~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() هناك في سمرقند ـ والحلم المتشظي بين بغداد وثريا للشاعر / الروائي : أسعد الأسعد بقلم : عمر القزق خلافا لرواياته السابقة " ليل البنفسج " و " عُري الذاكرة " و" غياب " يخرج الروائي أسعد الأسعد ببطل روايته الجديدة " هناك في سمرقند" التي صدرت بطبعتها الأولى هذا العام 2012 ، عن دار الجندي للنشر والتوزيع / القدس – يخرج به من رام الله إلى عالم جديد ، وهو جديد على الكاتب والقارئ الفلسطيني معا . في روايته الأولى " ليل البنفسج" نجد بطلها " زيدا " ينتقل بين المدن الفلسطينية ، وخاصة رام الله وأريحا بعد شتات من "بيت محسير " 1948 ، والانتقال طالبا إلى بيروت ، ثم إلى الأردن ، ثم العودة إلى أريحا متسللا عبر نهر الأردن .، وكذلك الأمر فعل في الجزء الثاني من ثلاثيته ببطلها "زيد " في روايته " عُري الذاكرة " ، وأظنه سار على الوتيرة نفسها في روايته " بطعم الجمر" ثالثة ثلاثيته ، التي لم أحصل عليها بعد ، أما في روايته "غياب" ، فإنه يتخذ لها بطلة اسمها " ليلى " . والروايات الثلاث تعالج الهم الوطني ، والتهجير ، والمقاومة ، والاعتقال . بطل روايته الجديدة " هناك في سمرقند" شاب من بغداد يدعى " مالك " ، تتعرض مدينته للقصف الأمريكي عام 1991 ، فيقتل أهله جميعا ، لينتقل إلى الشمال ، فيتعرف إلى فتاة أوزبكية ، كانت قد جاءت وأهلها إلى ضريح النبي " دانيال " في الموصل ، فيتعلق قلبه بها ، الأمر الذي دفعه إلى ترك العراق ، والسعي وراءها إلى مدينتها " سمرقند " . تصف الرواية مخاطر الطريق التي تعرض لها مالك ، الذي أصبح اسمه " أليشير " بهوية مزيفة ، حتى وصوله إلى بيت " الحاج عبد الرحمن " الثري ، والد " ثريا " معشوقته ، ليعمل لديه بالقرب منها ، إلى أن لاحظت أمها " مليكة " تقربه من ابنتها ، فشككت في أمره ، بأنه يتودد إليها طمعا في مال أبيها ، فيغادر بيتهم ، ليقذف به القدر – على غرار حكايات ألف ليلة وليلة – عند " حيدر" الملاك الثري ، حيث وجد فيه ابنا يعوضه عن ابنه " تيمور" ، الذي راح ضحية تهريب المخدرات بين أفغانستان وطجكستان ، فيوكل إليه جميع أملاكه ، ويزوجه من " ثريا " ، ليعيش في أوزباكستان منفاه الأخير . يقدم لنا أسعد الأسعد في هذه الرواية محاور عدة : فهو يشير إلى العراق وما حل به وبأهله بعد الغزو الأمريكي / العالمي عام 1991 . و يربط بين الموصل / العراق ، وأوزباكستان / شرق آسيا عبر صبي اسمه " دانيال " ، يهودي الأصل ، سباه نبوخذ نصر من فلسطين ، ليصبح مقدسا في بابل ، فيقام له ضريح في الموصل بعد وفاته ، يحج إليه أصحاب الديانات الثلاث باعتباره نبيا مقدسا ، ثم تنقل رفات الجثة إلى سمرقند ، حيث يقيم له تيمورلنك ضريحا فيها . و تأتي الرواية على الكثير من الأحداث التاريخية لمنطقة أوزباكستان سواء كانت مصدرة للغزوات : تيمورلنك أو مستقبلة لها : الكسندر المقدوني ، وجنكيز خان ، وقتيبة بن مسلم ، والبلاشفة . و تقدم عبر رحلة مالك من الموصل إلى سمرقند وصفا جغرافيا لطبيعة بلاد شرق آسيا وتضاريسها ومناخها ومدنها وقراها . و تأتي على الكثير من العادات والتقاليد الأوزبكية من لباس ومأكولات ، وعادات الزواج وتبادل التحية ، كل ذلك بلغة أوزبكية مفسرة . و تقدم جديدا في مسألة الاحتكاك اللغوي في الأدب ، بعيدا عن توظيف العبرية والإنجليزية والتركية ، فالأوزبكية تتجلى في معظم صفحاتها . و تطرح مسألة انهيار الاتحاد السوفيتي وأثره في بلاد ما يختم ب " ستان " . و تأتي على مسألة نشوء الحركات الإسلامية في هذه البلاد ومقاومتها للروس ، مثل : طالبان ، وتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن ، الذي انقلب على الأمريكان بعد أن كان حليفهم في محاربة الروس. كما تقدم تبرئة لابن لادن وتنظيم القاعدة من أحداث سبتمبر 2003 ، بدعوى أن إمكانياته لا تطال ذلك ، ولكنها لا تقدم في الوقت نفسه للهدف الأمريكي من وراء اتهامه . وتأتي على مسألة تهريب المخدرات وعصاباتها . و تطرح مسألة أن العربي غريب في تلك البلاد ، فهو مستهدف من قبل أمريكا وأعوانها ، وكأنّ الإنسان العربي مستهدف أنّى رحل . و تأتي على شعراء تلك البلاد أمثال عمر الخيام وروداكي وبابور. وتتحدث عن العلماء المسلمين الذين ارتحلوا إليها ، وعن أساطيرها ومعتقداتها ... هذا في الأعم الأغلب ما تقدمه هذه الرواية ، ولكن ، ما الذي تناقشه ؟ وما الذي أراد الأسعد من قارئه أن يتوقف عنده في أثناء قراءة الرواية ، أو حين الانتهاء منها . حقيقة الأمر ـ وبعد القراءة الأولى ـ لم أجد ، ومن الناحية الموضوعية ، أن رواية " هناك في سمرقند " هي خير ما كتبه أسعد الأسعد ، وأنها لا تحمل في صفحاتها ما يمكن الوقوف عليه أو نقاشه . وأن رواياته الأولى كانت أوفر حظا في ذلك ؛ فثلاثيته ، وبعيدا عن الناحية الفنية ، فإنها تحمل في طياتها مسألة غاية في الأهمية ، وهي مسألة الحيادية في ظل الاحتلال ، وقد جسدت روائيا عبر السؤال التالي : هل " يمكن للمرء أن يعيش حياته دون أن يكون للاحتلال أثر فيها " ( ليل البنفسج 97 ) ، وقد استطاع الأسعد إثبات عكس ذلك ، عبر بطل روايته " زيد " ، فعلى الرغم من ابتعاده عن السياسة ، في موقفه الذي تبناه ، حين تسلل إلى فلسطين عبر نهر الأردن ، وذلك في حواره مع " فايز الكيلاني " حارس حدود النهر من الجهة الشرقية : " ـ لست معنيا بالاحتلال ، سوف أعيش حياة قانعة ، وما دمت في حالي ، فلن يتعرضوا لي .. ـ وهل تعتقد أنهم سوف يتركونك في حالك ؟ ـ مالي ومال الاحتلال ، هم في حالهم وأنا في حالي .. " ( ليل البنفسج 14 ) إلا أن الاحتلال لم يتركه وشأنه ، بل حاول تجنيده ضمن شبكة عملائه ،هو ومحبوبته رباب . وبذلك فقد استطاع الأسعد أن ينفي السؤال عبر روايته ، التي تبنت شعار شمولية الاستهداف بأن كل فلسطيني مستهدف من قبل الاحتلال حتى لو كان في " حاله وباله " كما يقال ، فهي تشكل دعوى للابتعاد عن الحيادية ، و( أنامالية ) جحا ، والانخراط في سبل اجتثاث الاحتلال . " لا يمكن للمرء أن يكون حياديا ، إما أن تقف مع الاحتلال ، يجردك من إنسانيتك ، ....................، وإما أن تقف ضده ، فتقاومه " ( ليل البنفسج 127 ) أسعد الأسعد هو واحد من سبعة شعراء فلسطينيين أتناولهم في رسالتي للماجستير تحت عنوان " الشعراء الروائيين في فلسطين " بإشراف أ . د عادل الأسطة / جامعة النجاح الوطنية . وفي هذه الرسالة أتناول أسباب غواية الرواية للشعراء ، وأبحث في تسمية عصرنا أدبيا ب " عصر الرواية " كما أطلق عليه جابر عصفور وغيره ، وفي الوقت الذي أقف فيه على الموضوعات الروائية في ال ( 17 ) رواية موضوع الدراسة ، تحت تصور افتراضي مسبق أن موسيقى الشعر ولغته لا بد أن تكون حاضرة في رواياتهم ، وأن الشعراء عندما يكتبون روايات يكونون ، ومن الناحية الفنية واللغوية خاصة ، أكثر إبداعا ممن ولدت أقلامهم روائيين . والسؤال الذي يتصدر هنا ، أين تقف رواية " هناك في سمرقند " وليس أسعد الأسعد في كامل إنتاجه الروائي ، أين تقف هذه الرواية من هذا التصور ؟ يغلب على رواية " هناك في سمرقند " التي تمتد إلى 172 صفحة من القطع المتوسط عنصر السرد الحكائي ، وتراه يغلب على الوصف والحوار ، يقدمه لنا الراوي بضمير ( الهو ) . ومن غير كثير عناء يتضح أن الراوي هو المؤلف الحقيقي للرواية / أسعد الأسعد ، ويكفي دليلا على ذلك المفردات الأوزبكية المترجم إزاءها مفردات عربية . خاصة إذا علمنا أن الرواية من غلافها إلى نهايتها لا تحتوي إلا عربيين اثنين هما أسعد الأسعد / المؤلف ، ومالك / عراقي الأصل الذي يرتحل إلى سمرقند طلبا لمحبوبته " ثريا " ، الذي يفسح المؤلف له المجال للحديث عن نفسه بضمير ( الأنا ) ، فاتحا الباب لهذا الضمير على مصراعيه ، الأمر الذي يبعده عن السرد بضمير ( الهو ) صاحب الترجمة للمفردات ، ليبقى الراوي متعلقا باسم الغلاف أسعد الأسعد مؤلف الرواية ، هذا علاوة على كون الأسعد هو سفير فلسطين في تلك الديار / أوزباكستان . تنقسم الرواية إلى ثمانية فصول معنونة بأرقام لا عناوين لها ، مما يجعلها مترابطة الموضوعات لا يلحظ فيها القارئ انتقالا في الموضوع أو الزمان ، بل هي متلاصقة السرد تسير على وتيرة واحدة يصل معها إلغاء الفصول إلى رواية سردية لا انقطاع فيها . الرواية حبلى بأسماء الشخوص والأماكن بحيث تقترب من الروايات السوفييتية في تناولها لموضوعات الحرب والسلام ، حتى أن القارئ يحتاج إلى ورقة وقلم لكتابة أسماء الشخوص الشرق آسيوية كي لا يتيه في قراءته الأولى للرواية ، هذا ناهيك عن الأسماء التاريخية في فصل الرواية الأول ، التي تحتاج إلى عارف بتاريخ المنطقة وإسقاطاتها على المنطقة العربية ، وانعكاسات الثانية عليها في حروب وغزوات متوالية عبر التاريخ . تعتمد الرواية في الكثير من فصولها على القطع الاسترجاعي ، فهي تبدأ بوقوف مالك / أليشير أمام ضريح النبي دانيال في سمرقند ، ثم يبدأ باسترجاع التاريخ البعيد ممثلا بالاكسندر المقدوني ، وتيمورلنك ، وقتيبة بن مسلم ، ثم ينتقل باسترجاعه إلى ما حل بالعراق في الحرب الأخيرة ، والتقائه ب " ثريا " في الموصل ، ثم يعود الراوي إلى الواقع ليصل ببطله بين والد ثريا الحاج عبد الرحمن ومغادرته إلى بيت حيدر ، وبين هذا وذاك يسترجع البطل زمنيا الأحداث الجسام التي مر بها في أثناء رحلته من الموصل إلى سمرقند . الرواية تعتمد في معظمها على السرد ، ويتخللها الكثير من الحوار ، ويقف الوصف في جنبات صفحاتها واضحا ،ولكنه يتخذ لنفسه منحنين ، فهو من ناحية يعكس اللغة الشعرية للراوي / الشاعر أسعد الأسعد ومن ذلك " حدق عبر النافذة ، كان الثلج يتساقط بهدوء مثل فراشات تتطاير في فضاء أبيض ، وقد اشتد تساقطه ، فبدأ الضوء يتسلل خجلا من النافذة المطلة على البحيرة ، جزءا من ترنيمة ملائكية ، أو سرب نوارس بيضاء مهاجرة ، أتعبها الرحيل ، فحطت رحالها على صفحة البحيرة ، قرب شاطئ غادره الحالمون بلحظة دفء وسكينة " هناك في سمرقند 162 . فالوصف السابق يمتلئ بالشعرية المبنية على تفعيل روح العاطفة ، في انتقاء كلمات مثل : " بهدوء ، خجلا ، ترنيمة " ، وفيها انفتاح واتساع مدى " فضاء ، الضوء ، أبيض " ، للوصول إلى الحالم في لحظة الدفء والسكينة . وفي هذه الأسطر ينسى القارئ الرواية وسردها ، ويندغم مع روح الشاعر المحلقة ولغته ، ويسلب لبه ، فيسيح في جمال الصورة ، وجيشان العاطفة . وفي أماكن أخرى ، تجد الشاعرية ، وقد خفتت جذوتها ، فتنسحب العاطفة من الوصف ، ليبقى مجرد مجاز واستعارات " كانت العتمة تلم سترها ، وقد غلبها ضياء الفجر المتسلل عبر الأودية " الرواية 25. " عند شجرة البتول التي بدأت تتعرى " الرواية 35. ومن ناحية أخرى يتجرد الوصف من كل عناصر الشاعرية ، ويتساوى مع اللغة السردية ، ويتساوق معها " الطريق من مزار الشريف إلى الحدود تمر عبر قرى متباعدة ، تحيط بها أشجار الحور والجوز ، والبساتين التي تُروى من أنهار صغيرة ، تتفرع من نهر سردرياه ( سيحون ) ، الذي يخترق الحدود من الشرق إلى الغرب ، ملتحما بنهر أمودرياه ( جيحون ) ، مواصلا طريقه عبر تركمنستان " الرواية 73/74 . " للناس هنا أشكال مختلفة ........ يبدو عليهم الخوف والحذر ........ لحاهم مثل شعور رؤوسهم كثة طويلة " الرواية 72 . وإذا ما أجرينا ، في هذا المقام ، دراسة إحصائية ، لتبين لنا أن الوصف في الرواية ، في جلّه ، يبتعد عن الشاعرية ، ويقارب لغة السرد ، الشأن الذي يخرج النص عن الرواية شعرية اللغة ـ ذات الحكم المسبق ـ إلى رواية السرد الحكائي . وذلك على الرغم من أن النص تتجاذبه عاطفتان جياشتان : فقدان الأهل في بغداد ، وولع الاشتياق لمحبوبته " ثريا " في سمرقند . يثير الناقد أ . د عادل الأسطة في مقاله المنشور في مجلة ديوان العرب على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان " الشعراء يهجرون الشعر إلى الرواية / أسعد الأسعد وعُري الذاكرة" سؤال الشاعر الروائي ، وأسباب تحول الأسعد وغيره إلى الرواية . وفي مراسلاتي عبر البريد الالكتروني للشاعر / الروائي أسعد الأسعد كنت قد طرحت عليه مجموعة من الأسئلة من ضمنها : " أنتم شعراء بالدرجة الأولى ، لماذا كتبتم الرواية ؟ " وكانت إجابته : " برأيي ، أن الشاعر هو مشروع روائي ، فيما الروائي ليس مشروع شاعر ، والرواية تحتاج إلى لغة شعرية . .. وعن تحول الشاعر إلى الرواية ، فلان النص الروائي ، أكثر رحابة ، وأكثر انفتاحا على التفاصيل ، وحين يعجز الشعر عن البوح بمكنونات الشاعر ، يتحقق ذلك في الرواية وعالمها .... وإنني بدأت شاعرا وانتهيت روائيا ... وأقر هنا بأنني أصبحت روائيا ، ولم يعد الشعر قادرا على التعبير عن همومي وأحلامي " . ولعل هذا ما يدعم نظرية الناقد جابر عصفور في أن عصرنا أدبيا هو " زمن الرواية " الذي كان قد تنبأ به الأديب الراحل " نجيب محفوظ "في خمسينيات القرن المنصرم . ولكن تبقى في النهاية مسألة واحدة بعيدا عن الغوص عميقا في التحليل الأدبي ، ما الذي أراد الأسعد أن يقوله ويعبر عنه في هذه الرواية ولا يستطيع التعبير عنه شعرا ؟ قلنا سابقا لا يبقي في الذهن بعد الانتهاء من قراءة الرواية مسألة يناقشها القارئ مع ذاته أو مع الآخرين على غرار رواياته السابقة ، وكأننا في ذلك نقف أمام مقولة ( إن كثيرا من الأدباء يبدعون رواية واحدة تتضمن سيرهم الذاتية ، وما بعدها يكون مبنيا عليها ، أو دونها مرتبة ) . إلا أننا ، وفي الوقت ذاته ، نواجه أصحاب نظرية التلقي الألمانية، مقولة (هانز روبرت ياوس): ( إن قراءة نص أدبي واحد في زمنين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين) ، فما الذي تضيفه القراءة الثانية ، وتستوقف الدارس عنده ؟ تثير القراءة الثانية مجموعة من الأسئلة تستحق الوقوف عليها ومناقشتها : ـ ما هو لغز الورقة التي وجدها مالك قرب ضريح النبي " دانيال " في الموصل ؟ ـ ولماذا بحث عن فكه في بداية الرواية ، وتركه بعد ذلك ؟ ـ وهل تحمل الرواية بعدا رمزيا يمكن الاستناد عليه في التحليل ؟ ـ وما علاقة الإهداء والتصدير ، بداية الرواية ، مع خاتمتها ؟ ـ وإذا كان قلب مالك قد تشظى بين بغداد وثريا ، فأين التأم قلب أليشير ؟ ـولماذا يبتعد الكاتب ـ روائيا ـ عن قضيته فلسطين ، ويحل في مكان جديد سمرقند ؟ ما هو لغز الورقة ؟ وما العلاقة بين حلم مالك ، وحلم تيمورلنك ، وحلم أمريكا ؟ تبنى الرواية ، ومنذ لحظتها الأولى ، على لغز دفين ، وجده بطل الرواية / مالك بالقرب من ضريح النبي " دانيال " في الموصل ، وهو عبارة عن ورقة ، كان تيمورلنك قد خبأها في هذا الضريح ، وقد وردت في الرواية عدة مرات على النحو التالي : " جال ببصره المكان . مد يده إلى جيبه حين تأكد من خلو المكان من الزائرين ، وأخرج ورقة صغيرة ، كأنها حجاب أو تعويذة ، أو جزء من ورقة من كتاب قديم . كل ذلك وغيره لم يعد يهمه . جل ما يريده فك لغز هذه الورقة ." ص 9 " ما يهمني من كل ذلك يا سيدي ، هذه الورقة التي وجدتها بين حجارة ضريح النبي دانيال في الموصل . " ص 13 " تقول الأسطورة : إن الأمير تيمور خبأ الرقيّة في شق قريب ، ودفعها إلى آخر الشق حتى لا يلحظها أحد فيلتقطها ، وتقول الأسطورة أيضا : إن الأمير تيمور ، تنكر بزي عربي ، وتسلل ليلا إلى الضريح يستخيره لدخول بغداد ، بعد أن حذره بعض معاونيه بألا يدخل بغداد دون طلب الإذن من دانيال . " ص 9 تبدأ الرواية سردها من صفحة ( 7 ) ، وما إن يصل القارئ إلى صفحة ( 13 ) حتى يتبين له أن الرواية تحمل في طياتها لغزا يتراوح بين الحقيقة والأسطورة ؛ فهو أسطورة استنادا إلى ما تردده العامة من تخبئة الأمير تيمور للورقة في شق قريب من الضريح .،وهو حقيقة ، إذ أن مالكا قد وجدها بين حجارة الضريح ، الأمر الذي يدفع القارئ عميقا ، وكله شوق ، لمعرفة لغز هذه الورقة . ولكنه يتفاجأ بوصوله إلى نهاية الرواية دون المرور مرة أخرى بموضوع الورقة ، ولا بأي حل للغزها . والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام ، هل تاه الكاتب عن موضوع طرحه في بداية الرواية ، وأخذ يجول ببطل روايته في بلاد ( ستان ) خلف حلمه " ثريا " ، فنسي الورقة وسرها ؟ أم أن الكاتب كان قد كتب روايته في فترات طويلة التقطع ؛ فنسي أمر الورقة ؟ أم أن هذا اللغز عبارة عن شيفرة للغز آخر يدفع القارئ إلى فك رموزه عبر الدراسة والتحليل الرمزي للرواية ؟ ليس هناك أدنى شك أن التاريخ يملأ صفحات الفصل الأول من الرواية ، ولولا عنصر التشويق المبني على سر هذه الورقة ولغزها ، لتركها القارئ جانبا ، وراح يبحث عن شيء آخر يقرؤه ، ولعل هذا الأمر ، وإذا أبحر فيه الدارس عميقا ، يحسب للكاتب لا عليه . وسأحاول توضيح ذلك عبر الوقوف على العلاقات التي سبق طرحها : العلاقة بين حلم تيمورلنك وحلم مالك : هناك عدة عوامل مشتركة بين تيمورلنك ومالك ، منها ما يحمل سمة التوافق ، ومنها ما يحمل سمة التعاكس ؛ فكلاهما دخل بلد الآخر باحثا عن حلمه ، متخفيا بزي الآخر ، ممنوحا إذن الدخول من الآخر هذا أو ذاك . تيمورلنك جاء بغداد باحثا عن حلم توسيع دولته ، وقد دخلها متنكرا بلباس عربي " ـ مولاي ... إني أسالك : كيف طاوعك قلبك أن تسمح للأمير تيمور بدخول بغداد واستباحة حواريها ؟ حين جاءك ليلا متخفيا بزي عربي " الرواية 9 ، وقد منحه " دانيال " إذن الدخول " استأذن دانيال ، فأذن له " الرواية 10 ، ولولا هذا الإذن " لكانت نهاية جيشه على أسوار بغداد ، ولم يدخلها أبدا " الرواية 10 ومالك جاء سمرقند باحثا عن حلمه " ثريا " ، وقد دخلها متنكرا بلباس أوزبكي " هذا ( تشابان ) أوزبكي ستحتاجه في رحلتك ، وهذه ( توبيتيكا ) ضعها على راسك ، وبذلك سوف تبدو أوزبكيا " الرواية 73 " وقد منحه أهلها إذن الدخول " سوف تبقى في ضيافتي حتى نجد طريقا آمنا ووقتا مناسبا لسفرك إلى سمرقند " الرواية 88. وعلى الرغم من التوافقية في الأداة والأسلوب إلا أن التضادية تكمن في الهدف والنتيجة ، فإذن الدخول ، واللباس المتنكر عند تيمور كان الهدف منه احتلال بلاد جديدة ( بغداد ) طمعا في خيراتها ، لذا كانت النتيجة أن طرد منها وجيشه بعد أن غزاها واحتلها "وكما يلفظ البشر الأطعمة الغريبة ، فإن المدن تلفظ الغرباء أيضا " الرواية 59. أما إذن الدخول واللباس المتنكر عند مالك ، فكان الهدف منه الوصول إلى محبوبته " ثريا " ، لذا كانت النتيجة أن احتوته البلاد ، فقدمت له هويتها " ـ احتفظ بهذه ، إنها بطاقة هوية باسم ( علي شير سعيدوف ) ، اسمك الجديد في هذه البلاد ... " الرواية 95 ، وأرضها " حيد أباد " وابنتها " ثريا " . وقد أشارت الرواية إلى عدم طمع مالك بخيرات تلك البلاد وأهلها ، فعندما شعر بتشكيك"مليكة " أم ثريا بنيته " ـ وماذا نعرف عنه ؟ ربما تبعنا طمعا فينا " الرواية 107 غادر بيت عبد الرحمن ، والد ثريا ، هائما على وجهه ، وعندما أراد حيدر أن يوكله جميع أملاكه تردد في الأمر " بني جناب النتاريوس يسألك إن كنت توافق على توكيلي لك بكل ما أملك في أوزباكستان ؟ ... التفت مالك إلى حيدر وقد ازداد توترا وحيرة وتوهانا " الرواية 154 على العكس من الأمير تيمور ، الذي بينه ومالك كبير فرق . العلاقة بين حلم تيمورلنك وحلم أمريكيا يجمع تيمورلنك وأمريكيا علاقة توافقية على الدوام ،فهما يمثلان استمرارية مطامع الاحتلال / الآخر لبلاد الغير " ـ بني .. منذ فجر التاريخ وحتى اليوم ، كان هناك هولاكو ، وإن كان يأتينا باسم مختلف وبلغة مختلفة ، وبأسلحة أشد فتكا من سابقتها " الرواية 67. فإذا كان تيمورلنك احتل بغداد ، وقد حصل على إذن دخولها ، ومتخفيا بزي أهلها ، فان أمريكيا ذات الأمر فعلت ،وإذا كان " دانيال " النبي المقدس ، يشكل الرمز الديني لأصحاب الديانات الثلاث " ـ رأيت المؤمنين ، على اختلاف مشاربهم ، يتقاطرون على الضريح ، فكيف اتفقوا على مقدس واحد " الرواية 19 ، والمانح لإذن الدخول ،فإن أمريكيا قد حصلت على هذا الإذن من كل الديانات أيضا ، اليهودية والمسيحية والإسلامية بشقيها : الشيعيّة في إيران وسوريا ، والسنيّة في السعودية الحرم ، ومصر الأزهر . وإذا كان الأمير تيمور قد اتخذ من اللباس العربي زيّا يتخفى به ، فإن أمريكيا قد دُعمت بهذا الزى وجنوده في تسيير جيوشها نحو بغداد . ولولا خيانة أهل البلاد لما استطاع الأمير تيمور ، ولا أمريكيا دخول بغداد " لو كانت بغداد بأيد أمينة ما كان لتيمور أن يدخلها " الرواية 15. والنتيجة التي أراد الكاتب الوصول إليها ، إذا كان بين العرب وبلاد ستان ، في القرون الماضية ، حروب واحتلال ، فإن نهاية القرن 20 تشهد أداة احتلال واحدة ممثلة بأمريكا ، التي تطال قاذفات طائراتها كل الأمكنة ؛ فالطائرات التي تقصف حاجز التفتيش بين أفغانستان وأوزباكستان هي نفسها التي قصفت حي الكرادة في بغداد " فجأة سمع صوت انفجارات قوية ... مخلفة دمارا وموتا ، أعاد مالك إلى أيام بغداد ... ذات الطائرات ، وذات القنابل ، والموت ذاته الذي حصد أرواح الآلاف ، وشرد الملايين " الرواية 75. وبذلك فهي دعوة لتوحيد الجهود باتجاه عدو واحد . الإهداء تخلو الرواية من الإهداء الذي اعتاد عليه الأسعد في رواياته السابقة ، فروايته الأولى " ليل البنفسج " يهديها إلى والدته ـ أم أسعد ـ التي يرى أنه " قد يكون هناك مثلها .. لكنني على ثقة .. بأن ليس هناك من هي أفضل منها " . وروايته الثانية " عري الذاكرة " يهديها إلى والده " والدي الحبيب .. بعد خمس سنوات على رحيلك .. الآن .. إني أفهمك .. " وروايته " غياب " يهديها إلى بناته " شروق ، شادن ، يارا ، تمارا " وهو على أبواب الستين معربا عن تعلقه بهن وعن مواصلة الحلم والحياة " تعلقت بكن أكثر .. لأنني أدركت يومها .. أنني قادر على مواصلة الحلم .. أنني قادر على الحياة .." ولا أدري لمن أهدى روايته " بطعم الجمر " إن كان فيها إهداء . التصدير يصدر الأسعد روايته الجديدة ببيت من الشعر من قصيدة "أغدا ألقاك " التي غنتها أم كلثوم للشاعر السوداني الراحل " الهادي آدم " : قد يكون الغيب حلوا ///////////// إنما الحاضر أحلى فما هو الغيب ؟ وما هو الحاضر ؟ وما علاقة ذلك بمتن الرواية ؟ ثم يتبع ذلك بمقولة له " التشبث بالواقع ، هروب من الحلم " . فما هو الواقع ؟ وما هو الحلم في رواية "هناك في سمرقند " ؟ ثمة علاقة قوية ، وحبل متين بين بيت الشعر والمقولة ، فعجز البيت " إنما الحاضر أحلي " يتوافق مع الجزء الأول من المقولة " التشبث بالواقع " ، فالحاضر هو الواقع . وصدر البيت " قد يكون الغيب حلوا " يتوافق مع الجزء الثاني من المقولة " هروب من الحلم " فالغيب هو الحلم . وبين التوافقين يكمن تضادان بين " الغيب والحاضر " في البيت ، وبين " الواقع والحلم " في المقولة . لعل الصفحة الأخيرة من الرواية تحمل جوهر هذه التوافقات والتضادات : فبعد سفر " حيدر" ، وزواج مالك / أليشير من ثريا ، يدور الحوار التالي بينهما : " ـ هذا هو منفاي الأخير .. ـ لماذا لا تقول ، مستقرك الأخير ...؟ " ـ لا فرق يا ثريا .. لا فرق .. كلها غربة ... ..................................... اقترب من حضنها ، مداعبا حيدر الصغير ، متمنيا له السعادة في قادم الأيام " ص 172 ويكمن في هذا الحوار عدة معان : الأول : أن الواقع / الحاضر هو سمرقند ، والغيب / الحلم هو بغداد ، ويدلل على ذلك " المنفى الأخير " من جهة ، ودلالة الأسماء من جهة أخرى . فمالك رحل في الغيب ، شاقا فيه كل السبل الوعرة ، والمحفوفة بمخاطر البشر والقدر للوصول إلى الحلم المتجسد في دلالة اسم معشوقته " ثريا " حيث قديما قالت العرب " أبعد من الثريا " وقد تحققت له دلالة اسمه في التملك / مالك فأصبح يملك " حيدر أباد " . فإذا كان كل هذا هو الواقع ، فأين يكمن الحلم ؟ إن حلم مالك يكمن في هويته ووطنه " بغداد " ، وليس في بلاد يملك فيها كل شيء إلا هويته ، فهي مزورة . الثاني : الواقع / الحاضر هو بغداد ، والغيب / الحلم هو سمرقند . وهذا يعني أن تشبث مالك بواقع وطنه ، الذي يرى فيه حاضره الجميل ، سيفقده حلاوة الغيب / سمرقند ، وجمال الحلم / ثريا . ولعل نهاية الرواية لا توحي بالاختيار ، ولا تجزم بكنه الواقع والحلم من جهة ، وبفحوى الحاضر والغيب من جهة أخرى ، ولعل الدلالة الزمنية المستقبلية للمتضايفين " قادم الأيام " توحي بعدم حسم النهاية ، وبعدم جزم الاختيار ، لتفتح الباب على مصراعيه لرواية جديدة ، يكون ماضي الأيام منطلقها . الثالث : بدأ اشتياق مالك لوطنه بغداد ( المكان ) جليا وواضحا طوال رحلته إلى سمرقند ،ويشير عنوان الرواية " هناك ....." إلى أن قلب مالك معلق ببغداد ، وأن سمرقند يشار إليها باسم الإشارة للبعيد ، فلا تحتل لبه ، ولا تسيطر على مشاعره ، ولكنه أخذ يخفت عندما استقر في سمرقند ، ولم يأت عليه إلا لماما ، وكلما زاد تعلقه بثريا ، معشوقته وزوجته وأم ولده حيدر فيما بعد ، تناقص حنينه إلى بغداد ، فهل أراد الأسعد مخالفة الشاعر العباسي أبي تمام حينما قال : نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى ** وحنــــينه أبدا لأول منزل وهل أراد أن يقول أن منزل الفتى حيث محبوبته . وإذا ما عدنا إلى الإهداء ، الذي ابتعد عنه الأسعد ، فإن قول الشاعر الطاجيكي " روداكي " ، الذي ذكره الأسعد مرتين على لسان حيدر " صعب علينا أن نجد أصدقاء حقيقيين ، وأصعب من ذلك ، أن نودعهم إلى الأبد " الرواية 135 ، التي لم يأت بها الأسعد جزافا ، تدفع الأسعد إلى إهداء عمله إلى أحد الأصدقاء الحقيقيين الذين افتقدهم ، وهم ـ على ما أظن ـ كثر . فلسطين والرواية لا يأتي الأسعد في روايته على ذكر فلسطين إلا من خلال إشارة عابرة ، وذلك في موقعين : الأول في حديثه عن سبي نبوخذ نصر لليهود ، والثاني في ذكر مدينة الرملة بين السطور . والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الموقع : لماذا يطوي الكاتب صفحة قضيته للحديث عن قضايا أخرى ؟ ولماذا يبتعد عن فلسطين للحديث عن أوزباكستان ؟ فهل غياب الفعل الثوري ل " زيد " بطل ثلاثيته ، جعله يبحث عن قضية أخرى جديدة تحمل روح المغامرة فلجأ إلى مالك / أليشير موصلي الأصل ، سمرقندي المستقر ، أم أن الأسعد أراد الخروج من المحلية واللجوء إلى العالمية عبر كتابة رواية عن قضايا تخص الآخرين فلجأ إلى بلاد ( ستان ) . كان عزمي بشارة قد أشار في روايته " حب في منطقة الظل" أن بطلها ينوي مغادرة البلاد والاستقرار في الخارج . فهل يكون لأحلام مالك / أليشير علاقة بآمال وتطلعات أسعد الأسعد ، وذلك إشارة إلى نهاية الرواية على لسان مالك وثريا : " ـ هذا هو منفاي الأخير ... ـ لماذا لا تقول ، مستقرك الأخير ...؟ " ص 172 كلها أسئلة لا يجيد الإجابة عليها سوى أسعد الأسعد أو قابل الأيام . عمر القزق طالب دراسات عليا / جامعة النجاح الوطنية المواضيع المتشابهه: |
كاتب الموضوع | بسمة روح | مشاركات | 2 | المشاهدات | 2566 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
![]() |
|
لا توجد أسماء لعرضهـا. |
|
|