~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 328
عدد  مرات الظهور : 1,797,439


عدد مرات النقر : 328
عدد  مرات الظهور : 1,797,439

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-05-2011
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4766 يوم
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم : 119
 معدل التقييم : الغزال الشمالي will become famous soon enoughالغزال الشمالي will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي امرأة صابرة ( ليوسف السباعي )




امرأة صابرة من كتاب ( إثنتا عشرة إمرأة ) ليوسف السباعي


انطلق بنا صاحبي بعربته في شارع فؤاد متجها إلى الزمالك، وكانت الساعة التاسعة مساء، وقد خرجنا
من إحدى دور السينما، ودهشت من صاحبي وخيل إلي أن ذهنه قد شرد به فأخطأ الطريق، إذ كان
علينا أن نعود أدراجنا، بعد ذلك، إلى مصر الجديدة، وصحت به متسائلا:
- إلى أين؟
- إلى أنجه هانم.
- ومَن تكون أنجه هانم؟
- سيدة تركية لطيفة ستعجبك كثيرا ..
- وفيم ذهابنا إليها؟!
- لنأكل عاشورة.. فقد دعتني لتناولها، ولا أظنها إلا مرحبة بوجودك معي.
ووقفت العربة .. ودلفنا إلى الدار .. دار دل مظهرها على مدى ما يستمتع به أهلها من ثراء وسعة من العيش ..
ولقيت المرأة .. بين الشباب والكهولة .. لم تستطع السنون أن تمحو رونق شبابها أو نضرته ..
وأحسست بنفسها رقة طبيعية غير مصطنعة، وبحديثها عذوبة غير متكلفة.
وعندما غادرنا الدار علمت من صاحبي أن المرأة أرملة طبيب معروف لم يطل العهد على وفاته، وأنها تعيش في
الدار وحيدة مع طفلتها.. وسمعت من صاحبي ثناء عطرا عليها، ومديحا في خلقها وفي سمو نفسها.
وتكررت زيارتي للسيدة مع صاحبي بضع مرات .. دون أن أعرف بالضبط سبب صلته بها.. أو أحدد مدى علاقته معها ..
فقد كنت اشك كثيرا في دعواه أنه كان صديق زوجها .. إذ لم أسمع بهذه الصداقة من قبل .. حتى فوجئت ذات يوم
بمعرفتي خبر زواجه بها .. أقول أني فوجئت لأنه لم يخطر ببال قط أن صحبي هذا سيتزوج، لأني أعرفه مبغضا
للزواج معرضا عنه، حتى لقد جاوزت به السن مرحلة الشباب دون أن يفكر فيه، بل كان يبدو لي أنه قد عزم على
أن يقضي ما تبقى من عمره "أعزب" .. وأنه قد صمم على ألا يتيح الفرصة لامرأة، أيا كانت، أن تفسد عليه حياته..
وفوجئت أيضا.. لأني قد رأيت الرجل بعد طول صيام، أفطر .. كما يقولون "على بصلة" .. أو على الأقل هذا
ما خيل إلي.. فمهما قيل عن كرم خلقها، ورقة نفسها، فهي على أي حال أرملة ذات أبناء.. قد ولى الشباب عنها
أو كاد، كذلك البصلة قد تكون خضراء ناضرة أو حمراء طليانية ممتلئة، ولكنها لن تزيد عن أن تكون بصلة.
كذلك أدهشني من جانب البصلة، أعني المرأة، بعد كل ما تخيلته فيها من اتزان وعقل وخلق ..
أن تقدم على الزواج ولم يمض عام على وفاة زوجها.
وهكذا بدا لي الزواج من الجانبين شيئا يبعث على الحية.
وحاولت أن أتلمس لهما عذرا، وأخذت أفكر .. فانتهى بي التفكير إلى تعليل واحد لست أستطيع أن أجزم بمداه من الصحة..
ولكن لا أخال شخصا قد عرف بنبأ الزواج إلا انتهى إلى مثل هذا التعليل، وهو أن الرجل قد أغراه ثراء المرأة .. وأما
المرأة فقد فتنها الرجل.. فهو على رغم ما قلته من تجاوزه مرحلة الشباب، ما زال يحتفظ بوسامته وقدرته على اجتذاب النساء.
وتعودت بعد ذلك أن أزور صاحبي في داره الجديدة.. أعني دار الأرملة الثرية بالزمالك.
وفي ذات يوم، ذهبت لزيارته فلم أجده.. ودعتني السيدة إلى البقاء لانتظاره فجلست أجاذبها أطراف الحديث.
ولست أدري كيف ساقنا الحديث إلى ذكر زوجها السابق.. ولكني وجدت السيدة تطرق برأسها برهة،
ثم ترفع وجهها إلي متسائلة:
- لا شك أن زواجي بمثل هذه السرعة قد أثار دهشتك!!
وشعرت بحرج شديد ، ولم أدر بم أجيب.
إن قلت أنه قد أثاره .. كان قولي بمثابة اتهام لها بارتكاب خطأ أثار الدهشة .. وإن قلت انه لم يثر دهشتي فكأنني
أراها امرأة سوء لا يدهش المرء أن يراها ترتكب خطأ.
ولكن السيدة لم تنتظر جوابي بل أردفت قائلة:
- أنا أعلم أنه شيء يثير الدهش.. فقد كان يجب علي أن أصبر وأنتظر.. على الأقل حتى يتم العام، ولكن
دعني أقص عليك قصة مسلية.. أغلب الظن أنها ستزيل كثيرا من دهشك:
- كان ذلك منذ زمن بعيد، وكنت أعيش في أنقرة مع أبي وهو أحد الأطباء الباطنيين، وكنت قد بلغت السادسة عشر
من عمري عندما بدأ الضوء يخبو في عيني أمي شيئا فشيئا، حتى انتهى بها الأمر بعد بضعة شهور
إلى فقد بصرها، فأصابنا جزع شديد، فقد أحسسنا مبلغ ما كانت تقاسيه من ألم نفساني شديد.
وفي ذات يوم أقبل أبي وقد تهلل وجهه وشع من عينيه بريق أمل، وأنبأنا أن أعظم أطباء العيون في
أوربا يمر الآن بأنقرة.. وهو يظن أنه يستطيع أن يعيد إلى أمي بصرها.
وفي اليوم التالي حضر أبي ومعه مساعده، وهو زميل أصغر منه كان يعتبر صديق العائلة.. ومعهما رجل ذو لحية
صغيرة مدببة لم أشك في أنه الطبيب الأوربي الشهير، وعندما انتهى من فحصه عن أمي سمعته يقول:
"هناك بعض الأمل.. إننا نستطيع أن نرد إليها بصرها، ولكنها قد لا تستطيع الاحتفاظ به .. على
أي حال .. لنجرب .. فلن يكون هناك أسوأ مما هي عليه الآن".
وأجريت العملية.. فكانت النتيجة باهرة، أكثر مما يخطر لنا على بال.. فقد أصبحت تستطيع الإبصار
أحسن منها في أي وقت مضى.
وكان الوقت ربيعا، والطبيعة قد اكتست أبهى حللها، كأنها قد رغبت ألا يقع بصر أمي إلا على كل ما هو نضر وجميل،
وإني لأذكرها في ذلك الوقت، وقد وقفت بجانبي في إحدى الشرفات المطلة على الحديقة بجسدها الفارع الممشوق بلا
ترهل ولا استرخاء، ورأسها الصغير الجميل، وملامحها الساكنة الهادئة، وقد سبحت بعينيها في الأفق عندما اختفت
الشمس وخلفت للسماء حمرة الشفق.. فصبغ الكون بلون أرجواني جميل، وبدت الأرض منمقة مزركشة، قد كستها
الزهور المتفتحة، وحمل إلينا النسيم عبير زهر البرتقال فملأت أمي منه رئتيها في شهيق طويل كأنما تعب منه عبا،
وسمعتها تهمس كأنها تحدث نفسها: " ليحدث بعد ذلك ما يحدث ما دمت قد أبصرت هذا .. إني سأختزن في
نفسي من هذا الجمال ما يعينني على المضي في حياتي.. حتى ولو لم أبصر بعد ذلك".
وفي الأشهر القلائل التي أعقبت ذلك بدا لي أنها تحاول حقا أن تختزن في نفسها ذكريات جميلة لكا ما ترى.. لقد كانت
لا تبصر المرئيات مجرد إبصار عابر، بل كانت تبدو وكأنها تحاول أن تستذكرها، كما يستذكر تلميذ درسه لكي يعيه
رأسه، لقد كانت تحاول أن تبصر، لا بعينيها فقط، بل برأسها وقلبها.
ولقد كنت أجدها أحيانا تناديني فجأة.. ثم تلف ذراعيها حول كتفي وتشملني بنظرات نهمة، وتحدث نفسها هامسة:
- شعر ذهبي .. ووجه أبيض دقيق التقاطيع، وعينان خضراوان ممتلئتان بالأحلام.
وكنت كثيرا ما ألمحها تشخص في أبي بنفس النظرات وقد استلقى في مقعده مستغرقا في القراءة.. فكنت أذكر قولها :
أنها ستختزن من المرئيات ما يعينها على الحياة فيما لو فقدت بصرها مرة أخرى.
ولم تمض بضعة شهور حتى خبا ضوء عينيها مرة أخرى، وفي هذه المرة لم يكن هناك أمل في برء، أو رجاء في شفاء،
فقد ذهب بصرها إلى غير عودة.. وألمت بها ظلمة دامسة لا يلوح لها في حلكتها قبس من ضياء.. وكانت هي
تدرك الحقيقة .. ومع ذلك فقد بدا لي أنها قانعة راضية ، وأنها كانت قد أخذت أهبتها لذلك.. أو كما قالت ..
اختزنت لنفسها من الذكريات ما يجعلها في غير حاجة إلى متعة البصر.. لقد وعت كل ما تحب أن تراه في
ذهنها وفي قلبها.. إن الظلمة لم تفاجأها هذه المرة ولم تأخذها على حين غرة .. حتى لقد سارت حياتها كما كانت
من قبل، دون أقل تغيير أو تبديل ، فما انقطعت من زيارتها للأصدقاء، ومن خروجها للنزهة والتجوال في الأسواق.
وكنت أصطحبها أينما سارت، وقد أسندت يدها بخفة على ذراعي وسارت في ثقة واطمئنان، وكان أحب الأشياء ليها أن
نخرج سويا للنزهة .. وأن أصف لها كل ما أراه وصفا دقيقا.. وتعودت أنا ذلك الأمر حتى أجدته كل الإجادة،
وأصبحت الألفاظ تنساب من شفتي في سهولة كأني أقرأ صفحات كتاب، وكانت كثيرا ما تحدثني ضاحكة:
- لقد أصبحت مدهشة.. حتى لكأني أرى من حديثك كل ما ترين، ولكني لا أود أن أعتمد عليك كل الاعتماد، لأنك
ستغادرينني في يوم ما، وتذهبين في طريقك. أجل. لابد لي من خادمة تقودني من الآن.
- يا أماه !! إني لن أفارقك أبدا .. حتى نهاية العمر.
وفي ذات مرة عدنا إلى الدار، فوجدت أبي ومساعده قد جلسا في الردهة، وعندما ذهبت أمي إلى حجرتها أخبرني
أبي أنه قد أوصى على خادمة تتولى عني مهمتي .. فقلت له في دهشة: " إنني لا أشكو شيئا،
وأني لم أطلب أن يتولى عني أحد أمر أمي".
فقال أبي : "إن هذا الأمر لا بد منه إن عاجلا أو آجلا، فلا بد أن يأتي يوم تفارقينها فيه".
فأجبته: "إن ذلك اليوم لن يأتي ما دام أحدنا على قيد الحياة".
وسمعت الشاب يتمتم قائلا:
- لا أظنك تتخيلين أنك ستقضين حياتك هكذا، مجرد ظل.. لأنك لا شك ستكونين لحياتك الخاصة، ولزوجك وأولادك.
ونفذت هذه الكلمات إلى نفسي كأنها السام، فما من أحد في هذه الحياة يرغب أن يكون مجرد ظل لآخر، وما من شك في
أن آمالا تراود نفسي فتصور لها حياة مستقبلية مفعمة بالهناءة وبيتا جميلا وزوجا وأولادا، ولكنني كنت لا أدع نفسي
تنساب مع هذه الآمال، فقد كنت أعتقد أن هذه الدنيا لا بد أن يضحي فيها البعض لكي يسعد البعض الآخر، وكنت أرى
القدر قد جعلني من ذلك البعض الذي يجب عليه أن يضحي، فقبلت التضحية، إذ كنت أحس أن أمي لا تستطيع الاستغناء
عني، وأن أحدا لا يستطيع أن يقوم لها بما أقوم به.. لقد كان يجب علي أن أعوض لها بصرها الذي فقدته.
ولم أشك في أن أبي ومساعده قد تحدثا عني مليا، وخيل إلي أني استطعت أن أخمن موضوع الحديث،
وإن كنت لم أستطع أن أعرف ما قيل بوجه التحديد.
لقد تحدثا بلا شك عن مسألة زواجي.. فأغلب ظني أن هذا هو ما أثار مسألة الخادمة، ولكن كيف تحدثا، وماذا قالا؟
لست أدري، لقد كان مساعد أبي – كما قلت لك – صديق العائلة، وكنت أعتبره أخا أكبر ، ولا شيء أكثر من هذا،
والواقع أنه كان رجلا هاديء الطبع، جميل الخلق، ذا مظهر محترم.. رجلا يستطيع المرء أن يركن إليه في الشدة
والضيق، ولكني مع ذلك لم تخطر على بالي فكرة زواجه.. إذ لم يكن هو الزوج الذي تصوره لي الأحلام،
والذي كنت في قرارة نفسي أتلهف عليه، لست أدري .. لم؟ ولكن هذا هو ما كنت أحس به.
ولكن مالي ولهذا الحديث، وأنا التي فرض عليها القدر قبول التضحية.. ورسم لها الطريق الذي لا تستطيع أن تحيد
عنه، وخاصة بعد أشهر من هذا الحديث.. عندما أصابني القدر بأول فاجعة حددت لي الطريق تحديدا واضحا..
فقد مات أبي، واصبحت وحيدة مع أمي!!









المواضيع المتشابهه:



 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون


رد مع اقتباس
قديم 05-05-2011   #2


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




ومرت بي الأيام بعد ذلك، وأكون كاذبة مدعية إن قلت إنها لم تكن طويلة مملة، وأن ثورة مكبوتة لم تكن تعتمل في صدري
وأنا في مثل هذه السن الثائرة الفائرة التي تحس فيها الفتاة بنهم إلى الحياة، والتي لم أكن أفعل فيها شيئا سوى ملازمة
أمي والحديث إليها، وسوى بعض نزهات يصحبني فيها مساعد أبي الذي كان شديد العطف علي.
وفي مرة من هذه المرات، سألني الزواج، قائلا بصراحته وهدوءه اللذين عهدتهما فيه.. محاولا أن
يواجه في قوله كل الحقائق التي تحيط بنا:
- أنا أعلم أنني أكبرك كثيرا، وأعلم أيضا أنك لا تحبينني.. اعني ذلك الحب المشتعل الذي يتأجج في الصدور،
ولكنني أعتقد أننا قد نستطيع أن نسير جنبا إلى جنب، وأن يعاون كل منا الآخر في حياته.. ويمكن لأمك أن تعيش
معنا.. لقد أحببتك دائما.. وتمنيت في كل لحظة أن نكون شريكين في حياة واحدة.
وسادت بيننا فترة صمت طويلة، عصفت خلالها برأسي الأفكار بشدة وعنف، ثم أجبت في النهاية بنفس الصراحة:
- إني لا أكن لك سوى الحب والتقدير.. ولكني لا أرغب في الزواج، أو على الأقل ليست بي رغبة فيه الآن.
هل حقا لم أكن أرغب في الزواج؟! أو أن الرجل نفسه لم يكن الرجل الذي صورته لي الأحلام، والذي كان يتلهف عليه القلب؟
لم أدر الحقيقة وقتذاك.. وقتذاك فقط، لأنني بعد بضعة أيام، بدت لي جلية واضحة، عندما صادفت رجل أحلامي نفسه،
بدمه ولحمه، فعرفت أن المسألة لم تكن مسألة رغبة عن الزواج.. بل كانت رغبة عن الشخص نفسه.
لقيته في إحدى الحفلات، فتى مصريا بالسفارة المصرية، ولم يستغرق الأمر مني شيئا من الوقت أو الجهد،
لأتبين فيه أنه الفتى الذي أنتظره، فقد وفر على القلب ذلك الجهد والوقت، عندما أحسست به قد خفق بين
الضلوع، وهفا وترنح كالثمل، لقد كان القلب أدرى وأعلم.
وأخذت الصلة تزداد بيننا، ودعوته لزيارتنا في دارنا، كما دعانا لزيارته، وهنا بدأت أحس بثقل القيد الذي كنت موثقة به،
وبدأت أشعر بلهفتي على شيء من الوقت يكون ملكا لي ، وعلى شيء من الحرية تمكنني من التصرف
كما أشاء، حتى كان ذات يوم أقبل علينا مساعد أبي ومعه فتاة صغيرة رقيقة قال إنها فتاة يتيمة
لا عائل لها، وأنه ظن أنها قد تساعدنا في خدمة أمي.
ولا تسل عن فرحتي الشديدة بالفتاة، فقد أحسست أنها ستستطيع أن تهيء لي ذلك الوقت والتحرر اللذين كنت أتلهف عليهما..
وإن كنت لم أحاول أن أظهر فرحتي حتى لا أؤلم أمي.. وحتى لا يداخلها شعور بأنني قد أصبحت أضيق بها.
وكانت الفتاة ذكية فطنة.. فسرعان ما عرفت بيوت الأصدقاء والأماكن التي كنت أرتادها مع أمي، وأخذت تقوم عني
بمرافقتها في كثير من الأوقات.. وبدأت أحس أني قد أضحيت – إلى حد ما – حرة طليقة.. وأني لم أعد بعد
ظلا، بل أصبحت أصلا أتصرف في نفسي وفي أوقاتي..
وكنت في ذلك الوقت في أشد الحاجة لذلك حتى أستطيع أن ألقى صاحبي.
ولست أظنني في حاجة إلى أن أصف لك تلك الفترة من العمر.. الفترة التي تصاب فيها الفتاة بنشوة الحب الحقيقي..
والتي تحس فيها أنها لا تملك من أمر نفسها شيئا.. وأن زمامها قد أفلت من عقلها وأصبح طوعا لقلبها وإحساسها..
وأنها قد أصبحت مقودةبعاطفتها ومشاعرها.. دون أن تجد في ذلك غرابة أو تحس غضاضة، لأنها
سكرى تترنح في روضة من رياض الحب فواحة غناء.
أجل لن أحاول أن أذكر لك التفاصيل – رغم أني أجد في ذكرها لذة ممتعة – لأنها شيء يطول شرحه ولأني لا أظن
هناك امرءا لم تمر به تلك الفترة.. مهما اختلف مظهرها، وتنوعت ظروفها.. ولكني أستطيع أن ألخصها لك في بضع
كلمات، هي أن تلك الفترة لم تكن من دنيانا في شيء، أو أنها مرت في غفلة من الزمن، أو هي حلم من أحلام الدجى.







 


رد مع اقتباس
قديم 05-05-2011   #3


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




وهكذا دأبت أرشف من كأس الهوى، أو على الأصح، أعب منها عبا، حتى كان ذات يوم أنبأني الفتى وقد أسندت برأسي
إلىصدره أنه سيعود إلى مصر.. فأحسست بقلبي يغوص بين جبني.. وبدا علي وجوم شديد.. ولكنه همس في أذني:
- سنعود سويا إلى مصر، مصر الجميلة العزيزة.. أؤكد لك أنك ستحبينها كما أحببتني، ستحبين نيلها العذب القوي يمتد
في بساطة وهدوء.. ينساب بين بطاحها في ثقة واعتداد.. كأنه السيد الكريم المحبوب.. وحقولها المترامية الخضراء
تهز أطرافها نسمات خفيفة وتسمع منها حفيفا كأنه تسبيح بحمد الله والنيل والأرض الخصبة الطيبة، ستحبين
أهلها الكرام الطيبين، ستحبينها كما أحبها أنا .. لأن كل ما فيها يحب.
وفعلت كلماته فعل السحر في نفسي، فلقد كنت عاشقة، والعاشق يؤمن بكلام صاحبه، كما يؤمن بكلام الله.. وأحسست أني
قد أحببت مصر فعلا قبل أن أراها.. وتمنيت لو وجدت نفسي بعد غمضة عين بجوار صاحبي على شاطيء النيل.
وعدت إلى الدار بعد ذلك، وتجنبت لقاء أمي، فقد خشيت أن تقرأ ما بنفسي، ولكن تجنب يإياها لم يفد شيئا، فقد كان يخيل
إلي أنها تعرف كل شيء، وأنها تحس أنني قد بت بمنأى عنها، وأنني طرحتها جانبا وشرت في طريقي.
وتعود صاحبي زيارتنا في الدار .. ورغم ما كانت تلقاه به أمي من حفاوة ظاهرة.. فإنني كنت أحس
أنها لا ترتاح إليه كثيرا، بل أكثر من هذا تبغضه.. فأغلب ظني أنها كانت ترى فيه عدوا يوشك
أن ينتزع منها شخصا حبيبا إن لم يكن قد انتزعه فعلا.
وأصيبت أمي بعد ذلك بمرض سبب لي جزعا شديدا.. وحضر زميل أبي لعيادتها، ولم يكن مرضها شيئا مفاجئا،
فقد بدا عليها الهزال، وأصابها أرق قبل ذلك بضعة أسابيع، وبعد ان فحصها الرجل انفرد بي في إحدى
الحجرات ثم قال في هدوء:
- يجب علينا أن نواجه الحقائق، إن أمك تعاني أزمة نفسية شديدة.
- أزمة نفسية شديدة؟ ماذا تعني ؟ ولم ؟؟
- لا داعي للتجاهل، دعينا نتكلم بصراحة أكثر، إن أمك تعلم كما يعلم
كل إنسان عن هذا الحب الذي بينك وبين الفتى المصري.
وتصاعدت الدماء إلى وجهي، وحاولت أن أقاطعه، ولكنه أسكتني بإشارة من يده.. وأردف بصوت ملؤه الرقة:
- إني أحدثك كصديق، إن الأمر نتيجة طبيعية لكل ما حدث، لقد كنت ظلا لها خمس سنوات طوال، فلا أظنك تتخيلين
أنها ستتنازل عنك بيسر.. غنها تحاول دون أن تشعر أن تستعيد اهتمامك بها، إنها تخشى أن ينزعك منها صاحبك،
وتخشى أيضا أن تسبب شقاءك، فهي بين الأمرين في صراع نفسي عنيف، قد يكون ذا خطورة عليها إن لم
نتدارك أمره، وإني على استعداد أن أقدم لمعاونتك كل ما تطلبين.
وسادت فترة صمت استغرقت خلالها في تفكير عميق، وبدا لي أنني في غمرة الحب قد نسيت أمي المحبوبة، وأني قد
أهملتها شر إهمال.. وأحسست بضميري يخزني وخزا شديدا.. لقد أعماني الحب وأضلني الهوى فكنت أنانية إلى
أبعد حدود الأنانية، وتذكرت ما كنت أحدث به نفسي عن التضحية، فأحسست نحو نفسي بالزدراء..
ورأيتني تافهة حمقاء، كصادية اندفعت تعدو وراء أول سراب لاح لها.. وتواردت الأفكار على رأسي
في سرعة البرق، فوجدت أنه من العبث أن آمل في زواج صاحبي .. لأنه يستحيل علي أن أترك أمي
وأسافر معه إلى مصر، ولا سيما بعد أن رأيت ما قد صارت عليه حالتها من السوء بعد إهمالي إياها..
فما أظنني قد أصبحت أنانية شريرة إلى هذا الحد.. وكذلك كان من الحمق أن أفكر في أن تسافر معنا،
فأحمله عبء امرأة عمياء ، وخاصة أني أعلم تماما أن أحدهما لم يرتح إلى الآخر قط.. غذ كلاهما
يحس غيرة من صاحبه.. ولم أكن أشك في أن الحياة معهما سويا لن تكون سعيدة بحال من الأحوال.








 


رد مع اقتباس
قديم 05-05-2011   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




وفي خلال هذه الثورة الذهنية التي عصفت برأسي بدا لي أن خير حل أضع به حدا لتلك المتاعب، هو أن اتزوج
هذا الرجل الواقف أمامي، فما أظنني أطمع في الحياة فيمن هو أجمل منه خلقا أو أطهر نفسا، لقد كان
رجلا طيب القلب، وأخيرا قطعت حبل الصمت بسؤاله فجأة:
- هل ما زلت على استعداد للزواج مني؟
وذهل الرجل، ولكنه أدرك بسرعة ما قادني إليه تفكيري فأجاب بهدوء:
- طبعا ما زلت، ولكني لا أريد أن أكون حائلا بينك وبين من تحبين.. لا أريد أن أكون دواء مرا تحاولين
به التخلص من آلام نفسك، إنني لم أقصد أن أعاونك بهذه الطريقة، وإني لا أريد أن أكون سكينا تقطعين
به حبال آمالك.. لا .. لا .. دعينا من مسألة الزواج الآن، فأنا أعرف أنك في غمرة يأس.
ولكنني كنت قد صممت.. وذهبت إلى أمي لأعلنها بالأمر، فبدا عليها فرح شديد.
ولست أجد داعيا لأن أصف لك الأيام القلائل التي مرت بعد ذلك حتى تم الزواج.
أتسمع ياسيدي، عن ذلك الذي يسمونه "عاصب البطن" وهو شخص قد عصب بطنه حتى يحتمل الجوع،
ويصبر على السغب؟ لقد كنت وقتذاك "عاصبة القلب" لأني عصبت قلبي حتى أحتمل جوع الحب،
وحتى أصبر على سغب القلب..وحتى لا أصاب بضعف وينفذ صبري ..
فأعدو لأرتمي بين أحضان صاحبي وأشبع منه قلبي الجائع ونفسي الصادية.
أجل يا سيدي .. لقد علمت نفسي كيف تكون امرأة صابرة.
وقد تتهمني يا سيدي بأني لم أكن أحب صاحبي حبا حقيقيا، وإلا لما استطعت الإقدام على مثل هذا الجنون، أو قد
تقول عني أنني ذات إرادة خارقة، ولكن الواقع أنني كنت أشبه بمريض حقنوه بالمخدر قبل إجراء العملية،
وكما يفيق المريض من تأثير المخدر بعد انتهاء العملية فيحس بآلام الجراح التي أحدثها مبضع الجراح،
بدأت أنا الأخرى أفيق لأحس في قلبي جرحا عميقا.
وغادرت البلدة عقب أن تم الزواج، مع زوجي ووالدتي لنقضي في الريف "شهر العسل"
(ياله من اسم على غير مسمى)، ولم أحاول أن أرى صاحبي قبل الرحيل، إذ كنت في غير حاجة
لأن أزيد الجرح عمقا، وأي فائدة في أن أراه بعد تلك الحماقة التي ارتكبتها؟
وعاد هو إلى مصر، بعد أن عرف بالأمر طبعا.. وهكذا افترقنا دون أن يرى أحد منا صاحبه، ودون أن يودعه
بكلمة، اللهم إلا رسالة حملها إلي البريد، لا أدعي أنني وجدت فيها الشفاء، فقد كان الجرح أعمق من أن تضمده
مجرد كلمات، ولكنني مع ذلك وجدت في هذه الكلمات شيئا من العزاء،
أتصبر به كلما أضناني الشوق وعصف بي الحنين...
****
وصمتت السيدة، ثم رأيتها تنهض وتختفي في إحدى الغرف برهة، ثم تعود ثانية وقد حملت في يدها
ورقة صفراء باهتة مطوية بعناية، ودفعت بها إلي قائلة:
- هذه هي الرسالة.. هذا ما تركه لي صاحبي.
وفضضت الورقة فوجدت بها بضعة أسطر باهتة، هي كما يلي:
"لا عتاب ولا حساب، فإني لا أرى في ذلك نفعا بعد أن انتهى الأمر، إني أحاول دائما أن ألتمس لك المعاذير،
لأني أحبك، ولا أستطيع الكف عن حبك، ويخيل إلي – دون أن أعرف حقيقة الأمر- أنك لست المخطئة
لأنك لا يمكن أن تخطئي.. فأنا أعرف قلبك الجميل ونفسك الصافية .. يا حبيبتي ..
إني سأنتظر، لاتقولي ماذا ينتظر؟ ولا تقولي أحمق
ينتظر بلا أمل، أو عاشق يلقي الوعود جزافا، فإني سأنتظر .. من يدري؟؟"
وانتهيت من قراءة الخطاب !! ثم وقع بصري على الإمضاء ... فأصابتني دهشة شديدة..
فلقد وجدته بإمضاء صاحبي، وعقدت الدهشة لساني فلم أستطع إلا أن أقول:
- أهو؟
وهزت رأسها هزة خفيفة وأجابت:
- أجل .. هو ..!
ثم أتمت القصة في كلمات قلائل ، وقالت :
- لقد مرت الأيام والأشهر والسنون، وماتت أمي.. ثم اضطرتنا الظروف إلى المجيء إلى مصر، فأقمنا في القاهرة..
ثم مات زوجي، والتقيت بصاحبي وصاحبك.. فوجدته ما زال ينتظر.. أترى يدهشك بعد ذلك
أن أتزوجه قبل أن يتم عام على وفاة زوجي؟
أتراني بعد كل ما سمعت.. امرأة متعجلة .. أم امرأة صابرة؟!!

يوسف السباعي






 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 3 المشاهدات 2557  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع منذ بعد 04-05-2024, 10:01 AM (إعادة تعين) (حذف)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 02:01 PM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah