جفناي ثقيلان، خيطُ نور يُصارِع مقاومتَهما، يتسلَّل بصعوبةٍ بين هدبيَّ، يقتحم عيني، يفتَحُهما لأشعة الضوء الغازية! الرُّؤية ضبابية، لكنها تنقشع! أين أنا؟ ما هذا المكان؟! يا شريط الأحداث في رأسي تسارَعْ للوراء.
نعم، تذكَّرتُ! طعنةُ الموت أصابَتْني البارحة، رجفان بطيني، ثقل حارق جثَم على صدري، اختناقٌ تنفُّسي، تعرُّق بارد، ودُوار (جلطة جديدة)! الموت يجدُّ في طلبي مرَّة تلو أختها! أيَسمحون لي بالبكاء؟ عمر طويل، اشتعال شيب، وسؤال لم يتحقَّق! أنبوب الأكسجين، جهاز المراقبة القلبيَّة، السرير الأبيض، الطبيب الواقف على رأسي.. يُجمعون بلسانَيْهم (الحال والمقال)، أنَّ رائحة موتي ودمي لن تختلط برائحة البارود، وسأدخُل القبر قطعةً واحدة! بطعنةِ جلطة، لا طعنة رصاصة أو عَبْوة ناسفة، إرادة الله؛ فله الحمد! معطف الطبيب الأبيض أثار حنينَ عشقي المتيَّم بتلك البيضاء، طالما سقيتها حبرًا، وهبتُها حياة، انتشلتُها من فكِّ الموت، طربتُ لخشخشَتِها، سهرتُ الليالي أُكحِّل عينيها، لم أسمح لها أن تَخرج إلاَّ عروسًا، تأسر عقل قارئها، وتَبْذر الخير في قلبه، أيَسمحون لي بالبكاء؟
يدي ساكنةٌ تعجز عناق قلمي، مداعبتَه، رفْعَه بحنان أبٍ وخفْضَه! انطفأ فتيل أفكاري، تجمَّد لساني، لم يعد يقذف بالحق على الباطل فيدمغه ويُزهقه! أعلم أنَّهم سيأتون في المساء، رجالاً أشداء، معهم أحفادي يحملون الورود وضحكات الطُّفولة! وستحضر البنات، تسبقهنَّ اللهفة، قلوبهن مرتجِفة، عيونهن محمرَّة، لا يلوينَ على شيء! وهي ستكون هنا، مبتسمة كعادتها، مُخفِيةً دموعها، متماسِكة، رغم أنين قلبها، أيخفق لها قلبي ككلِّ مرة، أم أنَّ احتِشاء عضلته يُثقله؟! أيَعجز عن النبض لها وقد صبَرَت وتحمَّلت شظفَ العيش، وانشغالي، وغيابي؟!
هي علَّمتْني لغة البُسطاء الصَّعبة، أوصلتني لقلوبهم الطيبة! كقلب أمِّي، حينما تصنع الخبز معجونًا بالحبِّ والرحمة لصبيٍّ صغير يأدمه بتهجِّي الحروف، فشبَّ وصار، ثم شابَ، يصنع الكلمات، يُنبتُ في اليباب، يبني جيلاً، ويُحيي أمَّة، وكقلب أبي حين يعلِّمني القرآن.
جفناي ثقيلان، الضَّوء لن يصمد، قرب موعد العبور، واللِّقاء! أحِنُّ في هذه الساعة لبكاء الأرض!
🔸️🔶️🔸️🔶️🔸️🔶️🔸️
مما قرأت