فضل حسن الخلق..

حسن الخلق للشيخ محمد العريفي





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ,
واشهد إلا اله إلا الله وحدة لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه
على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين وصلوات الله وسلامة عليه وعلى آله
الطيبين واصحابه الغر الميامين أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...

أما بعد .. أيها الإخوة المؤمنون
سألت أم سلمه النبي عليه الصلاة والسلام قالت يا رسول الله (المرأة يكون لها زوجان في الدنيا, فإذا ماتت وماتا ,ودخلوا إلى الجنة فلمن تكون )
فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام ملتفتا إليها ومنبها لها على خلقا عظيم وعلى عبادة غفل عنها كثير من الناس قال عليه الصلاة والسلام (تكون لأحسنهما خلقا) ,
فلم يقول تكون لأطولهما عبادة, ولا إلى أكثرهما صياما, ولا إلى أكثرهما قياما , أو أعظمهما صدقه ,
وإنما قال تكون لأحسنهما خلقا, فعجبت أم سلمه , فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تعجبها , قال لها (يا أم سلمه ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة )
نعم ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة, أما خير الدنيا فهو ما يكون لحسن الخلق من محبه في قلوب الناس,
وأما خير الآخرة فهو ما يكون له من الأجر العظيم عند ربنا جل في علاه , اقبل رجلاَ إلى الرسل صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله
( من اقرب الناس مجلسا منك يوم القيامة؟ فقال صلاألست تقرأ وسلم :
إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤونأكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف)
لم يقل أقربكم مني أطولكم قياما وصياما أو أكثركم علماً وصدقه وإنما قال أحاسنكم أخلاقا الموطؤونأكنافا
الذين هم لينون هينون حسنة أخلاقهم مع الناس الذين يألفون الآخرين يؤلفون يألفهم الناس إذا لقوهم , وقال عليه الصلاة والسلام
(ما من شي أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلقا حسن )
ولما سالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سألها عروة ابن الزبير ابن أختها كيف كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟
قالت له ألست تقرأ القرآن ؟ قال بلى , قالت كان خلقة القرآن ) يعني أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم هي التي أمر الله بها تعالى في القرآن ,
فيقرأ في القرآن قول ربنا جل في علاه (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) فيتكلم بأحسن الكلام يقرأ في القران قول الله جل وعلا
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) فيغض بصرة عن محارم الناس ويغض أبصاره عن خطائهم ويصبح سهلا لينا في التعامل مع مشاكلهم ,
يقرأ في القرآن قول الله جل وعلا وهو يأمر المؤمنين بالتآخي (إنما المؤمنون إخوة)
فيعتبر جميع المؤمنين أخوان لهم , قالت كان خلقه القرآن , وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها
(كان أكثر صلاة النبي صل الله عليه وسلم بعد ما كبر جالسا لماذا؟
قالت بعدما حطمة الناس من حسن خلقه معهم وتبدله لهم وإقباله إليهم )
وكان صلى الله عليه وسلم لا يتكبر عنهم بالتالي يجذبه الكبير ويسقه معهم الصغير
ويجذب الأعرابي رداءة وهو في وكل ذلك يتحمل حتى تعب الجسد في سبيل ذلك وإذا كانت النفوس كبرا تعبت في مرادها الأجسام ,
وعند الترمذي إنالنبي صلى الله عليه سلم ذكر له حال إمرأه وذكر له من صلاتها وصامها وقيامها وعبادتها وقالوا له يا رسول الله غير أنها تؤذي تؤذي جيرانها بلسانها ,
فقال صلى الله عليه وسلم (هي في النار)
نعم في النار ولا يدل ذلك خلودها في النار فإنه لا يخلد في النار إلا المشركون ولكن أعمالها تفسد بسوء خلقها ,فإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ,
وما فائدة العبادات وما فائدة الصلاة والصيام الصدقة والقيام إن لم تقوم سلوكك ,
فائدة صيامك وحجك إن لم يؤثر في سلوكك وفي حلمك وعدم غضبك وبشاشتك في لقائك مع الناس,
بل انه قد شرع الله العبادات لحكم من عظمها أن تحسن سلوكنا وان تضبط أخلاقنا يقول الله جل وعلا عن الصلاة
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ) لماذا (إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )
الفحشاء في القول والمنكر في الفعل ,إذن الصلاة تقوم سلوكنا ,
فإذا صليت ولم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فما فائدة هذه الصلاة , الصوم قال صلى الله عليه وسلم
(من لم يدع قول الزور والعمل به ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )
إذا الصوم من جمل مشروعيته أن يضبط أخلاقك ويحسن سلوكك , الحج قال جل وعلا (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )
لأجل أن يقوم الحج سلوكك أيضا ذكر الله عز وجل الصدقات وذكر الزكاة فقال جل في علاه
(لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ) فالصدقة أيضا من اجل أن تقوم سلوكك .

فليكن في هذا أيها الأحبة الكرام فليكن فيه نبراس لنا لأجل أن يقوم الإنسان سلوكه مع الآخرين ,
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعبد لله عز وجل فقط بالعبادات المحضة المعروفة
عند الناس من صلاة وصيام وذكر وتلاوة للقرآن وإنما كان يزيد على ذلك صلاة الله وسلامه
عليه أن يجعل هذه العبادات تقوم سلوكه في تعامله مع الآخرين ,
وكان يقول صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليبلغ بحسن خلقة درجات قائم الليل صائم النهار )
فقد تبلع درجة من يصلي الليل أو كثيرا منه ويصوم النهار أو يصم أكثر الأيام وتبلغ درجته بحسن خلقك مع الناس ,
سؤل عبد الله بن المبارك رحمة الله تعالى قيل له ما معنى حسن الخلق وقد قرأ الناس من طلابه قرؤوا
حسن الخلق وفضله قالوا له ما معنى حسن الخلق فقال عبد الله بن المبارك (حسن الخلق شي هين, وجه طليق وكلاما لين )
نعم حسن الخلق شيئا هين , إذا عود الإنسان نفسه عليه وانقادت معه إليه وصار بشوشا مع الآخرين طلق الوجه عندما يلتقي بهم
كن ريق البشر إن المرء همته & صحيفة وعليها البشر عنوان
وإن أساء مسيء فليكن لك في & عروض زلته صفح وغفران
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة & فلن يدوم على الإنسان إمكان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم & فطالما استعبد الإنسان إحسان

حسن الخلق شي هين وجه طليق..قال عليه الصلاة والسلام (تبسمك في وجه أخيك صدقه )
ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن على المرء في كل صباح..قال ( يصبح على كل سلامة من أحدكم صدقه )
بمعنى يصبح في كل يوما على كل مفصل من مفاصلك صدقه ,
قال الصحابة يا رسول الله وأينا يجد ذلك ,
ما نجد يا رسول الله كل يوم بعدد مفاصلنا ما أجد ثلاث مئة وستين صدقه أتصدق بها يوميا وأينا يجد ذلك يا رسول الله ,
فقال صلى الله عليه وسلم لهم معددا لهم أنواعا من الصدقات ربما غفلوا عنها ,
الصحابة ضنوا أن الصدقة هي الصدقة المحضة الصريحة أن تتصدق بمال بثوب بتمره بطعام ,
فنبههم إلى أنواع أخرى من الصدقات ربما فاقت في عظم أثرها قال صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقه )
وإفراغك في دلوك في إناء المستقي صدقه , بمعنى لما يأتي اثنان إلى البئر ويكون للبئر دلو واحد فإذا استخرجه
الأول الذي استبق إلى الماء فقدم أخاه على نفسه فافرغ في اناءة من الدلو وبداء به على نفسه هذه صدقه, قال
(وجنانتك للرجل في الطريق صدقه ) ولاحظ كلها أمور تدل على حسن الخلق ,
أن يظل إنسان في وسط الطريق فتقف لها وقد تتعطل دقائق لأجل أن تصف له الطريق أو ربما مشيت أمامه
لأجل أن تدله عليه قال لك صدقه قال وحملك للرجل متاعه إلى دابته صدقه رفعك السوط إليك إليه
صدقه وذلك أن احدهم كان يركب على بعيره فربما سقط سوطه أو عصاه في الأرض فيشق أن ينيخ البعير ليأخذ العصا ثم يرقى إليه مرة أخرى ,
فبين لهم الرسول صلى الله عليه سلم انه إذا مر آدا ثم حمل هذا العصا ورفعه إليه فإنه له صدقه أو كما قال صلوات ربي وسلامة عليه .
أيها الأحبة الكرام.. من أراد إن يكسب محبة الناس وان يدخل إلى قلوبهم فيقبلون نصحه إذا نصحهم وتوجيهه
إذا وجههم ويقبلون منه إصلاحه بينهم إذا أصلح ويحبون مخالطته لهم ويسألون عنه إذا غاب عنهم ,
من أراد أن يحظى بقلوب الناس منهم محبه , فإنه إذا حسن خلقه وصل إلى هذه الدرجة التي ينشدها .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو ,
اللهم واصرف عنا سيئاها لا يصرف عنا سيأها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام ,
أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانيه

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ,
واشهد ألا إله إلا الله وحدة لا شريك له تعظيما لشانه واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وسن بسنته إلى يوم الدين ..

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون .. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن خلقة للناس
عامه لكنه يعلم أحق الناس استمتاعا بحسن خلقه هم اقرب الناس إليه هم أهل بيته ,
كان صلى الله عليه وسلم يقول (خيركم خيركم لأهله ) ثم قال (أنا خيركم لأهلي )
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أزواجه رآها تنقل إليه شكوى بعض النساء من أزواجهن ,
دخل على عائشة قالت يا رسول الله ما تقلى نساء المؤمنين من أزواجهن وذكرت له
انه مرت بها وجاءت إليها فلانة وفلانة وفلانة يشتكين من أزواجهن ,
ثم دخل على حفصة على سوده وزينب فإذا أزواجه يشتكين يخبرنه بشكاوي نساء اقبلن إليه
صلى الله عليه وسلم مشتكيات من أزواجهن , فرقى النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال عليه الصلاة والسلام
(لقد طاف بآل محمدا اليوم نساء كثير كلهن يشتكين من أزواجهن والله ما أولئك بخياركم)
ما أولئك بخياركم وإن قاموا لليل وان صاموا النهار وان كان لهم مجال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والصدقة والدعوة إلى الله مدام أن هذه الأمور لم تقوم سلوكه مع اقرب الناس إليه قال
(ما أولئك بخياركم ) وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم منبها أيضا على ذلك (لا يفرك مؤمن مؤمنه )
يعني لا يبغضها بغضا يدعوه ربما إلى إفساد ما بينه وبينها أو إلى طلاقها قال
(لا يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضي منها آخر)
إن كره منها أنها غير جميله رضي منها أن أخلاقها حسنه فينسى ذلك بهذا ,
إن كره منها أنها لا تعتني بأولادها فيرضى بها أنها تعتني بطعامه وشرابه فينسى ذلك من اجل هذا إن كره منها خلقا رضي منها آخر .
أيها الأحبة الكرام..ألا فلتقبل النفوس على ذلك وليتزين الإنسان بزينة الإسلام فيما
يتعلق بالخلاقة لعل الله عز وجل يرفعك بهذا درجات , نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا ,
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت , اللهم واصرف عنها سيأها لا يصرف سيأها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام ,
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين إذا أردت بعابدك فتنه فأقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ,
اللهم إنا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا, اللهم انأ نسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمنا منه
وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجلة ما علمنا منه وما لم نعلم , اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام
إن تحفظ علينا أمننا وأماننا وان تحفظ علينا ديننا في مجتمعنا وفي جميع بلدان المسلمين ,
اللهم من أراد هذه البلاد بسوء فاشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي
يا عزيز يا رب العالمين,اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ,
اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وسائر ولاة المسلمين يا حي يا قيوم ,
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك عل محمد على آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدا مجيد ,
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلاما على المرسلين والحمد لله رب العالمين

المواضيع المتشابهه:

• (تم الاستبدال والتصحيح للبيان ) ماصحة موضوع .. أجمل صيغ الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم
• الحكمة من الخلق عبادة الله