] يعني: ليس بقوتهم ولا بعددهم، وإنما بإذن الله فهو الذي شجع القليلين وخذل الكثيرين: وَقَتَلَ دَاوُدُ [البقرة:251] وهو واحد وفرد من جنود طالوت : جَالُوتَ [البقرة:251] وهو عظيم الكفار ومقدمهم وقائدهم: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:251] وقلنا المُلك: صار مَلك بني إسرائيل، والحكمة: هي النبوة، وعلمه مما يشاء: صناعة الدروع من الحديد ونحو ذلك.
ولا شك أن في ذلك دليلاً على شجاعة داود عليه السلام، وأنه قتل جالوت قتلاً أذل به جيشه وكسره وهزمه، فإنه إذا قتل ملك الجيش وقائدهم فإن ذلك أدعى لفرارهم وانحسار أمرهم، وهذه غنائم كثيرة ساقها الله تعالى بعد أن قتل جالوت ورزقها المسلمين.
في هذه الآيات تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم
وفي قوله تعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ [البقرة:252] تلك: إشارة إلى ما سبق ذكره في الآيات من إماتة الألوف منهم ثم إحياؤهم، وتمليك طالوت ، وإتيان التابوت، وانهزام جالوت وقتل داود له، وتملك داود، هذه آيات الله، أخبار غيب أخبرنا بها الله عز وجل: نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [البقرة:252] ليس بالباطل: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252 ].
هذه الآيات تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها تسلية له، ومواجهة لأعدائه من الكفار والمنافقين، فكأنه يقول له: هذه آياتنا وهكذا نصرنا أولياءنا فاصبر يا محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنك لمن المرسلين المنصورين بإذننا.
ما ورد من الإسرائيليات لا يُستند إليه
وما ورد في الإسرائيليات في قصة طالوت وجالوت أشياء كثيرة جداً ولكنها رجم بالغيب، والله أعلم بصحتها، مذكور فيها أسماء، ومذكور فيها أشياء عجيبة، كما أنهم قالوا في إسرائيلياتهم أن داود رمى جالوت بحجر واحد كسر الخوذة التي على رأسه، ودخلت رأسه، وفتتت دماغه، وخرجت من الخلف، وأصابت وراءه ثلاثين رجلاً فقتلتهم، ثم تفتت الحجر، وأصابت كل قطعة من الحجر المفتت جندياً من جنود جالوت فقتلته، هذا شغل الإسرائيليات؛ ولذلك لا يعول عليها البتة.
ثم إن من الإسرائيليات الخطيرة جداً الموجودة عندهم في هذه القصة أنهم يقولون: إن طالوت بعد عدة محاولات حسد داود، قالوا: طالوت حسد داود وكاد له بعدة محاولات لقتله ولكنها فشلت كلها... إلى آخر القصة الباطلة، فلذلك لا يعول على الإسرائيليات البتة.
ثم إن هذه القصة التي فيها مبهمات يعني مثلاً: متى حدثت؟ وهو قال: مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] لكن بعد موسى بكم سنة؟ الله أعلم، ما اسم هذا النبي؟
الله أعلم.
ما تفصيلات السكينة والبقية التي ستكون في التابوت من آل موسى وآل هارون؟
لم يذكر.
ما اسم النهر؟ كم عدد الذين خالفوا وشربوا؟ كيف كانت نهاية طالوت؟ طالوت ماذا حصل له بعد ذلك؟
لم تذكر.
فإذاً كل شيء لم يذكره الله عز وجل فليس فيه فائدة لنا ولو كان فيه فائدة لذكره، وما ذكره يغني عما لم يذكر من التفصيلات.


مصدرها
https://audio.islamweb.net/audio/ind...ge=FullContent
الفقرتين الاولى والثانية فقط






 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:33 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #7


الصورة الرمزية دموع الورد الشاكية
دموع الورد الشاكية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3665
 تاريخ التسجيل :  Oct 2020
 أخر زيارة : 06-02-2021 (07:47 PM)
 المشاركات : 303 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 243
تم شكره 2 مرة في مشاركة واحدة
افتراضي



جزاك الله خيرا أخي الصقر



 


رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #8


الصورة الرمزية الحسناء
الحسناء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3654
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 03-26-2022 (12:03 AM)
 المشاركات : 3,707 [ + ]
 التقييم :  878446345
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 78
تم شكره 153 مرة في 120 مشاركة
افتراضي



الف شكر على المشاركة الرائعة والمميزة




بارك الله فيك على هذا الطرح المميز
ننتظر جديدك بفارغ الصبر ان شاء الله

دمت اخي الصقر بهذا العطاء الراقي


وأسأل الله لي ولـكــم الأجر والثواب




 
 توقيع :


رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #9


الصورة الرمزية وارفة البيان
وارفة البيان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2794
 تاريخ التسجيل :  Jan 2019
 أخر زيارة : منذ 2 أسابيع (01:14 AM)
 المشاركات : 90,113 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 3,828 مرة في 2,417 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



سأمكث هنا طويلاً
أحسنت اخي الصقر لنا فيها عبر
لعلنا نتآسى بإخلاقهم عليهم السلام
جعل الله عملك في ميزان حسناتك



 
 توقيع :









https://a.top4top.io/p_2392dsxs72.gif


رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #10


الصورة الرمزية ولد الذيب
ولد الذيب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1682
 تاريخ التسجيل :  Sep 2014
 أخر زيارة : منذ 4 يوم (02:16 PM)
 المشاركات : 106,760 [ + ]
 التقييم :  478364708
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Chocolate
شكراً: 3,314
تم شكره 2,773 مرة في 2,401 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



يعطيك العااااافيه



 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الصقر مشاركات 27 المشاهدات 6690  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع منذ بعد 04-18-2024, 09:31 PM (إعادة تعين) (حذف)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 01:38 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah