~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,089,064


عدد مرات النقر : 335
عدد  مرات الظهور : 2,089,064

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-01-2011
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4766 يوم
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم : 119
 معدل التقييم : الغزال الشمالي will become famous soon enoughالغزال الشمالي will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي القصص العالمية المترجمة








إخوتي الأعزاء،،لقلوبكم العطرة،، تحية
هنا نفتح نافذة على الروائع القصصية العالمية .. ميدان فسيح لاستلهام مكنون النفوس وما تحبه
وفيه رفعة ذوق وإمتاع دون شطط أو إسفاف وكيفية استخدام (المزاج العام للقصة والتفاصيل
الدقيقة الظاهرة وتجمد الأحداث الخارجية في القصة) لابراز النفسية الداخلية للشخصيات.
وفيه نماذج جميلة لمن شاء أن ينسج على منوالها من الأدباء الناشئين
أرجو التفاعل أحبائي .. المشاركة مفتوحة للجميع فاكتبوا إخوتي فالكل متذوق









المواضيع المتشابهه:



 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون


رد مع اقتباس
قديم 05-01-2011   #2


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



قصة الألم لأنطون تشيخوف

ترجمة: رافع الصفار



نبذة مختصرة عن الكاتب
أنطون بافلوفيتش تشيخوف (29 يناير 1860 - 15 يوليو 1904) طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي
كبير، يعد من كبار الأدباء الروس كما أنه من أفضل كتاب القصة القصيرة على مستوى العالم. كتب عدة مئات من
القصص القصيرة وتعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها أعظم الأثر على دراما
القرن العشرين. بدأ تيشيخوف الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة موسكو ولم يترك الكتابة حتى
أصبح من أعظم الأدباء وأيضا استمر في مهنة الطب وكان يقول "ان الطب هو زوجتي والادب عشيقتي.




عُرف غريغوري بتروف ولسنوات طويلة ببراعته الفائقة في حرفة الخراطة، لكنه في نفس الوقت كان الأكثر حمقا
وسذاجة في إقليم (غالتشينيسكوي)، فلكي ينقل زوجته المريضة إلى المستشفى، كان عليه أن يقود الزلاجة لمسافة
عشرين ميل في جو شتائي عاصف، عبر طريق شديدة الوعورة. ولم تكن تلك بالمهمة اليسيرة حتى بالنسبة لسائق البريد الحكومي.

كانت الرياح القارصة تضرب في وجهه مباشرة، وسحب الثلج تلتف في دوامات حوله في كل اتجاه، حتى أن المرء
لا يدري إن كان هذا الثلج يتساقط من السماء أم يتصاعد من الأرض، بينما الرؤية معدومة تماما لكثافة الضباب
الثلجي، فلم يكن يرى شيئا من الحقول والغابات وأعمدة التلغراف. وعندما كانت تضربه ريح قوية مفاجئة، كان
يصاب بالعمى التام، فلا يعود يبصر حتى لجام الحصان، ذلك الحيوان البائس الذي كان يزحف ببطء وهو يجر قدميه
في الثلج بوهن شديد. وكان الخراط قلقا متوترا ومتعجلا لا يكاد يستقر في مقعده وهو يسوط ظهر الحصان.
كان غريغوري يغمغم طول الوقت متحدثا إلى زوجته.
- لا تبكي يا ماتريونا. قليل من الصبر يا عزيزتي. سنصل المستشفى وعندها كل شيء سوف يكون على ما يرام...
سيعطيك بافل ايفانيتش بضع قطرات، أو سأطلب منه أن يعمل لك الحجامة، أو ربما يتكرم ويرضى أن يدلك جسدك
بالكحول. سيبذل كل ما في وسعه دون شك. نعم سيصرخ وينفعل لكنه في النهاية يبذل جهده. إنه رجل مهذب
ولطيف. فليعطه الله الصحة. حالما نصل هناك ويرانا سيندفع من غرفته كالسهم ويبدأ بإطلاق السباب والشتائم.
وسوف يصرخ: كيف؟ لماذا هكذا؟ لماذا لم تأتوا في الوقت المناسب؟ أنا لست كلبا كي أبقى عالقا هنا في انتظار
حضراتكم طوال اليوم. لماذا لم تأتوا في الصباح؟ هيا اخرجوا، لا لن أستقبلكم. تعالوا غدا. فأرد عليه قائلا:
يا حضرة الطبيب المبجل بافل إيفانيتش، نعم يمكنك أن تسب وتلعن وتشتم...، وليأخذك الطاعون...أيها الشيطان....
ساط الخراط ظهر الحصان، ومن دون أن ينظر إلى المرأة العجوز الراقدة في العربة خلفه واصل حديثه مع نفسه:
- يا حضرة الطبيب المبجل، أقسم بالله، ولن أقول إلا الصدق، وها هو الصليب أرسمه على صدري أمامك بأنني
انطلقت قبل طلوع الفجر، ولكن كيف يمكنني أن أكون عندك في الوقت المناسب وقد أرسل الرب هذه العاصفة
الثلجية؟ تلطف وانظر بنفسك..إن أفضل الجياد لن تتمكن من السير في هكذا جو، وحصاني هذا الكائن البائس
التعيس كما ترى بنفسك ليس حصانا على الإطلاق. عندها سيقطب بافل ايفانيتش حاجبيه ويصرخ: نحن نعرفكم،
أنتم دائما بارعون في اختلاق الأعذار، وعلى الأخص أنت يا غريشكا. فأنا أعرفك حق المعرفة، وأقسم بأنك توقفت
في نصف دزينة من الحانات قبل أن تأتي عندي. لكني سأقول له: أيها المحترم، هل أنا كافر أم مجرم حتى أتنقل بين
الحانات بينما زوجتي المسكينة تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ لعنة الله على الحانات وأصحابها وليأخذهم الطاعون جميعا.
سيأمر بافل ايفانيتش عندها بنقلك إلى داخل المستشفى، فاركع عند قدميه. بافل ايفانيتش، أيها المحترم، نشكرك
من صميم قلوبنا، وأرجو أن تسامحنا على حماقاتنا وسلوكنا الأرعن، وألا تكون قاسيا معنا نحن الفلاحون.
نعم نحن نستحق منك لا الشتيمة فحسب بل حتى الرفس، وقد كنا سببا في خروجك وتلويث قدميك في الثلج.
سينظر بافل ايفانيتش نحوي كأنه يريد أن يضربني وسيقول: ألا يجدر بك أيها الأحمق أن تشفق على هذه
المسكينة وترعاها بدلا من أن تسكر وتأتي لتركع عند قدمي؟ والله أنت تستحق الجلد. نعم، نعم..أنت على حق في
ذلك. أنا أستحق الجلد يا بافل ايفانيتش، فلتصب السماء لعناتها على رأسي، ثم ما الضير لو ركعت عند قدميك، فأنت
أبونا وولي نعمتنا، ويحق لك يا سيدي أن تبصق في وجهي لو بدر مني ما يضايقك، وأقسم بالله على ذلك.
سافعل كل ما تريده وتأمرني به..إذا استرجعت زوجتي العزيزة ماتريونا صحتها. وإذا أردتَ أصنع لك علبة سجاير
فاخرة من أفضل أنواع الخشب، كراتا للعبة الكروكيت، أو أروع قناني خشبية للعبة البولنج..ولن آخذ منك قرشا
واحدا. في موسكو تكلف علبة السجاير أربع روبلات، لكني سأصنعها لك دون مقابل. عندها سيضحك الطبيب
ويقول: حسنا، حسنا...يبدو أنك سكران حتى الثمالة. كما ترين يا عزيزتي فأنا أعرف كيف أتعامل مع أبناء
الطبقة العليا. ليس هنالك من سيد يستعصي علي. فقط أدعو من الله ألا أفقد الطريق.
أنظري كم عنيفة هي الريح. لا أكاد أفتح عيني من شدة اندفاع الثلج.

ولم يتوقف الخراط عن حديثه المتواصل مع نفسه، في محاولة منه على ما يبدو للتخفيف من ضغط المشاعر الحادة
عليه. كانت الكلمات كثيرة على لسانه، وكذلك الأفكار والأسئلة في رأسه. جاءه الحزن مفاجئا، دون توقع أو انتظار،
وعليه الآن أن يتخلص منه. لقد عاش حياته في سكينة وسلام دون أن يعرف للحزن أو للبهجة معنى، وفجأة،
دون سابق إنذار، جاءه الألم ليعشش بين تلافيف قلبه، فوجد السكير المتسكع نفسه في موقع المسئول،
مثقلا بالهموم، ويصارع الطبيعة.

وراح غريغوري يتذكر كيف ابتدأت المشكلة ليلة أمس عندما عاد إلى البيت سكرانا بعض الشيء، وكالعادة انطلق
يشتم ويهدد بقبضتيه، فنظرت إليه زوجته كما لم تنظر إليه من قبل. عادة ما تشف نظرات عينيها عن الذل
والاستكانة الشبيهة بنظرات كلب أشبع ضربا. لكنها هذه المرة نظرت إليه بتجهم وثبات، كما ينظر القديسون في
الصور المقدسة أو كما ينظر الموتى. من نظرة الشر الغريبة تلك بدأت المشكلة. وفي حالة من الذهول
والاستغراب استعار حصانا من أحد الجيران كي ينقل زوجته العجوز إلى المستشفى لعله باستخدام
المساحيق والمراهم، يستطيع بافل ايفانيتش أن يعيد التعبير الطبيعي لنظرة عينيها.
ويستمر الخراط في حديثه مع نفسه فيقول:
- حسنا، اسمعيني يا ماتريونا، لو سألك بافل ايفانيتش فيما إذا كنت قد ضربتك، يجب أن تنفي ذلك وسوف لن
أضربك بعد اليوم، أقسم على ذلك. وهل ضربتك يوما لأني أكرهك؟ لا، إطلاقا. إنما دوما أضربك وأنا فاقد لوعيي.
أنني حقا أشعر بالأسف من أجلك. لا أظن أن الآخرين سيبالون مثلي، فها أنت ترين، إنني أفعل المستحيل في هذا
الجو الثلجي العاصف كي أصل بك إلى المستشفى. فلتتحقق مشيئتك أيها الرب، وإن شاء الله لن نخرج عن الطريق.
هل يؤلمك جنبك عزيزتي؟ ألهذا أنت لا تتكلمين؟ إني أسألك، هل يؤلمك جنبك؟
لاحظ خلال نظرة خاطفة إلى العجوز بأن الثلج المتجمع على وجهها لا يذوب. والغريب أن الوجه نفسه بدا
مسحوبا، شديد الشحوب، شمعيا، جهما ورصينا. صرخ قائلا:
- أنت حمقاء، حمقاء..، أقول لك ما في ضميري أمام الله، لكنك مع ذلك تصرين على....حسنا، أنت حمقاء، وأنا
قد أركب رأسي..ولا آخذك إلى بافل ايفانيتش.
أرخى اللجام بين يديه وبدأ يفكر. لم يكن في مقدوره أن يستدير تماما لينظر إلى زوجته. كان خائفا. وكان يخشى
أيضا أن يكرر أسئلته عليها دون أن يحصل على جواب. أخيرا، وليحسم الأمر، ومن دون أن يلتفت إليها رفع
يده وتحسسها. كانت باردة، وعندما تركها سقطت كأنها قطعة خشب. ندت منه صرخة.
- إذن فهي ميتة، يا للمصيبة.
لم يكن آسفا قدر انزعاجه. وفكر كيف أن الأشياء تمر سريعة في هذا العالم. لم تكن المشكلة قد ابتدأت وإذا بها تنتهي بكارثة.
لم يسنح له الوقت كي يعيش معها ويكشف لها عن أسفه قبل موتها. عاش معها أربعين عاما لكنها مرت في ضباب
وعتمة مطبقة. لم يكن هنالك من مجال للأحاسيس الجميلة وسط السكر والعربدة والشجار المتواصل والفقر المدقع.
ولكي تغيظه فقد ماتت في اللحظة التي بدأ يشعر فيها بالأسف عليها، وبأنه لا يستطيع العيش
من دونها وأنه كان قاسيا معها وقد أساء لها كثيرا.
قال لنفسه متذكرا:
- كنت أبعثها كي تدور في القرية تستجدي الخبز. كان يمكن أن يطول العمر بها لعشر سنوات أخرى.
المصيبة أنها ماتت وهي تعتقد بأني ذلك الإنسان...... يا أمنا المقدسة. ولكن بحق الشيطان أين
أنا ذاهب الآن؟ ما عاد بي حاجة إلى الطبيب، ما أحتاجه الآن قبرا كي أدفنها.
استدار بالزلاجة وهو يلهب ظهر الحصان بسوطه، وقد ازداد الجو سوءا حتى انعدمت الرؤية تماما. ومن حين
لآخر كانت تضرب وجهه ويديه أغصان الأشجار وتخطف من أمام عينيه أجسام سوداء.
- لو أعيش معها مرة أخرى.
وتذكر بأن ماتريونا قبل أربعين عاما كانت مليحة الوجه مرحة الروح، وهي من عائلة ميسورة الحال، وقد رضي
أهلها أن يزوجوها له بعدما شاهدوا وعرفوا مدى براعته في مهنة الخراطة. كانت كل الأسباب لحياة سعيدة متوفرة
لهما، لكن المشكلة أنه في ليلة عرسه شرب حتى الثمالة ومن يومها وهو سكران طول الوقت ولم يستيقظ أبدا.
نعم فهو يتذكر عرسه، ولكنه لا يتذكر شيئا مما حدث بعد ذلك وطوال حياته، باستثناء أنه كان يسكر ويضطجع
عند الموقد ويتشاجر. هكذا ضاعت منه أربعون سنة.
بدأت الغيوم الثلجية البيضاء تتحول تدريجيا إلى اللون الرمادي مما ينبئ عن قرب الغسق. عاد يسأل نفسه:
- إلى أين أنا ذاهب؟ مطلوب مني أن أفكر بدفن الجثة... بينما أنا الآن في طريقي إلى المستشفى..كأنني فقدت عقلي..
واستدار بزلاجته ثانية. كان الحصان يشخر وراح يتعثر في خببه، فعاد الخراط يجلده من جديد. وكان يسمع
صوت ارتطام خلفه، ومن دون أن يلتفت كان يعرف بأنه صادر عن رأس العجوز وهو يضرب بحافة المقعد.
ازداد الثلج عتمة، واشتدت برودة الريح.
- لو أعيش معها مرة أخرى، سأشتري مخرطة جديدة، وأشتغل...وأجلب لها الكثير من النقود.
أفلتت يداه العنان. بحث عنه. حاول أن يلتقطه، فلم يستطع. قال لنفسه:
- لا يهم. يستطيع الحصان أن يتولى الأمر بنفسه، فهو يعرف الطريق.
يمكنني أثناء ذلك أن أنام قليلا قبل أن أتهيأ للجنازة وصلاة الميت...
أغلق الخراط عينيه وغاص في إغفاءة. بعدها بفترة قصيرة شعر بأن الحصان قد توقف عن السير. فتح عينيه
فرأى أمامه شيئا معتما يشبه كوخا أو كومة من القش. أراد أن ينهض ليكتشف ذلك الشيء، لكنه أحس بأنه
عاجز تماما عن الحركة، ووجد نفسه دون ضجة أو مقاومة يستسلم لنوم هادئ عميق.
عندما استيقظ، وجد نفسه في غرفة فسيحة، مطلية الجدران، وضوء الشمس يتوهج عند الشبابيك. ورأى ناسا
حوله، فكان شعوره الأول أن يعطي الانطباع بأنه سيد محترم ويعرف كيف يلتزم بالسلوك السليم
الذي يفرضه الموقف. قال مخاطبا إياهم:
- الصلاة على روح زوجتي أيها الأخوة. لابد من إعلام القس بذلك...
قاطعه أحدهم بصوت حازم:
- حسنا، حسنا، ولكن لا تتحرك.
صرخ الخراط مندهشا وهو يرى الطبيب أمامه:
- بافل إيفانيتش! ولي نعمتنا المبجل.
أراد أن يقفز ليركع على ركبتيه أمام الطبيب، لكنه شعر بأن ساقيه وذراعيه لا تستجيب له. صاح مرعوبا:
- أين ساقيَّ ؟ وأين ذراعيَّ يا سيدي ؟
- قل لهما وداعا. كانت متجمدة تماما فاضطررنا إلى بترها. هيا...هيا...علام تبكي ؟ لقد عشت حياتك، واشكر
ربك على ذلك. أنت الآن في الستين على ما أعتقد، وأظن أن هذا يكفي بالنسبة لك.
- أنا حزين، حزين جدا...وأرجو أن تسامحني يا سيدي. كم أتمنى لو أعيش خمس أو ست سنوات أخرى.
- لماذا؟
- الحصان ليس لي، ويجب أن أعيده لأصحابه..ويجب أن أدفن زوجتي...أوه يا إلهي..كم تنتهي الأشياء
بسرعة مذهلة في هذا العالم. سيدي..بافل ايفانيتش، سأصنع لك علبة سجاير من أجود أنواع الخشب،
وكذلك كرات للكروكيت...
غادر الطبيب الجناح وهو يلوح بيده. كان كل شيء قد انتهى بالنسبة للخراط.









 


رد مع اقتباس
قديم 05-07-2011   #3


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



الـغُــراب - إدغار ألان بو (1809-1849)
The Raven-Edgar Allan Poe (1809-1849)

ترجمة: شريف بُقنه الشّهراني




نبذة حول الشاعر: إدغار آلان بو / Edgar Allan Poeإدجار آلان بو (19 يناير 1809 -7 أكتوبر 1849 م)
شاعر وكاتب قصص قصيرة وناقد أمريكي، وأحد رواد الرومانسية الأمريكية. ولد عام 1809 م في مدينة بوسطن
في ولاية ماساشوستس. وأكثر ما اشتهر به قصص الفظائع والأشعار، وكان من أوائل كتاب القصة
القصيرة، ومبتدع روايات المخبرين (التحري). وينسب إليه ابتداع روايات الرعب القوطي.
مات في سن الأربعين، وسبب وفاته ما زال غامضا، وكذلك مكان قبره.



الـغُــراب - إدغار ألان بو



ذاتَ مرّةٍ في منتصفِ ليل موحش، بينما كنتُ أتأمّل، ضعيفٌ و قلِق،وفوق كتلٍ عديدة من غرابةِ و فضولِ المعرفةِ المَنْسية.
بينما كنتُ أومئ، بالكاد أغفو، فجأةً هُناك جاءَ دَقّ،وكأنّه شخصٌ يرقّ، على باب حجرتي يطُقّ،"إنّه زائرٌ ما!"
تأفّفتُ، "يدقُّ بابَ حجرتي؛ هذا فقط، و لاغيرَه معي."آه، بوضوح تذكّرتُ، أنّه كان في ديسمبر القابِض،
و أنّ كلّ جذوةٍ مفصولةٍ ميّتةٍ شكّلت شبحاً لها على الأرض.
بلهفةٍ تمنيّتُ الغَدْ، عبثاً التمستُ لأنْشُدْمن كُتُبي ينتهي الأسى، أسى لينور التائه،للبتول المُتألّقة النّادرة التي يسمّونها
الملائكةُ لينور،بلا اسمٍ هُنا ويدور.و الحُزنُ الحريريّ بحفيفٍ غير مُحدّدٍ لكلِّ سِتار ارجوانيّروّعني ملأني بمخاوفَ
رائعةٍ لم أحُسّها من قبلِ؛و هَكذا الآن، حتّى بقاء خفَقان قَلبي، أتكبّدُ التّكرار،"ثمّةَ زائرٌ يستجدي دخولاً عندَ باب
حجرتي، ثمّةَ زائرٌ مُتأخّر يستجدي دخولاً عندَ باب حجرتي،هذا فقط، ولا غيرهُ معي."
حالياً روحي تَتَرعرع أقوى ،متردّدٌ إذن لن يبقى،"سيّد،" قلتُ، أو "سيّدة، إنّما مغفرتُكَ أناشِد،ولكنّ الحقيقة
أنّني، كُنتُ غافياً أرمُقْ، وبرقّةٍ جئتَ أنتَ تطرُقْ.
و بخفوتٍ جئتَ أنتَ تدُقّ، تدُقّ عندَ باب حجرتي.
إنّني بالكاد كنتُ واثقاً إنني سمعتُك."هُنا فتحتُ باتّساع بابَ حُجرتي؛-ظلامٌ هُناك، و لاغيره معي.
عميقاً في تحديقةِ الظلام، طويلاً وقفتُ هُناك،أتساءلُ ، أتخوّفأتوجّس ،أتحلّمُ أحلاماً لم يجرؤ هالكٌ على حُلمها مِن قَبل أبدا.
لكنّ الصّمت لايقبلُ انكسارة، والسّكَنُ لا يُعطي اشارة،و إنّما الكلمةُ الوحيدةُ المُثارة، كانت،كلمةُ " لينور " الهامِسة!
هكَذا أهمُسُ، و الصّدى يتُمتمُ بعدي،كلمةُ " لينور!"هكذا فحسْب، ولا غيرهُ معي.
عدتُ الى حجرتي تتقلّب، و كلُّ الرّوحُ بداخلي تتحرّق،مرّةً أخرى و بسرعةٍ سمعتُ دقّاً، شيءٌ أقوى منه قَبْل"بالتّأكيد، " قلتُ، "بالتّأكيد ذاكَ شيء عندَ شَبْك نافِذتي.
دعني أرى، عندها ماذا سيكون هذا المُخيف، وهذا الطلْسمُ ينفضح دع قلبي هادئاً للحظة، و هذا الطّلسمُ ينفضِح"
انّها الرّيح، ولا غيرها معي.
إفْتَحْ هُنا و دفَعتُ الدّرفة، عندها، و بكثير من التغنّج و الرّعشة الى الداخل خَطا غُرابٌ جليل من الأيام التقيّة الغابرة.
من دون أقلّ احترام يفعله، و لا لوهْلةٍ تمنعهُ أو تُمهله؛ لكِن بشموخ الأمير أو السّيدة، جثَمَ فوق باب حجرتي
جَثَمَ على تمثالي بالاس، تماماً فوق باب حُجرتيجثَمَ، و جَلَس، و لا غيرهُ معي.
إذ ذاكَ الطيرُ البَهيم يُحيلُ وهمي البائس الى ابتسام،بأدبٍ عابس رصين لمَلامح تتلبّس،"و إن يكُن عُرفُك مجزوز حلّيق.. وإن يكُن"
قلتُ "الفنُّ أبداً ليس جبان، يا هذا الغرابُ الشبحيّ الصارم السّحيق،تتسكّعُ من شاطئ الليل،أخبرني
ما اسمُ جلالتكُم هُناك في شاطئ الليل البلوتوني[1] "!
كرَعَ الغُراب "أبداً ، ليس بعد ذلك".
عجبتُ بهذا الطيْر الأخرق كيف أنّه يستمعُ لهذا الحديث بلباقة،مع ذلك يكونُ جوابه يفتقدُ مَعنى، يفتقدُ أدنى
صِلة؛و هكذا لا يمكنُ ان نتّفق بعدم وجود كائن انساني على قيد الحياة بُورَك بمجرّد رؤية طائر فوق باب
حجرته طائرٌ أو بهيمة على التمثال المَنحوت فوق باب حجرته،و باسم مثل هذا "أبداً، ليس بعد ذلك".
لكنّما الغراب يجلسُ وحيداً على التمثال الهادئ، لا يلفُظ إلا بتلك الكلمةِ الوحيدة،لكأنّ روحهُ في تلك الكلمة التي
يهذي،لا شيء بعد ذلك لفَظْ،و لا حتّى ريشة تنتفِضْ،وهكذا إلى أنني بالكاد تمتمتُ " أصدقاءٌ آخرون
طاروا من قَبْلو في الغدِ سيتركني، مثل أمالي التي تركتني من قَبْل"
حينَها قال الطيْر "أبداً ، ليس بعد ذلك".
أفزعُ عند ذلك السّكون المقطوعِ بتلك الإجابة الرّصينة،"من دونِ شكّ"، قلتُ، "ما يُبديه هو المُدّخَر و البقيّة الباقية،
حصلَ عليها من سيّد تعيس ظلّ يطاردهُ بسرعة و يطاردهُ سريعاً إعصارٌ غير رحومو هكَذا حتى أغنياته ظلّت
تلازمهُ ضجراًحتّى مراثي أمله ظلّت تلازمهُ سوداوية و ضجراًبــ’أبداً.. أبداً، ليس بعد ذلك ’".
لكنّ الغرابُ مايزالُ يُحيلُ روحي الحزينة الى ابتسامة،سُرعان ما اتخذتُ مقعداً وثيراً أمام طيْر ،و تمثالٍ و باب،
عندَها، و بغرقٍ مخمليّ، ذهبتُ بنفسي لأختَليرؤياً بعد رؤيا ، أتخيّلُ ما هذا الطّائرُ المشؤوم الأخير!
ما هذا الطائرالعابس الأخرق، الرّهيب، الهزيل، و المشؤوم الأخيرالذي يقصدُ بالنّقيق "أبداً، ليس بعد ذلك".
هذا أجلسَني فأختلجَ فِيّ التّفكير، لكن بلا كلمة أو تعبيرإلى الطائر الذي احترقَت عيناه المُشتعلتين الآن في صميم
قلبي؛هذا و المَزيد فجلستُ أُخمّن، و رأسي في رغَدٍ يُطمئِنعلى مخملٍ يُبطّن وسادةً، ذلكَ الذي ينسّابُ عليه ضوءُ
المصباحلكِن لمَن بنفسجُ المخمل يبطَّن فيَنسابُ معهُ ضوءُ المِصباح،لسوفَ ينضغطُ، آه، أبداً، ليس بعد ذلك.
عندَها، فكّرت، الهواءُ يزدادُ كثافة،مُعطرٌ من مبخرة في الخفاوة،مأرجَحٌ من قبل سيرافيم[2]التي رنَّ وقْعُ قدمِها على الأرض المُظفّرة.
"صعلوكٌ،" أنتحِبُ، " الله أعاركَ هذا بهذه الملائكة منحَ الراحة راحةٌ و شرابُ سلوان لذكريات لينور،
تجرّع، آه تجرّع هذا الشراب اللطيفو انسى تلكَ المفقودة لينور"!
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
"نبيّ!" قلتُ، " شيءٌ خسيس،و نبيّ حبيس، يكونُ طائراً أو إبليس!هل كانت عاصفةً
أرسلتكَ، أم كانت عاصفةً قذَفت بك هنا الى الشاطئ!
مهجورٌ لكنك دائماً تُقدِم، في هذهِ التربة المُقفرة تُفتن،في هذا البيْت بالترويع تسكُناخبرني بصدقٍ، انني أتضرّع
هل ثمّةَ .. هل ثمّة من بَيلسان في ارض الميعاد![3]أخبرني..أخبرني، انّني اتضرّع"!
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
"نبيّ!" قلتُ، " شيءٌ خسيس! و نبيّ حبيس، يكونُ طائراً أو إبليس!
بحقّ الجنّةِ التي تنحني من فوقِنا بحقّ ذاك الإله الذي يحبّه كلانا
أخبر هذه الروح التي بوجعها تحتمِل هل من نعيم مُحتمَل!
هل سيكونُ لها أن تعانقَ البتولَ الطاهرة التي يسمّونها الملائكةُ لينور.
تعانق البتول النادرة المُتألّقة النّادرة التي يسمّونها الملائكةُ لينور".
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
"كُن تلك الكلمة إيذانُ فراقنا، أيّها الطائر أم الشيطان!"
زعقتُ، مُتهيّجاً "فلتعُد حيثُ العاصفة أو شاطئ الليل البلوتوني!
لا تترُك و لا ريشةٍ سوداء كتذكار لتلك الكذبة التي لفظتها مُهجتي!
أتركني فلا تكسر وحدتي!
غادِر التمثال فوق بابي!
ولتنزع المنقار خارج قلبي، و تنزع الهيكل بعيداً عن بابي"!
كرعَ الغُرابُ "أبداً، ليس بعد ذلك".
و الغُراب، فلاينتقِل، يبقى يستقرّ،يبقى يستقرّ،على تمثال بالاس الشاحِب تماماً فوق باب حجرتي؛و عيناهُ
تتهيّء كشيطانٍ يتطيّر،و ضوء المَصباح فيهِ يتدفّق ليُلقي بظلٍّ له على الأرضيةو روحي من خارج
ذاكَ الظلّ الذي يمتدّ مُرفرفاً على الأرضيةفلا يبقى إلا!
أبداً، ليس بعد ذلك.




[1] Night's Plutonian shore
[2] Seraphim
[3] balm in Gilead ،البيلسان (شجر)







 


رد مع اقتباس
قديم 05-27-2011   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



لمـن أشكـو كآبتـي .. لتشيخوف






غسق المساء.. ندف الثلج الكبيرة الرطبة تدور بكسل حول مصابيح الشارع التي أضيئت لتوها، وتترسّب طبقة رقيقة ليّنة على أسطح المنازل وظهور الخيل,
وعلى الأكتاف والقبعات.. والحَوذي (ايونا بوتابوف) أبيض تماماً كالشبح.. انحنى متقوساً، بقدر ما يستطيع الجسد الحي أن يتقوس وهو جالس على المقعد
بلا حراك.. ويبدو أنه لو سقط عليه كوم كامل من الثلج فربما ما وجد ضرورة لنفضه … وفرسه أيضاً بيضاء تقف بلا حراك وتبدو بوقفتها الجامدة وعدم
تناسق بدنها وقوائمها المستقيمة كالعصي حتى عن قرب أشبه بحصان الحلوى الرخيص، وهى على الأرجح مستغرقة في التفكير؛ فمن أُنتزع من المحراث
من المشاهد الريفية المألوفة وأُلقي به هنا في هذه الدوامة المليئة بالأضواء الخرافية والصخب المتواصل والناس الراكضين لا يمكن ألا أن يفكر.
لم يتحرك ايونا وفرسه من مكانهما منذ وقت طويل. كانا قد خرجا من الدار قبل الغداء ولكنهما لم يستفتحا حتى الآن، وها هو ظلام
المساء يهبط على المدينة، ويتراجع شحوب أضواء المصابيح مفسحاً مكانه للألوان الحيّة, وتعلو ضوضاء الشارع.
ويسمع ايونا: يا حوذي! إلى فيبورجسكا! يا حوذي!
يتنفض ايونا ويرى، من خلال رموشه المكللة بالثلج، رجلاً عسكرياً في معطفه بقلنسوة.
ويردد العسكري: إلى فيبورجسكايا, ماذا هل أنت نائم؟ إلى فيبورجسكايا!
ويشد أيونا اللّجام؛ علامة الموافقة، فتتساقط إثر ذلك طبقات الثلج من على ظهر الفرس ومن على كتفيه …
ويجلس العسكري في الزحافة، ويطقطق الحوذي بشفتيه ويمد عنقه كالبجعة وينهض قليلاً ويلوح بالسوط
بحكم العادة أكثر مما هو بدافع الحاجة وتمد الفرس أيضاً عنقها, وتعوج سيقانها وتتحرك من مكانها بتردد …
وما إن يمضي ايونا بالزحافة حتى يسمع صيحات من الحشد المظلم المتحرك جيئةً وذهاباً: إلى أين تندفع أيها الأحمق!
أي شيطان ألقى بك؟ الزم يمينك! .. ويقول العسكري بانزعاج: أنت لاتجيد القيادة! الزم يمينك!
ويسبّه حوذي عربة حنطور، ويحدق أحد المارة بغضب وكان يعبر الطريق فاصطدمت كتفه بعنق الفرس وينفض الثلج عن كمه، ويتملل ايونا فوق
المقعد وكأنه جالس على جمر ويضرب بمرفقيه في كلا الجانبين ويدور بنظراته كالممسوس وكأنما لا يفهم أين هو ولماذا هو هنا.
ويسخر العسكري: يا لهم جميعاَ من أوغاد! كلهم يسعون إلى الإصطدام بك أو الوقوع تحت أرجل الفرس.. إنهم متآمرون ضدك..
يتطلع ايونا إلى الراكب ويحرك شفتيه .. يبدو أنه يريد أن يقول شيئاً ما ولكن لا يخرج من حلقه سو الفحيح.
فيسأله العسكري: ماذا؟
يلوي ايونا فمه بابتسامة ويوتر حنجرته ويفح:
- أنا يا سيدي.. هذا الأسبوع ..ابني مات.
- ممم!.. مات إذن؟
يستدير ايونا بجسده كله نحو الراكب ويقول: ومن يدري؟ .. يبدو أنها الحمى .. رقد في المستشفى ثلاثة أيام ومات… مشيئة الله.
ويتردد في الظلام: - حاسب يا ملعون ! هل عَميت أيها الكلب العجوز؟ افتح عينيك!
ويقول الراكب: هيا, هيا سرّ، بهذه الطريقة لن نصل ولا غداً. عجّل! ويمد الحوذي عنقه من جديد، وينهض قليلاً ويلوح بالسوط بحركة رشيقة
متثاقلة، ويلتفت إلى الراكب عدّة مرّات ولكن الأخير كان قد أغمض عينيه ويبدو غير راغب في الإنصات. وبعد أن أنزله في فيبورجسكايا
توقّف عند إحدى الحانات، وانحنى متقوساً وهو جالس على مقعد الحوذي, وجَمُد بلا حراك مرة أخرى ..
ومن جديد يصبغه الثلج الرطب؛ هو وفرسه باللّون الأبيض، وتمرّ ساعة وأخرى.
على الرصيف يسير ثلاثة شبـّان وهم يطرقعون بأحذيتهم في صخب ويتبادلون السباب؛ إثنان منهم طويلان
نحيفان والثالث قصير أحدب .. ويصيح الأحدب بصوت مرتعش:
- يا حوذي إلى جسر الشرطة! ثلاثة ركاب …. بعشرين كوبيكا.
يشد ايونا اللّجام ويطقطق بشفتيه ليست العشرون كوبيكا بسعر مناسب ولكنه في شغل عن السعر ... فسواء لديه روبل أم خمسة كوبيات …
المهم أن يكون هناك ركاب … يقترب الشبـّان من الزحافة وهم يتدافعون بألفاظ نابية ويرتمي ثلاثتهم على المقعد دفعة واحدة.
وتبدأ مناقشة حادة من الإثنين اللّذين سيجلسان ومن الثالث الذي سيقف؟ وبعد سباب طويل ونزق وعتاب يصلون إلى حلّ:
الأحدب هو الذي ينبغي أن يقف باعتباره الأصغر .. فيقول الأحدب بصوته المرتعش وهو يثبت أقدامه ويتنفس في قفا ايونا:
هيا عجل! اضربها بالسوط! يا لها من قبعة لديك يا أخي! لن تجد في بطرسبرج كلها أسوأ منها.
فيقهقه ايونا: هذا هو الموجود.
- اسمع أنت أيها الموجود عَجّل، هل تسير هكذا طول الطريق؟ ألا تريد صفعة على قفاك؟
ويقول أحد الطويلين: رأسي يكاد ينفجر؛ شربت بالأمس أنا وفاسكا عند آل دوكماسوف أربع زجاجات كونياك نحن الاثنين ..
ويقول الطويل الآخر بغضب: لا أدري ما الداعي للكذب! يكذب كالحيوان.
- عليّ اللعنة إن لم تكن حقيقة.
- إنها حقيقة مثلما هي حقيقة أن القملة تعسل


فيضحك ايونا: هىء هىء هىء .. سادة ظرفاء.
ـ فلتخطفك الشياطين! هل ستعجل أيها الوباء العجوز أم لا!
ـ هل هذا سير؟ ناولها بالسوط! هيا ايها الشيطان! هيا! ناولها جيداً!
ويحس ايونا خلف ظهره بجسد الأحدب المتململ ورعشة صوته ويسمع السبابا الموجه إليه ويرى الناس فيبدأ الشعور بالوحدة ينزاح عن صدره شيئاً فشيئاً.
ويظلّ الأحدب يسب حتى يغص بسباب منتقى فاحش وينفجر في السعال. ويشرع الطويلان في الحديث عمن تدعى ناديجدا بتروفنا
ويتطلع ايونا نحوهم وينتهز فرصة الصمت فيتطلع نحوهم ثانية ويدمم:
- أصلاً أنا..هذا الأسبوع..ابني مات!
فيتنهد الأحدب وهو يمسح شفتيه بعد السعال:
- كلنا سنموت .. هيا عجل عجل .. يا سادة أنا لا يمكن أن أمضي بهذه الطريقة متى سيوصلنا؟
- حسنا فلتشجعه قليلاً … في قفاه!
ـ هل سمعت أيها الوباء العجوز؟ سأكسر لك عنقك! التلطف مع جماعتكم معناه السير على الأقدام .. هل تسمع أيها الثعبان الشرير؟
أم أنك تبصق على كلماتنا؟ويسمع ايونا أكثر مما يحس بصوت الصفعة على قفاه.
فيضحك هىء .. هىء.. هىء .. سادة ظرفاء .. ربنا يعطيكم الصحة.
ويسأل أحد الطويلين: يا حوذي هل أنت متزوج؟
- أنا .. هىء... هىء .. سادة ظرفاء! لم يعد لدي الآن إلا زوجة واحدة: الأرض الرطبة؛ أي القبر! ..ها هو ابني قد مات وأنا أعيش ..
شيء غريب؛ الموت أخطأ بوابته .. بدلاً من أن يأتيني ذهب إلى ابني.
ويتلفت أيونا لكي يروي كيف مات ابنه ولكن الأحدب يتنهد بارتياح ويعلن أنهم أخيراً، والحمد لله، وصلوا.. ويحصل ايونا على العشرين كوبيكا،
ويظل طويلاً في إثر العابثين وهم يختفون في ظلام المدخل وها هو وحيد ثانيةً ومن جديد يشمله السكون ..
والوحشة التي هدأت قليلاً تعود تطبق على صدره بأقوى مما كان وتدور عينا ايونا بقلق وعذاب على الجموع
المهرولة على جانبي الشارع: ألن يجد في هذه الآلاف واحداً يصغي إليه؟
ولكن الجموع تُسرع دون أن تلاحظه أو تلاحظ وحشته؛ وحشة هائلة لا حدود لها .. لو أن صدر ايونا انفجر وسالت منه الوحشة فربما
أغرقت الدنيا كلها، ومع ذلك لا أحد يراها. لقد استطاعت أن تختبئ في صَدفة ضئيلة؛ فلن تُرى حتى في وَضَح النهار.
يلمح ايونا بواباً يحمل قرطاساً فينوي أن يتحدث إليه ويسأله: كم الساعة الآن يا ولدي؟
- التاسعة.. لماذا تقف هنا .. امشِ.
يتحرك عدّة أمتار ثم ينحني متقوساً ويستسلم للوحشة .. ويرى أنه لا فائدة بعد من مخاطبة الناس ولكن ما إن تمر بضع دقائق
حتى يتعدل وينفض رأسه كأنما أحس بوخزة ألم حادة ويشد اللّجام … لم يعد قادراً على التحمل. ويخاطب نفسه: إلى البيت .. إلى البيت.
وكأنما فهمت الفرس أفكاره فتبدأ في الركض بحماس، وبعد حوالي ساعة ونصف يكون ايونا جالساً بجوار فرن كبير قذر، وفوق الفرن وعلى الأرض
وعلى الآرائك يتمدد أناس يشخرون، والجوّ مكتوم خانق .. يتطلع ايونا إلى النائمين، ويحك جلده ويأسف لعودته المبكرة إلى البيت ويقول لنفسه:
لم أكسب حتى حق الشعير ولهذا أشعر بالوحشة، الرجل الذي يعرف عمله، الشابع هو وفرسه؛ دائما مطمئن البال.
في أحد الزوايا ينهض حوذي شاب، ويكح بصوت ناعس ويمد يديه إلى الدلو .. فيسأله ايونا:
- أتريد أن تشرب؟
- كما ترى.
- بالهناء والشفاء .. أما أنا يا أخي فقد مات ابني هل سمعت؟ هذا الأسبوع في المستشفى … حكاية!
ويتطلع ايونا ليرى أي تأثير تركته كلماته ولكنه لا يرى شيئاً؛ فقط تَغطًى الحَوذي الشاب حتى رأسه وغطّ في النوم، ويتنهد العجوز ويحك جلده ..
فمثلما رغب الحوذي الشاب في الشرب يرغب هو في الحديث .. عما قريب يمرّ أسبوع
منذ أن مات ابنه، بينما لم يتمكن حتى الآن من الحديث عن ذلك مع أحد كما يجب.
ضروري أن يتحدث بوضوح على مهل .. ينبغي أن يروى كيف مرض ابنه وكيف تعذب وماذا قال قبل وفاته وكيف مات، ينبغي
أن يصف جنازته وذهابه إلى المستشفى ليتسلم ثياب الفقيد، وفي القرية بقيت ابنته أنيسيا .. ينبغي أن يتحدث عنها أيضاً ..
وعوماً فما أكثر ما يستطيع أن يروي الآن؛ ولا بد أن يتأوه السامع ويتنهد ويرثي …
والأفضل أن يتحدث مع النساء، فهؤلاء وإن كن حمقاوات يوَلونْ من كلمتين.
ويقول ايونا لنفسه: فلأذهب لأتفقد الفرس .. وفيما بعد سأشبع نوماً .. يرتدي الملابس ويذهب إلى الإصطبل حيث تقف الفرس
ويفكر في الشعير والدريس والجو فعندما يكون وحده لا يستطيع أن يفكر في ابنه .. يستطيع أن يتحدث عنه مع أحد،
وأما أن يفكر فيه ويرسم لنفسه صورته فشيء رهيب لا يطاق .. ويسأل أيونا فرسه عندما يرى عينيها البراقتين
- تمضغين؟ حسناً امضغي امضغي .. ما دمنا لم نكسب حق الشعير فسنأكل الدريس ..
نعم أنا كبرت على القيادة، كان المفروض أن يسوق ابني لا أنا، كان حوذياً أصيلاً لو أنه فقط عاش ..
ويصمت ايونا بعض الوقت ثم يواصل:
- هكذا يا أخي الفرس، لم يعد كوزما أيونيتش موجوداً .. رحل عنا .. فجأة .. خسارة .. فلنفرض مثلاً أن عندك مهراً
وأنت أم لهذا المهر .. ولنفرض أن هذا المهر رحل فجأة، أليس مؤسفاً؟
وتمضغ الفرس وتنصت وتزفر على يدي صاحبها، ويندمج ايونا فيحكي لها كل شيء.



أنطون بافلوفيتش تشيخوف












 


رد مع اقتباس
قديم 06-03-2011   #5


الصورة الرمزية malak alrooh
malak alrooh غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 292
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 12-20-2015 (03:35 PM)
 المشاركات : 6,540 [ + ]
 التقييم :  15177146
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 90
تم شكره 43 مرة في 30 مشاركة
افتراضي



اعذريني يالغالية
قرات جزأ منها
ولي عودة ان شاء الله لاكمال ما تفضلتي به من قصص عالمية رااائعة
سلمت الايدي لحسن الاناقء المميز
وتبقين عنوانا للتالق والتميز ..
احترامي ..









 
 توقيع :



كم اود ان اطوقك في عنقي
كـ..عقدي الذي لا يفارقني ابدا ..


رد مع اقتباس
قديم 06-04-2011   #6


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انثى رومانسية مشاهدة المشاركة
اعذريني يالغالية
قرات جزأ منها
ولي عودة ان شاء الله لاكمال ما تفضلتي به من قصص عالمية رااائعة
سلمت الايدي لحسن الاناقء المميز
وتبقين عنوانا للتالق والتميز ..
احترامي .






أهلا وسهلا فيك أنثى رومانسية
تشرفت بمرورك
وتعليقك العطر.
شكرا لك ياغالية
مودتي






 


رد مع اقتباس
قديم 03-12-2012   #7


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اقدم لك روايه الكاتب ألأمريكى ألأشهر إرنست هيمنجواى
العجوز والبحر
والتى حصل عنها على جائزه نوبل لللآداب عام 1954
تبدأ الرواية بالتعريف ببطلها وهو رجل عجوز يدعى "سانتياجو"أضنته الشيخوخة ولكن له عينان يملؤهما الأمل ، يعمل بالصيد وحده في مركب شراعي صغير في مجرى الخليج، لم يظفر حتى الآن بأية سمكة منذ أربعة وثمانين يوماً مضت .

قصة حب ووفاء ربطت بين الصياد العجوز "سانتياجو" والصبي "مانولين" الذي كان يساعده في مهمات الصيد، ولكن نظراً للحظ السيئ الذي عانى منه "سانتيجو" أجبر والد الصبي ابنه على ترك العجوز والعمل مع صياد آخر يكون أوفر حظاً.

وعلى الرغم من ذلك لم يتخل الصبي الصغير عنه فكان دائم الذهاب إليه راجياً العودة للعمل معه مرة أخرى، وتدور بينهما الكثير من الأحاديث عن البحر والصيد وأمجادهم التي حققاها معاً، والبيسبول هذه الرياضة التي كان يعشقها "سانتياجو" ويتابع أخبارها وأبطالها.

الانطلاق في البحر

جاء اليوم الخامس والثمانين ليضاف للأيام التي لم يحالف الحظ فيها سانتياجو باصطياد أية سمكة، وقد أصر الصبي الصغير على مساعدته وإحضار السردين اللازم للصيد قائلاً إذا كان لا يمكنني أن أصطاد معك فلا أقل من أن أخدمك بطريقة ما.

استيقظ الصياد مبكراً فجر هذا اليوم وذهب لإيقاظ الصبي الذي ساعده في إعداد المركب فحمل حبال الصيد والرمح والخطاف وجهزه بالطعم الطازج والسردين، بينما حمل هو الصاري فوق كتفه ووضع الاثنان جميع المعدات في المركب، وودعه الصبي متمنياً له حظاً سعيداً.

ثبت العجوز مجدافيه في موضعهما وانطلق خارجاً من المرفأ تحت جنح الظلام عاقد العزم على التوغل في البحر بعيداً.

كان سانتياجو يؤمن أنه خلق في هذه الحياة من اجل مهمة محددة وهي أن يكون صياداً، وبالفعل كان صياداً ماهراً يتمتع بخبرة واسعة في أنواع الأسماك المختلفة وأساليب الصيد وفنونه وأحوال البحر، قال عن نفسه ذات مرة "ربما لم يكن خليقاً بي أن أكون صياداً ولكنني ولدت من أجل تلك المهنة".

تقافزت حول المركب الأسماك الطائرة والتي كان "سانتيجو" مغرماً بها ويعدها صديقاته الأثيرات وسط المحيط، لم يكن هناك أحدا ليحدثه خلال رحلته سوى نفسه وكان حلمه دائماً أن يمتلك راديو مثل أثرياء الصيادين ليتمكن من سماع نتائج فريق البيسبول.

جدف العجوز بثبات موغلاً في البحر قائلاً: إنني أحتفظ بمواقع ما ألقى به من طُعم للسمك بدقة، غير أن الحظ قد تخلى عني، ولكن من يعلم ؟ لعله يحالفني اليوم، فكل يوم هو يوم جديد، من الأفضل أن يكون الإنسان محظوظاً، ولكنني أوثر إذا عملت عملاً أن أتقنه، حينئذ إذا جاء الحظ يكون المرء متأهباً لاستقباله.

ظل العجوز يراقب البحر والكائنات البحرية التي تمر عليه، وحركة الطيور التي تدل كثرتها في مكان ما على تجمع الأسماك وتمثل عون كبير له، وأثناء ذلك ظفر بإحدى سمكات التونة فاحتفظ بها كطعام يمده بالقوة اللازمة.


السمكة الضخمة

اشتدت حرارة الشمس في السماء وبدأ العجوز يقطر عرقاً كان يأمل أن يحظى ببعض النوم ولكنه تذكر أن اليوم يكون قد مضى خمسة وثمانون يوماً ولابد له أن يظفر بصيد جيد، أثناء ذلك شعر بتوتر طفيف في الحبل بين يديه وعرف بحكم خبرته أن هناك على عمق ستمائة قدم سمكة "مرلين" ضخمة تلتهم السردين الذي يغطي طرف الخطاف، وبمهارة بدأ الصياد في مناورة السمكة برفق وتؤده حتى لا تنطلق هاربة فأرخى لها الحبل حتى تتناول الطعم، وبعد عدة جولات شعر فجأة بثقل كبير فأرخى الحبل الذي انساب لأسفل، وبدأت السمكة في السباحة بثبات موغلة في البحر قاطرة المركب معها.

ذخر "سانتياجو" كل ما لديه من طاقة من أجل الثبات والجلد والصبر .

لم يكن صيدها سهلاً إطلاقا فقد استغرقت أكثر من يومين وهي تسحب المركب، بينما الصياد العجوز يشد الحبل على ظهره ويتناوب بيديه وقدميه الإمساك به، مع تقطيعه لسمكة التونة لأكلها وإمداد جسمه بالقوة اللازمة للصمود.

ظل العجوز طوال رحلته في مياه المحيط يتذكر الصبي ويتمنى وجوده معه في كل لحظة ليعاونه، خاصة مع اشتداد ثقل الحبل على ظهره وتقلص يده اليسرى وكثرة الجروح التي عانى منها وشعوره بالدوار والضعف من آن لأخر واحتياجه للنوم، ولكن لم ينل كل هذا من عزيمته شيئاً.

كان الصياد مصراً على اصطياد السمكة رغم الإشفاق الذي شعر به نحوها، ونقرأ جزء من الرواية تتباين فيه مشاعر "سانتياجو" قائلاً: إن السمكة صديقتي أيضاً، لم أر أو أسمع قط بمثل تلك السمكة ولكن لابد لي من أن أقتلها.

ثم شعر بالأسى من أجلها فليس لديها ما تقتات به غير أن عزمه على قتلها لم يفتر قط برغم حزنه عليها، فهمس لنفسه: كم من الناس ستطعمهم تلك السمكة، ولكن هل هم جديرون بأكلها؟ كلا طبعاً، لا يوجد من هو أهل لتناول لحمها لما أبدته من سلوك رائع ووقار وسمو".

استمرت السمكة في سحبها للمركب واستمر الصياد العجوز في مناوراته معها، ثم سبح في أفكاره متذكراً انتصاره على الزنجي العظيم في لعبة اليد الحديدية في حانة "كاسا بلانكا" فأعطاه ذلك مزيد من القوة، وفي هذه الأثناء تمكن من اصطياد دلفين احتفظ به حتى يأكله ويمده بالطاقة اللازمة للصمود.


هجوم مفاجئ

حاول العجوز أن يغفو قليلاً بعد أن أمسك بالحبل بإحكام بيده اليمنى وألقى بثقل جسده كله فوقها ملتصقاً بخشب المركب وحرك الحبل المشدود على كتفه قليلاً وضغط عليه بيده اليسرى بكامل قوته، حتى إذا استرخى في نومه يظل قابضاً بقوة على الحبل ومتحكم في السمكة.

استغرق العجوز في النوم إلا أنه استيقظ فجأة على هجوم مباغت من السمكة التي أخذت تقفز من المحيط قفزات متوالية وسريعة، انحنى إلى الخلف وجذب الحبل بشدة فألهب ظهره وتحملت يده اليسرى العبء الناجم من الحبل المشدود وهو يحز بها حزاً مؤلماً دامياً، ومع قفزات السمكة انكفأ الصياد على وجهه، ثم مالبث أن نهض ثانية في عزم وتصميم على قهرها، وعندما هدأت قليلاً سبحت مع التيار بعد أن أصابها التعب.

الجولة الأخيرة

أشرقت الشمس للمرة الثالثة منذ نزول "سانتياجو" إلى البحر، وبدأت السمكة تحوم وبدأ هو في جذب الحبل برفق، واستمرت السمكة في دورانها وعندما بدأت في الاقتراب ، حاول حشد طاقات جسده كاملة .

ظل الصياد في مناوراته التي أنهكته معها وكاد أن يظفر بها إلا أنها مالبثت أن اعتدلت وراحت تسبح ببطء مبتعدة فحدثها قائلاً: إنك تقتليني أيتها السمكة ولكن ذلك من حقك، إنني لم أر قط سمكة أضخم ولا أجمل ولا أنبل منك أيتها الأخت، تقدمي واقتليني فلست أبالي بمن يقتل من.

اشتد التعب والإعياء بالصياد ولكن ظلت عزيمته متقدة وبدأت السمكة في جولتها الأخيرة تصعد وتسير بشكل دائري مرة أخرى حول المركب وبدأ هو في استرداد حبله تدريجياً وهو يجذبها إليه وفي اللحظة الحاسمة، امسك برمحه وسدد طعنة قوية لها فاخترق الرمح الحديدي جسدها بقوة، وقفزت قفزة هائلة ثم سقطت معلنة انتصار الصياد العجوز.

أحكم "سانتياجو" تثبيت السمكة الضخمة وربطها في المركب فأصبحت من ضخامتها تبدو وكأنها مركب أخر يسير بمحاذاة مركبه وأخذ يحلم بالأرباح التي سوف تدرها عليه حيث يزيد وزنها عن ألف وخمسمائة رطل.

هجوم مكثف

مهمة جديدة ألقيت على كاهل "سانتياجو" وهي حماية السمكة من أسماك القرش التي جذبتها رائحة الدم الطازج الذي نزفته السمكة بعد طعنها، وكانت البداية مع سمكة قرش ضخمة فاستل رمحه واحكم تثبيته في طرف حبله وانتظر اللحظة المناسبة عندما اقترب القرش من مؤخرة المركب وفتح فكيه وأطبقه على لحم السمكة بالقرب من الذيل فطعنه الصياد طعنة أودت بحياته.

فقدت السمكة حوالي أربعين رطل من وزنها وعلى الرغم من الأسى الذي شعر به الصياد إلا انه لم يفقد الأمل ولم ينال ذلك من عزيمته قائلاً: من السذاجة والحماقة أن يفقد المرء الأمل هذا بجانب أنني أعتقد أن اليأس خطيئة.

وكانت مع الوقت تتوالى هجمات القرش عليها ..


العودة

لاحت أضواء هافانا من بعيد وعلم الصياد العجوز أنه اقترب من موطنه، وأخيراً وصل للشاطئ لم يكن هناك من يساعده فجذب المركب للساحل وخلع الصاري وطوى الشراع عليه وحمله على كتفه وتحرك باتجاه المنزل، ثم توقف وتطلع للخلف فشاهد من خلال الأضواء المنعكسة ذيل السمكة الضخم في وضع رأسي خلف مؤخرة المركب ورأى عمودها الفقري ابيض عارياً وكتلة الرأس القاتمة بمنقارها البارز وكان كل ما بينهما مجرداً من اللحم.

استأنف سيره للمنزل إلا أنه اضطر للجلوس خمس مرات قبل أن يصل إليه ويشرب جرعة ماء ويتمدد على الفراش.

عندما حضر الصبي "مانولين" في صباح اليوم التالي إلى الكوخ ووجده نائماً أنخرط في البكاء حزناً عليه وانطلق ليحضر له القهوة، وقد رأى الصيادين متجمعين حول المركب وهيكل السمكة منبهرين وقد انهمك احدهم في قياسه، قائلاً أنها تبلغ ثمانية عشر قدم من الأنف للذيل، وقال آخر يا لها من سمكة لم ير قط أحد مثلها.

رجع مانولين مرة أخرى للصياد العجوز حاملاً معه قدح القهوة الساخنة وعندما استيقظ قال له أن السمكة لم تتمكن من هزيمته، وأنهم بحثوا عنه كثيراً مع خفر السواحل والطائرات ولكن لم يعثروا عليه.

شعر العجوز بالسعادة عندما وجد من يتحدث إليه بعد أن كان يحدث نفسه والبحر، وعبر عن افتقاده لمانولين الذي قال له أننا سنصطاد معاً مرة أخرى، وعندما حاول إثناؤه عن هذا لحظه السيئ قال له الصبي : لا يعنيني هذا سنخرج للصيد معاً من الآن فإنني بحاجة إلى تعلم الكثير، ثم ذهب لإحضار الطعام والدواء لسانتيجو الذي غط في نوم عميق، وعندما عاد الصبي جلس بجواره يراقبه وهو مؤمن بمكانته ومنزلته الرفيعة كصياد وبطل.



 


رد مع اقتباس
قديم 03-14-2012   #8


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



أحسنت الاختيارصدى الاطلال
قصة تجسد صراع الإنسان مع الحياة
الكاتب إرنست ميلر همينغوي يعد من أهم الروائيين وكتاب القصة الأمريكيين
أسعدني تشريفك وإضافتك القيمة صدى الاطلال
دمت بكل خير وعز
شكرا لك مع المودة










 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 7 المشاهدات 6450  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 01:58 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah