~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 215
عدد  مرات الظهور : 463,154


عدد مرات النقر : 215
عدد  مرات الظهور : 463,154

العودة   منتديات وهج الذكرى > ღ القـسم الاسـلامي ღ > علوم القرآن والتلاوات
علوم القرآن والتلاوات شقُ طريقاً نحوالجنة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-27-2020
الصقر غير متواجد حالياً
SMS ~ [ + ]
اوسمتي
وسام الكاتب المميز وسام العيد مع الجوري مسابقة عطر الجوري وسام عضو مشارك 
لوني المفضل Aqua
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل : Feb 2016
 فترة الأقامة : 2980 يوم
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم : 11111807
 معدل التقييم : الصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond reputeالصقر has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي أفضل القصص من القرآن والسنة ...!











[URL="http://wahjj.com/vb/showpost.php?p=608695&postcount=6"]


📕 نضع هنا بين الفينة والأخرى قصصا من القرآن الكريم
ومن السنة النبوية الشريفة وجميعها منقولة ،،
وهو موضوع متجدد نسأل الله تعالى أن ينفع به
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل :
















المواضيع المتشابهه:



 توقيع :





آخر تعديل الغريبة يوم 10-28-2020 في 04:11 PM.
رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ الصقر على المشاركة المفيدة:
 (10-28-2020)
قديم 10-27-2020   #2


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



فوائد قصص القرآن:
وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي :


(1) إيضاح أسس الدعوة إلى الله ، وبيان أصول الشرائع التي يبعث بها كل نبي :
( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )[الأنبياء : 25].
(2) تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجندة ، وخذلان البطل وأهله: ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) [هود: 12] .
(3) تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم .
(4) إظهار صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال .
(5) مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى ، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل ،
كقوله تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسة من قبل أن تنزل التوراة ، قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) [آل عمران: 93].
(6) والقصص ضرب من ضروب الأدب ، يصغى إليها السامع ، وترسخ عبره في النفس : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ) [يوسف: 111] ([1]).
(7) بيان حكم الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص لقوله تعالى :
( ولقد جاءهم من الأنبياء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغني النذر )
(8) بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين لقوله تعالى عن المكذبين : ( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ) .
(9) بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين لقوله تعالى :
( إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ) .
(10)
rتسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين له لقوله تعالى : ( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ) .
(11) ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد لقوله تعالى :
( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) .
(12) تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم لقوله تعالى :
( أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ).
(13) إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقوله تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا )
( وقوله )
( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله )
([2]).


--------------------------
([1]) انظر مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان (317-318)

([2])انظر أصول في التفسير للشيخ محمد بن صالح العثيمين (53-54).


________

من كتاب القصص في القرآن الكريم
إعداد إسلام محمود دربالة عفا الله عنه




 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:24 PM سبب آخر: وضع المصدر والهامش

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #3


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة لقمان :

موقع القصة في القرآن الكريم:

ورد ذكر القصة في سورةلقمان الآيات 12-19.

قال تعالى:(( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ))

القصة:


هو لقمان بن عنقاء بن سدون ويقال لقمان بن ثاران حكاه السهيلي عن ابن جرير والقتيبي .
قال السهيلي : وكان نوبيا من أهل أيلة قلت وكان رجلا صالحا ذا عبادة وعبارة ، وحكمة عظيمة ويقال : كان قاضيا في زمن داود عليه السلام فالله أعلم .
وقال سفيان الثوري عن الأشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان عبدا حبشيا نجارا وقال قتادة : عن عبد الله بن الزبير قلت لجابر بن عبد الله : ما انتهى إليكم في شأن لقمان قال كان قصيرا أفطس من النوبة .
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال : كان لقمان من سودان مصر ذو مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة.

وقال الأوزاعي : حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله فقال له سعيد : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر .
وقال الأعمش عن مجاهد كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين وفي رواية مصفح القدمين وقال : عمر بن قيس كان عبدا أسود غليظ الشفتين مصفح القدمين فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال له : ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟

قال : نعم ,قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث
، والصمت عما لا يعنيني رواه ابن جرير عن ابن حميد عن الحكم عنه به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن أبي يزيد بن جابر قال : إن الله رفع لقمان الحكيم لحكمته فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال : ألست عبد بن فلان الذي كنت ترعى غنمي بالأمس قال : بلى قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وترك ما لا يعنيني .

وقال ابن وهب أخبرني عبد الله بن عياش القتباني عن عمر مولى غفرة قال : وقف رجل على لقمان الحكيم فقال : أنت لقمان أنت عبد بني الحسحاس قال : نعم قال : فأنت راعي الغنم الأسود قال : أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من امرئ قال : وطء الناس بساطك وغشيهم بابك ورضاهم بقولك قال : يا ابن أخي إن صنعت ما أقول لك كنت كذلك قال : ما هو ؟ قال لقمان : غضي بصري ، وكفي لساني ، وعفة مطمعي وحفظي فرجي وقيامي بعدتي ووفائي بعهدي وتكرمتي ضيفي وحفظي جاري وتركي ما لا يعنيني فذاك الذي صيرني كما ترى.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا عمرو بن واقد عن عبدة بن رباح عن ربيعة عن أبي الدرداء أنه قال يوما ، وذكر لقمان الحكيم فقال :
ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال ، ولكنه كان رجلا صمصامة سكيتا طويل التفكر عميق النظر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد يبزق ، ولا يتنحنح ، ولا يبول ولا يتغوط ولا يغتسل ، ولا يعبث ، ولا يضحك ، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد وكان قد تزوج وولد له أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم وكان يغشى السلطان ، ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر فبذلك أوتي ما أوتي ومنهم من زعم أنه عرضت عليه النبوة فخاف أن لا يقوم بأعبائها فاختار الحكمة لأنها أسهل عليه وفي هذا نظر والله أعلم وهذا مروي عن قتادة كما سنذكره وروى ابن أبي حاتم و ابن جرير من طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن عكرمة أنه قال : كان لقمان نبيا وهذا ضعيف لحال الجعفي.


والمشهور عن الجمهور أنه كان حكيما وليا ولم يكن نبيا وقد ذكره الله تعالى في القرآن فأثنى عليه وحكى من كلامه فيما وعظ به ولده الذي هو أحب الخلق إليه ، وهو أشفق الناس عليه فكان من أول ما وعظ به أن قال(( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) فنهاه عنه وحذره منه.
وقد قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لما نزلت " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس بذاك ألم تسمع إلى قول لقمان ؟ " يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم " ورواه مسلم من حديث سليمان بن مهران الأعمش به ثم اعترض تعالى بالوصية بالوالدين وبيان حقهما على الولد وتأكده وأمر بالإحسان إليهما حتى ولو كانا مشركين ولكن لا يطاعان على الدخول في دينهما إلى أن قال مخبرا عن لقمان فيما وعظ به ولده

((يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ))

ينهاه عن ظلم الناس ولو بحبة خردل فإن الله يسأل عنها ويحضرها حوزة الحساب ويضعها في الميزان كما قال تعالى

((إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وقال تعالى وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ))

وأخبره أن هذا الظلم لو كان في الحقارة كالخردلة ولو كان في جوف صخرة صماء لا باب لها ، ولا كوة أو لو كانت ساقطة في شيء من ظلمات الأرض أو السماوات في اتساعهما وامتداد أرجائهما لعلم الله مكانها

((إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)) أي علمه دقيق فلا يخفى عليه الذر مما تراءى للنواظر أو توارى كما قال تعالى(( وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وقال وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وقال عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ))

وقد زعم السدي في خبره عن الصحابة أن المراد بهذه الصخرة الصخرة التي تحت الأرضين السبع وهكذا حكي عن عطية العوفي وأبي مالك والثوري والمنهال بن عمرو وغيرهم وفي صحة هذا القول من أصله نظر ثم في أن هذا هو المراد نظر آخر فإن هذه الآية نكرة غير معرفة فلو كان المراد بها ما قالوه لقال : فتكن في الصخرة وإنما المراد فتكن في صخرة أي صخرة كانت كما قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان ثم قال(( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)) أي أدها بجميع واجباتها من حدودها وأوقاتها وركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها وما شرع فيها واجتنب ما نهي عنه فيها ثم قال(( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) أي بجهدك وطاقتك أي إن استطعت باليد فباليد وإلا فبلسانك فإن لم تستطع فبقلبك ثم أمره بالصبر فقال وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ وذلك أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في مظنة أن يعادى وينال منه ولكن له العاقبة ولهذا أمره بالصبر على ذلك ومعلوم أن عاقبة الصبر الفرج وقوله ((إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)) التي لا بد منها ولا محيد عنها وقوله ((وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك ويزيد بن الأصم وأبو الجوزاء وغير واحد : معناه لا تتكبر على الناس وتميل خدك حال كلامك لهم وكلامهم لك على وجه التكبر عليهم والازدراء لهم قال أهل اللغة : وأصل الصعر داء يأخذه الإبل في أعناقها فتلتوي رؤوسها فشبه به الرجل المتكبر الذي يميل وجهه إذا كلم الناس أو كلموه على وجه التعظم عليهم.

وقوله(( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) ينهاه عن التبختر في المشية على وجه العظمة والفخر على الناس كما قال تعالى(( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)) يعني : لست بسرعة مشيك تقطع البلاد في مشيتك هذه ، ولست بدقك الأرض برجلك تخرق الأرض بوطئك عليها ولست بتشامخك وتعاظمك وترفعك تبلغ الجبال طولا فاتئد على نفسك فلست تعدو قدرك .
وقد ثبت في الحديث بينما رجل يمشي في برديه يتبختر فيهما إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة وفي الحديث الآخر إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة والمخيلة لا يحبها الله .
كما قال في هذه الآية(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) ولما نهاه عن الاختيال في المشي أمره بالقصد فيه فإنه لابد له أن يمشي فنهاه عن الشر ، وأمره بالخير فقال(( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)) أي لا تبتاطأ مفرطا ولا تسرع إسراعا مفرطا ولكن بين ذلك قواما كما قال تعالى ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) ثم قال(( وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)) يعني : إذا تكلمت لا تتكلف رفع صوتك ، فإن أرفع الأصوات ، وأنكرها صوت الحمير.

وقد ثبت في الصحيحين الأمر بالاستعاذة عند سماع صوت الحمير بالليل فإنها رأت شيطانا ولهذا نهي عن رفع الصوت حيث لا حاجة إليه ولا سيما عند العطاس فيستحب خفض الصوت وتخمير الوجه كما ثبت به الحديث من صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما رفع الصوت بالأذان وعند الدعاء إلى الفئة للقتال وعند الإهلال ونحو ذلك فذلك مشروع فهذا مما قصه الله تعالى عن لقمان عليه السلام في القرآن من الحكم ، والمواعظ ، والوصايا النافعة الجامعة للخير المانعة من الشر وقد وردت آثار كثيرة في أخباره ومواعظه ، وقد كان له كتاب يؤثر عنه يسمى بحكمة لقمان ونحن نذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى.
قال الإمام أحمد :
حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك أنبأنا سفيان أخبرني نهشل بن مجمع الضبي عن قزعة عن ابن عمر قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لقمان الحكيم كان يقول إن الله إذا استودع شيئا حفظه وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني إياك والتقنع فإنه مخوفة بالليل مذلة بالنهار . .

وقال أيضا : حدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ضمرة حدثنا السري بن يحيى قال لقمان لابنه : يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك وحدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان أنبأنا ابن المبارك أنبأنا عبد الرحمن المسعودي عن عون بن عبد الله قال : قال لقمان لابنه : يا بني إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام - يعني السلام - ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا ، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك معهم وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم وحدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ضمرة عن حفص بن عمر قال : وضع لقمان جرابا من خردل إلى جانبه وجعل يعظ ابنه وعظة ويخرج خردلة حتى نفد الخردل فقال : يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظها جبل تفطر قال : فتفطر ابنه.
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الباقي المصيصي حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الحراني حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي حدثنا أبين بن سفيان المقدسي عن خليفة بن سلام عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة لقمان الحكيم والنجاشي وبلال المؤذن قال الطبراني : يعني الحبشي ، وهذا حديث غريب منكر.

وقد ذكر له الإمام أحمد ترجمة في كتاب الزهد ذكر فيها فوائد مهمة وفرائد جمة فقال : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن رجل عن مجاهد وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ قال : الفقه والإصابة في غير نبوة وكذا روي عن وهب بن منبه

وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا حبشيا.
وحدثنا أسود حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أن لقمان كان خياطا.

وحدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا مالك يعني ابن دينار قال : قال لقمان لابنه : يا بني اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة .



مصدرها

https://islamweb.net/ar/library/inde...k_no=59&flag=1

وهي ناقصة الجزء الاخير










 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:27 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #4


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة حزقيل :

موقع القصة في القرآن الكريم:

قال الله تعالى: فى سورة البقرة الآية

((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ))

القصة:

قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع، خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا:

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ))

قال ابن إسحاق فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض، فقال لهم الله: موتوا. فماتوا جميعا فحظروا عليهم حظيرة دون السباع فمضت عليهم دهور طويلة، فمر بهم حزقيل عليه السلام

فوقف عليهم متفكرا فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال: نعم. فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما وأن يتصل العصب بعضه ببعض. فناداهم عن أمر الله له بذلك فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.

وقال أسباط عن السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة في قوله:

(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ))

قالوا: كانت قرية يقال لها: "داوردان"، قبل "واسط" وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم.

فوقع في قابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادى وآخر من أعلاه: أن موتوا. فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر بهم نبى يقال له: حزقيل. فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقيه وأصابعه،

فأوحى الله إليه: تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال: نعم. وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم فقيل له: ناد. فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي. فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام ثم أوحى الله إليه؛ أن ناد: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسى لحما. فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها. ثم قيل له: ناد. فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومى. فقاموا.

قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت. فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم.

وعن ابن عباس؛ أنهم كانوا أربعة آلاف. وعنه: ثمانية آلاف. وعن أبي صالح: تسعه آلاف. وعن ابن عباس أيضا: كانوا أربعين ألفا. وعن سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل "أذرعات". وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل. يعنى أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر. وقول الجمهور أقوى؛ أن هذا وقع.


وقد روى الإمام أحمد وصاحبا "الصحيح" من طريق الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام، فذكر الحديث. يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض؛ فلا تقدموا عليه فحمد الله عمر ثم انصرف.


وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج ويزيد المعني قالا: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال: فرجع عمر من الشام . وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه.


قال محمد بن إسحاق: ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل، ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم، وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له: بعل. فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر؛ لأنهما يقرنان في الذكر غالبا، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة "الصافات" فتعجلنا قصته لذلك. والله أعلم. قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال: ثم تنبأ فيهم بعد إلياس وصيه اليسع بن أخطوب، عليه السلام.


مصدرها

https://islamweb.net/ar/library/inde...bk_no=59&ID=86






 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:28 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #5


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة سبأ

قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ۝ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ۝ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ۝ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ۝ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ۝ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ: 15-21].

المعنى الإجمالي للقصة:
سبأ من ملوك اليمن وأهلها، وكانت بلقيس صاحبة سليمان  منهم، وكان في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم، واتساع أرزاقهم، وزروعهم، وثمارهم، وبعث الله تعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل، والتفرق في البلاد.
روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن ابن عباس قال: إن رجلاً سأل رسول الله ﷺ عن سبأ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض؟ فقال: بل هو رجل ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستة من أولاده العشرة، وهؤلاء أولاد لا يشترط أن يكونوا أولاد مباشرين، المهم أن من صلبه عشرة أولاد، سكن منهم اليمن ستة، قال: وبالشام منهم أربعة: فأما اليمانيون: فمذجح، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير، عربًا كلها، وأما الشامية: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان [رواه أحمد: 2900].
قال ابن كثير رحمه الله عن هذا الحديث: إسناده حسن. [تفسير ابن كثير: 6/504]، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند: إسناده صحيح. [أحمد: 2900].
وروى الترمذي رحمه الله عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي ﷺ فذكر في الحديث، فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة سكنوا في اليمن، وتشاءم منهم أربعة يعني سكنوا في الشام، فأما الذين تشاءموا في الشام: فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد، والأشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار [رواه الترمذي: 3222، وصححه الألباني صحيح الترمذي:2574].
قال ابن كثير رحمه الله: ومعنى قوله ﷺ: ولد عشرة من العرب أي كان من نسل هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن، لا أنهم ولدوا من صلبه، بل منهم من بينه، وبينه الأبوان، والثلاثة، والأقل، والأكثر، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب". [تفسير ابن كثير: 6/507].
إذًا هؤلاء العشرة ترجع إليهم القبائل العربية، وحصل أن منهم من كان في اليمن، ومنهم من رحل إلى الشام، فإذًا بالشام قبائل عربية أصلها من اليمن، والتفرق هذا حصل بعد سيل العرم، وذلك معنى قوله ﷺ: فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، أي: بعدما أرسل الله عليهم سيل العرم، منهم من أقام ببلادهم، ومنهم من نزح عنها إلى غيرها. [تفسير ابن كثير: 6/507].
فإذا قال قائل: القبائل العربية الموجودة في بلاد الشام كيف ذهبوا إلى بلاد الشام؟ ومتى ذهبوا إلى بلاد الشام؟
فيقال: بناء على هذا الحديث تأريخيًا ذهبوا بعد سيل العرم، لما فرقهم تفرقوا في البلدان السيل هذا فرقهم، إذًا هذا كان سبب ذهاب هؤلاء رؤوس القبائل العربية، هؤلاء الذكور الذين تناسلت منهم القبائل العربية في بلاد الشام، وكذلك في اليمن.
وقد أنعم الله عليهم أولاً قبل السيل أنعم عليهم ليوحدوه، كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ [سبأ: 15]، المحل الذين يسكنون فيه آية من النعم الوفيرة، وأغدق الله عليهم الأشياء العظيمة، جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ [سبأ: 15] عن يمين بلدتهم جنة، وعن شمالها جنة، والجنة البستان العظيم، هذه الجنان متراكبة الأشجار، وافرة الثمار، متنوعة العطاء، يحصل لهم بها الغبطة والسرور، فأمرهم بشكر هذه النعمة، قالوا: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15].
فهذه النعم التي أمرهم الله بشكرها، كانت تتمثل برزق رغيد، رزقهم الله من هاتين الجنتين، وبلدة طيبة، حسنة الهواء، قليلة الأمراض، وعدهم الله  إن شكروه أن يغفر لهم، وقال: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15]، لكن ما حصل هذا منهم، فَأَعْرَضُوا [سبأ: 16].
أعرضوا عن توحيد الله وعبادته وشكره، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون الله، كما قال الهدهد لسليمان : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ۝ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ۝ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ [النمل: 23-24].
نتيجة لهذا الكفران، يعني: بدلاً من أن يعبدوا الله ويوحدوه فإذا بهم يشركوا به ويعبدون غيره، مع أنه هو الذي أنعم عليهم، فانتقم الله منهم، كيف كان الانتقام؟ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [سبأ:16].
والله إذا قال لشيء: كن فيكون، فالله  أمر هذا السيل بهذا السد أن يسيل عليهم، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ[سبأ: 16]، الماء الغزير الشديد، فتحطمت الجنتان، وتبدلت الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، صارت أشجار لا نفع فيها، كما قال تعالى:وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ[سبأ: 16]، السابقة المثمرة، اليانعة النضرة، كثيفة الأشجار والثمار، جَنَّتَيْنِ [سبأ: 16] أخريين لكن ماذا فيه؟ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ [سبأ: 16] لكن قليل، أين هو من الأكل السابق؟ لا يقارن. أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ [سبأ: 16]، الخمط والأثل نوعيات رديئة من الطعام جداً، وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ: 16]، السدر أنفع من الأشجار السابقة، ولذلك قليل، لكن لا يقارن لا السدر ولا الخمط ولا الأثل بما كانوا عليه، أين الثمار الناضجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية؟ تبدلت كلها إلى شجر ذي شوك كثير، وثمر قليل؛ بسبب كفرهم وشركهم وتكذيبهم، وعدولهم إلى الباطل، ولذلك قال تعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا[سبأ: 17]، عاقبناهم بكفرهم، وهناك ناس في هذا الزمن الله أنعم عليهم بنعم وفيرة، وأعطاهم أموال طائلة، ولكنهم طغوا فسلبهم الله إياها، هناك أناس كانوا أصحاب ثروات انتقم الله منهم بسبب طغيانهم، وصاروا مشردين مطاردين، أحوالهم في ضنك وشدة وضيق، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا [سبأ: 17] عاقبناهم وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].
فالمجازاة هنا خاصة بالعقوبة؛ لأن الله يجازي على الحسنات، ويجازي على السيئات؛ لكن هذه عقوبة، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا [سبأ: 18]، الآن يسرد لنا نعمة أخرى من النعم التي أعطاهم الله إياها، أن نعمه عليهم لم تكن فقط في بلدهم لكن حتى خارج بلدهم، كيف؟ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ: 18]، كان يحتاجون للتجارة، ويسافرون، يضربون في الأرض، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [سبأ: 18]، قيل: الشام لأن الله بارك في الشام، المسجد الأقصى وما حوله الشام، فجعل الله من مكانهم في اليمن إلى الشام طريق التجارة، هذا كله طريق ميسر سهل، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً [سبأ: 18]، بينة واضحة، يعرفها المسافرون، متقاربة متواصلة بحيث لا يحتاج المسافر إلى زاد وماء.
بل يخرج من بلدته اليمن مثلا يجد منها قريب بلدة على طريق السفر إلى الشام ينزل البلدة هذه، يمشي يجد بلدة أخرى، يمشي يجد بلدة أخرى، وهكذا بلدات كثيرة على الطريق، يعني جعل لها طريق سفر مأهول بالبلدات والقرى؛ بحيث أنهم لو أرادوا السفر يسر عليهم الطريق لا يحتاج إلى حمل زاد كثير وماء، ويقطع مفاوز وصحاري، طريق تجارتهم طريق عامر بالبلدات الظاهرة، وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ[سبأ: 18]، بحيث يعرفونه، ولا يتيهون فيه، قَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ جعلنا هذه القرى على مسافات معينة معروفة، وقرى ظاهرة على الطريق، بينة فلا يضيع ولا يتيه، ولا يحتاج لحمل زاد كثير، وأيضاً المسافات معروفة وواضحة، وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ يعرفونه ولا يتيهون، كان سفرهم آمنًا لا خوف فيه، لا يوجد قطاع طرق، أمن في طريق السفر، ولذلك قال الله: سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ: 18]، فالأمن كان في الليل وفي النهار، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ:18] سواء في الليل، أو في النهار، الطريق آمن، لكن لا فائدة ما استجابوا، ولا قدروا، ولا شكروا النعمة، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الحج: 74]، ولا شكروا نعمته، كفروا بالله، ملوا النعمة لدرجة السفه والطيش البطر، فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا [سبأ: 19] ملوا النعمة، وطلبوا أن تتباعد الأسفار بين القرى التي كانت السير فيها ميسرًا، وفي قراءة أخرى، رَبَّنَا بَعِّدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا [سبأ: 19]، أحبوا المفاوز التي يحتاجون فيها إلى قطع الزاد والرواحل، وأن يسيروا في الحر والخوف، وهذا يذكرنا بما طلبه بنو إسرائيل من موسى، الله أعطاهم المن والسلوى وأشياء يسيرة جداً، لا تحتاج إلى جهد، أنواع من السمان يصيدونه بسهولة وحلوى، ويأتيهم رغدًا، ماذا قال بنو إسرائيل لموسى مع كل هذه النعم ؟
قالوا: فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا [البقرة:61]، يعني: الواحد يعدل بالمن والسلوى البصل والثوم والكراث والعدس، فقط ملوا النعمة، وهؤلاء كذلك، ولهذا قال موسى لبني إسرائيل:أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة: 61] ، وعوقبوا على ذلك اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة: 61].
وقال : وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا[القصص: 58]، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [سبأ: 19]، إذًا كفروا بالنعمة، فعاقبهم الله، فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ: 19].
صارت سيرتهم على ألسنة الناس، فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ يسمر بها المسافرون، جعلناهم أخبار، شيء كان ومضى، وصار قصة، صار الناس يروها لبعضهم، ذهب اجتماعهم، وانتهت ألفتهم، وعيشهم الهنيء، وتفرقوا في البلدان، وصاروا شذر مذر، حتى صار يضرب بهم المثل إلى الآن عند العرب، في أمثال العرب: تفرق أيادي سبأ، إذا واحد أراد يضرب مثل بتفرق الشيء وتبعثره وتشتته ،مثلاً مجموعة من الناس أو قبيلة تفرقوا، فيقولون: تفرقوا أيدي سبأ، يعني كما تفرق أولاده في البلدان، فرقهم الله، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[سبأ: 19].
فهكذا حل بهم العذاب، وبدلت النعمة نقمة، وتحولت العافية إلى بلاء، وصارت العقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام، وكان في هذا عبرة، ودليل على قدرة الله وبطشه ونقمته.
لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 19] على النعم، فالصبار الشكور هو الذي ينتفع بهذه القصة، ولهذا قال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[سبأ: 19]، فإذًا من فعله مثلهم فعل به مثلما فعل بهم، وشكر الله -تعالى- لحافظ النعمة، وينتقم الله ممن كفر بالنعمة، والجزاء من جنس العمل.
قال مطرف رحمه الله: نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر". [حلية الأولياء: 1/298]، وهذا معنى حديث عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له[رواه مسلم: 2999].
إبليس الذي أغواهم فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[ص:82-83]، وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ: 20] من الذين لم يكفروا بالنعمة، لأن المؤمنين ليس له عليهم سلطان، صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ[سبأ: 20]، إبليس ما أجبرهم إجبارًا، إبليس دعاهم إلى الأماني والغرور، فأطاعوه.
قال الحسن البصري: والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كانوا إلا غرورًا وأماني، دعاهم إليها فأجابوه" [زاد المسير: 6/450].

الفوائد والدروس المستفادة من القصة:
وهذه القصة فيها فوائد متعددة:
إذ أن سبأ يعتبرون نموذجًا عمليًا لكل من تمرد على أوامر الله، واستخدم النعمة في غير وجهها، في بعض البلدان التي تسلط عليها من تسلط كان فيها نعمة كبيرة، وخير، لكن يقولون: كان الواحد إذا أكل من السندوتش لقمتين ركله برجله، الباقي يجعله مثل الكرة، فعاقبهم الله  وسلط عليهم من أراذل الخلق من سلط، إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ[سبأ:21].
والقرآن فيه تحذيرات من الله  لمن أنعم عليهم، أن يسلكوا سبيل قوم سبأ، لقد ذكر الله تعالى لنا في القرآن مواضع أن الكفار تمتعوا في الدنيا بجنات، وجنة، وجنتين، ولكنها زالت، ذكر لنا قصة صاحب الجنتين، وأصحاب الجنةـ وسبأ جنتين عن يمين وشمال، فها هم قوم سبأ، قد أزال الله جنتيهم، وصاحب الجنتين في سورة الكهف أحيط بثمره وانتهت، وأصحاب الجنة في سورة القلم فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم: 19]، وفرعون ومن معه، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ[الشعراء: 57-58]، فالله تعالى يعاقب بإذهاب النعمة، هذا هو الشاهد العقوبة بإذهاب النعمة، إذا لم تقدر حق قدرها، ولم تشكر أذهبها الله سلبها من هي عنده، بسبب عدم شكره.
والرزاق هو الله -تعالى-، ومن العبر العظيمة قوله تعالى: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ [سبأ: 15]، أعطاهم رزقًا، لكن أعرضوا وتولوا أعرضوا، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [سبأ: 16]، سنة الله التي لا تتبدل، ولا تتخلف، قال الله -تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]، النعمة إذا لم يقم العبد بشكرها ستكون عذابًا وعقابًا، هذا الماء الذي كان نعمة لسبأ صار عقوبة عليهم، تحول إلى سيل حطم جنتيهم، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا [سبأ: 17].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع أن الله لم يهلك أحدًا ولم يعذبه إلا بذنب". [الحسنة والسيئة: 2/173].
يعني: لا يهلك الله قومًا بلا سبب منهم، لا يهلك الله قومًا بدون معاصي، لا تجي عقوبة على قوم إلا بمعاصي، لا يوجد قرية أو قبيلة أو بلد صالحة وجاءتها عقوبة عامة. قال الله عن سبأ: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا [سبأ: 17].
وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ[القصص: 59].
وكذلك فإننا عرفنا من الآيات أن الذي ينتفع هو صاحب الصبر والشكر، الصبار الشكور، أما المعرض فلا ينتفع، وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها، وهم عنها معرضون، ولذلك كان الصبر على ثلاثة أنواع، نصبر على الطاعات نعملها، الواجبات نقوم بها، نصبر عن المعاصي فنجتنبها، ونحذر منها، ولا نقع فيها، نصبر على أقدار الله المؤلمة إذا حلت بنا، نصبر عليه لا نجزع، لا تنوح المرأة لا تشق ثيابها، لا تقطع شعرها، لا يجوز الاعتراض على أقدار الله، ولا أن يلام الله على المصيبة.
وشكر الله  يكون بثلاثة أشياء:
بالقلب، بالإقرار بالنعمة، والعلم أنها من عند الله، ونسبتها إليه، أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر: فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب [رواه البخاري: 846، ومسلم: 71].
فشكر النعمة الأول بالقلب الاعتراف للمنعم، أبوء لك بنعمتك عليّ [رواه البخاري: 6306]، اعترف.
وباللسان التحدث بها، والثناء على الله بها، فيقال: يشكر الله  على النعمة، فيقال: الحمد لله، كم ذكر من الأذكار فيه الحمد لله؟
على الطعام الحمد لله، وعلى الشراب الحمد لله، وإذا لبس اللباس الجديد الحمد لله، وهكذا يحمد الله تعالى على النعم يوميًا.
وبالجوارح أن تعمل بها بطاعة الله، وأن تسير إلى طاعة الله، وبيديك، وتنظر بعينيك، وتسمع بأذنيك ما يرضي الله، وهكذا فتشكر ربك بالجوارح، قال تعالى: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].
قال القرطبي: "في هذه الآية سؤال ليس في هذه السورة أشد منه، وهو أن يقال: لم خص الله تعالى المجازاة بالكفور؟
ولم يذكر أصحاب المعاصي، فتكلم العلماء في هذا فقال قوم: ليس يجازى بهذا الجزاء الذي هو الاصطلام والإهلاك إلا من كفر، قال مجاهد: يجازى بمعنى يعاقب.
وذلك أن المؤمن يكفر الله تعالى عنه سيئاته، والكافر يجازى بكل سوء عمله، فالمؤمن يجزى ولا يجازى؛ لأنه يثاب، قال طاووس: هو المناقشة في الحساب، فأما المؤمن فلا يناقش الحساب.
وقال النحاس: وأولى ما قيل في هذه الآية وأجل ما روي فيها: أن الحسن قال: مثلاً بمثل، وهل نجازي إلا الكفور، مثلاً بمثل.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من حوسب هلك فقلت: يا نبي الله، فأين قوله : فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق: 8].
قال: إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك وهذا إسناده صحيح [رواه أحمد: 25748، وقال محققو المسند: إسناده صحيح].
وشرحه: أن الكافر يكافئ على أعماله، ويحاسب عليها، ويحبط ما يعمل من خير، ويبين هذا قوله تعالى: ذلك جزيناهم بما كفروا، وفي الثاني، وهل يجازى إلا الكفورـ ومعنى: يجازى يكافئ بكل عمل عمله، ومعنى جزيناهم، وفيناهم، فهذه حقيقة عظيمة". [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 14/288].
نسأل الله  أن يجعلنا من الشاكرين الصابرين، ومن العابدين المنيبين، والتائبين الأواهين إنه سميع مجيب.


مصدرها
https://almunajjid.com/courses/lessons/105





 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:30 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #6


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة طالوت وجالوت :

قال الله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ)
[البقرة:246-252].

بنو إسرائيل في حالة الاستضعاف
تشير هذه الآيات الكريمة إلى قصة وقعت لبني إسرائيل في فترة من فترات حياتهم في الأرض المقدسة، كانوا مضطهدين مهزومين أمام أعدائهم، وقد سلب أعداؤهم منهم التابوت الذي فيه سكينة من الله وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وقد شعر القوم بالذل ومرارة الهزيمة والهوان، وكان هذا الشعور عند العامة والملأ، فأرادوا أن يغيروا واقعهم الذليل وأن يبدلوا ذلهم عزة، وهزيمتهم نصراً، وعلموا أن السبيل الوحيد لذلك هو الجهاد في سبيل الله.
مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالجهاد واختباره لهم
هذه إذاً قصة بداية الصحوة في هذه الفترة، استيقظت العقيدة في نفوس وجهائهم، وكانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي خلفه نبي، ولا شك أن شدة الذل والاستضعاف يولد في النهاية التحدي، وإرادة التغلب والإنقاذ من هذه الورطة التي يعيش فيها المستضعفون، وهذا النبي الذي لا نعلم اسمه كان معهم في فترة الاستضعاف، وليس من المهم معرفة اسمه ولذلك أبهم في الكتاب العزيز فقال الله: إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ [البقرة:246] ليس المهم ما هو اسم النبي، المهم أنهم قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، أرادوا أن يقاتلوا مع ملك ولم يريدوا أن يقاتلوا مع النبي.
ولما كان النبي فيهم -هذا- يعلم طبيعتهم المائعة، وهمتهم الرخوة، وأنهم لو أمروا بالقتال فسوف يرتدون عنه، وينكصون ويقعدون، قال لهم يريد التأكد منهم: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]؟ يريد التأكد من هذه الهمة وهذه الروح الجهادية التي استيقظت الآن؛ لأنهم قالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] يعني: القوم يريدون الجهاد، وهذا النبي الكريم يريد أن يتأكد من حالهم، فقال: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]؟ فأظهروا الإيمان، وحب الجهاد، وإرادة الخلاص من الذل والصغار، ولكنهم في أول اختبار ظهرت طبائع نفوسهم التي امتلأت بحب الدنيا والظهور فيها، وعدم التسليم لأمر الله تعالى.
هم طمأنوا نبيهم أنهم سوف يقاتلون ولا يتخلفون، وإنما فقط الذي يمنعهم من عدم الجهاد هو عدم وجود ملك، فلو وجد ملك سيسارعون للقتال، وبينوا له الباعث القوي للقتال وقالوا: إنه الذل الذي يعيشونه: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246].
فلما سمع نبيهم بذلك، ولاحظ حماستهم، واندفاعهم، جاء الوحي من الله تعالى بأن الملك الذي عينه الله لقيادتهم في الجهاد هو طالوت ، وأنه هو الذي سيقودهم إلى النصر والعزة وتحرير أرضهم من المغتصبين، لكن هؤلاء القوم لم يتخلصوا من حب الدنيا أبداً، ولذلك في أول اختبار بمجرد أن أعلمهم باسم الملك الذي سيقودهم قالوا: أنى يكون له الملك علينا؟ اعتراض أولي وفوري، اعتراض على اسم القائد، لماذا فلان؟ بدلاً من أن يسلموا لأمر الله جاءت الطبيعة اليهودية -كما مر معنا في قصة البقرة- لتعترض: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ [البقرة:247].
بعد أن استعدوا قبل قليل للقتال إذا بهم يعترضون على القائد الذي عين من عند الله تعالى لأنه قال: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً [البقرة:247] فلم يكن منتخباً منهم أو معيناً من نبيهم فقط وإنما كان من الله، وهذا الاعتراض ولا شك كان دليلاً واضحاً على تلكؤ القوم في تنفيذ الأوامر.
وتمضي القصة لتبين بأنهم فوجئوا إذ كانوا يتوقعونه ملكاً قادماً من بيت الملك، وأن طالوت ليس من بيت الملك، ثم إنه فقير، وبين القوم تعلقهم بالدنيا بقولهم: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247] فعجب النبي لموقف القوم الذين كانوا يريدون ملكاً يقاتلون وراءه، فبين لهم نبيهم المواصفات التي تؤهله للملك، وأنه أنسب الناس حسب الميزان الرباني: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ تمكناً منه وَالْجِسْمِ يعني: قدرة على القيادة وتحمل أعباء القتال: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247] وأراد نبيهم أن يبين لهم بالتأكيد آية وعلامة على صحة تولي هذا الملك عليهم فقال لهم: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248] يأتيهم التابوت بدون قتال ولا حرب، ستحمله الملائكة وتأتي به إليهم، وهذا دليل على أن طالوت هو الملك من عند الله، والسكينة: هي الراحة والرضا واليقين، وفي هذا التابوت أشياء مادية ورثوها عن آل موسى وآل هارون.

خروج طالوت بقومه للقتال واختباره لهم :
ولما جاءت الآية سلم القوم مكرهين ووافقوا على تملك طالوت ، وتسلم الملك والسلطان، وعبأ قومه للقتال وجهزهم لمحاربة الأعداء، ولما خرج بهم للمعركة الفاصلة أراد أن يختبر حماستهم وطاعتهم، وأن يبلو هذا الفورة التي حصلت في البداية؛ لأنه لا بد قبل المعركة من اختبارات للتأكد من حماسة الجند واستعداداتهم للمواجهة، لا بد من اختبارات صغيرة قبل الاختبار الكبير، فلما فصل بهم وغادر البنيان والعمران قال: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ [البقرة:249] فعندما تمرون عليه لا تشربوا منه، فمن خالف أمري فليذهب عني وليس من جيشي ولا يتبعني؛ لأنه ليس جندياً يستحق أن يكون في هذا الجيش، لكن الذي لم يشرب والتزم الأمر وأطاع فإنه يبقى معي ويقاتل.
ثم إنه أراد أن يجعل فرجة وفسحة في الأمر لأن في القوم عطشى قال: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249] يبل بها فمه ويطفئ عطشه، ولما وصلوا النهر عصوا طالوت وشربوا منه إلا قليلاً منهم التزموا الأمر وأطاعوه.

الاختبار الثاني لأصحاب طالوت
ترك طالوت جموع العصاة المخالفين وسار بالقلة الباقية المطيعة حتى وصل بهم إلى أرض المعركة، فلما نظر جنوده إلى جنود الأعداء خافوا قتالهم، وجبنوا عن مواجهتم، وكان أعداؤهم الكفار بقيادة جالوت الكافر، وكانوا أكثر عدداً منهم، فهنا حصل امتحان آخر قبل أن تنشب المعركة وهي أن بعضهم قالوا: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249] وهم الأكثرية، ولا قدرة لنا على حربهم، وبعضهم -هؤلاء الخائفون- جبنوا عن المعركة، وبقي مع طالوت من القليل الأول قلة وهم الذين يظنون أنهم ملاقو الله، وهؤلاء القلة: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249] دخلوا المعركة مؤمنين بالله، صابرين على بلواه، وبدأت المعركة، فطلبوا النصر من الله واستغاثوا به وتضرعوا إليه وقالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] وحقق الله وعده، وأنزل نصره، فهزموهم بإذن الله، وبرز في المعركة داود عليه السلام ولم يكن نبياً ولا ملكاً وقت ذاك، برز بقوته وشجاعته وقتل جالوت وآل إليه الأمر بعد طالوت ، ومن الله على داود بالملك والحكمة، وعلمه مما يشاء.

وبعد هذا الملخص للقصة نأتي إلى ذكر بعض الفوائد والدروس المأخوذة منها:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] كما قلنا في البداية: إن مرحلة الاستضعاف تولد التحدي، وإن شدة الطغيان من الأعداء لا بد أن يوقظ أشياء في بعض النفوس، وتنتفض العقيدة في القلوب، ويستيقظ الإيمان، وهذا ما هو موجود الآن في المسلمين، فإن المسلمين اليوم يعيشون -ولا شك- مرحلة استضعاف كبرى، فقد تسلط عليهم الأعداء من كل جانب، ولا شك أننا في هذه المرحلة ينبغي أن نستلهم بعض ما في هذه القصة من الفوائد التي تعين على مواجهة الاستضعاف الذي نعيشه في هذه المرحلة.
لا شك أن التحدي يجب أن يكون موجوداً في نفوسنا، وينبغي علينا ونحن نعيش في هذا الذل الذي فرضه علينا أعداؤنا أن نسعى للخلاص منه، لا يصح أن نستسلم للواقع بأي حال، ولذلك قالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] فإذا وضحت النية، ووضح الطريق من أن الجهاد في سبيل الله هو سبيل الخلاص من الذل، عند ذلك ينقطع نصف الطريق إلى النصر، فإن الهدف لابد أن يكون واضحاً فلا يغشاه الغبش الذي لا يدري معه الشخص أين يسير.
الاعتداد في الملك والقيادة بالعلم والقدرة
ولما أنهكت الحروب وقهرت الأعداء أولئك القوم، سألوا نبيهم رجلاً يقاتلون وراءه، وعندما قال لهم نبيهم: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] ما الذي يمنعنا من القتال ونحن نعيش في غاية الذل، وما فائدة العيش؟ فنلاحظ هنا -أيها الإخوة- أنهم أول ما تولوا عندما أنكروا إمرة طالوت ، كانوا يتوقعون شخصاً، وإذا بشخص آخر يخرج، وأظهروا التولي عن طاعته من البداية أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247] ولذلك لا بد أن يتأسس في النفوس الميزان العقدي الإيماني الرباني للاصطفاء، ولا يجوز أبداً أن ننظر إلى قضية المال على أنه ميزان أو على أنه ميزة: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247] إذاً هو فقير، قال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:247] طعنوا في طالوت لأمرين:
الأمر الأول: أنه ليس من بيت ملك.
والثاني: لأنه فقير. والله تعالى رد هذه الشبهة بقوله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:247] وقوله: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] بينت الآية أن للقائد صفتين مهمتين:
الأولى: العلم.
والثانية: القدرة: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] فأول صفة من صفات القائد: العلم، والصفة الثانية: القدرة، ولا يستحق أن يكون قائداً ملكاً عليهم إلا إذا جمع بين العلم والقدرة.
هذا العلم والقدرة أهم من الجاه والمال، لكنهم اعترضوا وقالوا: هذا ليس بذي جاه: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ [البقرة:247] والاعتراض الثاني: أنه فقير: وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247] فرد الله عز وجل عليهم بصفتين أهم من الصفتين اللتين اشترطوهما هم وفكروا فيهما فقال لهم: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] فلماذا كان العلم والقدرة أهم من الشرف والمال، وأهم من النسب والمال، وأهم من الجاه والمال؟ لأسباب:
أولاً: أن العلم والقدرة من باب الكمالات الحقيقية، فهما: كمال حقيقي أن يوجد في الشخص علم وقدرة بخلاف الجاه والمال.
وثانياً: أن العلم والقدرة من الصفات الذاتية للشخص، بخلاف الجاه والمال الذي هو أمر منفصل عن الإنسان، فإن الإنسان قد يكون بغير جاه ولا مال ثم يكتسب جاهاً ومالاً، يكتسبه من شيء خارجي، لكن العلم والقدرة صفات ذاتية في الشخص لا تنفك عنه.
ولذلك من الأسباب أن العلم والقدرة لا يمكن سلبهما عن الإنسان، لكن المال والجاه يمكن سلبهما عن الإنسان.
وكذلك فإن العالم بأمر الحروب القوي الشديد على المحاربة، يحصل الانتفاع به في حفظ البلد ودفع شر الأعداء أكثر من الانتفاع بصاحب النسب والغني إذا لم يكن عنده علم ولا قدرة على دفع الأعداء.
الله خالق أعمال العباد
وقوله تعالى: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] يدل على خلق الله لأعمال العباد وأنها من عنده، الله خلق فيه العلم، وخلق فيه البسطة في الجسم، قال بعضهم: إن المراد بالبسطة في الجسم طول القامة، وأنه سمي طالوت لأنه كان طويلاً وأن (طالوت) مبالغة من الطول، ولكن هذا ليس صحيحاً فإن طالوت اسم أعجمي وليس مشتقاً من الطول، ولذلك فإن القول الراجح في البسطة التي آتاها الله طالوت أنها القوة والشدة، فالمراد بها القوة ليس الطول ولا الجمال وإنما القوة.
ولا شك أن العلم والقوة أجل صفات القائد، والله يؤتي ملكه من يشاء ولا يعترض عليه أحد: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247] وتأمل كيف ختمت الآية بصفتين من صفات الله مناسبة لما في الآية فقوله: وَاللَّهُ وَاسِعٌ [البقرة:247] هذا مقابل لقولهم: إنه فقير ولم يؤت سعة من المال فقال: الله واسع الفضل، أنتم طعنتم فيه لكونه فقيراً والله واسع الفضل والرحمة، والله يعلم أن القيادة لا تتأتى بالمال، والله قادر أن يفتح عليه من أبواب الخير والسعة ما يريد، والله عليم فعلم هذا الشخص، وعليم في من يصلح للقيادة، وعليم باصطفائه واختياره سبحانه وتعالى.
أخذهم الجلال والهيبة والوقار من التابوت
وفي قوله: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ يعني: علامة ملكه: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ وهو صندوق التوراة: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ الجلال والوقار والهيبة: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ لا يهمنا ما هي هذه البقية، هل هي عصا موسى؟ هل هي بقية الألواح التي تكسرت؟ ما هي هذه البقية؟ الله أعلم: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248] في هذه الخارقة التي هي علامة ملكه.
النصر يكون ببذل الأسباب الشرعية
وكذلك فإن في قوله: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ [البقرة:249] قد ورد في الحديث عدد هؤلاء، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء ، وروى ابن جرير أيضاً عنه قال: (كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جازه معه إلا مؤمن) فإذاً كم عدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر؟ ثلاثمائة وبضعة عشر شخصاً مثل عدد المسلمين في بدر .
ولما غلبت الفئة القليلة في بدر الفئة الكثيرة وهم المشركون كان هذا مثالاً آخر مضافاً إلى الأمثلة التي سبقت مثل قصة طالوت على القاعدة العظيمة التي ذكرها الله بقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] وانكسر العدد الكبير أمام العدد اليسير، وفي هذا دليل على أن الإيمان في المعركة هو المرجح، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: [إنما تقاتلون بأعمالكم] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) فإذا كانت الأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والتوكل ضعيف، والتقوى زائلة فلا سبيل إلى النصر البتة فإن الله ذكر أسباب النصر فقال: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200] وقال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [المائدة:23] وقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] وقال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40] وقال: إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45] فهذه أسباب النصر وشروطه لما كانت معدومة، وضعيفة وضئيلة لذلك لم يأت النصر، وانحسر سلطان المسلمين.
قال القرطبي رحمه الله في وقته -وكان وقت قوة للنصارى، في أواخر العهد الأندلسي- قال: فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا، بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره، ولا من الدين إلا رسمه لظهور الفساد، ولكثرة الطغيان، وقلة الرشاد، حتى استولى العدو شرقاً وغرباً، براً وبحراً، وعمت الفتن، وعظمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم.
العبرة ليست بكثرة العدد
وفي قوله تعالى: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249] أراد عز وجل أن يقوي قلوب هؤلاء الذين قالوا هذه الكلمة بقوله: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249] فالعبرة ليست بكثرة العدد ولكن بالتأييد الإلهي، ولذلك إذا جاءت الهزيمة فلا ينفع كثرة العدد، وإذا جاء النصر فلا يمنعه قلة العدد.
قيمة اللجوء إلى الله ودعائه
وفي قوله تعالى: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] فائدة بلاغية بليغة وهي: أنهم طلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر أي: يغمرهم به من فوقهم؛ فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم من الأسفل، أفرغ علينا صبراً من فوقنا، يعني: أنزله علينا كثيراً عامراً كما يفرغ الإنسان الإناء كله: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا [البقرة:250] فسألوا الله تثبيت الظاهر والباطن، فإذاً إذا جاء الصبر من فوق، وثبات الأقدام من الأسفل جاء النصر.
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:250] المبارزة: أن يبرز كل واحد منهم لصاحبه في وقت القتال، نلاحظ هنا دور العلماء والأقوياء إيمانياً لما قالوا: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249] ونلاحظ تضرعهم إلى الله بإفراغ الصبر، وإنزال النصر، كما قال الله في آية أخرى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [آل عمران:146-147] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى ربه في هذه المواطن الشديدة، ويجأر إليه، ويلح عليه إلحاحاً شديداً، ولذلك كان يقول في معركة بدر : (اللهم بك أصول ..) كان يستنجز نصر الله وموعوده ويقول إذا لاقى العدو: (اللهم إني أعوذ بك من شرورهم، وأجعلك في نحورهم) وكان يقول: (اللهم بك أصول وبك أجول).
فالإفراغ: هو الصبر وإخلاء الإناء مما فيه: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] المبالغة في طلب الصبر من وجهين: الأول: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه: أَفْرِغْ عَلَيْنَا [البقرة:250] يعني: صبه علينا صباً بحيث لا يخرج بل يبقى مستقراً في أنفسنا.
والثاني: إفراغ الإناء هو إخلاؤه، معنى ذلك: صب كل ما فيه، ولذلك سألوا صبراً كثيراً وداخلاً ولذلك قالوا: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] وهذا أبلغ من قولهم: صبرنا فالإفراغ إذاً طلب الكثرة من الصبر، وأن يكون فيه -داخله- ممتلئاً بحيث إنه لا يخرج منه.
الصبر واتخاذ الأسباب المادية عند لقاء العدو
وكذلك فإنه يتبين أن من الأمور المطلوبة عند المحاربة:
أولاً: أن يكون الإنسان صبوراً.
كذلك أن يكون قد وجد من الآلات والأدوات ما يعينه على المواجهة.
ثالثاً: أن تزداد قوته على قوة عدوه؛ فيحصل عند ذلك الانتصار، فأما الأولى فهي المذكورة في قوله تعالى: أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً [البقرة:250] والثانية: وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا [البقرة:250] والثالثة: وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250] فإذا تحقق الصبر وثبات الأقدام والغلبة -الزيادة- على العدو -الزيادة العامة- يحصل الانتصار.
فضل داود عليه السلام
وقوله تعالى: فَهَزَمُوهُمْ [البقرة:251] يعني: هزم هؤلاء الأقلون أولئك الكثيرين: بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:251] يعني: ليس بقوتهم ولا بعددهم، وإنما بإذن الله فهو الذي شجع القليلين وخذل الكثيرين: وَقَتَلَ دَاوُدُ [البقرة:251] وهو واحد وفرد من جنود طالوت : جَالُوتَ [البقرة:251] وهو عظيم الكفار ومقدمهم وقائدهم: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:251] وقلنا المُلك: صار مَلك بني إسرائيل، والحكمة: هي النبوة، وعلمه مما يشاء: صناعة الدروع من الحديد ونحو ذلك.
ولا شك أن في ذلك دليلاً على شجاعة داود عليه السلام، وأنه قتل جالوت قتلاً أذل به جيشه وكسره وهزمه، فإنه إذا قتل ملك الجيش وقائدهم فإن ذلك أدعى لفرارهم وانحسار أمرهم، وهذه غنائم كثيرة ساقها الله تعالى بعد أن قتل جالوت ورزقها المسلمين.
في هذه الآيات تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم
وفي قوله تعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ [البقرة:252] تلك: إشارة إلى ما سبق ذكره في الآيات من إماتة الألوف منهم ثم إحياؤهم، وتمليك طالوت ، وإتيان التابوت، وانهزام جالوت وقتل داود له، وتملك داود، هذه آيات الله، أخبار غيب أخبرنا بها الله عز وجل: نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ [البقرة:252] ليس بالباطل: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252 ].
هذه الآيات تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها تسلية له، ومواجهة لأعدائه من الكفار والمنافقين، فكأنه يقول له: هذه آياتنا وهكذا نصرنا أولياءنا فاصبر يا محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنك لمن المرسلين المنصورين بإذننا.
ما ورد من الإسرائيليات لا يُستند إليه
وما ورد في الإسرائيليات في قصة طالوت وجالوت أشياء كثيرة جداً ولكنها رجم بالغيب، والله أعلم بصحتها، مذكور فيها أسماء، ومذكور فيها أشياء عجيبة، كما أنهم قالوا في إسرائيلياتهم أن داود رمى جالوت بحجر واحد كسر الخوذة التي على رأسه، ودخلت رأسه، وفتتت دماغه، وخرجت من الخلف، وأصابت وراءه ثلاثين رجلاً فقتلتهم، ثم تفتت الحجر، وأصابت كل قطعة من الحجر المفتت جندياً من جنود جالوت فقتلته، هذا شغل الإسرائيليات؛ ولذلك لا يعول عليها البتة.
ثم إن من الإسرائيليات الخطيرة جداً الموجودة عندهم في هذه القصة أنهم يقولون: إن طالوت بعد عدة محاولات حسد داود، قالوا: طالوت حسد داود وكاد له بعدة محاولات لقتله ولكنها فشلت كلها... إلى آخر القصة الباطلة، فلذلك لا يعول على الإسرائيليات البتة.
ثم إن هذه القصة التي فيها مبهمات يعني مثلاً: متى حدثت؟ وهو قال: مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] لكن بعد موسى بكم سنة؟ الله أعلم، ما اسم هذا النبي؟
الله أعلم.
ما تفصيلات السكينة والبقية التي ستكون في التابوت من آل موسى وآل هارون؟
لم يذكر.
ما اسم النهر؟ كم عدد الذين خالفوا وشربوا؟ كيف كانت نهاية طالوت؟ طالوت ماذا حصل له بعد ذلك؟
لم تذكر.
فإذاً كل شيء لم يذكره الله عز وجل فليس فيه فائدة لنا ولو كان فيه فائدة لذكره، وما ذكره يغني عما لم يذكر من التفصيلات.


مصدرها
https://audio.islamweb.net/audio/ind...ge=FullContent
الفقرتين الاولى والثانية فقط






 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:33 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #7


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي




# قصة ذي القرنين و يأجوج و مأجوج :


من قصص القرآن العظيمة التي قصها الله علينا في كتابه قصة ذي القرنين قال الله تعالى:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ۝ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ۝ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ۝ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ۝ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ۝ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ۝ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا )
[الكهف: 83-89] الآيات،

من هو ذو القرنين؟ هل كان نبيًا؟ هل كان رسولاً؟ هل كان ملكًا؟ أم ماذا؟

المعنى الإجمالي للقصة:
اختلف أهل التفسير في ذي القرنين:
فقيل: كان نبيًا، وهذا ضعيف، وقيل: كان ملكًا. واستغربه ابن كثير رحمه الله، فهو قول غريب جداً، قال ابن كثير: "والصحيح أنه كان ملكًا من الملوك العادلين". [البداية والنهاية: 2/103].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان ذو القرنين ملكًا صالحًا، رضي الله عمله، وأثنى عليه في كتابه". [البداية والنهاية: 2 /103].
وسئل علي بن أبي طالب  عن ذي القرنين؟ فلم يقل: لم يكن نبيًا ولا رسولاً ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا. [تفسير ابن كثير: 5/189].
وصحح الحافظ ابن حجر رحمه الله إسناد هذا الأثر في فتح الباري. [فتح الباري: 6/383].
ثم إن بعض الناس قالوا: إنه هو الإسكندر المقدوني الذي بنى مدينة الإسكندرية، ولكن هذا قول باطل.
قال ابن كثير رحمه الله: "وإنما نبهنا عليه -يعني على هذا القول- لأن كثيرًا من الناس يعتقدون أنهما واحد، وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره" أرسطو الفيلسوف، "فيقع بسبب ذلك خطأ كبير، وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول ذو القرنين كان عبدًا مؤمنًا صالحًا وملكًا عادلاً، وأما الثاني: فكان مشركًا، وكان وزيره فيلسوفًا" فإذًا أرسطو كان كافرًا، قال: "فأين هذا من هذا" أين ذي القرنين من الإسكندر المقدوني الذي كان وزيره أرسطو، "لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور"، هكذا قال ابن كثير رحمه الله. [البداية والنهاية: 2/106].
وكذلك رجح الحافظ ابن حجر أنه ليس الإسكندر، فقال: الحق أن ذا القرنين غير الإسكندر، واستدل بعدة وجوه: منها: إيمان هذا وكفر ذاك. [فتح الباري: 6/382].
إذا عرفنا أنه عبد صالح ملك عادل، وليس هو الإسكندر المقدوني، لماذا سمي بذي القرنين؟
قيل: لأنه كان له في رأسه شبه القرنين.
وقال وهب بن منبه: كان له قرنان من نحاس في رأسه، قال ابن كثير: "وهذا ضعيف".
وقال بعض أهل الكتاب: "سمي بذي القرنين؛ لأنه ملك فارس والروم، فلقب بهذا.
وقيل: لأنه بلغ قرني الشمس شرقًا وغربًا، وملك ما بينهما من الأرض، قال ابن كثير: "وهذا أشبه من غيره" يعني هذا أقرب إلى الصواب من غيره من الأقوال، وهو قول الزهري رحمه الله. [البداية والنهاية: 2/103].
إذًا اتسع ملك ذي القرنين يمينا وشمالًا، أو شرقًا وغربًا فسمي بذي القرنين، قيل: إنه ملك الأرض أربعة: اثنان مسلمان: سليمان ، وذو القرنين، واثنان كافران: إسكندر المقدوني، وبختنصر، والله أعلم.
أما بالنسبة لهذه القصة فإن الله : وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ[الكهف: 83]، إذًا حصل سؤال من أهل الكتاب للنبي عليه الصلاة والسلام وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف: 83]، "من" للتبعيض.
إذًا لن يقدم لهم كل التفاصيل وكل الأحداث، وإنما سيقدم لهم أهم الأشياء التي فيها عبرة وعظة، وكلمة: مِنْهُ تدل على ذلك، فليس هذا عرضًا مفصلاً دقيقًا شاملاً لسيرة ذي القرنين، وليس القضية فيها تفصيل واستيعاب، إنما الذي يعيننا هو مواقع العبرة والعظة، ومواقف الدروس والدلالات والفوائد، ولهذا فإن المسلم لا يبحث عن تفاصيل لا مستند صحيح لها، وإنما يكتفي بما عرضه القرآن الكريم والسنة النبوية، والتفصيلات التي أغفلها القرآن الكريم لا فائدة منها لنا، ولو كان فيها فائدة لذكرها لنا، ثم لا سبيل لنا للوقوف عليها بطريق صحيح، فلماذا نتعب أنفسنا في الجري وراءها، ومحاولة معرفتها.

الأخذ بالأسباب:
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ۝ فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف: 84-85]، إذًا أعطيناه ملكًا عظيمًا ممكنًا فيه، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ [الكهف: 84]، من جميع ما يؤتي الملوك ، فمثلاً الملوك يؤتون جنودًا وأسلحة وآلات حربية، ونحو ذلك من الأموال، إذًا كان عند ذي القرنين جنود، جيش، أسلحة، أموال، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ والتمكين له أسباب، إذًا توافر لذي القرنين أسباب التمكين، ولذلك ملك مشارق الأرض ومغاربها، ودانت له البلاد، وخضع له العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم، وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، من أسباب الملك والقوة، وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا[الكهف: 84] وطريقًا موصلا إليه، فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:85].
وهذه في الحقيقة فائدة عظيمة جدا، وآتيناه من كل شيء سببًا، يعني فتحنا له الطرق للحصول على أسباب القوة، يسرناها له من علم، وقدرة، وآلة، وعقل، فَأَتْبَعَ سَبَبًا، أي سلك السبل الموصلة إلى تحقيق أسباب القوة، والحصول عليها، إذًا فتح الله الطرق وهو سلكها، فالله يسر له الأمور لتحصيل أسباب القوة، وهو استثمرها، الله  أعطاه إمكانات واستعملها، وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ۝ فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف: 84-85].
وهذه هي الحكمة أن الإنسان عليه أن يستثمر ما آتاه الله من أمور؛ ليحصل على أسباب القوة، أعطاه الله أسبابًا موصلة، واستعان بذلك على قهر البلدان لتخضع لحكم الإسلام والتوحيد، وسهل الله له الوصول إلى أقاصي العمران، ففعلاً وصل إلى أقاصي العمران، وعمل بتلك الأسباب، هذه الأسباب التي ينبغي على من صارت بيده أن يستعملها لمرضاة الله، ونشر دينه، لقد أخذ ذو القرنين بالأسباب واستفاد مما منحه الله إياه من مظاهر ووسائل وطرق أحسن استغلالها وتوظيفها، فَأَتْبَعَ سَبَبًا كثيرون الذين يمنحهم الله أسباب القوة لكن لا يستعملونها في طاعة الله إذا استثمروها، وكثير منهم لا يستثمرها أصلا فعنده عقل لا يستعمله، وعنده مال لا يستثمره، وعنده طاقة بشرية تحته من أولاد وغيرهم أيضاً معطلة، لكسله وتواكله وتوانيه لا يستعمل هذه الأسباب، فلا يؤدي به ذلك إلى النجاح، وهذا درس بليغ ينبغي التوقف عنده والتفكير فيه.

رحلة ذي القرنين إلى المغرب والمشرق:
وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ۝ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ۝ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ [الكهف:84-86] نهاية الأرض من جهة المغرب، وهل لها نهاية من جهة المغرب؟ نعم اليابسة التي بعدها محيط، نهاية اليابسة التي بعدها المحيط من جهة الغرب، هذه النهاية هنا في هذا المكان لما نظر في تلك الجهة وصل إلى أقصى اليابسة من الجهة التي ما وراءها إلا الماء، ونظر في البحر وجد الشمسوَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف:83-89] حامية، حمئة قراءتان، فمعنى: كلمة حَمِئَةٍكثيرة الحمئة وهو الطين الأسود، وكذلك فإننا نقول: أيضاً إن هذا الغروب للشمس في العين الحمئة في نظر العين البشرية، يعني العين البشرية ترى الشمس تنزل في الماء إذا غربت، لكن هي في الحقيقة لا تنزل في البحر، لكن إذا نظرت إليها وهي تغرب في جهة البحر يتراءى لك أنها تنزل في الماء، فهذا معنى: وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ[الكهف:86] يعني فيما يتبادر للعيان، فيما يراه الشخص في المشاهدة البشرية في عينه المجردة، سيراها كأنها تغييب في الماء، وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا[الكهف:86] في تلك الجهة من أقصى المغرب إمام للعين، كانوا كفارًا فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم، فقال: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا[الكهف:86]، عذبهم بالقتل إن أردت، أو اتخذ فيهم أمرًا حسنًا بدعوتهم إلى الحق، وتعليمهم الشرائع، فاختار ذو القرنين دعوتهم إلى الله، لكن الذي يتمرد أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ [الكهف: 87]، بالقتل في الدنياثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ [الكهف: 87]،فيها عَذَابًا نُكْرًا [الكهف: 87] منكرًا فظيعًا بنار جهنم، وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا [الكهف: 86].
أمة من الأمم الأرض العظيمة، وكان الله قد مكنه فيهم، وحكمه فيهم، وأظفره عليهم، وخيره بين أن يقتل ويسبي، أو يمن ويفدي، فاختار الدعوة بالحسنى أولاً، لكن الذي لا يستجيب سيكون مصيره القتل، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ [الكهف: 88]، تابعنا على الدعوة، ودخل في الدين، ووحد الله عبده لا شريك لهفَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى [الكهف: 88]، الدار الآخرة بدخول الجنة، وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا[الكهف: 88].
بالنسبة لنا في الدنيا معروفًا وهذا يدل على أن ذا القرنين كان ملكًا، عادلاً، صالحًا، مؤمنًا بالبعث والحساب والجزاء، وأنه يعرف بأن القضية عند الله في النهاية عذاب أو نعيم، وهذا معناه أنه يسعى في مرضاة ربه ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ۝ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا [الكهف: 89-90].
قوم متخلفين جداً ما عندهم لا بيوت تقيهم من الشمس، ولا ملابس، عراة، وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترًا، فليس عندهم أي تمدن، لا يعرفون البيوت، ولا صناعة الملابس، كذلك معناه ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف: 89]، كذلك، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ[الكهف: 90].
فهو إذًا أتبع سببًا حتى بلغ مطلع الشمس، كما أتبع سببًا حتى بلغ مغربها، وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا [الكهف: 91] أحطنا بما عند مطلع الشمس علمًا، لا يخفى علينا علمًا بالخلق وأحوالهم، والناس الموجودين هناك، والأمم وأنواع البشر.

بناء السد ومنع يأجوج ومأجوج من الفساد:
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ۝ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الكهف: 92-93]، أتبع طريقًا ثالثًا معترضًا بين المشرق والمغرب، لا هو في الشرق، ولا في الغرب، لا في أقصى الشرق ولا في أقصى الغرب، حتى بلغ الجبلين العظيمين اللذين سد ما بينهما، وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا[الكهف: 93]، من وراء هذين الجبلين أمة لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الكهف: 93].
عندهم قلة فطنة، وقلة حيلة، وقلة تدبير، لغة غريبة أمة مجهولة، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ [الكهف: 89-97]، اشتكوا إليه شكوا حالهم، إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ۝ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [الكهف: 94-95].
فلما بلغ هذين الجبلين المتناوحين، بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على هذه البلاد فيعيثون فيها فسادًا، يهلكون حرثهم ونسلهم، كما ثبت في الصحيحين عن الأعداد الهائلة ليأجوج ومأجوج أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن الله تعالى يقول: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول الله : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا[الحج:2]، [رواه البخاري: 3348، ومسلم: 222].
هنا الصحابة أشفقوا، وصعب عليهم جداً، إذا كان البشر تسعمائة وتسعة وتسعين في النار وواحد للجنة، يعني: هذه النسبة.
إذًا ما هو المصير، فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام المشقة التي حصلت بوجوه أصحابه، وهذا الحزن لهذه المعلومة الخطيرة جدًا في نسبة أهل الجنة من أهل النار خفف ذلك عليهم ﷺ، وقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج[رواه الترمذي: 3169، وصححه الألباني صحيح الترمذي: 2534].
فإذا أردت أن تتصور هذه النسبة تصورًا صحيحًا فلا بدّ أن تدخل في الحسبة يأجوج ومأجوج، يأجوج ومأجوج هؤلاء أعداد رهيبة جداً، هؤلاء أعداد إذا جاؤوا إلى بحيرة طبرية يشربها أولهم فيقول آخرهم: لقد كان هنا مرة ماء، يعني: أول القوم يشربون البحيرة كلها، بحيرة طبرية كلها يشربونها، ولا تكفيهم بحيرة طبرية تكفي فقط أولهم، أما آخرهم فلا يجدون ماء يشربونه من هذه البحيرة، ولذلك فإن النبي ﷺ: ما كانتا في شيء إلا كثرتاه هؤلاء الترك القوم الذين وصل إليهم ذو القرنين اشتكوا من يأجوج ومأجوج، قالوا: يفسدون علينا يخربون يقتلون ينهبون،فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا [الكهف: 94]أجرة عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا[الكهف: 94] هذا استفهام على جهة التوسل، فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ، يطلبون منه طلبًا رقيقًا بأدب، عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا يعني: ردمًا، والردم يجعل بعضه على بعض حتى يتصل بحيث لا يستطيع هؤلاء أن يدخلوا من الثغرة التي بين الجبلين، فأنت تردمها وتشدها لنا، بحيث أنهم لا يستطيعون العبور إلينا، وفي هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، أن سجن المفسدين في الأرض في السجون أمر مشروع، والدليل تصرف ذو القرنين، فإنه بنى سدًا حبس يأجوج ومأجوج عن الخروج للإفساد، قالوا: وكذلك من هو معروف بالإفساد، يخرج من بيته للإفساد يخرب بين اثنين، بين جارين، بين زوج وزوجته، بين أب وابنه، يخرب علاقات تجارية بين شريك وشريكه، هذا يفسد فقط، يتلف يعتدي يغتصب، قالوا: هذا يسجن إذا ما يندفع شره إلا بالسجن يسجن، الدليل قصة ذي القرنين، إن هؤلاء القوم المساكين الضعاف الذين عجزوا عن صد هجمات يأجوج ومأجوج، والوقف في وجههم، ومنع إفسادهم، هؤلاء العاجزين عن الدفاع عن أرضهم ومقاومة المعتدين، لجؤوا إلى قوة خارجية إلى قوة ذي القرنين، يطلبون منه حل مشكلاتهم، والدفاع عن أراضيهم، قوم اتكاليون كسالى، أو أن عندهم أشياء من التخلف وعدم القدرة، ولذلك أوكلوا إلى ذي القرنين حل هذه المشكلة، وطلبوا منه ذلك، وما أشبه هؤلاء بعرب اليوم، الذين يريدون من الأجانب أن يحلوا مشكلاتهم، وعلى رأسها مشكلة فلسطين، وأن يحولوها إلى الأمم المتحدة، ومجالس الأمن، والمؤتمرات الدولية، ويبقون الكرة هناك ليلعب بهم، فهؤلاء الذين يطلبون حل قضيتهم من أولئك، ويقفون موقف المتفرج، يطلبون الرحمة ممن من الظالم الغشوم، يطلبون حل المشكلة ممن من الذي يعقدها، ويسومهم سوء العذاب، فما هكذا تحفظ الأوطان، ولا هكذا يصد اعتداء اليهود، ولا هكذا تبطل المكائد، لقد أراد هؤلاء من ذي القرنين أن يقوم بالمهمة نيابة عنهم، ويمنع الاعتداء، وقالوا: نعطيك فلوس أجرة.
فهل قبل ذو القرنين هذه الأموال كلها؟ وإنما: قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ[الكهف: 95]، الذي مكنني فيه من أسباب القوة، وجعلني فيه قادرًا على المال، والملك، والجند، والقوة، وسائر الأسباب خير مما تريدون أن تبذلوه لي من الخرج، فلا حاجة لي به، لكن هنا تبرز الموهبة العظيمة لذي قرنين في استثمار الطاقات البشرية، وفي نقل الناس المتخلفين إلى ناس منتجين، وتحويل الناس الكسالى إلى قوم عاملين، قال: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ[الكهف:95] قوموا اشتغلوا معي، هيا انفضوا غبار الكسل والنوم، أعينوني بقوة، ثم وضع لهم مخطط العمل، وطلب منهم طلبات محددة، وأنت إذا أردت أن تنقل ناس كسالى من عالم الخمول إلى عالم العمل، ليس فقط أن تخطب فيهم خطبة عصماء، وتقول: ألا تريدون العمل، ألا تقومون يجب عليك القيام النشاط، وإنما تضع خطة، وتطالبهم بالعمل بناء على هذه الخطة، وهناك أهداف محددة، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ[الكهف:96] اجمعوا لي قطع الحديد، وذو القرنين عنده قوة ممكن يجمع بالاستغناء عنهم، لكن هو يريد أن يحول هذه الأمة الفاشلة، المتخلفة، الكسولة، إلى أمة منتجة، تساعد، وتعمل، وتشتغل، وتنتج، ولذلك قال: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ۝ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ[الكهف: 95-96].
هاتوا قطع الحديد راكموا بعضه فوق بعض، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [الكهف: 96]، فإذًا جمعوا قطع الحديد، وارتفعت القطع بعضها فوق بعض، وصارت كومًا كبيرًا، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [الكهف: 96] بين الجبلين، إذًا الثغرة هذه سدت، صار بين الجبلين كله قطع حديد، حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [الكهف: 96] ساوهما، أي الجبلين، قَالَ انْفُخُوا [الكهف: 96]، هذا عمل آخر، تؤججون نارًا، لكي ينصهر هذا الحديد، ويلتحم بعضه مع بعض، وإيقاد النار يحتاج إلى نفخ بالمنافخ، حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا[الكهف: 96].
إذًا قَالَ انْفُخُوا [الكهف: 96] على قطع الحديد هذه بالكيران الكيران التي فيها إيقاد النار، واشتعال مزيد من الاشتعال، حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ[الكهف: 96]، أي: هذا المنفوخ جعله نارًا تتأجج، لقد وضعت قطع الحديد، ثم أوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى حميت، والحديد إذا أوقد عليه، ماذا يصبح كالنار، حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا[الكهف: 96] ما هو القطر؟ النحاس المذاب، وهذا النحاس المذاب سيغلف هذا السد الحديدي الذي انصهر فكان قطعة واحدة، التحم بعضه ببعض من الحرارة، ثم أفرغ عليه النحاس المذاب.
قال علماء المعادن: إن الحديد المغلف بالنحاس المذاب سبيكة قوية جداً من أقوى السبائك التي يعرفها البشر، إن اقتحام جدار من حديد ملبس بالنحاس من أصعب الأِشياء، فإذا أردت سبيكة قوية جداً فإن هذا الذي علمه ذو القرنين بأولئك القوم المتخلفين هذا النحاس المذاب المصبوب على الحديد، آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا[الكهف:96] ما هي النتيجة؟ النتيجة الوصول إلى سد عظيم غير قابل للاختراق، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ [الكهف:97]، لم يستطيعوا أن يتسلقوه وينزلوا من فوق، وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف: 97] لا استطاعوا أن يتجاوزوه، أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا[الكهف: 97] أيهما أصعب أن يظهروه أو أن ينقضوه؟ أيهما أسهل؟ فَمَا اسْطَاعُوا، وَمَا اسْتَطَاعُوا الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى، استطاعوا أبلغ من اسطاعوا، قال: فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا[الكهف: 97].
فإذا عرفت أن استطاع فيها مزيد قدرة على اسطاع، فمعنى ذلك أن النقض أصعبفَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًاإذًا هكذا سيكون الحال إلى ظهور يأجوج ومأجوج، الذين يحفرون في السد كل يوم حتى يقول الذي عليهم: ستحفرونه غداً -إن شاء الله-، فينقبوه ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، وتحدث المصائب العظيمة، حتى يأذن الله بهلاكهم.

خروج يأجوج ومأجوج:
إذًا من يوم ما جعل هذا السد عليهم ذو القرنين ويأجوج ومأجوج يوميًا يحاولون حفر السد، وكلما فتحوا فيه فتحة صغيرة بعدما يتعبون الحفر آخر النهار، يرجعون للاستراحة، فتنغلق بإذن الله، كل يوم يريدون أن يفتحوا فيها فتحة بعد التعب الشديد يذهبون للراحة فتنغلق بإذن الله، وعليهم قائد، فإذا جاء يوم خروج يأجوج ومأجوج حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ[الأنبياء:96] فالشخص القائد منهم سيقول لهم: غداً ستحفرونه إن شاء الله، فلما يقول: إن شاء الله سيحفرونه فعلاً، ويخرجون على الناس، فماذا سيحدث إذا خرجوا على الناس؟ وماذا سيكون حال المسلمين في ذلك الوقت؟
الجواب: يكون المسلمون قد انتهوا لتوهم من الدجال، والملاحم العظيمة، وقال النبي ﷺ: ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه ، أي من الدجال، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، إذًا هؤلاء قوم من الصامدين المسلمين المحسنين أبلوا بلاء حسنًا، عيسى مكافأة لهم على ثباتهم سيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك بعد الانتهاء من الفتنة العظيمة جداً، بعد الانتهاء من قتال الدجال مع اليهود، بعد الانتهاء من الملحمة الكبيرة، والفتنة التي عمت الأرض الدجال، والقضاء على الدجال، بينما عيسى مع أصحابه المسلمين إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم لا يدان: يعني لا استطاعة.
فإذًا كيف يعرف عيسى أن يأجوج ومأجوج نقضوا السد وخرجوا على العالم؟ بوحي من الله، يقول الله لعيسى: لا يدان لأحدلا استطاعة لأحد بمقاومتهم، فحرز عبادي إلى الطور اذهب وأنت المؤمنون معك يا عيسى كلكم إلى جبل الطور، وتحصن هناك، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [الأنبياء: 96].
كل طريق وكل ممر في الأرض يأجوج ومأجوج يخترقونه ويمرون عبره، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم يعني في شدة وقلة في الطعام، حتى يكون راس الثور خير من مائة دينار الدينار أربع غرامات وربع من الذهب، يعني: رأس الثور أحسن من نصف كيلو ذهب، قال: فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله بالدعاء، فيرسل الله عليهم النغف على يأجوج ومأجوج، والنغف ديدان تكون بأنوف الغنم عادة، مثل الديدان هذه الصغيرة تبعث على رقاب يأجوج ومأجوج، تتسلط عليهم بأمر الله، الديدان تأكل في رقاب يأجوج ومأجوج، ولا يستطيعون الخلاص، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة كلهم، ولك أن تتخيل الأرض مليئة بجيف يأجوج ومأجوج كلها، من فتنة يأجوج ومأجوج: أنهم يرسلون بسهم إلى السماء، فترجع إليهم مخضبة بالدم بإذن الله، فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء [رواه ابن ماجة: 4079، وصححه الألباني صحيح ابن ماجة: 3297].
فتنة، فيبعث الله الديدان عليهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يقول المسلمون بعضهم لبعض: من الذي يستطلع لنا ماذا حصل ليأجوج ومأجوج؟
فيتطوع واحد من المسلمين يوطن نفسه على أنه ميت، يعني: ميت بائع نفسه ينظر الخبر، قد يستطيع أن يخبرهم ما حصل ليأجوج ومأجوج أو لا يستطيع، المهم أنه وطن نفسه على الموت، وطلع فإذا بالأرض مملؤة بالجيف، قال: ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم الأرض الآن صارت غير قابلة للعيش عليها، لأنها كلها مليئة بجثث يأجوج ومأجوج المنتنة، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، إذًا يتضرعون إلى الله، ويدعون، ويطلبون، ويلحون بتخليصهم من هذا التلوث الذي لوث الأرض كلها، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت كبيرة، فتحملهم تحمل جثث يأجوج ومأجوج فتطرحهم حيث شاء الله، يعني: في البحر، ثم يرسل الله مطرًا الآن لابدّ من غسل الأرض بعد إزالة الجثث والجيف، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، يعني: هذا المطر يخترق كل شيء حتى ناطحات السحاب، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة [رواه مسلم: 2937].
ثم بعد ذلك يكون ما يكون من ظهور البركات وحكم الأرض بالشريعة، وحصول الخير العظيم والسلم، تصبح الأرض كلها فيها سلام، هنا يحدث السلام العالمي في ذلك الوقت، إذًا السلام العالمي في عهد عيسى ، قبل عهده  الجهاد ماض إلى يوم القيامة.

الفوائد المستفادة من القصة:
إن هذه القصة العظيمة فيها تعليم العباد الأخذ بالأسباب.
وأن الله  يمكن للمؤمن في هذه القصة الانطلاق في الدعوة إلى الله شرقًا وغربًا، كما انطلق ذو القرنين يمينًا وشمالاً في الأرض يدعو إلى ربه، يركب البحر يجتاز القفار، هكذا ينبغي على الداعية لينشر دين الله، ذو القرنين أراد أن يخضع العالم للشريعة للإسلام للتوحيد، استثمار الطاقات في نصرة الدين.
درس واضح من قصة ذي القرنين إن البدء باللين، والبدء بالدعوة قبل القتال، هو المتعين.
إن الملك العادل متعفف عن أموال رعيته، قال لهم: قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ[الكهف: 95]، لا حاجة لي بأموالكم.
إن تعريف الآخرين ثمرة العمل ليعرفوا قدره مهم، ولهذا قال ذو القرنين بتواضع -هذا درس في التواضع أيضاً- لما اكتمل المشروع العظيم ببناء السد: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي [الكهف: 98]، فنسبها إلى الله لا إلى نفسه، ما قال: هذا بذكائي، بتخطيطي، هذا رحمة من ربي، ثم إن ذا القرنين مؤمن بالله واليوم الآخر، ولذلك لما بنى السد، قال: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [الكهف: 98]، فذكرهم باليوم الآخر، وما سيكون في آخر الزمان.
هذا ممكن مثال على الصدقة الجارية، لأن العمل الذي فعله ذو القرنين من منع الفساد على البشر مستمر إلى الآن، وبعد الآن، وإلى قيام الساعة، صدقة جارية، عمل سد منع الفساد، كم ألف سنة فساد يأجوج ومأجوج ممتنع عن البشرية، بسبب السد الذي أقامه ذو القرنين.
وهكذا تتخلد هذه الشخصيات بجميل الثناء، وجليل الآثار، يتركون وراءهم آثارًا حسنة، لماذا قال إبراهيم: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ[الشعراء: 84].
يثنون عليه في الأجيال المتأخرة، وهذا الحديث فيه دليل على أن السلطان يجب عليه أن يحمي الرعية، كما قال القرطبي رحمه الله وفي هذه الآية وهو في الأندلس، وكان النصارى قد اخترقوا بعض أماكن الأندلس، وتسلطوا عليها، واكتسحوا أسوار مدن إسلامية وداهموها: "في هذه الآية دليل على أن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسد فرجتهم، وإصلاح ثغورهم من أموالهم التي تفيء عليهم، وحقوقهم التي تجمعها خزانتهم، يعني بيت المال تحت يده، ونظره حتى لو أكلتها الحقوق وأنفذتها لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم، وعليه حسن النظر لهم".
يعني لو انتهى ما في بيت المال يقال للناس: تبرعوا لبيت المال، لأن هذا ينفق منه على تجهيز الجيوش، وعلى شق الطرق، وعلى إقامة السدود، بثلاثة شروط: قال القرطبي: "الأول ألا يستأثر عليهم بشيء"، يعني ما يأخذ لنفسه ويتركهم، الثاني: "أن يبدأ بأهل الحاجة فيعينهم"، يبدأ بالمحتاجين ينفق عليهم من بيت المال، "ثالثًا: أن يسوي في العطاء بينهم على قدر منازلهم". [تفسير القرطبي: 11/60].
وهكذا ذو القرنين قال: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ[الكهف:95]، واخدموا بأنفسكم معي.
وكذلك فإننا رأينا في هذه القصة العفاف الذي تمتع به، وكيف وضع الخطة لهؤلاء، لتعليمهم واستثمر الطاقات البشرية، وعلم الصنعة لأناس لا يحسنون الصنعة، علمهم صنعة كاملة.
هذه القصة فيها درس للمسلمين كيف يأخذون بأسباب القوة؟ فيها درس كيف يتغلبون على الغول اليهودي؟ كيف أنه لا يجوز للأمة المسلمة بحال أن تقف عاجزة مكتوفة اليدين أمام الخطر الذي يتهددها، إن اليهود مفسدون في الأرض، نقول كما قال القوم: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ [الكهف: 94].
فنقول: إن اليهود مفسدون في الأرض، فيجب الوقوف أمامهم، فإن أسلحة الشجب والاستنكار، والشكوى، ومناشدة محبي الخير في العالم، والشرفاء في العالم، والطلب من الأجانب للتدخل لا يمكن أن يحل القضية، إنما هو سراب وأوهام، إن القضية ليست بمؤتمرات دولية، ولكنها بجهاد في سبيل الله، ولا ينقذ الأمة إلا العمل الجاد الصائب الصحيح، والأخذ بالأسباب أسباب القوة، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ [الكهف:95]، وأن يتعاون المؤمنون فيما بينهم، وأن يكون هناك قيام لله بالجهد المطلوب أما العجز والكسل، استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام: أعوذ بك من العجز والكسل [رواه البخاري: 2823].
فهذا لا يورد الأمة إلا الأماني والأحلام الخادعة، ولا يفيد شيئًا، وبهذا عرفنا سيرة هذا الإمام العادل، والملك العظيم، ذو القرنين رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه خير الجزاء، وصلى الله على نبينا محمد.


مصدرها
https://almunajjid.com/courses/lessons/161







 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:36 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #8


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة موسى والخضر عليهما السلام :

وهذه قصة عظيمة من قصص الأنبياء، قصة موسى صلى الله عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع نبي الله الآخر الخضر ، وفي سورة الكهف عرض لهذه القصة في آيات من كتاب الله، وسيقت هذه القصة ببيان أكمل، وتفاصيل أوفى في أحاديث رسول الله ﷺ؛ لأن السنة هي المبينة للقرآن، والمفصلة لمجمله.
وروى هذا الحديث الإمام البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وها أنا ذا أسوق إليكم هذه القصة في البداية، حتى نكون على بصيرة فيما سنتعرض إليه من دروس وأحكام، وحكم من هذه القصة.
روى الإمام البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أنه قال: "إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال سلوني؟ قلت: أي أبا عباس جعلني الله فدائك بالكوفة رجل قاص يقال له: نوف، يزعم أنه ليس بموسى بنى إسرائيل"، وفي رواية: "أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن نوفًا البكالي يزعم: أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر".
والخضر سمي بهذا الاسم بالخضر: فتح الخاء، وكسر الضاد؛ لأنه كما ورد في الحديث الصحيح: أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء [رواه البخاري: 3402].
والفروة هي الأرض اليابسة، جلس الخضر  مرة من المرات على أرض يابسة بيضاء ليس فيها نبات، فإذا هي تهتز تحته بقدرة الله تعالى خضراء، معجزة للخضر ، فمن هذا الحادث سمي الخضر خضرًا.
فقال ابن عباس: لما سمع هذا الخبر أن نوفًا البكالي -وهو أحد القصاص الذين كانوا يحدثون الناس بأخبار الأمم السابقة- لما سمع هذا الكلام عنه "قال: كذب عدو الله"، وقد تتساءلون عن هذه الكلمة عدو الله كيف يكون ذلك؟ وذكر العلماء تعليلاً لهذه الشدة الواردة من ابن عباس، فقالوا: أن هذه الكلمة إنما أطلقها ابن عباس، ولم يرد معناها الحقيقي، وإنما وردت مورد التغليظ والزجر على ذلك الرجل الذي أخبر بشيء خلاف الثابت عن النبي ﷺ، زعم أن موسى الذي كان مع الخضر ليس هو صاحب بني إسرائيل موسى آخر، فقال في معرض الزجر، والتغليظ، وفي حالة غضب، وفي حالة الغضب يعذر الغاضب في بعض ألفاظه التي تخرج منه.
قال ابن عباس: سمعت أبي بن كعب يقول: سمعت رسول الله ﷺ: بينما موسى  في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله نعماؤه وبلاؤه.
وفي رواية: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل.
وفي رواية: موسى رسول الله ﷺ ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى يعني: موسى ، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا.
وفي رواية: فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه إن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي ربي كيف لي به؟ كيف أصل إليه؟ فقيل له: احمل حوتًا في مكتل.
وفي رواية: خذ حوتًا حتى تنفخ فيه الروح يعني: خذ معك نونًا، وفي رواية: خذ نونًا ميتًانون: يعني الحوت حيث ينفخ في الروح ، يعني: خذ معك حوتًا ميتًا فإذا بلغت في الطريق في مكان وأعيدت الروح لهذا الحوت فاعلم بأن الخضر في ذلك المكان الذي فقدت فيه الحوت، فقيل له احمل حوتًا في مكتل والمكتل هو الزنبيل فحيث تفقد الحوت فهو ثم يعني: فهو هناك الخضر، فانطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون وهذا يوشع نبي من الأنبياء، هو الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى، قام بها وقام بأمورهم، وكان نبيًا من أنبيائهم، وهو الذي حبست له الشمس، فقال لفتاه موسى  لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت يعني: ما أكلفك بشيء إلا فقط تخبرني متى نفقد الحوت، هذا الذي نأخذه معنا الآن، فقال له يوشع: ما كلفت كبيرًا، ما شققت عليّ بأمر كبير، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة، فبينما هو في ظل الصخرة، فرقد موسى وفتاه وفي أصل الصخرة عين يقال لها: عين الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيا، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، فتحرك فاضطرب الحوت في المكتل، وانسل من المكتل حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر قال: وأمسك الله عنه جريه الماء، حتى كان مثل الطاق، يعني: هذا الحوت وهو في الزنبيل أصابه شيء من ماء هذه العين التي تسمى عين الحياة، فلما أصابه هذا الماء رجعت إليه الحياة بإذن الله تعالى، فاضطرب في المكتل، ثم انقلب فدخل في البحر؛ لأنه كان على الساحل، فلما دخل في البحر اضطرب مرة أخرى، ثم سلك سبيله في البحر، فأمسك الله جريه الماء، حتى صارت على الحوت مثل الطاق، يعني: صار منفذ الحوت في البحر كأنه في حجر، يعني: محفور السرب هذا الذي دخل فيه الحوت كأنه محفور في الحجر، يعني: لما دخل الحوت ما رجع الماء مرة أخرى، وإنما بقي مثل لما ضرب موسى  البحر فانفلق فصار فيه طريقًا يبسًا، أمسك الله عن الماء خاصية الرجوع مرة أخرى.
فقال: حتى إذا كان مثل الطاق فقال: فتاه لا أوقظه كان موسى نائماً فقال: لا أوقظه حتى إذا استيقظ يعني: لما استيقظ موسى، نسي أن يخبره فكان للحوت سربًا، وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما ونسي صاحب موسى أن يخبره فلما أصبح موسى  قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا[الكهف: 62].
قال ابن حجر رحمه الله: ليلتهما بالكسر مضاف إليه، ويومهما بالنصب على إرادة سير جميع.
يعني: سير جميع اليوم، لما نقول في الرواية: فانطلق بقية ليلتهما ويومهما، فلما أصبح قال بعض الحذاق: فلما أصبح هنا تدل على أن في الرواية قلبًا، وعلى أن المفروض تصير الرواية يومهما وليلتهما، لأن الإصباح لا يكون إلا من ليل. [فتح الباري لابن حجر: 1/220].
يعني: بعد الليل، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى  قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا[الكهف:62]، قال: ولم ينصب يعني: موسى ما أصابه التعب طول السفر حتى جاوز المكان، ما ورد في الحديث أن موسى تعب من أول، وإنما لما فقد الحوت وسار بعدما فقد الحوت جاءه النصب والتعب.
قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا [الكهف: 63].
قال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا [الكهف: 64]، يعني: نحن نريد أن نفقد الحوت حتى نعرف المكان الذي نفقد فيه الحوت، فنعرف مكان الرجل الصالح الخضر  فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا [الكهف: 64].
يعني: يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب، وفي رواية: فوجدا خضرًا على طنفسة يعني: فراش صغير، خضراء على كبد البحر وكأنه أراد هنا ساحل البحر، فسلم عليه موسى ، وكان هذا الرجل الخضر  جعل هذا الثوب وغطى به نفسه جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ الخضر تعجبك من هذا السلام.
يعني: قال من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام؟ استغرب الخضر واحد يسلم عليه، والخضر يعرف أن هذه الأرض التي يوجد فيها ليس فيها السلام؛ لأن هذه التحية غير معروفة.
قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى احتمال أن يكون أهل تلك الأرض كفار، وفيه إيماء أيضاً إلى أن الخضر  لا يعلم من الغيب إلا ما يعلمه الله، إذ لو كان يعلم كل الغيب لما قال: موسى بني إسرائيل؟ [فتح الباري لابن حجر: 1/220].
يعني: لما استفهم من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك؟ وأن الوحي يأتيك يا موسى؟، ثم قال له الخضر: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه يعني: كل واحد فينا يا موسى اختص بشيء من العلم لا يعلمه الآخر.
قال بعض أهل العلم: وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك بينهما قدر مشترك من العلم؛ لأن هذا ضروري مثل العلم بالتوحيد هذا ضروري بالنسبة لموسى وبالنسبة للخضر، ولكن هناك علم آخر بجانب الأشياء الضرورية شيء عند الخضر وما يعرفه موسى، وشيء عند موسى لا يعرفه الخضر، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ۝ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ۝ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ۝ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [الكهف: 66-69].
قال له الخضر: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا[الكهف:70]، قال: نعم، يعني: وافق موسى على الشرط، فانطلقا موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهم أن يحملوهما كلم موسى والخضر كلما أصحاب السفينة أن يحملوهما إلى الجانب الآخر، فعرفوا الخضر أصحاب السفينة عرفوا الخضر فقالوا عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فحملوها بغير نول يعني: بغير أجر فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدوم فخرق السفينة فأس خرق به السفينة فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه، فخرقها ووتد فيها وتدًا، خرق السفينة وجعل مكان اللوح المقلوع جعله مكانه وتدًا، فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها، لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا[الكهف: 71].
يعني: أمرًا منكرًا فظيعًا، قال له الخضر: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 72]، هذا أول حادثة ألم نتفق قبل قليل على ألا تسألني عن شيء، ولا تعترض علي حتى أحدث لك منه ذكرًا، فقال موسى وكانت هذه المرة نسيانًا، فقال موسى: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا [الكهف: 73].
ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، وفي رواية: حتى إذا لقيا غلمانًا يلعبون، فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي فقتله وفي رواية: فأخذ الخضر برأسه فأضجعه، فذبحه بالسكين، فاقتلعه بيده فقتله، وفي رواية: فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا، فأضجعه فذبحه بالسكين، فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، فقال موسى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [الكهف: 74]، قتلت نفسًا من غير أن تقتل بغير حق، قال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 75].
قال: وهذه أشد من الأولى التي هي قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 62]؟ بزيادة لك، في الثانية قال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 75].
ولكن القول الآخر صحيح الذي هو أن القتل أشد من خرق السفينة، تنبه موسى لخطئه، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي [الكهف: 76].
فكانت هذه من موسى عمدًا، ما كانت نسيانًا شاف منكر فظيع، واحد يأخذ طفل ماله ذنب، ويذبحه، ويقلع رأسه، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا[الكهف: 76]، وصلت معي للآخر، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا [الكهف: 77].
وفي رواية: حتى إذا أتيا أهل قرية لئاماً فطافا في المجالس أو في المجلس فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما كانوا لئام لا يعطون الضيف حقه، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: 75]، يعني: يكاد أن يسقط، يقول الراوي: "مائل" قال الخضر بيده هكذا، قال سعيد ابن جبير -الراوي- "بيده هكذا ورفع يده، فاستقام" جدار مائل، يريد أن ينقض، فرفع يده فاستقام، وعقد الشنقيطي رحمه الله بحثًا نفيسًا في المجاز عند هذه النقطة، جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: 77].
قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ۝ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف: 77-78]، وكانت الثالثة شرطًا شرطه موسى، إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي [الكهف: 76].
فتحقق الشرط لأنه سأله ليش ما اتخذت عليه أجرًا، فتحقق الشرط، فقال له الخضر: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف: 78]، قال رسول الله ﷺ: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة [رواه مسلم: 2380].
الذمامة بمعجمة في البداية هي الحياء والإشفاق من الذنب، وبالمبهمة هي قبح الخلق، يعني: قبح الخلقة، والذمامة وهي الإحياء والإشفاق من الذنب، يعني: موسى أخذته من صاحبه ذمامة يعني ما يستطيع أن يكمل معه أكثر من كذا، بلغ الحد، فيقول : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى كان يقص علينا من أخبارهما.
وقال رسول الله ﷺ: كانت الأولى من موسى نسيانًا، ولما ركبوا السفينة جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، وهذا المثال لتقريب الأذهان ليس للمعنى الحقيقي به.
يعني: ليس أن علم موسى والخضر بالنسبة لعلم الله كقطرة في البحر، هو أقل من قطرة في البحر لا شيء لكن لتقريب الأذهان، أو مثل ما أخذ هذا العصفور من البحر، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [الكهف: 75]، فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها))، يعني: إذا شاهد العيب الذي فيها فيترك السفينة، فإذا جاوزها أصلحوها، فانتفعوا بها، وفي رواية: فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزوها، فأصلحوها بالخشبة، وأما الغلام، فإنه طبع يوم طبع كافرًا، يعني: أساس الغلام لما طبع طبع كافرًا، لما ولد طبع الله عليه أنه كافر، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك -يعني: كبر- أرهقهما طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۝ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا[الكهف: 80-81].
وفي رواية: كان أبواه مؤمنين، وكان كافرًا، فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، يحملهما حبه على أن يطاوعاه على دينه،وَأَقْرَبَ رُحْمًا [الكهف: 81]، يعني: أرحم بهما من الأول الذي قتله الخضر، وفي رواية: أنهما أبدلا جارية يعني: كان العوض عن هذا الغلام المقتول جارية مباركة ولدت لهما، ذكر في بعض الآثار: أنه ولد منها أنبياء قادوا بني إسرائيل، هذه ألفاظ البخاري [122، 3401، 4725، 4726، 4727]، ومسلم [2380]، سقناها مع اختلافها هنا.


مسائل تتعلق بقضية الخضر:
نتعرض بشكل سريع لقضية الخضر  في مسألتين:
المسألة الأولى: هل كان الخضر نبيًا أو وليًا؟
يعني: هل كان نبي أو رجل صالح؟
الراجح من أقوال أهل العلم أنه نبي، والدليل على هذا واضح في القرآن الكريم لما قال الله تعالى في القرآن الكريم: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[الكهف: 82]، يقول الخضر  لموسى : أن هذه الأشياء التي فعلتها ما فعلته عن أمري، إذاً عن أمر الله  ولاسيما قتل النفس البريئة.
الأمر الثاني: أن الله قال عن الخضر: آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65]، ووقعت الرحمة في آيات كثيرة بأنها النبوة، وصفت النبوة بأنها رحمة، والعلم اللدني هذا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65]، من لدن الله  أيضاً يشير إلى أنه نبي، وكذلك تواضع موسى  لهذا الرجل كيف يتبع النبي غير نبي؟ وكيف يكون غير النبي أعلم من النبي؟ فلا بدّ أن يكون الخضر نبيًا.
الأمر الثاني: هل الخضر حي أم لا؟
هناك آثار كثيرة جداً، ووردت عن حياة الخضر أنه ما زال حيًا إلى الآن، ولكن كل هذه الآثار ضعيفة.
قال ابن كثير رحمه الله: "ومن أوضح ما ورد فيه، يعني: ما ورد فيه حديث التعزية". [تفسير ابن كثير: 4/268]، أن رجلاً أو أن صوتًا عزى الصحابة بوفاة الرسول ﷺ بعد وفاته، قال الراوي: فكنا نرى أنه الخضر" لكن هذه الرواية ضعيفة، فلا تقوم بها الحجة.
أدلة أخرى: وساق ابن حجر رحمه الله عقد فصلاً بالخضر  في الإصابة في تمييز الصحابة، فصل طويل جداً ذكر فيه الروايات والآثار عن حياة الخضر، وعن موته، فليرجع إليها من شاء الاستزادة.
ولكن نسوق بعض الأدلة على أن الخضر قد مات يقينًا، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: 34].
يقول الله  للرسول ﷺ: مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنبياء: 34]، يا محمد الخلد، فكيف يكون للخضر الحياة إلى قيام الساعة، إن هذا يكون تخليدًا.
الأمر الثاني: أن رسول الله ﷺ قال في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهرها أحد[رواه البخاري: 116، ومسلم: 2537].
يعني: في يوم معين الرسول ﷺ قال: بعد مائة سنة من هذه الليلة لن يعيش أحد على ظهر الأرض، يعني: لن يعيش أحد من الناس الذين هم الآن أحياء، فلذلك كان ما عرف أنه بعد هذه المائة عاش أحد أكثر من هذه المائة، بعد هذه المائة يعني: كل الذين كانوا أحياء لما قال رسول الله ﷺ ما جاءت عليهم مائة سنة إلا وقد ماتوا قبل هذه المائة، أو عند المائة.
الأمر الثالث: قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ: 28]، الرسول ﷺ مرسل لجميع البشر، ومنهم الخضر، فلو كان الخضر علم بالرسول ﷺ لوجب إتيانه إليه، ولكن ما روي من وجه صحيح أنه أتى واجتمع بالرسول ﷺ إلا في وجوه ضعاف.
وقال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران: 81].
يعني: أخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء إذا بعث الرسول ﷺ أن يسلموا له، وينصروه، وما نقل أن الخضر جاء إلى الرسول ﷺ فآمن به، وبايعه، أو نصر الرسول ﷺ، قال في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني [أحمد: 15156 ، وقواه الألباني إرواء الغليل: 6/34]، والخضر ما نقل أنه اتبع الرسول ﷺ.
هنا يرد إشكال بسيط، وهو أن عيسى كان حي لما قال الرسول ﷺ: أرأيتكم ليلتكم هذه، لكن مع ذلك ما زال حيًا بعد المائة سنة؟
فنقول الجواب: على هذه الإشكال أن الرسول ﷺ قال في الحديث: ممن هو على ظهرها يعني على ظهر الأرض، أما عيسى في السماء، إذاً هو لا يدخل في الحديث.
الإشكال الثاني: الدجال الذي هو الآن حي وموثوق يعني بالحديد بالسلاسل في جزيرة من جزائر البحر، وهو الذي لقيه الصحابي لما هاجر من اليمن فتاه في البحر، فوجدوا الدجال هذا موثق في جزيرة من جزائر البحر الأحمر، أو المحيط الهندي الذي هو إذا خرج الإنسان من اليمن من الاحتمال أن يتوه في هذا البحر، أو في هذا البحر، فما هو الجواب؟
الشنقيطي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم أضواء البيان أجاب عن هذا بما ملخصه: أن النص الذي رواه الإمام مسلم أرأيتكم ليلتكمهذه نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص.
هذه القضية تفيدهم في أشياء كثيرة:
منها أنهم يزعمون التقاءهم بالخضر، وأنهم يأخذون أشياء عن الخضر، شرائع غير الشريعة الموجودة الآن، وهذا تبرير لهم لمخالفة شريعة الرسول ﷺ، يقول هذا أتانا من الخضر، أو التقينا بالخضر، فقال لنا: كذا وكذا، ويزعمون أيضاً أنه ولي وليس بنبي، لماذا؟ لأنهم يقولون: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي، يزعمون أن النبوة فوق الرسول وتحت الولي، يعني: الولي مقامه أعلى من النبي والرسول من ظلالهم، حتى يفتحوا الباب لتغيير شريعة الرسول ﷺ، وأن الأولياء يحق لهم التشريع، ويحق لهم الخروج عن شريعة الرسول ﷺ، ويحق لهم ترك العبادة إلى آخر ذلك، وكتبهم طافحة بذكر الأخبار المزعومة المنقولة عن الخضر.




مصدرها
https://almunajjid.com/courses/lessons/142
وناقص
الدروس والفوائد المستفادة من القصة:






 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:39 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #9


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة أصحاب الكهف :

قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ۝ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 9-10]،
وهذا النبأ العجيب الذي قصه الله  علينا في هذه السورة الكريمة في نصف القرآن الكريم، هذه السورة التي من قرأ فواتحها على المسيح الدجال عصم من شره، وذلك لما فيها من هذا النبأ الذي أخبرنا الله به.

الإلتجاء إلى الله:
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف: 10]، إنهم شباب صغار، فتية في ريعان الشباب، يجئرون إلى الله بالدعاء، أن يهيئ لهم من أمرهم رشدًا، أن يثبتهم ويحفظهم من الشر، وأن ييسر لهم كل سبيل يوصل إلى الخير، ويوصد عنهم كل طريق يأتي منه الشر، وفي هذا مشروعية الدعاء، في حال المحنة والفتنة العبد يلجأ إلى الله،فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام: 43].
وحال هؤلاء الفتية الذين فروا ولجوا إلى الله  يقولون: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10]، فجمعوا بين الفرار من الفتنة وبين التضرع، وسؤال الله أن ييسر أمورهم، إنهم لم يتكلوا على أنفسهم بل اتكلوا على ربهم ، وكان النبي ﷺ عندما اشتد به الأمر يقول: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك [رواه البخاري: 2915].
اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض [رواه مسلم: 1763]، وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه ﷺ، وكذلك موسى  لما اشتدت عليه الأمر، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۝ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[الشعراء: 61-62].
إبراهيم  لما جاءت اللحظة الحرجة، وألقي في النار قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173]، هذه الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها أصحاب محمد ﷺ حينما قيل لهم: إِنَّ النَّاسَ [آل عمران: 173]، أي: الكفار قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران: 173]، وسيعيدون الكرة عليكم بعد الهزيمة التي صارت في أحد، ويستأصلونكم.
لماذا يلجأ المؤمنون إلى الله في الشدة؟
لأنه هو كاشف الضر ، وإذا كان الله هو الذي يملك الخير، ويكشف الضر، ويجلب النفع، لا يفعل ذلك إلا الله، فلما لا يلتجئ العباد إليه في أوقات الشدة.

الفرار بالدين:
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا [الكهف:10].
إذًا هؤلاء فتية كانوا في بلد -أهل البلد على الشرك، بالقوة يحملون عليه حملاً- هداهم الله إلى التوحيد واحدًا بعد واحد، ما كانوا في عائلة واحدة، وإنما تعرف بعضهم إلى بعض، ما الذي جمعهم؟ التوحيد.
هؤلاء الفتية الذين اجتمعوا على الخير، واجتمعوا على الحق، هؤلاء لما رأوا اضطهاد قومهم، وأنهم سيحملونهم على الشرك بالقوة آثروا الفرار بدينهم، إن ترك البلد صعب، إن هجرة الوطن صعبة، إن مفارقة الأهل عسيرة، ولكن الله  ييسر على أهل الحق عندما يهاجرون ابتغاء وجهه، والذي عمله هؤلاء الفتية في الحقيقة هو نوع من الهجرة، لأنهم تركوا وطنهم لله، فارقوا بلدهم لله، تركوا أهلهم لله، وخرجوا اجتمعوا في ذلك المكان، والله  جعل قصتهم عبرة، وجعلها ممتدة موجودة في الأجيال، حتى سأل اليهود رسول الله ﷺ عن فتية كانوا في الزمن الغبار ما نبأهم؟ ما خبرهم؟ وما الذي جمعهم؟
الحق التوحيد الدين، هؤلاء القوم أرواح مجندة تعارفت فتآلفت، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ [الكهف: 13]، وصفهم بالفتوة، قال أهل العربية: رأس الفتوة الإيمان، ما معنى رأس الفتوة الإيمان؟ إن كلمة فتية من جموع القلة في اللغة العربية، وجموع القلة يعني: أقل من عشرة، قال : إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ، وفتية من صيغ جموع القلة، إنهم دون العشرة، وسيأتي في التحقيق أنهم سبعة، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا[الكهف: 10].
فالله ثبتهم، والله صبرهم، والله هداهم ودلهم على الحق والحقيقة، فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فهو الذي خلقنا، ورزقنا، ودبرنا، وربانا، ليست الأوثان، ولا الأصنام، لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا لو قلنا بمثل ما يقول قومنا لبعدنا عن الصواب، صارت القضية شطط، إن أصحاب الفطرة السليمة يستدلون بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ما دام الرب هو الخالق الرازق إذًا هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الكهف: 15].
يشكون إلى الله أمر قومهم المشركين، اتخذوا آلهة من دون الله بدون دليل، لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ [الكهف: 15] أين الدليل على أن هذه الأصنام آلهة؟ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ۝ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء: 72-73]، ما هو الحل إذًا إذا أطبقت الجاهلية على البلد، وصار الجميع على الباطل، ولم تنفع النصيحة، ولم تفد الدعوة، ولا يلد إلا فاجرا كفارًا؟ ما هو الحل؟ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الكهف: 16].
نحن نخشى على أنفسنا من قومنا، وقومنا لا يستجيبون، فما هو الحل؟ لو بقينا معهم فتنونا عن ديننا عذبونا، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الكهف: 16]، الهجرة ترك البلد وما يعبدون، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الكهف: 16]، فإنه معكم وأنتم معه تعبدونه، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف: 16].
إذًا هناك حسن ظن بالله أن الله لا يخيب من لجأ إليه، وأن الله لا يتخلى عمن آوى إليه، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ [الكهف: 16].
هذا هو حسن الظن بالله، وعدم اليأس من رحمة الله، قال: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا [الكهف: 16]، فهم يعتزلون أديان أهل الأرض إلا عبادة الله، وهم يتبرؤون من كل إله سوى الله، ويستشعرون معية الله للمؤمنين، ويدعون ربهم رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10].

عناية الله بهم في الكهف:
لما دخلوا إلى الكهف ليختبئوا فيه، ويأْوُوا إليه، والإنسان يحتاج إلى مأوى، ذهبوا إلى البرية فما الذي يحميهم من وحوش كاسرة، أو أعداء، أو يختبئون من قومهم؟
الحل هذا الكهف، ولكن الله  شاء أن يلقي عليهم النوم في الكهف، والله يلقي النوم على عباده للطمأنينة، كما ألقى النوم على الصحابة في بدر حتى أن ذقن أحدهم تضرب في صدره من النوم الذي نزل وغشيهم، وأصحاب الكهف ألقى الله عليهم النوم أيضاً، النوم راحة للأجساد، وطمأنينة للقلوب، ولذلك ألقى الله النوم على أصحاب الكهف، ولكن لا بدّ من حفظ بأسباب، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ [الكهف: 17].
فهي تميل يمينًا عنهم عن الكهف، وعند غروبها تميل شمالاً لئلا ينالهم الحر مباشرة، فتفسد الأبدان، وأين كانوا؟ في فجوة منه في متسع من الكهف؛ ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم التأذي بالمكان الضيق مع طول المكث، والله  يحفظهم بحفظه، فيسر لهم هذا الكهف، وجعل الشمس تميل عنهم يمينًا وشمالاً لئلا ينالهم حرها مباشرة، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف: 17].
وهذا الحفظ صار بالنسبة لهم نومًا، وأعينهم مفتوحة لم تنطبق لئلا يسرع إليها البلا، لأنها إذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها، ولذلك قال الله: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ[الكهف: 18]، فالأعين مفتوحة، وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف: 18]، فلو لم يقلبهم لأكلتهم الأرض، ولتعفنت أجسادهم، وهذا من حفظ الله لأبدان أوليائه الصالحين، الله يحفظ أولياءه، كما قال النبي ﷺ: يا غلام احفظ الله يحفظك [رواه الترمذي: 2516، وصححه الألباني صحيح الجامع: 7957].
فهؤلاء لما حفظوا الله حفظهم الله، فحفظ أبدانهم، وجعل لهم هذا الحارس على باب الكهف، وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف: 18].
فهو جالس خارج الباب، والملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة [رواه البخاري: 3225، ومسلم: 2106]، ولذلك لم يكن في الداخل، وإنما كان في الخارج، فأين هذا من الذين يقلدون الكفار اليوم بإدخال الكلاب إلى بيوتهم بدون حاجة، وإنما تقليد للغرب، وربما وقفت العروس بيدها باقة الزهور، وبيدها الأخرى حبل الكلب، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18].
ليس هذا بسبب أن شعورهم طالت جداً، أو أظفارهم طالت جداً كما يظن البعض، ولكن لأن الله ألقى عليهم هيبة، فلا يراهم أحد إلا خاف منهم، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ [الكهف: 18 ليس لارتعبت، وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18].
إذًا هذه المهابة والخوف الذي يلقيه الله في نفس من اطلع عليهم لئلا يمسهم بسوء، لو واحد جاء وألقى عليهم نظرة لفر فرارًا، وملأ رعبًا مما جعل الله لهم من الهيبة، ويحسبهم الناظر أيقاظ، حفظهم الله  بالرعب الذي نشره في قلب من يطلع عليهم.

خروجهم من الكهف:
وشاء بعد ثلاث مائة وتسع سنين أن يبعثهم من رقدتهم الطويلة، وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف: 19].
وهذا مما يدل على أن الله حفظ أشكالهم، لو كانت الأظافر طويلة جداً، والشعور طويلة جداً، إذًا لقالوا: نحن لبثنا عشرات السنين أو مئات السنين، لكن كانت مناظرهم طبيعية، ولذلك لما تساءلوا بينهم كم يا ترى نمنا؟ وكم لبثنا في الكهف؟ كان الجواب يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ[الكهف: 18].
إذًا هم لم يحسوا بشيء غير عادي، وهذا مبني على الظن والاشتباه، ولذلك لما ما حددوا بدقة كم ردوا الأمر إلى الله، قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ [الكهف: 19].
وهذا رد الأمر إلى الله فيما لا يعلمه الإنسان من أدب المسلم مع ربه، ومن اشتبه عليه علم ما لا يعلم رده إلى عالمه المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، وهو علام الغيوب الله ، لكن المهم ما هو الآن بعدما استيقظوا من النوم ليس المهم كم لبثوا؟
وإنما المهم العدو الذي اختفوا منه، لقد اختفوا من قومهم فاحرصوا ألا يروكم ولا يشعروا بكم إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ [الكهف: 20] ويطلعوا عليكم، يَرْجُمُوكُمْ [الكهف: 20]، ويقتلوكم، أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ [الكهف:20]، بالإكراه، وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 20]، لو رجعتم في الكفر بعد إذ أن أنقذكم الله منه، لكن الله  شاء بحكمته أن يجعل الناس يعثرون عليهم ويكتشفونهم، ويعرفون قصتهم، وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ[الكهف:21]، أطلع الله الناس على حال أهل الكهف، وأراد ربنا أن ينشر فضيلتهم، أراد الله أن ينشر فضلهم، وأن يعرف الجميع حالهم، ولذلك لما شعروا بالجوع وأرادوا طعامًا أوصوا واحدًا منهم أن يذهب بهذا الورق الفضة فيشتري لهم طعامًا، ويستخفي، ويخف أمرهم خشية أن يعرف بهم القوم؛ لم يكونوا يعرفون أن قومهم قد ماتوا، وجاءت أجيال، لكن بقيت القصة موجودة في الأجيال.
فلما استيقظ القوم أهل الكهف في جيل عنده خبر ممن مضى أن هناك فتية خرجوا من البلد، واختفوا ولا يدرى ما حالهم، خرج مجموعة من الشباب من البلد، واختفوا وانقطعت أخبارهم، هذا الكلام بقي موجودًا في الجيل الذي بقي كان في وقتهم بعدما استيقظوا، قيل: إن الورق أو الدنانير والدراهم كانت تضرب مصكوكة حسب الحاكم وتاريخ ذلك الوقت، فلما ذهبوا ليشتروا بالمال الذي معهم، يفاجأ البائع أن هذه الدراهم قديمة مضروبة، هذه أثرية، هذه نقود أثرية، هذه عملات نادرة، فكان هذا الذي لفت النظر واشتهر الأمر، وانتشر الخبر هذا من المفقودين، هذا من الشباب الأولين، وتسامع الناس، وجاءوا واجتمعوا وعرفوا الخبر، فعظموهم وأكرموهم، ولما ماتوا قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف: 21] أي أولياء الأمر في ذلك البلد، لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].

حكم بناء المساجد على القبور:
وليس هؤلاء الحكام في ذلك الوقت من أهل الدين حتى يقال، كيف بنوا مشهد على القبر، ليسوا حجة، قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف: 21]، يعني أهل السلطة غلبوا قرار، لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21]، سنبني مسجدًا على قبورهم، وشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إذا تعارض مع شرعنا، وبما أن شرعنا قد جاء بعدم جواز البناء على القبور، فحتى لو كان موجودًا في شرع من قبلنا جواز البناء على القبور فإن شرعنا قد جاء بخلافه، لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد [رواه البخاري: 1390، ومسلم: 529]، أولئك كانوا إذا كان فيهم الرجل الصالح مات بنوا على قبره مسجدًا [رواه البخاري: 427، ومسلم: 528]، قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].

الحكمة من العثور عليهم:
لكن لماذا أعثر الله عليهم؟ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا [الكهف: 21]، وأنه مهما مات الناس، ومهما بقوا في القبور فإن الله سيبعثهم، وهذا مشهد يقرب الأمر، ناس ناموا ثلاثمائة سنة وبعثهم الله، فالذي ينام أكثر من ذلك يموت، فإن الله يبعثه، الرقدة التي في القبر يبعث الله أهلها.

عدد أهل الكهف:
كم عددهم؟ أهل الكتاب عندهم مماراة، وعندهم جدل، وعندهم نقاشات كثيرة في الموضوع، سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22].
الله  حكى ثلاثة أقوال، في اثنين منها قال: رَجْمًا بِالْغَيْبِ [الكهف: 22]، والثالث ما قال عنه: رجما بالغيب، ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنا من القليل". [فضائل الصحابة لأحمد: 1557] مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [الكهف: 22]، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، لماذا لأن الله لما حكى الأقوال حكى ثلاثة أقوال فقط.
القول الأول: ثلاثة رابعهم كلبهم.
القول الثاني: خمسة وسادسهم كلبهم.
القول الثالث: سبعة وثامنهم كلبهم، في قولين منها أتبعه بأنه رجم بالغيب، كلام بغير دليل، سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22]، لا يوجد إلا ثلاثة أقوال: اثنان منها رجم بالغيب، فمعناه الثالث هو الصحيح، وعلى أية حال لو قال قائل: الآن نحن عرفنا، نقول: ولو عرفنا سيبقى الذين يعلمونهم بالنسبة للذين لا يعلمونهم قليل، مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا[الكهف: 22] يعني: خفيفًا، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 22].
إذًا أهل الكتاب هؤلاء لا يؤخذ عنهم العلم، ولا يجوز استفتاؤهم، ولا اللجوء إليهم، ولا الذهاب إليهم لطلب العلم، المقصود علم الدين، وعلم أنباء من قد سبق، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ في أهل الكهف، مِنْهُمْ من أهل الكتاب أحداً.



مصدرها
https://almunajjid.com/courses/lessons/114
وناقص ايضا
الدروس والفوائد المستفادة من القصة:
فلتقرأها من المصدر لعدم الإطالة








 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:42 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020   #10


الصورة الرمزية الصقر
الصقر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2086
 تاريخ التسجيل :  Feb 2016
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (07:39 AM)
 المشاركات : 29,295 [ + ]
 التقييم :  11111807
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 2,980
تم شكره 2,083 مرة في 1,571 مشاركة

اوسمتي

افتراضي



# قصة أصحاب الجنة

قصة اصحابة الجنة هذه القصة التي تتكرر مئات المرات في حياة الناس
هذه القصة محورها يتصل اشد الاتصال بحياة كل مسلم فما من مسلم الا وساق الله له من الشدائد ما ساق
القصة بحد ذاتها لها اثار جميله على النفس البشريه ولذلك كثر ورودها في الايات القرانيه كثيرا والسبب لان القصه تغرس مبادي الخير اذا كان محورها يدور حوله فتزرع في النفوس الخير بسهوله دون قصد وبدون شعور لانها القصة تتسلل منها معاني الخير في النفس من حيث لايشعر صاحبها و بدون قصد
هذه القصه تحدثنا عن خلق من اخلاق اهل النار هذه القصة تحدثنا عن خلق تدعوا الملائكة على صاحبه كل صباح ومساء ((مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ؛ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان، يقول أحدُهما: اللهم أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]
هذه القصه تحدثنا عن خلق الشح والبخل وما يلحق صاحبه من اللوم والحسرة في الدنيا والعقاب الشديد في الاخرة
هذه القصة فيها تسليه لرسوله حينما كذبه قومة وقد انعم الله عليهم ببعثه رسوله وانعم عليهم بنعمة المال والجاه والولد واطعمهم من جوع وامنهم من خوف فكما ان الله عاقب من كفر بنعمة من اصحاب الجنة فان هؤلاء الذي لم يشكروا نعمة الله عليهم لازالوا معرضين للعقاب صباحا ومساء
2- اما قصة اصحاب الجنة فكانت لرجل من اهل اليمن من اهل الكتاب لانه كان قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لازال باليمن بقايا من اليهود والنصارى وهذا الرجل الصالح من اهل الكتاب وكان في قرية يُقال لها: "ضَرَوان" على سِتَّة أميال من صَنعاء، عاش هناك وكانت له جَنَّة فيها من كل الثمرات وكان هذا الرجلُ الصالح لا يُدخِل بيتَه ثمرةً منها حتى يقسمَ الثمار ثلاثة أقسام: قسم للفقراء والمساكين، وقسم لأهل بيته، وقسم يردُّه في المحصول؛ لِيزرعَ به الأرض؛ لذلك بارك الله له في رِزْقه وعياله.فلمَّا مات الشيخ ووَرِثه بَنُوه - وكان له خمسة من البنين - فحَملت جنَّتُهم في تلك السَّنة التي هلَك فيها أبوهم حملاً لم تكن حملَتْه مِن قبل ذلك فلمَّا نظروا إلى الفضل طَغَوا وبَغَوا، وقال بعضُهم لبعض: لقد كان أبونا أحْمَق؛ إذْ كان يَصرِف من هذه الثمار للفقراء، دَعُونا نتعاهد فيما بيننا ألاَّ نُعطيَ أحدًا من فقراء والمساكين في عامِنا هذا شيئًا؛ حتى نَستَغنِيَ وتَكثر أموالنا فقال اوسطهم أي اعقلهم واقرب الابناء شبها بابيه الصالح سيروا فيها بسيرة ابيكم فرفضوا
وهذا الامر يتكرر في كل عصر كان هناك شجرة ليمون في بيتٌ من بيوت الشام القديمة، تحمِلُ من الثمرات ما لا يُعَدّ ولا يُحصى، و يوجد في هذا البيت امرأةٌ صالحة، فكلَّما طُرق باب هذا البيت وطُلِب منهم ثمرة من هذه الثمار قدمتها، وكأن هذه الشجرة وقفٌ لأهل الحيّ، فماتت هذه المرأة الصالحة وجاءت من بعدها زوجة ابنها الشابَّة، فلمَّا طُرِق الباب وطلب الطارق ثمرةً من هذه الثمار طردته ومنعته، وبعد حين يَبِسَت هذه الشجرة وماتت. فذا كان بين يديك شيء ثمين وينفع الناس فاياك ثم اياك ان تمنعهم عن نفعهم به لانك اذا فعلت ذلك اخذ منك وحوله الى غيرك
3- اذا اقسموا ليصرمنهما مصبحين
اول نقطة في قصة أصحاب الجنة انهم أقسموا ليصرمونها مصبحين ولا يستثنون
اجتمعوا وتشاوروا وتحاوروا ثم قرروا واقسموا ليصرمنها مصبحين
4- ولا يستثنون قيل ولا يستثنون نصيب الفقراء وقيل ولا يستثنون حتى كلمة ان شاء الله فلم يقولوها
5- فطاف عليها طائف من ربك
الطائف قيل ضريب وقيل صقيع موجة صقيع في دقائق وقيل نار احرقت الجنة لان النية السيئه بينها وبين السلوك علاقه فلما بيت اصحاب الجنة النية السيئة عاقبهم الله فنيتهم بعدم إطعام المسكين أتلف محصولهم كله
هي هكذا الجزاء من جنس العمل من اكرم الناس اكرمه الله ومن حرمهم حرمه الله ومن منعهم منعه الله
فالطائف موجود في كل عصر فطائف التجار قد يسلط الله عليهم حرائق ففي الحديث وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : (( ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالا إلا أفسدته )) رواه البزار والبيهقي فالتجار معرضين للعقوبات مثل الضرائب ومثل الحرائق او مصادرة بعض البضائع او تاتي بضاعه غير التي اشتراها
واما طائف المزارعين فهناك فيضانات ورياح تقتلع الزروع والاشجار وهناك افات كالذباب والعناكب والحشرات والضريب او موجه صقيع
يقول احد المشائخ جاءت في الغوطة وهي بلدة بسوريا على مزارع المشمش فاهلكتها وفي احدى بلاد الشام قبل خمسين عاما جاءت موجة جراد اكلت الاخضر واليابس الا مزرعه بقيت على نضرتها وخضرتها فقال اصحاب المزارع الاخرى لماذا سلمت مزرعتك من الجراد ما السر في ذلك فقال السر في الدواء فقالوا الا تتقي الله وتخفي عنا الدواء فقال انه الزكاة
سئل احد العلماء هل في العسل زكاة فقال نعم فقال طيب اذا لم ازكي فقال العقاب جاهز القراد ياكل النحل والشمع
لقد قرأت مرَّةً أن زارعي البرتقال في أمريكا أرادوا إتلافه للحفاظ على الأسعار المرتفعة، فقد خافوا من هبوط الأسعار فأرادوا إتلاف هذا المحصول، فتسلل الزنوج الفقراء تحت الأسلاك الشائكة ليأكلوا هذا البرتقال الطيِّب الذي أراد أصحابه إتلافه، و في العام القادم فعلوا الشيء نفسه ولكن مع تسميم هذا المحصول لئلا ينتفع منه إنسان، فهذا هو الكافر.. شحيح دائماً..
﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ﴾
وفي أستراليا أيضاً قبل عدّة أعوامٍ تمّ إعدام عشرين مليون رأس غنم بالرصاص، وحُفرت الحفر ودُفِن هذا العدد الكبير للحفاظ على أسعارها المرتفعة.. بينما هناك شعوبٌ قد أهلكتها المجاعات، ولا يُستبعد أن يكون أصحاب الأغنام في أستراليا هم أنفسهم أصحاب البقر الذي جنّ في إنكلترا، لأن العقاب كان شديداً، فقد توجب إحراق ثلاثة عشر مليون بقرة قيمتها ثلاثة وثلاثون مليار جنية إسترليني، فهذا هو الكافر..

6- فاصبحت كالصريم يقول ابن عباس أي صارت محترقه مثل الليل بينما الثمرة كبيرة تصغر وتنكمش ويتلف داخلها وتذبل اوراقها وتسود كانها محترقه
سبحان الله كم من انسان امسى ونام وهو يملك ما يملك واصبح وما يملك شيئا
كم من انسان كان يملك ثروات ولكن بسبب ذنوبه ضاع كل شي
كم من انسان كان يملك عقارات وسيارات وبسبب اكله للربا ضاع منه كل ما يملك
كم من انسان رفض او تهرب او تفنن في عدم اخراج الزكاة وضاع ماله كله كما حصل لاهل الجنة رفض ان يعطوا ثلثها فذهبت الحديقه كلها
فالله قد يؤدبه بذهاب مقدار الزكاه وبعضهم يؤدبه بذهاب نصف ماله وبعضهم يذهب ماله كله وهذا بحسب حكمة الله الله يعلم كيف يؤدب الشخص ورد في الاثر (إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك وإني أدبر لعبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير‏.‏)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فينسى به الباب من العلم، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم } قد حرموا خير جنتهم بذنبهم
7- فتنادوا مصبحين الى ان قال فانطلقوا وهم يتخافتون أي يتسارون بالحديث الا يدخلنها اليوم عليكم مسكين
العقوبه حصلت لهم بالليل بعدما بيتوا النية السيئه ثم بين الله لنا هنا كيف خرجوا من بيوتهم وهم مصرين على منع الفقراء وكيق كانوا يتناجون ويتسارون بالحديث حتى لا يشعر بهم الفقراء
8 وغدوا على حرد أي غدوا على منع للفقراء قادرين
9 – فلما راوها قالوا انا لضالون أي تائهون
10 –بل نحن محرمون
11- كذلك العذاب
هذه الكلمة كذلك العذاب يدور محور القصة عليها
لما كانت الخسارة كبيرة كانت سببا في عودتهم الى الله وكانت سببا في توبتهم وندمهم ومحاسبتهم لانفسهم وفي اقبالهم وندمهم
ولولا تأديب الله لهم لما كان هذا الكلام منهم ياويلنا انا كنا ظالمين كما قيل لولا هذه الشِدَّة لما كانت هذه الشَدَّة
قد تجد تسعين في المئة من توبه الناس كانت بسبب التضييق عليهم لان العذاب في الدنيا موظف للخير بعض الناس لايفكر في صلاة ولا طاعه عنده مال وقوة وصحه وجاه وابهة فما قال يوما يا رب فلما افلس قال يا الله
سئل بعض العلماء بعد ان مكث يدعوا الى الله عشرين سنة ما ملخص دعوتك فقال اذا لم تاتي الى الله مسرعا جاء بك اليه مسرعا بمعنى اخر اذا لم تاتي الى الله برجليك جاء بك على وجهك اصحاب الجنة قال لهم اخوهم لولا تسبحون فاقسموا ليصرمنها مصبحين فلما احرق الله جنتهم كلها وعاقبهم قالوا انا الى الله راغبون وقبلها كانوا لايقبلون النصح
شاب وزجته شاردان عن الله عاشا حياة التفلت معهم مال وجمال وصحه وهما ينتقلان من مكان الى مكان ومن بلد الى بلد ومن نزهة الى نزهته ولا يصلون ولا يصومون رزقهم الله بفتاة صغيرة من اجمل الناس صورة واحلاهم منطقا ملكت قلوبهم واصيبت بمرض خبيث فصاروا ينتقلون من طبيب الى طبيب ومن مستشفى الى مستشفى ومن تحليل الى تحليل ثم جاءتهم خاطره لو تبنا الى الله ودعوناه فلما تابا وانابا الى الله شفى هذه البنت ولو لم يستجبوا لهذا العلاج ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)﴾

دروس وعبر من قصة اصحاب الجنة
1- لو ان الله اخر العقاب الى يوم القيامة لهلك كثير من الناس ففي الحديث عن انس وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه) رواه الترمذي السنن رقم 2396 وهو في صحيح الجامع رقم 308 وعن عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَهَبَ بِالشِّرْكِ وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً ذَهَبَ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَنَا بِالإِسْلامِ فَوَلَّى الرَّجُلُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ الْحَائِطُ فَشَجَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّاً أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ رواه أحمد رحمه الله المسند 4/87 والحاكم في المستدرك 1/349
2- اقول لكم ولكل من يتهرب من اخراج الزكاة هل سمعتم برجل تدعوا عليه الملائكة صباحا مساء وبما تدعوا عليه تدعوا عليه بتلف ماله
3- قصة اصحاب الجنة رسالة من الله يذكر بها الناس وان كل من ينفق ماله في سبيل الله ويعطي حق الفقراء فان الله يبارك له في ماله واهله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحّى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حَرّة ، فإذا شَرجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ، ما اسمك ؟ ، قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له : يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ ، فقال : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ، يقول : اسق حديقة فلان - لاسمك - ، فما تصنع فيها ؟ ، قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه ) رواه مسلم

4- كل امة تمنع الزكاة كل غني يبخل بماله كل من يتهرب من اخراج الزكاة فعقوبته الهلاك
5- اخطر لباس لباس الجوع والخوف لذلك ذكر الله قريش بنعمتين امنهم من خوف واطعمهم من جوع ضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنه
6- احياننا يختار العبد حتفه بنفسه ويختار طريقة الموت ولو علم ان فيه حتفه لما اقدم مثل اصحاب الجنة ومثل من يكفر نعمة الله عليه السيارات ويفحط بها ويعبث يركب سيارة اخر مديل فلا يشكر نعمة الله فكم من قتيل قد اهلكته .



مصدرها
http://www.saaid.net/gesah/461.htm














 

التعديل الأخير تم بواسطة الغريبة ; 10-28-2020 الساعة 04:45 PM سبب آخر: ذكر اسم المصدر للأهمية بارك الله فيك

رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الصقر مشاركات 27 المشاهدات 6575  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع منذ بعد 04-17-2024, 07:28 PM (إعادة تعين) (حذف)
لا توجد أسماء لعرضهـا.
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 03:21 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah